مدلول القانون الدولي الإنساني
ومجالات الحماية
القانونية التي يشملها
عرض
امحمد برادة غزيـــــول
نقلت مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمكتوبة الصورة البشعة لحرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة إسرائيل ضد جارتها
دولة لبنان مدعمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة 34 يوما استعملت خلالها
كل الوسائل الحربية الجديدة متحدية بذلك كل المعايير الدولية المعمول بها في إبان
الحرب، بحيث اختارت وسائل إلحاق الضرر بدولة لبنان رغم ما تنص عليه مبادئ القانون
الدولي الإنساني وخصوصا إعلان بطرسبورغ لسنة 1868 والمادة 22 لاتفاقية لاهاي التي
تنص على أنه ليس للمتحاربين الحق المطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو وكذا الفقرة "أ" من المادة 35 من
البروتكول الأول الإضافي لسنة 1977 والتي تنص على " أن حق أطراف أي نزاع
مسلح، في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده أي قيود" بل إن
إسرائيل تجاوزت كل الحدود والضوابط الدولية عندما قامت بالتدمير العشوائي لبعض
المدن اللبنانية وقراها وتدمير الممتلكات خاصة التي تتعلق بأفراد أو جماعات دون أن تكون هناك العمليات الحربية التي
شنتها تقتضي حتما هذا التدمير.
واستخدمت إسرائيل في هذا الحرب الغازات الخانقة
أو السامة وأسلحة مفرطة الضرر وعشوائية الأثر وعطلت ودمرت الأعيان والمواد التي لا
غنى عنها لبقاء السكان المدنيين من مواد غذائية والمناطق الزراعية ، ودمرت القناطر
ومنافذ مياه الشرب وشبكتها ومحطات توليد الكهرباء رغم أن ما ذكر ليست أهدافا
عسكرية وألحقت أضرار جسيمة بأرواح المدنيين وإلحاق الإصابة بهم، كما أصابت قوافل
المساعدة البشرية بالشلل.
والسؤال
الذي يطرح هنا هل تملك الدول بصفة عامة حقا مطلقا في شن الحرب (1) ، وإذا كان
الجواب بالنفي ما هي الضوابط المعمول بها، وهل هناك قوانين دولية تنظم الحروب
والتعامل مع الأسرى والجرحى، والممتلكات ذلك ما سنتناوله في هذا العرض من خلال ما
يعرف بالقانون الإنساني الدولي ومجالات الحماية القانونية التي يشملها.
وهكذا
سنعرف بالقانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي،
ونظرا لتقارب هذا القانون مع قانون حقوق الإنسان فإننا سنتوقف عند معايير
التمييز بينهما، لننتقل بعد ذلك للحديث عن نطاق القانون الدولي الإنساني.
وبالنظر
إلى بعض الأشياء ورد النص عليها في الاتفاقيات المرتبطة بهذا القانون الإنساني
والبروتكولات اللاحقان بها فإننا سنتوقف أيضا عند المقصود بالأعيان والأشياء
المحمية.
المبحث الأول: مفهوم القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي:
عرفت
الإنسانية عبر المد التاريخي صراعات وحروبا بين القبائل والشعوب ، حيث لم تكن هناك
أي معايير لهم تنظيم الحروب والتعامل مع الأسرى والجرحى والممتلكات وكانت هذه
الحروب تتميز بالمغالاة في سفك الدماء وبالوحشية التي لم ينج منها لا أطفال رضع
ولا نساء حوامل ولا شيوخ، مما فرض مع تطور العصور ظهور قواعد وضوابط تطبق تلتزم
بها المجتمعات المتحضرة أثناء الحرب، وهكذا ظهر مصطلح "قانون الحرب"
والذي ظل سائدا حتى إبرام اتفاقية الأمم المتحدة، ليتحول بعد ذلك هذا المصطلح إلى
"قانون النزاعات المسلحة"، والذي استمر إلى غاية بداية السبعينات، وأمام
نشاط حركة حقوق الإنسان على الصعيد الدولي شاع استخدام مصطلح القانون الدولي
الإنساني، خاصة في أعقاب مؤتمر طهران سنة 1968.
والقانون الدولي الإنساني هو مجموعة المبادئ والقواعد
التي تحد من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة، أو من الآثار الناجمة عن
الحرب تجاه الإنسان بصفة عامة، فهو فرع من القانون الدولي العام الذي ترمي قواعده
العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين من الحرب، كما تهدف قواعده أيضا
إلى حماية السكان الذين لم يشاركوا بصفة مباشرة أو الذين كفوا عن الاشتراك في
الحرب مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب.
ويمكن القول بأن قواعد القانون الدولي الإنساني تستعمل
في أوقات النزاع المسلح الدولي أو الداخلي بغية تحقيق التوازن بين الضرورات
العسكرية والاعتبارات الإنسانية (1).
والقانون الدولي الإنساني ليس بالعمل الجديد الذي تعرفه
الإنسانية إذ أنه عمل عرفته البشرية منذ العصور القديمة ونادت به مختلف الأديان
السماوية، وهكذا نجد لمسات لهذا القانون لدى السامريين حيث أصدر حمو رابي ملك بابل
القانون الذي يحمل اسمه والذي ورد في ديباجته إنني أقرر هذه القوانين كما أحول دون
ظلم القوي للضعيف"، وفي هذا العهد كان يتم تحرير الرهائن مقابل فدية.
وفي الحضارة المصرية ظهرت "الأعمال السبعة
للرحمة الحقيقية" والتي كانت تنص على
أنها:
1-إطعام الجياع.
2-إرواء العطاشى.
3-كساء المرأة.
4-إيواء الغرباء.
5-تحرير الأسرى.
6-العناية بالمرضى.
7- دفن الموتى.
وجاءت التعاليم الهندية القديمة وخصوصا منها قانون مانو
في الهند القديمة بمجموعة من المبادئ الإنسانية حيث كانت تحرم على المقاتل قتل
عدوه إذا استسلم أو وقع في الأسر، ومن كان نائما أو مجردا من السلاح ، أو غير
المقاتلين من المسالمين ، وعلى نفس الشاكلة نجد هذه المبادئ ترسخ في الحضارة
اليونانية القديمة.أما في العصور الوسطى فقد كان للمسيحية أثرها في ترسيخ مبادئ
القانون الدولي الإنساني حيث نجد شعار المسيحية آنذاك هو أن البشر إخوة وقتلهم
جريمة ، كما منعت الرق.
وجاء الإسلام ليعلن الجهاد لحماية الدعوة الإسلامية ودفع
العدوان عن المسلمين كما جاء الإسلام بمجموعة من المبادئ الإنسانية فهذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لجيش أرسله"انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة
رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلو وضعوا
غنائمكم واصلحوا واحسنوا إن الله يحب المحسنين".
وفي نفس السياق أوصى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه
يزيد ب، أبي سفيان عندما أرسله على رأس جيش إلى الشام قائلا له:
"أوصيك بعشر:
- لا تقتلن امرأة؛
-
ولا صبيا؛
-
ولا كبيرا هرما؛
-
ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا؛
-
ولا تحرقنها؛
-
ولا تخربن عامرا؛
-
ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة؛
-
ولا تجبن؛
-
ولا تغلل.
ومن خلال ما ذكر يتضح أن الإسلام يفرق بين المقاتل وغير
المقاتل من المدنيين، كما أن الإسلام نادى بالمحافظة على الكرامة الإنسانية في
الحروب.
حيث أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكرام الأسرى
والتعامل معهم بالإحسان "استوصوا بالأسرى خيرا".
وفي العصور الحديثة:
مع بداية حركة الإصلاح الديني أبدى جروسيوس الذي يعتبر
مؤسس القانون الدولي العام الحديث، اهتماما كبيرا بقانون الحرب وقدم مجموعة من
القيود التي ينبغي أن تفرض على المحاربين تتطابق مع مبادئ الدين والإنسانية
والاعتبارات السياسية.ومع بداية القرن الثامن عشر ظهرت بعض القواعد العرفية
والعادات المتعلقة بسير عمليات القتال تتجلى في:
1-حصانة المستشفيات.
2-عدم اعتبار المرضى كأسرى الحرب.
3-إعفاء الأطباء ومساعدوهم والمرشدون الدينيون من الأسر.
4-المحافظة على حياة الأسرى وتبادلهم دون فدية.
5-حماية السكان المدنيين المستسلمين.
"من خلال هذه القواعد العرفية استنتج جان جاك روسو
عام 1782 قاعدة اجتماعية ذكرها في العقد الاجتماعي مؤداها أن الحرب ليست علاقة بين
إنسان وإنسان وإنما هي علاقة دولة بدولة أخرى، والأفراد فيها أعداء بشكل عرفي فقط،
وعداؤهم لا يقوم على أساس أنهم بشر أو مواطنون، بل على أساس أنهم جنود، وبإلقائهم
أسلحتهم واستسلامهم فإنهم يعودون من جديد ليصبحوا بشرا لا يحق لأي إنسان الاعتداء على
حياتهم"(1).
(1)المستشار شريف عثلم مدلول
القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي ونطاق تطبيقه مرجع سابق.
ومع تزايد الحروب وما تخلفه من
مآسي إنسانية (2) تصدى هنري دونان الشاب السويسري إلى تأليف كتاب أسماه
"تذكار سولفرينو" والذي يحكي فيه مآسي الحرب التي رآها وتكدس القتلى
والجرحى في الشوارع والكنائس في حرب "سولفرينو" التي دارت بين
النمساويين والفرنسيين والإيطاليين سنة 1859 فجاءت أمنيته تتمثل في:
أ-أن تنشأ في كل بلد جمعية غوث
تطوعية تعد نفسها في زمن السلم لتقديم خدمات صحية في وقت الحرب.
ب-أن تصادق الدول على مبدأ يؤمن
حماية للمستشفيات العسكرية وإجراء الخدمات الطبية.
ومن الشق الأول لأمنية هنري
دونان خرجت منظمة الصليب الأحمر واتخذت من مقلوب علم سويسرا رمزا لها، ومن الشق
الثاني لنفس الأمنية ظهر اتفاقية جنيف سنة 1864 ثم ظهر البروتوكولين الإضافيين
لعام 1977.
ويمكن القول بأن القانون الدولي
الإنساني يتوفر ألبوم على إطار قانوني دولي يتجلى فيما يلي:1-اتفاقية جنيف لسنة
1864 بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان.تعتبر هذه الاتفاقية الأولى من
نوعها وتمثل نقطة الانطلاق للقانون الدولي الإنساني.
وتحتوي هذه الاتفاقية على عشر
مواد تتضمن حياد عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية ووسائل النقل الصحي وأعوان
الخدمات الصحية، واحترام المتطوعين المدنيين الذين يساهمون في أعمال الإغاثة
وتقديم المساعدة الصحية دون تمييز وحمل شارة خاصة هي الصليب الأحمر على رقعة
بيضاء، وتقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط.
ب-اتفاقية
لاهاي بشأن تعديل مبادئ اتفاقية جنيف لسنة 1864 لملاءمة النزاع المسلح في البحار:
نظرا لكون الاتفاقية الأولى
كانت تقتصر على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط فإنه تم تعديل هذه
الاتفاقية في المؤتمر الأول بلاهاي للسلام سنة 1899 لتشمل الاتفاقية أيضا المجال
البحري.
ح-اتفاقية جنيف لسنة
1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
بلغ عدد بنود هذه الاتفاقية 33
مادة وقد وقعت في 6 يوليوز 1906 حيث وسعت نطاق الاتفاقية الأولى لتشمل
"المرضى" كما نصت على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط المعاملة بالمثل
أو المشاركة الجماعية ، وبمقتضاه فإن الاتفاقية لا تطبق إلا بين الأطراف إذا نشبت
الحرب بين طرفين أو أكثر.
د-اتفاقية جنيف
المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
وتضم هذه الاتفاقية 39 مادة وقد
اهتمت بالطيران الصحي والإسعاف وأقرت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الأحمر وهما
الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين.
ح-اتفاقية جنيف لمعاملة
أسرى الحرب بتاريخ 27 غشت 1929:
تناولت هذه الاتفاقية أهم ما يتصل
بحياة الأسير وضمنت له التمتع بخدمات الدولة الحامية والاستفادة من خدمات اللجنة
الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المتخصصة بجمع المعلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار
مع أهليهم وذويهم، وتعتبر هذه الاتفاقية هي أول تنظيم دولي يتعلق بأسرى الحرب.
ج-اتفاقية
جنيف الأربع غشت 1949:
عقب الحرب العالمية الثانية دعت الحكومة السويسرية المجتمع
الدولي إلى عقد مؤتمر بمدينة جنيف سنة 1949 والذي أسفر عن إبرام أربع اتفاقيات هي
المعمول بها حاليا في النزاعات المسلحة تهدف إلى مراجعة وتطوير اتفاقتي "جنيف
لعام 1929 وقانون لاهاي واقتراح اتفاقية ثانية لحماية وتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى
القوات المسلحة في البحار، وتوسيع مجالات القانون الإنساني لضحايا النزاعات والفتن
الداخلية للدول، وأخيرا الاتفاقية الرابعة لجنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في
وقت الحرب والاحتلال، ولم توافق على صيغة هذه الاتفاقية إلا سنة 1977.
·
البروتوكولان الإضافيان
لاتفاقية جنيف لعام 1977:
أقر المؤتمر الدبلوماسي الذي انعقد
في جنيف ما بين سنـــــــــة 1974 و 1977 وبطلب من الحكومة السويسرية بروتوكولين
إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
·
البروتوكول الأول الإضافي الخاص
بالنزاعات المسلحة:
هذا البروتوكول الإضافي الأول يعتبر مكملا لاتفاقيات جنيف
الأربعة الصادرة عام 1949 و من أهم ما جاء في الباب الأول منه ان حروب التحرير
الوطني تعد نزاعا مسلحا دوليا و وسع مجال الحماية القانونية للوحدات الصحية , و
أعوان الخدمات الطبية على غرار الوحدات العسكرية , و ضمن نفس الحماية للمدنيين و تناول
الباب الثالث من البروتوكول الإضافي الأول أساليــــب و وسائل القتال , و الوضع
القانوني للمقاتل و أسير الحرب , كما اعترف البروتوكول لمقاتلي حرب العصابات بصفة
المقاتل , و نص على إرسال جهاز للاضطلاع بمهام التحقيق في حالة الخرق الساخر
للقانون الدولي الإنساني.
*البروتوكول الإضافي الثاني لحماية ضحايا
النزاعات المسلحة غير الدولية:
قدم البروتوكول الإضافي الثاني تعريفا للنزاع غير الدولي
بأنه نزاع تتم أحداثه على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين القوات المسلحة و قوات
مسلحة منشقة , أو جماعة نظامية مسلحة أخرى , و اقر مبدأ عدم التدخل في الشؤون
الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الإنساني مطية للتدخل في الشؤون الداخلية
للدولة , كما تناول الضمانات الأساسية لغير المقاتلين و تقديم الخدمات اللازمة
لمساعدة الأسرى في ضمان الحقوق القضائية لهم عند متابعتهم.
و بالإضافة إلى الاتفاقيات و البروتوكولين السالفة الذكر،
يمكن أن نشير إلى بعض المواثيق الدولية التي لها علاقة بقانون " جنيف " أو
القانون الدولي الإنساني نذكر منها:
*إعلان سان بتيرسبوغ لعام 1868 المتعلق بحظر
استخدام بعض القذائف المتفجرة.
*إعلان لاهاي لعام 1899 لحظر استخــدام الرصاص
من نـــــوع " دمدم" .
* بروتوكول جنيف لعام 1825 لمنع استخدامك
الغازات السامــــة و الأسلحة الجرثومية و البكتريولوجية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة و
بروتوكولاتها الإضافية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لسنة 1980 بشأن حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية و البروتوكولات
الملحقة بها .
* اتفاقية
أوطاوا لعام 1977 بشأن حظر استخدام الألغام المضادة للأفراد.
* النظام
الأساسي للمحكمة الجنائية الدولة الذي ابرم في روما عام 1998.
" لذلك قيل أن قواعد القانون الدولي الإنساني كانت دائما متأخرة
بحرب فموقعة ليسا البحرية لعام 1866 دفعتنا إلى اتفاقية حماية الجرحى و
المرضـــــى و الغرقى في البحار لعام 1899 و التي تم تعديلها عام 1907 و الحرب
العالمية الأولى أظهرت الحاجة إلى حماية أسرى الحرب و هي الاتفاقية الثانية لعام
1929 و الحرب العالمية الثانية جعلت مراجعة أحكام القانون الدولي الانساسي و
تعديلها أمرا ضروريا و من ثم خطونا خطوة جديدة في مجال حماية المدنيين موضوع
الاتفاقية الرابعة و كذلك الحرب الأهلية في إسبانيا دفعت لأول مرة إلى معالجة
أوضاع ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية بإقرار المادة 3 المشتركة بين
الاتفاقيات الأربع، كذلك كان الأمر
بالنسبة للبروتوكولين الإضافيين لعـــــام 1977 و التي أظهرت الحاجة خلال السنوات
التي سبقتها إلى أن الحماية المقررة في اتفاقيات 1949 لم تكن كافية سواء بالنسبة للأشخاص
كما حدث في فيتنام وأنجـــــولا و زيمبابوي , أو فيما يتعلق بوسائل و أساليب
القتال.
و هكذا و على عدة مراحل طوال أكثر
من قرن من الزمن اتسعت دائرة الأشخاص المحميين بأحكام القانون الدولي الإنساني
لتشمل الحماية كافة الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو الذي كفوا عن المشاركة
فيه .
و بذلك اقترب النظام القانوني للحماية في القانون الدولي الإنساني من
النظام الحماية المقررة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يشمل جميع الأفراد
دون تمييز."(1)
(2)المبحث الثاني :
معايير التمييز بين القانون الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان :
كثيرا ما يقع الخلط بين القانون
الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان مما يتعين معه التمييز بين هذين الفرعين
القانونيين ذلك أن كل منهما فرع من القانون الدولي العام و يهدفان معا لحماية
الإنسان إلا انهما يختلفان في أن القانون الدولي الإنساني ينطبق في زمن النزاعات
المسلحة سواء الدولية أو الداخليــــــة , و يشتمل على قواعد خاصة لحماية ضحايا
هذه النزاعات أو ما يسمــــــــــــــــــى " بقانون جنيف "(
اتفاقية جنيف لعام 1949 و البروتوكولان المكملان
الصادران عام 1977) و قواعد أخرى خاصة بأساليب و وسائل القتال و هو ما يعرف بقانون
لاهاي ( اتفاقية لاهاي لعام 1907) فهو قانون بحكم حق الاشتراك في القتال و إدارة
العمليات العسكرية و العلاقة بين الدول المتحاربة و الدول المحايدة علما أن
اتفاقيات جنيف تطبق بالتعاون مع وتحت إشراف الدولة الحاميــــة و اللجنة الدولية
للصليب الأحمر من حيث آليات المراقبة إضافة إلى أن أحام القانون الدولي الإنساني
إلى جانب أنها ملزمة للدول فهي ملزمة أيضا بالنسبة للإفراد مباشرة حيث يمكن أن
تعاقب الدولة أفرادا ارتكبوا انتهاكات معينة معتمدة في ذلك على القانون الدولي و
تقدمهم للمحاكمة(2) .
أما قانون حقوق الإنسان فهو قانون يحرص على ضمان حقوق الفـــرد و احترام
حقوقه و حرياته المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ضد أي
تعسف لسلطات دولية فهو قانون يشتمل على حقوق لا أهمية لها في المنازعات المسلحة
مثل الحقوق السياسية و بعض الحريات السياسية كحرية الصحافة و حرية التعبير و حرية
الاجتماع الخ ... (1).
و قد تكفلت الدساتير بكل دولة بضمان هذه الحقوق ,كما تكفل المجتمع الدولي
ببيان الحد الأدنى لهذه الحقوق و الحريات من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لسنة 1948 ثم العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعيـــــــة و الثقافية عام
1966، و هذه الحقوق و الحريات تسهر الدول
على توفيرها لمواطنيها و النص عليها في دساتيرها و هذا يعني أن قانون حقوق الإنسان
يعمل به في زمن السلام , أما القانون الإنساني الدولي فانه يعمل به في مواجهة
ضحايا النزاعات في حق غير المقاتلين في زمن النزاعات المسلحة فهو قانون خاص مرهون
بحالات النزاعات المسلحة بل أن اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا المنازعات المسلحة قدرا
من الحماية أكبر مما تتيحه لهم اتفاقيات حقوق الإنسان لأنها أكثر ملاءمة لظروفهم .
" ويبقى الاختلاف بين القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان اختلافا
جوهريا فحيث يتعلق الأمر بحقوق الإنسان تقوم الأطراف المتضررة أساسا باتخاذ الإجراءات
اللازمة أمام المحاكم الوطنية، و إذا
اقتضى الأمر أمام سلطة دولية. أما في القانون الدولي الإنساني , فان اتخاذ إجراءات
قانونية بواسطة الأطراف المتضررة أمر مستبعد بصورة عامة لسببين , أولا : لأن
الإجراءات القانونية ليست ملائمة لتقويم الانتهاكات التي يرتكبها الجنود و ثانيا
:لأن القانون الدولي الإنساني يحمي أولا أفرادا لا حول لهم و لا قوة و لا يستطيعون
في العادة أن يلجأوا لأي إجراء قانوني وطنيا كان أو دوليا . و بناء على ذلك فان
تطبيق الاتفاقيات الإنسانية يكون أكثر ضمانا بتدخل هيئة محايدة , تعمل مستقلة عن
أي تأثير و يعززها وجود أحكام عقابية .
أما اتفاقيات حقوق
الإنسان فهي تقضي بأنه يجوز للدول المتعاقدة او للافراد الذين انتهت حقوقهم أن
يقدموا شكوى ضد الدولة التي ارتكبت هذا الانتهاك , و هي إجراءات قد تستغرق سنوات
عديدة و لكن ما يصحبها من دعاية و إعلام قد يكون
رادفا قويا " (2).
عرض
امحمد برادة غزيـــــول
نقلت مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمكتوبة الصورة البشعة لحرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة إسرائيل ضد جارتها
دولة لبنان مدعمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة 34 يوما استعملت خلالها
كل الوسائل الحربية الجديدة متحدية بذلك كل المعايير الدولية المعمول بها في إبان
الحرب، بحيث اختارت وسائل إلحاق الضرر بدولة لبنان رغم ما تنص عليه مبادئ القانون
الدولي الإنساني وخصوصا إعلان بطرسبورغ لسنة 1868 والمادة 22 لاتفاقية لاهاي التي
تنص على أنه ليس للمتحاربين الحق المطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو وكذا الفقرة "أ" من المادة 35 من
البروتكول الأول الإضافي لسنة 1977 والتي تنص على " أن حق أطراف أي نزاع
مسلح، في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده أي قيود" بل إن
إسرائيل تجاوزت كل الحدود والضوابط الدولية عندما قامت بالتدمير العشوائي لبعض
المدن اللبنانية وقراها وتدمير الممتلكات خاصة التي تتعلق بأفراد أو جماعات دون أن تكون هناك العمليات الحربية التي
شنتها تقتضي حتما هذا التدمير.
واستخدمت إسرائيل في هذا الحرب الغازات الخانقة
أو السامة وأسلحة مفرطة الضرر وعشوائية الأثر وعطلت ودمرت الأعيان والمواد التي لا
غنى عنها لبقاء السكان المدنيين من مواد غذائية والمناطق الزراعية ، ودمرت القناطر
ومنافذ مياه الشرب وشبكتها ومحطات توليد الكهرباء رغم أن ما ذكر ليست أهدافا
عسكرية وألحقت أضرار جسيمة بأرواح المدنيين وإلحاق الإصابة بهم، كما أصابت قوافل
المساعدة البشرية بالشلل.
والسؤال
الذي يطرح هنا هل تملك الدول بصفة عامة حقا مطلقا في شن الحرب (1) ، وإذا كان
الجواب بالنفي ما هي الضوابط المعمول بها، وهل هناك قوانين دولية تنظم الحروب
والتعامل مع الأسرى والجرحى، والممتلكات ذلك ما سنتناوله في هذا العرض من خلال ما
يعرف بالقانون الإنساني الدولي ومجالات الحماية القانونية التي يشملها.
وهكذا
سنعرف بالقانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي،
ونظرا لتقارب هذا القانون مع قانون حقوق الإنسان فإننا سنتوقف عند معايير
التمييز بينهما، لننتقل بعد ذلك للحديث عن نطاق القانون الدولي الإنساني.
وبالنظر
إلى بعض الأشياء ورد النص عليها في الاتفاقيات المرتبطة بهذا القانون الإنساني
والبروتكولات اللاحقان بها فإننا سنتوقف أيضا عند المقصود بالأعيان والأشياء
المحمية.
المبحث الأول: مفهوم القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي:
عرفت
الإنسانية عبر المد التاريخي صراعات وحروبا بين القبائل والشعوب ، حيث لم تكن هناك
أي معايير لهم تنظيم الحروب والتعامل مع الأسرى والجرحى والممتلكات وكانت هذه
الحروب تتميز بالمغالاة في سفك الدماء وبالوحشية التي لم ينج منها لا أطفال رضع
ولا نساء حوامل ولا شيوخ، مما فرض مع تطور العصور ظهور قواعد وضوابط تطبق تلتزم
بها المجتمعات المتحضرة أثناء الحرب، وهكذا ظهر مصطلح "قانون الحرب"
والذي ظل سائدا حتى إبرام اتفاقية الأمم المتحدة، ليتحول بعد ذلك هذا المصطلح إلى
"قانون النزاعات المسلحة"، والذي استمر إلى غاية بداية السبعينات، وأمام
نشاط حركة حقوق الإنسان على الصعيد الدولي شاع استخدام مصطلح القانون الدولي
الإنساني، خاصة في أعقاب مؤتمر طهران سنة 1968.
والقانون الدولي الإنساني هو مجموعة المبادئ والقواعد
التي تحد من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة، أو من الآثار الناجمة عن
الحرب تجاه الإنسان بصفة عامة، فهو فرع من القانون الدولي العام الذي ترمي قواعده
العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين من الحرب، كما تهدف قواعده أيضا
إلى حماية السكان الذين لم يشاركوا بصفة مباشرة أو الذين كفوا عن الاشتراك في
الحرب مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب.
ويمكن القول بأن قواعد القانون الدولي الإنساني تستعمل
في أوقات النزاع المسلح الدولي أو الداخلي بغية تحقيق التوازن بين الضرورات
العسكرية والاعتبارات الإنسانية (1).
والقانون الدولي الإنساني ليس بالعمل الجديد الذي تعرفه
الإنسانية إذ أنه عمل عرفته البشرية منذ العصور القديمة ونادت به مختلف الأديان
السماوية، وهكذا نجد لمسات لهذا القانون لدى السامريين حيث أصدر حمو رابي ملك بابل
القانون الذي يحمل اسمه والذي ورد في ديباجته إنني أقرر هذه القوانين كما أحول دون
ظلم القوي للضعيف"، وفي هذا العهد كان يتم تحرير الرهائن مقابل فدية.
وفي الحضارة المصرية ظهرت "الأعمال السبعة
للرحمة الحقيقية" والتي كانت تنص على
أنها:
1-إطعام الجياع.
2-إرواء العطاشى.
3-كساء المرأة.
4-إيواء الغرباء.
5-تحرير الأسرى.
6-العناية بالمرضى.
7- دفن الموتى.
وجاءت التعاليم الهندية القديمة وخصوصا منها قانون مانو
في الهند القديمة بمجموعة من المبادئ الإنسانية حيث كانت تحرم على المقاتل قتل
عدوه إذا استسلم أو وقع في الأسر، ومن كان نائما أو مجردا من السلاح ، أو غير
المقاتلين من المسالمين ، وعلى نفس الشاكلة نجد هذه المبادئ ترسخ في الحضارة
اليونانية القديمة.أما في العصور الوسطى فقد كان للمسيحية أثرها في ترسيخ مبادئ
القانون الدولي الإنساني حيث نجد شعار المسيحية آنذاك هو أن البشر إخوة وقتلهم
جريمة ، كما منعت الرق.
وجاء الإسلام ليعلن الجهاد لحماية الدعوة الإسلامية ودفع
العدوان عن المسلمين كما جاء الإسلام بمجموعة من المبادئ الإنسانية فهذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لجيش أرسله"انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة
رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلو وضعوا
غنائمكم واصلحوا واحسنوا إن الله يحب المحسنين".
وفي نفس السياق أوصى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه
يزيد ب، أبي سفيان عندما أرسله على رأس جيش إلى الشام قائلا له:
"أوصيك بعشر:
- لا تقتلن امرأة؛
-
ولا صبيا؛
-
ولا كبيرا هرما؛
-
ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا؛
-
ولا تحرقنها؛
-
ولا تخربن عامرا؛
-
ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة؛
-
ولا تجبن؛
-
ولا تغلل.
ومن خلال ما ذكر يتضح أن الإسلام يفرق بين المقاتل وغير
المقاتل من المدنيين، كما أن الإسلام نادى بالمحافظة على الكرامة الإنسانية في
الحروب.
حيث أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكرام الأسرى
والتعامل معهم بالإحسان "استوصوا بالأسرى خيرا".
وفي العصور الحديثة:
مع بداية حركة الإصلاح الديني أبدى جروسيوس الذي يعتبر
مؤسس القانون الدولي العام الحديث، اهتماما كبيرا بقانون الحرب وقدم مجموعة من
القيود التي ينبغي أن تفرض على المحاربين تتطابق مع مبادئ الدين والإنسانية
والاعتبارات السياسية.ومع بداية القرن الثامن عشر ظهرت بعض القواعد العرفية
والعادات المتعلقة بسير عمليات القتال تتجلى في:
1-حصانة المستشفيات.
2-عدم اعتبار المرضى كأسرى الحرب.
3-إعفاء الأطباء ومساعدوهم والمرشدون الدينيون من الأسر.
4-المحافظة على حياة الأسرى وتبادلهم دون فدية.
5-حماية السكان المدنيين المستسلمين.
"من خلال هذه القواعد العرفية استنتج جان جاك روسو
عام 1782 قاعدة اجتماعية ذكرها في العقد الاجتماعي مؤداها أن الحرب ليست علاقة بين
إنسان وإنسان وإنما هي علاقة دولة بدولة أخرى، والأفراد فيها أعداء بشكل عرفي فقط،
وعداؤهم لا يقوم على أساس أنهم بشر أو مواطنون، بل على أساس أنهم جنود، وبإلقائهم
أسلحتهم واستسلامهم فإنهم يعودون من جديد ليصبحوا بشرا لا يحق لأي إنسان الاعتداء على
حياتهم"(1).
(1)المستشار شريف عثلم مدلول
القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي ونطاق تطبيقه مرجع سابق.
ومع تزايد الحروب وما تخلفه من
مآسي إنسانية (2) تصدى هنري دونان الشاب السويسري إلى تأليف كتاب أسماه
"تذكار سولفرينو" والذي يحكي فيه مآسي الحرب التي رآها وتكدس القتلى
والجرحى في الشوارع والكنائس في حرب "سولفرينو" التي دارت بين
النمساويين والفرنسيين والإيطاليين سنة 1859 فجاءت أمنيته تتمثل في:
أ-أن تنشأ في كل بلد جمعية غوث
تطوعية تعد نفسها في زمن السلم لتقديم خدمات صحية في وقت الحرب.
ب-أن تصادق الدول على مبدأ يؤمن
حماية للمستشفيات العسكرية وإجراء الخدمات الطبية.
ومن الشق الأول لأمنية هنري
دونان خرجت منظمة الصليب الأحمر واتخذت من مقلوب علم سويسرا رمزا لها، ومن الشق
الثاني لنفس الأمنية ظهر اتفاقية جنيف سنة 1864 ثم ظهر البروتوكولين الإضافيين
لعام 1977.
ويمكن القول بأن القانون الدولي
الإنساني يتوفر ألبوم على إطار قانوني دولي يتجلى فيما يلي:1-اتفاقية جنيف لسنة
1864 بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان.تعتبر هذه الاتفاقية الأولى من
نوعها وتمثل نقطة الانطلاق للقانون الدولي الإنساني.
وتحتوي هذه الاتفاقية على عشر
مواد تتضمن حياد عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية ووسائل النقل الصحي وأعوان
الخدمات الصحية، واحترام المتطوعين المدنيين الذين يساهمون في أعمال الإغاثة
وتقديم المساعدة الصحية دون تمييز وحمل شارة خاصة هي الصليب الأحمر على رقعة
بيضاء، وتقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط.
ب-اتفاقية
لاهاي بشأن تعديل مبادئ اتفاقية جنيف لسنة 1864 لملاءمة النزاع المسلح في البحار:
نظرا لكون الاتفاقية الأولى
كانت تقتصر على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط فإنه تم تعديل هذه
الاتفاقية في المؤتمر الأول بلاهاي للسلام سنة 1899 لتشمل الاتفاقية أيضا المجال
البحري.
ح-اتفاقية جنيف لسنة
1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
بلغ عدد بنود هذه الاتفاقية 33
مادة وقد وقعت في 6 يوليوز 1906 حيث وسعت نطاق الاتفاقية الأولى لتشمل
"المرضى" كما نصت على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط المعاملة بالمثل
أو المشاركة الجماعية ، وبمقتضاه فإن الاتفاقية لا تطبق إلا بين الأطراف إذا نشبت
الحرب بين طرفين أو أكثر.
د-اتفاقية جنيف
المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
وتضم هذه الاتفاقية 39 مادة وقد
اهتمت بالطيران الصحي والإسعاف وأقرت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الأحمر وهما
الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين.
ح-اتفاقية جنيف لمعاملة
أسرى الحرب بتاريخ 27 غشت 1929:
تناولت هذه الاتفاقية أهم ما يتصل
بحياة الأسير وضمنت له التمتع بخدمات الدولة الحامية والاستفادة من خدمات اللجنة
الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المتخصصة بجمع المعلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار
مع أهليهم وذويهم، وتعتبر هذه الاتفاقية هي أول تنظيم دولي يتعلق بأسرى الحرب.
ج-اتفاقية
جنيف الأربع غشت 1949:
عقب الحرب العالمية الثانية دعت الحكومة السويسرية المجتمع
الدولي إلى عقد مؤتمر بمدينة جنيف سنة 1949 والذي أسفر عن إبرام أربع اتفاقيات هي
المعمول بها حاليا في النزاعات المسلحة تهدف إلى مراجعة وتطوير اتفاقتي "جنيف
لعام 1929 وقانون لاهاي واقتراح اتفاقية ثانية لحماية وتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى
القوات المسلحة في البحار، وتوسيع مجالات القانون الإنساني لضحايا النزاعات والفتن
الداخلية للدول، وأخيرا الاتفاقية الرابعة لجنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في
وقت الحرب والاحتلال، ولم توافق على صيغة هذه الاتفاقية إلا سنة 1977.
·
البروتوكولان الإضافيان
لاتفاقية جنيف لعام 1977:
أقر المؤتمر الدبلوماسي الذي انعقد
في جنيف ما بين سنـــــــــة 1974 و 1977 وبطلب من الحكومة السويسرية بروتوكولين
إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
·
البروتوكول الأول الإضافي الخاص
بالنزاعات المسلحة:
هذا البروتوكول الإضافي الأول يعتبر مكملا لاتفاقيات جنيف
الأربعة الصادرة عام 1949 و من أهم ما جاء في الباب الأول منه ان حروب التحرير
الوطني تعد نزاعا مسلحا دوليا و وسع مجال الحماية القانونية للوحدات الصحية , و
أعوان الخدمات الطبية على غرار الوحدات العسكرية , و ضمن نفس الحماية للمدنيين و تناول
الباب الثالث من البروتوكول الإضافي الأول أساليــــب و وسائل القتال , و الوضع
القانوني للمقاتل و أسير الحرب , كما اعترف البروتوكول لمقاتلي حرب العصابات بصفة
المقاتل , و نص على إرسال جهاز للاضطلاع بمهام التحقيق في حالة الخرق الساخر
للقانون الدولي الإنساني.
*البروتوكول الإضافي الثاني لحماية ضحايا
النزاعات المسلحة غير الدولية:
قدم البروتوكول الإضافي الثاني تعريفا للنزاع غير الدولي
بأنه نزاع تتم أحداثه على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين القوات المسلحة و قوات
مسلحة منشقة , أو جماعة نظامية مسلحة أخرى , و اقر مبدأ عدم التدخل في الشؤون
الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الإنساني مطية للتدخل في الشؤون الداخلية
للدولة , كما تناول الضمانات الأساسية لغير المقاتلين و تقديم الخدمات اللازمة
لمساعدة الأسرى في ضمان الحقوق القضائية لهم عند متابعتهم.
و بالإضافة إلى الاتفاقيات و البروتوكولين السالفة الذكر،
يمكن أن نشير إلى بعض المواثيق الدولية التي لها علاقة بقانون " جنيف " أو
القانون الدولي الإنساني نذكر منها:
*إعلان سان بتيرسبوغ لعام 1868 المتعلق بحظر
استخدام بعض القذائف المتفجرة.
*إعلان لاهاي لعام 1899 لحظر استخــدام الرصاص
من نـــــوع " دمدم" .
* بروتوكول جنيف لعام 1825 لمنع استخدامك
الغازات السامــــة و الأسلحة الجرثومية و البكتريولوجية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة و
بروتوكولاتها الإضافية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لسنة 1980 بشأن حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية و البروتوكولات
الملحقة بها .
* اتفاقية
أوطاوا لعام 1977 بشأن حظر استخدام الألغام المضادة للأفراد.
* النظام
الأساسي للمحكمة الجنائية الدولة الذي ابرم في روما عام 1998.
" لذلك قيل أن قواعد القانون الدولي الإنساني كانت دائما متأخرة
بحرب فموقعة ليسا البحرية لعام 1866 دفعتنا إلى اتفاقية حماية الجرحى و
المرضـــــى و الغرقى في البحار لعام 1899 و التي تم تعديلها عام 1907 و الحرب
العالمية الأولى أظهرت الحاجة إلى حماية أسرى الحرب و هي الاتفاقية الثانية لعام
1929 و الحرب العالمية الثانية جعلت مراجعة أحكام القانون الدولي الانساسي و
تعديلها أمرا ضروريا و من ثم خطونا خطوة جديدة في مجال حماية المدنيين موضوع
الاتفاقية الرابعة و كذلك الحرب الأهلية في إسبانيا دفعت لأول مرة إلى معالجة
أوضاع ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية بإقرار المادة 3 المشتركة بين
الاتفاقيات الأربع، كذلك كان الأمر
بالنسبة للبروتوكولين الإضافيين لعـــــام 1977 و التي أظهرت الحاجة خلال السنوات
التي سبقتها إلى أن الحماية المقررة في اتفاقيات 1949 لم تكن كافية سواء بالنسبة للأشخاص
كما حدث في فيتنام وأنجـــــولا و زيمبابوي , أو فيما يتعلق بوسائل و أساليب
القتال.
و هكذا و على عدة مراحل طوال أكثر
من قرن من الزمن اتسعت دائرة الأشخاص المحميين بأحكام القانون الدولي الإنساني
لتشمل الحماية كافة الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو الذي كفوا عن المشاركة
فيه .
و بذلك اقترب النظام القانوني للحماية في القانون الدولي الإنساني من
النظام الحماية المقررة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يشمل جميع الأفراد
دون تمييز."(1)
(2)المبحث الثاني :
معايير التمييز بين القانون الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان :
كثيرا ما يقع الخلط بين القانون
الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان مما يتعين معه التمييز بين هذين الفرعين
القانونيين ذلك أن كل منهما فرع من القانون الدولي العام و يهدفان معا لحماية
الإنسان إلا انهما يختلفان في أن القانون الدولي الإنساني ينطبق في زمن النزاعات
المسلحة سواء الدولية أو الداخليــــــة , و يشتمل على قواعد خاصة لحماية ضحايا
هذه النزاعات أو ما يسمــــــــــــــــــى " بقانون جنيف "(
اتفاقية جنيف لعام 1949 و البروتوكولان المكملان
الصادران عام 1977) و قواعد أخرى خاصة بأساليب و وسائل القتال و هو ما يعرف بقانون
لاهاي ( اتفاقية لاهاي لعام 1907) فهو قانون بحكم حق الاشتراك في القتال و إدارة
العمليات العسكرية و العلاقة بين الدول المتحاربة و الدول المحايدة علما أن
اتفاقيات جنيف تطبق بالتعاون مع وتحت إشراف الدولة الحاميــــة و اللجنة الدولية
للصليب الأحمر من حيث آليات المراقبة إضافة إلى أن أحام القانون الدولي الإنساني
إلى جانب أنها ملزمة للدول فهي ملزمة أيضا بالنسبة للإفراد مباشرة حيث يمكن أن
تعاقب الدولة أفرادا ارتكبوا انتهاكات معينة معتمدة في ذلك على القانون الدولي و
تقدمهم للمحاكمة(2) .
أما قانون حقوق الإنسان فهو قانون يحرص على ضمان حقوق الفـــرد و احترام
حقوقه و حرياته المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ضد أي
تعسف لسلطات دولية فهو قانون يشتمل على حقوق لا أهمية لها في المنازعات المسلحة
مثل الحقوق السياسية و بعض الحريات السياسية كحرية الصحافة و حرية التعبير و حرية
الاجتماع الخ ... (1).
و قد تكفلت الدساتير بكل دولة بضمان هذه الحقوق ,كما تكفل المجتمع الدولي
ببيان الحد الأدنى لهذه الحقوق و الحريات من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لسنة 1948 ثم العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعيـــــــة و الثقافية عام
1966، و هذه الحقوق و الحريات تسهر الدول
على توفيرها لمواطنيها و النص عليها في دساتيرها و هذا يعني أن قانون حقوق الإنسان
يعمل به في زمن السلام , أما القانون الإنساني الدولي فانه يعمل به في مواجهة
ضحايا النزاعات في حق غير المقاتلين في زمن النزاعات المسلحة فهو قانون خاص مرهون
بحالات النزاعات المسلحة بل أن اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا المنازعات المسلحة قدرا
من الحماية أكبر مما تتيحه لهم اتفاقيات حقوق الإنسان لأنها أكثر ملاءمة لظروفهم .
" ويبقى الاختلاف بين القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان اختلافا
جوهريا فحيث يتعلق الأمر بحقوق الإنسان تقوم الأطراف المتضررة أساسا باتخاذ الإجراءات
اللازمة أمام المحاكم الوطنية، و إذا
اقتضى الأمر أمام سلطة دولية. أما في القانون الدولي الإنساني , فان اتخاذ إجراءات
قانونية بواسطة الأطراف المتضررة أمر مستبعد بصورة عامة لسببين , أولا : لأن
الإجراءات القانونية ليست ملائمة لتقويم الانتهاكات التي يرتكبها الجنود و ثانيا
:لأن القانون الدولي الإنساني يحمي أولا أفرادا لا حول لهم و لا قوة و لا يستطيعون
في العادة أن يلجأوا لأي إجراء قانوني وطنيا كان أو دوليا . و بناء على ذلك فان
تطبيق الاتفاقيات الإنسانية يكون أكثر ضمانا بتدخل هيئة محايدة , تعمل مستقلة عن
أي تأثير و يعززها وجود أحكام عقابية .
أما اتفاقيات حقوق
الإنسان فهي تقضي بأنه يجوز للدول المتعاقدة او للافراد الذين انتهت حقوقهم أن
يقدموا شكوى ضد الدولة التي ارتكبت هذا الانتهاك , و هي إجراءات قد تستغرق سنوات
عديدة و لكن ما يصحبها من دعاية و إعلام قد يكون
رادفا قويا " (2).
ومجالات الحماية
القانونية التي يشملها
عرض
امحمد برادة غزيـــــول
نقلت مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمكتوبة الصورة البشعة لحرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة إسرائيل ضد جارتها
دولة لبنان مدعمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة 34 يوما استعملت خلالها
كل الوسائل الحربية الجديدة متحدية بذلك كل المعايير الدولية المعمول بها في إبان
الحرب، بحيث اختارت وسائل إلحاق الضرر بدولة لبنان رغم ما تنص عليه مبادئ القانون
الدولي الإنساني وخصوصا إعلان بطرسبورغ لسنة 1868 والمادة 22 لاتفاقية لاهاي التي
تنص على أنه ليس للمتحاربين الحق المطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو وكذا الفقرة "أ" من المادة 35 من
البروتكول الأول الإضافي لسنة 1977 والتي تنص على " أن حق أطراف أي نزاع
مسلح، في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده أي قيود" بل إن
إسرائيل تجاوزت كل الحدود والضوابط الدولية عندما قامت بالتدمير العشوائي لبعض
المدن اللبنانية وقراها وتدمير الممتلكات خاصة التي تتعلق بأفراد أو جماعات دون أن تكون هناك العمليات الحربية التي
شنتها تقتضي حتما هذا التدمير.
واستخدمت إسرائيل في هذا الحرب الغازات الخانقة
أو السامة وأسلحة مفرطة الضرر وعشوائية الأثر وعطلت ودمرت الأعيان والمواد التي لا
غنى عنها لبقاء السكان المدنيين من مواد غذائية والمناطق الزراعية ، ودمرت القناطر
ومنافذ مياه الشرب وشبكتها ومحطات توليد الكهرباء رغم أن ما ذكر ليست أهدافا
عسكرية وألحقت أضرار جسيمة بأرواح المدنيين وإلحاق الإصابة بهم، كما أصابت قوافل
المساعدة البشرية بالشلل.
والسؤال
الذي يطرح هنا هل تملك الدول بصفة عامة حقا مطلقا في شن الحرب (1) ، وإذا كان
الجواب بالنفي ما هي الضوابط المعمول بها، وهل هناك قوانين دولية تنظم الحروب
والتعامل مع الأسرى والجرحى، والممتلكات ذلك ما سنتناوله في هذا العرض من خلال ما
يعرف بالقانون الإنساني الدولي ومجالات الحماية القانونية التي يشملها.
وهكذا
سنعرف بالقانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي،
ونظرا لتقارب هذا القانون مع قانون حقوق الإنسان فإننا سنتوقف عند معايير
التمييز بينهما، لننتقل بعد ذلك للحديث عن نطاق القانون الدولي الإنساني.
وبالنظر
إلى بعض الأشياء ورد النص عليها في الاتفاقيات المرتبطة بهذا القانون الإنساني
والبروتكولات اللاحقان بها فإننا سنتوقف أيضا عند المقصود بالأعيان والأشياء
المحمية.
المبحث الأول: مفهوم القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي:
عرفت
الإنسانية عبر المد التاريخي صراعات وحروبا بين القبائل والشعوب ، حيث لم تكن هناك
أي معايير لهم تنظيم الحروب والتعامل مع الأسرى والجرحى والممتلكات وكانت هذه
الحروب تتميز بالمغالاة في سفك الدماء وبالوحشية التي لم ينج منها لا أطفال رضع
ولا نساء حوامل ولا شيوخ، مما فرض مع تطور العصور ظهور قواعد وضوابط تطبق تلتزم
بها المجتمعات المتحضرة أثناء الحرب، وهكذا ظهر مصطلح "قانون الحرب"
والذي ظل سائدا حتى إبرام اتفاقية الأمم المتحدة، ليتحول بعد ذلك هذا المصطلح إلى
"قانون النزاعات المسلحة"، والذي استمر إلى غاية بداية السبعينات، وأمام
نشاط حركة حقوق الإنسان على الصعيد الدولي شاع استخدام مصطلح القانون الدولي
الإنساني، خاصة في أعقاب مؤتمر طهران سنة 1968.
والقانون الدولي الإنساني هو مجموعة المبادئ والقواعد
التي تحد من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة، أو من الآثار الناجمة عن
الحرب تجاه الإنسان بصفة عامة، فهو فرع من القانون الدولي العام الذي ترمي قواعده
العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين من الحرب، كما تهدف قواعده أيضا
إلى حماية السكان الذين لم يشاركوا بصفة مباشرة أو الذين كفوا عن الاشتراك في
الحرب مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب.
ويمكن القول بأن قواعد القانون الدولي الإنساني تستعمل
في أوقات النزاع المسلح الدولي أو الداخلي بغية تحقيق التوازن بين الضرورات
العسكرية والاعتبارات الإنسانية (1).
والقانون الدولي الإنساني ليس بالعمل الجديد الذي تعرفه
الإنسانية إذ أنه عمل عرفته البشرية منذ العصور القديمة ونادت به مختلف الأديان
السماوية، وهكذا نجد لمسات لهذا القانون لدى السامريين حيث أصدر حمو رابي ملك بابل
القانون الذي يحمل اسمه والذي ورد في ديباجته إنني أقرر هذه القوانين كما أحول دون
ظلم القوي للضعيف"، وفي هذا العهد كان يتم تحرير الرهائن مقابل فدية.
وفي الحضارة المصرية ظهرت "الأعمال السبعة
للرحمة الحقيقية" والتي كانت تنص على
أنها:
1-إطعام الجياع.
2-إرواء العطاشى.
3-كساء المرأة.
4-إيواء الغرباء.
5-تحرير الأسرى.
6-العناية بالمرضى.
7- دفن الموتى.
وجاءت التعاليم الهندية القديمة وخصوصا منها قانون مانو
في الهند القديمة بمجموعة من المبادئ الإنسانية حيث كانت تحرم على المقاتل قتل
عدوه إذا استسلم أو وقع في الأسر، ومن كان نائما أو مجردا من السلاح ، أو غير
المقاتلين من المسالمين ، وعلى نفس الشاكلة نجد هذه المبادئ ترسخ في الحضارة
اليونانية القديمة.أما في العصور الوسطى فقد كان للمسيحية أثرها في ترسيخ مبادئ
القانون الدولي الإنساني حيث نجد شعار المسيحية آنذاك هو أن البشر إخوة وقتلهم
جريمة ، كما منعت الرق.
وجاء الإسلام ليعلن الجهاد لحماية الدعوة الإسلامية ودفع
العدوان عن المسلمين كما جاء الإسلام بمجموعة من المبادئ الإنسانية فهذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لجيش أرسله"انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة
رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلو وضعوا
غنائمكم واصلحوا واحسنوا إن الله يحب المحسنين".
وفي نفس السياق أوصى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه
يزيد ب، أبي سفيان عندما أرسله على رأس جيش إلى الشام قائلا له:
"أوصيك بعشر:
- لا تقتلن امرأة؛
-
ولا صبيا؛
-
ولا كبيرا هرما؛
-
ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا؛
-
ولا تحرقنها؛
-
ولا تخربن عامرا؛
-
ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة؛
-
ولا تجبن؛
-
ولا تغلل.
ومن خلال ما ذكر يتضح أن الإسلام يفرق بين المقاتل وغير
المقاتل من المدنيين، كما أن الإسلام نادى بالمحافظة على الكرامة الإنسانية في
الحروب.
حيث أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكرام الأسرى
والتعامل معهم بالإحسان "استوصوا بالأسرى خيرا".
وفي العصور الحديثة:
مع بداية حركة الإصلاح الديني أبدى جروسيوس الذي يعتبر
مؤسس القانون الدولي العام الحديث، اهتماما كبيرا بقانون الحرب وقدم مجموعة من
القيود التي ينبغي أن تفرض على المحاربين تتطابق مع مبادئ الدين والإنسانية
والاعتبارات السياسية.ومع بداية القرن الثامن عشر ظهرت بعض القواعد العرفية
والعادات المتعلقة بسير عمليات القتال تتجلى في:
1-حصانة المستشفيات.
2-عدم اعتبار المرضى كأسرى الحرب.
3-إعفاء الأطباء ومساعدوهم والمرشدون الدينيون من الأسر.
4-المحافظة على حياة الأسرى وتبادلهم دون فدية.
5-حماية السكان المدنيين المستسلمين.
"من خلال هذه القواعد العرفية استنتج جان جاك روسو
عام 1782 قاعدة اجتماعية ذكرها في العقد الاجتماعي مؤداها أن الحرب ليست علاقة بين
إنسان وإنسان وإنما هي علاقة دولة بدولة أخرى، والأفراد فيها أعداء بشكل عرفي فقط،
وعداؤهم لا يقوم على أساس أنهم بشر أو مواطنون، بل على أساس أنهم جنود، وبإلقائهم
أسلحتهم واستسلامهم فإنهم يعودون من جديد ليصبحوا بشرا لا يحق لأي إنسان الاعتداء على
حياتهم"(1).
(1)المستشار شريف عثلم مدلول
القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي ونطاق تطبيقه مرجع سابق.
ومع تزايد الحروب وما تخلفه من
مآسي إنسانية (2) تصدى هنري دونان الشاب السويسري إلى تأليف كتاب أسماه
"تذكار سولفرينو" والذي يحكي فيه مآسي الحرب التي رآها وتكدس القتلى
والجرحى في الشوارع والكنائس في حرب "سولفرينو" التي دارت بين
النمساويين والفرنسيين والإيطاليين سنة 1859 فجاءت أمنيته تتمثل في:
أ-أن تنشأ في كل بلد جمعية غوث
تطوعية تعد نفسها في زمن السلم لتقديم خدمات صحية في وقت الحرب.
ب-أن تصادق الدول على مبدأ يؤمن
حماية للمستشفيات العسكرية وإجراء الخدمات الطبية.
ومن الشق الأول لأمنية هنري
دونان خرجت منظمة الصليب الأحمر واتخذت من مقلوب علم سويسرا رمزا لها، ومن الشق
الثاني لنفس الأمنية ظهر اتفاقية جنيف سنة 1864 ثم ظهر البروتوكولين الإضافيين
لعام 1977.
ويمكن القول بأن القانون الدولي
الإنساني يتوفر ألبوم على إطار قانوني دولي يتجلى فيما يلي:1-اتفاقية جنيف لسنة
1864 بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان.تعتبر هذه الاتفاقية الأولى من
نوعها وتمثل نقطة الانطلاق للقانون الدولي الإنساني.
وتحتوي هذه الاتفاقية على عشر
مواد تتضمن حياد عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية ووسائل النقل الصحي وأعوان
الخدمات الصحية، واحترام المتطوعين المدنيين الذين يساهمون في أعمال الإغاثة
وتقديم المساعدة الصحية دون تمييز وحمل شارة خاصة هي الصليب الأحمر على رقعة
بيضاء، وتقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط.
ب-اتفاقية
لاهاي بشأن تعديل مبادئ اتفاقية جنيف لسنة 1864 لملاءمة النزاع المسلح في البحار:
نظرا لكون الاتفاقية الأولى
كانت تقتصر على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط فإنه تم تعديل هذه
الاتفاقية في المؤتمر الأول بلاهاي للسلام سنة 1899 لتشمل الاتفاقية أيضا المجال
البحري.
ح-اتفاقية جنيف لسنة
1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
بلغ عدد بنود هذه الاتفاقية 33
مادة وقد وقعت في 6 يوليوز 1906 حيث وسعت نطاق الاتفاقية الأولى لتشمل
"المرضى" كما نصت على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط المعاملة بالمثل
أو المشاركة الجماعية ، وبمقتضاه فإن الاتفاقية لا تطبق إلا بين الأطراف إذا نشبت
الحرب بين طرفين أو أكثر.
د-اتفاقية جنيف
المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
وتضم هذه الاتفاقية 39 مادة وقد
اهتمت بالطيران الصحي والإسعاف وأقرت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الأحمر وهما
الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين.
ح-اتفاقية جنيف لمعاملة
أسرى الحرب بتاريخ 27 غشت 1929:
تناولت هذه الاتفاقية أهم ما يتصل
بحياة الأسير وضمنت له التمتع بخدمات الدولة الحامية والاستفادة من خدمات اللجنة
الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المتخصصة بجمع المعلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار
مع أهليهم وذويهم، وتعتبر هذه الاتفاقية هي أول تنظيم دولي يتعلق بأسرى الحرب.
ج-اتفاقية
جنيف الأربع غشت 1949:
عقب الحرب العالمية الثانية دعت الحكومة السويسرية المجتمع
الدولي إلى عقد مؤتمر بمدينة جنيف سنة 1949 والذي أسفر عن إبرام أربع اتفاقيات هي
المعمول بها حاليا في النزاعات المسلحة تهدف إلى مراجعة وتطوير اتفاقتي "جنيف
لعام 1929 وقانون لاهاي واقتراح اتفاقية ثانية لحماية وتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى
القوات المسلحة في البحار، وتوسيع مجالات القانون الإنساني لضحايا النزاعات والفتن
الداخلية للدول، وأخيرا الاتفاقية الرابعة لجنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في
وقت الحرب والاحتلال، ولم توافق على صيغة هذه الاتفاقية إلا سنة 1977.
·
البروتوكولان الإضافيان
لاتفاقية جنيف لعام 1977:
أقر المؤتمر الدبلوماسي الذي انعقد
في جنيف ما بين سنـــــــــة 1974 و 1977 وبطلب من الحكومة السويسرية بروتوكولين
إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
·
البروتوكول الأول الإضافي الخاص
بالنزاعات المسلحة:
هذا البروتوكول الإضافي الأول يعتبر مكملا لاتفاقيات جنيف
الأربعة الصادرة عام 1949 و من أهم ما جاء في الباب الأول منه ان حروب التحرير
الوطني تعد نزاعا مسلحا دوليا و وسع مجال الحماية القانونية للوحدات الصحية , و
أعوان الخدمات الطبية على غرار الوحدات العسكرية , و ضمن نفس الحماية للمدنيين و تناول
الباب الثالث من البروتوكول الإضافي الأول أساليــــب و وسائل القتال , و الوضع
القانوني للمقاتل و أسير الحرب , كما اعترف البروتوكول لمقاتلي حرب العصابات بصفة
المقاتل , و نص على إرسال جهاز للاضطلاع بمهام التحقيق في حالة الخرق الساخر
للقانون الدولي الإنساني.
*البروتوكول الإضافي الثاني لحماية ضحايا
النزاعات المسلحة غير الدولية:
قدم البروتوكول الإضافي الثاني تعريفا للنزاع غير الدولي
بأنه نزاع تتم أحداثه على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين القوات المسلحة و قوات
مسلحة منشقة , أو جماعة نظامية مسلحة أخرى , و اقر مبدأ عدم التدخل في الشؤون
الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الإنساني مطية للتدخل في الشؤون الداخلية
للدولة , كما تناول الضمانات الأساسية لغير المقاتلين و تقديم الخدمات اللازمة
لمساعدة الأسرى في ضمان الحقوق القضائية لهم عند متابعتهم.
و بالإضافة إلى الاتفاقيات و البروتوكولين السالفة الذكر،
يمكن أن نشير إلى بعض المواثيق الدولية التي لها علاقة بقانون " جنيف " أو
القانون الدولي الإنساني نذكر منها:
*إعلان سان بتيرسبوغ لعام 1868 المتعلق بحظر
استخدام بعض القذائف المتفجرة.
*إعلان لاهاي لعام 1899 لحظر استخــدام الرصاص
من نـــــوع " دمدم" .
* بروتوكول جنيف لعام 1825 لمنع استخدامك
الغازات السامــــة و الأسلحة الجرثومية و البكتريولوجية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة و
بروتوكولاتها الإضافية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لسنة 1980 بشأن حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية و البروتوكولات
الملحقة بها .
* اتفاقية
أوطاوا لعام 1977 بشأن حظر استخدام الألغام المضادة للأفراد.
* النظام
الأساسي للمحكمة الجنائية الدولة الذي ابرم في روما عام 1998.
" لذلك قيل أن قواعد القانون الدولي الإنساني كانت دائما متأخرة
بحرب فموقعة ليسا البحرية لعام 1866 دفعتنا إلى اتفاقية حماية الجرحى و
المرضـــــى و الغرقى في البحار لعام 1899 و التي تم تعديلها عام 1907 و الحرب
العالمية الأولى أظهرت الحاجة إلى حماية أسرى الحرب و هي الاتفاقية الثانية لعام
1929 و الحرب العالمية الثانية جعلت مراجعة أحكام القانون الدولي الانساسي و
تعديلها أمرا ضروريا و من ثم خطونا خطوة جديدة في مجال حماية المدنيين موضوع
الاتفاقية الرابعة و كذلك الحرب الأهلية في إسبانيا دفعت لأول مرة إلى معالجة
أوضاع ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية بإقرار المادة 3 المشتركة بين
الاتفاقيات الأربع، كذلك كان الأمر
بالنسبة للبروتوكولين الإضافيين لعـــــام 1977 و التي أظهرت الحاجة خلال السنوات
التي سبقتها إلى أن الحماية المقررة في اتفاقيات 1949 لم تكن كافية سواء بالنسبة للأشخاص
كما حدث في فيتنام وأنجـــــولا و زيمبابوي , أو فيما يتعلق بوسائل و أساليب
القتال.
و هكذا و على عدة مراحل طوال أكثر
من قرن من الزمن اتسعت دائرة الأشخاص المحميين بأحكام القانون الدولي الإنساني
لتشمل الحماية كافة الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو الذي كفوا عن المشاركة
فيه .
و بذلك اقترب النظام القانوني للحماية في القانون الدولي الإنساني من
النظام الحماية المقررة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يشمل جميع الأفراد
دون تمييز."(1)
(2)المبحث الثاني :
معايير التمييز بين القانون الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان :
كثيرا ما يقع الخلط بين القانون
الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان مما يتعين معه التمييز بين هذين الفرعين
القانونيين ذلك أن كل منهما فرع من القانون الدولي العام و يهدفان معا لحماية
الإنسان إلا انهما يختلفان في أن القانون الدولي الإنساني ينطبق في زمن النزاعات
المسلحة سواء الدولية أو الداخليــــــة , و يشتمل على قواعد خاصة لحماية ضحايا
هذه النزاعات أو ما يسمــــــــــــــــــى " بقانون جنيف "(
اتفاقية جنيف لعام 1949 و البروتوكولان المكملان
الصادران عام 1977) و قواعد أخرى خاصة بأساليب و وسائل القتال و هو ما يعرف بقانون
لاهاي ( اتفاقية لاهاي لعام 1907) فهو قانون بحكم حق الاشتراك في القتال و إدارة
العمليات العسكرية و العلاقة بين الدول المتحاربة و الدول المحايدة علما أن
اتفاقيات جنيف تطبق بالتعاون مع وتحت إشراف الدولة الحاميــــة و اللجنة الدولية
للصليب الأحمر من حيث آليات المراقبة إضافة إلى أن أحام القانون الدولي الإنساني
إلى جانب أنها ملزمة للدول فهي ملزمة أيضا بالنسبة للإفراد مباشرة حيث يمكن أن
تعاقب الدولة أفرادا ارتكبوا انتهاكات معينة معتمدة في ذلك على القانون الدولي و
تقدمهم للمحاكمة(2) .
أما قانون حقوق الإنسان فهو قانون يحرص على ضمان حقوق الفـــرد و احترام
حقوقه و حرياته المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ضد أي
تعسف لسلطات دولية فهو قانون يشتمل على حقوق لا أهمية لها في المنازعات المسلحة
مثل الحقوق السياسية و بعض الحريات السياسية كحرية الصحافة و حرية التعبير و حرية
الاجتماع الخ ... (1).
و قد تكفلت الدساتير بكل دولة بضمان هذه الحقوق ,كما تكفل المجتمع الدولي
ببيان الحد الأدنى لهذه الحقوق و الحريات من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لسنة 1948 ثم العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعيـــــــة و الثقافية عام
1966، و هذه الحقوق و الحريات تسهر الدول
على توفيرها لمواطنيها و النص عليها في دساتيرها و هذا يعني أن قانون حقوق الإنسان
يعمل به في زمن السلام , أما القانون الإنساني الدولي فانه يعمل به في مواجهة
ضحايا النزاعات في حق غير المقاتلين في زمن النزاعات المسلحة فهو قانون خاص مرهون
بحالات النزاعات المسلحة بل أن اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا المنازعات المسلحة قدرا
من الحماية أكبر مما تتيحه لهم اتفاقيات حقوق الإنسان لأنها أكثر ملاءمة لظروفهم .
" ويبقى الاختلاف بين القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان اختلافا
جوهريا فحيث يتعلق الأمر بحقوق الإنسان تقوم الأطراف المتضررة أساسا باتخاذ الإجراءات
اللازمة أمام المحاكم الوطنية، و إذا
اقتضى الأمر أمام سلطة دولية. أما في القانون الدولي الإنساني , فان اتخاذ إجراءات
قانونية بواسطة الأطراف المتضررة أمر مستبعد بصورة عامة لسببين , أولا : لأن
الإجراءات القانونية ليست ملائمة لتقويم الانتهاكات التي يرتكبها الجنود و ثانيا
:لأن القانون الدولي الإنساني يحمي أولا أفرادا لا حول لهم و لا قوة و لا يستطيعون
في العادة أن يلجأوا لأي إجراء قانوني وطنيا كان أو دوليا . و بناء على ذلك فان
تطبيق الاتفاقيات الإنسانية يكون أكثر ضمانا بتدخل هيئة محايدة , تعمل مستقلة عن
أي تأثير و يعززها وجود أحكام عقابية .
أما اتفاقيات حقوق
الإنسان فهي تقضي بأنه يجوز للدول المتعاقدة او للافراد الذين انتهت حقوقهم أن
يقدموا شكوى ضد الدولة التي ارتكبت هذا الانتهاك , و هي إجراءات قد تستغرق سنوات
عديدة و لكن ما يصحبها من دعاية و إعلام قد يكون
رادفا قويا " (2).
عرض
امحمد برادة غزيـــــول
نقلت مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمكتوبة الصورة البشعة لحرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة إسرائيل ضد جارتها
دولة لبنان مدعمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة 34 يوما استعملت خلالها
كل الوسائل الحربية الجديدة متحدية بذلك كل المعايير الدولية المعمول بها في إبان
الحرب، بحيث اختارت وسائل إلحاق الضرر بدولة لبنان رغم ما تنص عليه مبادئ القانون
الدولي الإنساني وخصوصا إعلان بطرسبورغ لسنة 1868 والمادة 22 لاتفاقية لاهاي التي
تنص على أنه ليس للمتحاربين الحق المطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو وكذا الفقرة "أ" من المادة 35 من
البروتكول الأول الإضافي لسنة 1977 والتي تنص على " أن حق أطراف أي نزاع
مسلح، في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده أي قيود" بل إن
إسرائيل تجاوزت كل الحدود والضوابط الدولية عندما قامت بالتدمير العشوائي لبعض
المدن اللبنانية وقراها وتدمير الممتلكات خاصة التي تتعلق بأفراد أو جماعات دون أن تكون هناك العمليات الحربية التي
شنتها تقتضي حتما هذا التدمير.
واستخدمت إسرائيل في هذا الحرب الغازات الخانقة
أو السامة وأسلحة مفرطة الضرر وعشوائية الأثر وعطلت ودمرت الأعيان والمواد التي لا
غنى عنها لبقاء السكان المدنيين من مواد غذائية والمناطق الزراعية ، ودمرت القناطر
ومنافذ مياه الشرب وشبكتها ومحطات توليد الكهرباء رغم أن ما ذكر ليست أهدافا
عسكرية وألحقت أضرار جسيمة بأرواح المدنيين وإلحاق الإصابة بهم، كما أصابت قوافل
المساعدة البشرية بالشلل.
والسؤال
الذي يطرح هنا هل تملك الدول بصفة عامة حقا مطلقا في شن الحرب (1) ، وإذا كان
الجواب بالنفي ما هي الضوابط المعمول بها، وهل هناك قوانين دولية تنظم الحروب
والتعامل مع الأسرى والجرحى، والممتلكات ذلك ما سنتناوله في هذا العرض من خلال ما
يعرف بالقانون الإنساني الدولي ومجالات الحماية القانونية التي يشملها.
وهكذا
سنعرف بالقانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي،
ونظرا لتقارب هذا القانون مع قانون حقوق الإنسان فإننا سنتوقف عند معايير
التمييز بينهما، لننتقل بعد ذلك للحديث عن نطاق القانون الدولي الإنساني.
وبالنظر
إلى بعض الأشياء ورد النص عليها في الاتفاقيات المرتبطة بهذا القانون الإنساني
والبروتكولات اللاحقان بها فإننا سنتوقف أيضا عند المقصود بالأعيان والأشياء
المحمية.
المبحث الأول: مفهوم القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي:
عرفت
الإنسانية عبر المد التاريخي صراعات وحروبا بين القبائل والشعوب ، حيث لم تكن هناك
أي معايير لهم تنظيم الحروب والتعامل مع الأسرى والجرحى والممتلكات وكانت هذه
الحروب تتميز بالمغالاة في سفك الدماء وبالوحشية التي لم ينج منها لا أطفال رضع
ولا نساء حوامل ولا شيوخ، مما فرض مع تطور العصور ظهور قواعد وضوابط تطبق تلتزم
بها المجتمعات المتحضرة أثناء الحرب، وهكذا ظهر مصطلح "قانون الحرب"
والذي ظل سائدا حتى إبرام اتفاقية الأمم المتحدة، ليتحول بعد ذلك هذا المصطلح إلى
"قانون النزاعات المسلحة"، والذي استمر إلى غاية بداية السبعينات، وأمام
نشاط حركة حقوق الإنسان على الصعيد الدولي شاع استخدام مصطلح القانون الدولي
الإنساني، خاصة في أعقاب مؤتمر طهران سنة 1968.
والقانون الدولي الإنساني هو مجموعة المبادئ والقواعد
التي تحد من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة، أو من الآثار الناجمة عن
الحرب تجاه الإنسان بصفة عامة، فهو فرع من القانون الدولي العام الذي ترمي قواعده
العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين من الحرب، كما تهدف قواعده أيضا
إلى حماية السكان الذين لم يشاركوا بصفة مباشرة أو الذين كفوا عن الاشتراك في
الحرب مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب.
ويمكن القول بأن قواعد القانون الدولي الإنساني تستعمل
في أوقات النزاع المسلح الدولي أو الداخلي بغية تحقيق التوازن بين الضرورات
العسكرية والاعتبارات الإنسانية (1).
والقانون الدولي الإنساني ليس بالعمل الجديد الذي تعرفه
الإنسانية إذ أنه عمل عرفته البشرية منذ العصور القديمة ونادت به مختلف الأديان
السماوية، وهكذا نجد لمسات لهذا القانون لدى السامريين حيث أصدر حمو رابي ملك بابل
القانون الذي يحمل اسمه والذي ورد في ديباجته إنني أقرر هذه القوانين كما أحول دون
ظلم القوي للضعيف"، وفي هذا العهد كان يتم تحرير الرهائن مقابل فدية.
وفي الحضارة المصرية ظهرت "الأعمال السبعة
للرحمة الحقيقية" والتي كانت تنص على
أنها:
1-إطعام الجياع.
2-إرواء العطاشى.
3-كساء المرأة.
4-إيواء الغرباء.
5-تحرير الأسرى.
6-العناية بالمرضى.
7- دفن الموتى.
وجاءت التعاليم الهندية القديمة وخصوصا منها قانون مانو
في الهند القديمة بمجموعة من المبادئ الإنسانية حيث كانت تحرم على المقاتل قتل
عدوه إذا استسلم أو وقع في الأسر، ومن كان نائما أو مجردا من السلاح ، أو غير
المقاتلين من المسالمين ، وعلى نفس الشاكلة نجد هذه المبادئ ترسخ في الحضارة
اليونانية القديمة.أما في العصور الوسطى فقد كان للمسيحية أثرها في ترسيخ مبادئ
القانون الدولي الإنساني حيث نجد شعار المسيحية آنذاك هو أن البشر إخوة وقتلهم
جريمة ، كما منعت الرق.
وجاء الإسلام ليعلن الجهاد لحماية الدعوة الإسلامية ودفع
العدوان عن المسلمين كما جاء الإسلام بمجموعة من المبادئ الإنسانية فهذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لجيش أرسله"انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة
رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلو وضعوا
غنائمكم واصلحوا واحسنوا إن الله يحب المحسنين".
وفي نفس السياق أوصى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه
يزيد ب، أبي سفيان عندما أرسله على رأس جيش إلى الشام قائلا له:
"أوصيك بعشر:
- لا تقتلن امرأة؛
-
ولا صبيا؛
-
ولا كبيرا هرما؛
-
ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا؛
-
ولا تحرقنها؛
-
ولا تخربن عامرا؛
-
ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة؛
-
ولا تجبن؛
-
ولا تغلل.
ومن خلال ما ذكر يتضح أن الإسلام يفرق بين المقاتل وغير
المقاتل من المدنيين، كما أن الإسلام نادى بالمحافظة على الكرامة الإنسانية في
الحروب.
حيث أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكرام الأسرى
والتعامل معهم بالإحسان "استوصوا بالأسرى خيرا".
وفي العصور الحديثة:
مع بداية حركة الإصلاح الديني أبدى جروسيوس الذي يعتبر
مؤسس القانون الدولي العام الحديث، اهتماما كبيرا بقانون الحرب وقدم مجموعة من
القيود التي ينبغي أن تفرض على المحاربين تتطابق مع مبادئ الدين والإنسانية
والاعتبارات السياسية.ومع بداية القرن الثامن عشر ظهرت بعض القواعد العرفية
والعادات المتعلقة بسير عمليات القتال تتجلى في:
1-حصانة المستشفيات.
2-عدم اعتبار المرضى كأسرى الحرب.
3-إعفاء الأطباء ومساعدوهم والمرشدون الدينيون من الأسر.
4-المحافظة على حياة الأسرى وتبادلهم دون فدية.
5-حماية السكان المدنيين المستسلمين.
"من خلال هذه القواعد العرفية استنتج جان جاك روسو
عام 1782 قاعدة اجتماعية ذكرها في العقد الاجتماعي مؤداها أن الحرب ليست علاقة بين
إنسان وإنسان وإنما هي علاقة دولة بدولة أخرى، والأفراد فيها أعداء بشكل عرفي فقط،
وعداؤهم لا يقوم على أساس أنهم بشر أو مواطنون، بل على أساس أنهم جنود، وبإلقائهم
أسلحتهم واستسلامهم فإنهم يعودون من جديد ليصبحوا بشرا لا يحق لأي إنسان الاعتداء على
حياتهم"(1).
(1)المستشار شريف عثلم مدلول
القانون الدولي الإنساني وتطوره التاريخي ونطاق تطبيقه مرجع سابق.
ومع تزايد الحروب وما تخلفه من
مآسي إنسانية (2) تصدى هنري دونان الشاب السويسري إلى تأليف كتاب أسماه
"تذكار سولفرينو" والذي يحكي فيه مآسي الحرب التي رآها وتكدس القتلى
والجرحى في الشوارع والكنائس في حرب "سولفرينو" التي دارت بين
النمساويين والفرنسيين والإيطاليين سنة 1859 فجاءت أمنيته تتمثل في:
أ-أن تنشأ في كل بلد جمعية غوث
تطوعية تعد نفسها في زمن السلم لتقديم خدمات صحية في وقت الحرب.
ب-أن تصادق الدول على مبدأ يؤمن
حماية للمستشفيات العسكرية وإجراء الخدمات الطبية.
ومن الشق الأول لأمنية هنري
دونان خرجت منظمة الصليب الأحمر واتخذت من مقلوب علم سويسرا رمزا لها، ومن الشق
الثاني لنفس الأمنية ظهر اتفاقية جنيف سنة 1864 ثم ظهر البروتوكولين الإضافيين
لعام 1977.
ويمكن القول بأن القانون الدولي
الإنساني يتوفر ألبوم على إطار قانوني دولي يتجلى فيما يلي:1-اتفاقية جنيف لسنة
1864 بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان.تعتبر هذه الاتفاقية الأولى من
نوعها وتمثل نقطة الانطلاق للقانون الدولي الإنساني.
وتحتوي هذه الاتفاقية على عشر
مواد تتضمن حياد عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية ووسائل النقل الصحي وأعوان
الخدمات الصحية، واحترام المتطوعين المدنيين الذين يساهمون في أعمال الإغاثة
وتقديم المساعدة الصحية دون تمييز وحمل شارة خاصة هي الصليب الأحمر على رقعة
بيضاء، وتقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط.
ب-اتفاقية
لاهاي بشأن تعديل مبادئ اتفاقية جنيف لسنة 1864 لملاءمة النزاع المسلح في البحار:
نظرا لكون الاتفاقية الأولى
كانت تقتصر على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط فإنه تم تعديل هذه
الاتفاقية في المؤتمر الأول بلاهاي للسلام سنة 1899 لتشمل الاتفاقية أيضا المجال
البحري.
ح-اتفاقية جنيف لسنة
1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
بلغ عدد بنود هذه الاتفاقية 33
مادة وقد وقعت في 6 يوليوز 1906 حيث وسعت نطاق الاتفاقية الأولى لتشمل
"المرضى" كما نصت على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط المعاملة بالمثل
أو المشاركة الجماعية ، وبمقتضاه فإن الاتفاقية لا تطبق إلا بين الأطراف إذا نشبت
الحرب بين طرفين أو أكثر.
د-اتفاقية جنيف
المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
وتضم هذه الاتفاقية 39 مادة وقد
اهتمت بالطيران الصحي والإسعاف وأقرت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الأحمر وهما
الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين.
ح-اتفاقية جنيف لمعاملة
أسرى الحرب بتاريخ 27 غشت 1929:
تناولت هذه الاتفاقية أهم ما يتصل
بحياة الأسير وضمنت له التمتع بخدمات الدولة الحامية والاستفادة من خدمات اللجنة
الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المتخصصة بجمع المعلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار
مع أهليهم وذويهم، وتعتبر هذه الاتفاقية هي أول تنظيم دولي يتعلق بأسرى الحرب.
ج-اتفاقية
جنيف الأربع غشت 1949:
عقب الحرب العالمية الثانية دعت الحكومة السويسرية المجتمع
الدولي إلى عقد مؤتمر بمدينة جنيف سنة 1949 والذي أسفر عن إبرام أربع اتفاقيات هي
المعمول بها حاليا في النزاعات المسلحة تهدف إلى مراجعة وتطوير اتفاقتي "جنيف
لعام 1929 وقانون لاهاي واقتراح اتفاقية ثانية لحماية وتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى
القوات المسلحة في البحار، وتوسيع مجالات القانون الإنساني لضحايا النزاعات والفتن
الداخلية للدول، وأخيرا الاتفاقية الرابعة لجنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في
وقت الحرب والاحتلال، ولم توافق على صيغة هذه الاتفاقية إلا سنة 1977.
·
البروتوكولان الإضافيان
لاتفاقية جنيف لعام 1977:
أقر المؤتمر الدبلوماسي الذي انعقد
في جنيف ما بين سنـــــــــة 1974 و 1977 وبطلب من الحكومة السويسرية بروتوكولين
إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
·
البروتوكول الأول الإضافي الخاص
بالنزاعات المسلحة:
هذا البروتوكول الإضافي الأول يعتبر مكملا لاتفاقيات جنيف
الأربعة الصادرة عام 1949 و من أهم ما جاء في الباب الأول منه ان حروب التحرير
الوطني تعد نزاعا مسلحا دوليا و وسع مجال الحماية القانونية للوحدات الصحية , و
أعوان الخدمات الطبية على غرار الوحدات العسكرية , و ضمن نفس الحماية للمدنيين و تناول
الباب الثالث من البروتوكول الإضافي الأول أساليــــب و وسائل القتال , و الوضع
القانوني للمقاتل و أسير الحرب , كما اعترف البروتوكول لمقاتلي حرب العصابات بصفة
المقاتل , و نص على إرسال جهاز للاضطلاع بمهام التحقيق في حالة الخرق الساخر
للقانون الدولي الإنساني.
*البروتوكول الإضافي الثاني لحماية ضحايا
النزاعات المسلحة غير الدولية:
قدم البروتوكول الإضافي الثاني تعريفا للنزاع غير الدولي
بأنه نزاع تتم أحداثه على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين القوات المسلحة و قوات
مسلحة منشقة , أو جماعة نظامية مسلحة أخرى , و اقر مبدأ عدم التدخل في الشؤون
الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الإنساني مطية للتدخل في الشؤون الداخلية
للدولة , كما تناول الضمانات الأساسية لغير المقاتلين و تقديم الخدمات اللازمة
لمساعدة الأسرى في ضمان الحقوق القضائية لهم عند متابعتهم.
و بالإضافة إلى الاتفاقيات و البروتوكولين السالفة الذكر،
يمكن أن نشير إلى بعض المواثيق الدولية التي لها علاقة بقانون " جنيف " أو
القانون الدولي الإنساني نذكر منها:
*إعلان سان بتيرسبوغ لعام 1868 المتعلق بحظر
استخدام بعض القذائف المتفجرة.
*إعلان لاهاي لعام 1899 لحظر استخــدام الرصاص
من نـــــوع " دمدم" .
* بروتوكول جنيف لعام 1825 لمنع استخدامك
الغازات السامــــة و الأسلحة الجرثومية و البكتريولوجية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة و
بروتوكولاتها الإضافية .
* اتفاقية
الأمم المتحدة لسنة 1980 بشأن حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية و البروتوكولات
الملحقة بها .
* اتفاقية
أوطاوا لعام 1977 بشأن حظر استخدام الألغام المضادة للأفراد.
* النظام
الأساسي للمحكمة الجنائية الدولة الذي ابرم في روما عام 1998.
" لذلك قيل أن قواعد القانون الدولي الإنساني كانت دائما متأخرة
بحرب فموقعة ليسا البحرية لعام 1866 دفعتنا إلى اتفاقية حماية الجرحى و
المرضـــــى و الغرقى في البحار لعام 1899 و التي تم تعديلها عام 1907 و الحرب
العالمية الأولى أظهرت الحاجة إلى حماية أسرى الحرب و هي الاتفاقية الثانية لعام
1929 و الحرب العالمية الثانية جعلت مراجعة أحكام القانون الدولي الانساسي و
تعديلها أمرا ضروريا و من ثم خطونا خطوة جديدة في مجال حماية المدنيين موضوع
الاتفاقية الرابعة و كذلك الحرب الأهلية في إسبانيا دفعت لأول مرة إلى معالجة
أوضاع ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية بإقرار المادة 3 المشتركة بين
الاتفاقيات الأربع، كذلك كان الأمر
بالنسبة للبروتوكولين الإضافيين لعـــــام 1977 و التي أظهرت الحاجة خلال السنوات
التي سبقتها إلى أن الحماية المقررة في اتفاقيات 1949 لم تكن كافية سواء بالنسبة للأشخاص
كما حدث في فيتنام وأنجـــــولا و زيمبابوي , أو فيما يتعلق بوسائل و أساليب
القتال.
و هكذا و على عدة مراحل طوال أكثر
من قرن من الزمن اتسعت دائرة الأشخاص المحميين بأحكام القانون الدولي الإنساني
لتشمل الحماية كافة الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو الذي كفوا عن المشاركة
فيه .
و بذلك اقترب النظام القانوني للحماية في القانون الدولي الإنساني من
النظام الحماية المقررة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يشمل جميع الأفراد
دون تمييز."(1)
(2)المبحث الثاني :
معايير التمييز بين القانون الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان :
كثيرا ما يقع الخلط بين القانون
الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان مما يتعين معه التمييز بين هذين الفرعين
القانونيين ذلك أن كل منهما فرع من القانون الدولي العام و يهدفان معا لحماية
الإنسان إلا انهما يختلفان في أن القانون الدولي الإنساني ينطبق في زمن النزاعات
المسلحة سواء الدولية أو الداخليــــــة , و يشتمل على قواعد خاصة لحماية ضحايا
هذه النزاعات أو ما يسمــــــــــــــــــى " بقانون جنيف "(
اتفاقية جنيف لعام 1949 و البروتوكولان المكملان
الصادران عام 1977) و قواعد أخرى خاصة بأساليب و وسائل القتال و هو ما يعرف بقانون
لاهاي ( اتفاقية لاهاي لعام 1907) فهو قانون بحكم حق الاشتراك في القتال و إدارة
العمليات العسكرية و العلاقة بين الدول المتحاربة و الدول المحايدة علما أن
اتفاقيات جنيف تطبق بالتعاون مع وتحت إشراف الدولة الحاميــــة و اللجنة الدولية
للصليب الأحمر من حيث آليات المراقبة إضافة إلى أن أحام القانون الدولي الإنساني
إلى جانب أنها ملزمة للدول فهي ملزمة أيضا بالنسبة للإفراد مباشرة حيث يمكن أن
تعاقب الدولة أفرادا ارتكبوا انتهاكات معينة معتمدة في ذلك على القانون الدولي و
تقدمهم للمحاكمة(2) .
أما قانون حقوق الإنسان فهو قانون يحرص على ضمان حقوق الفـــرد و احترام
حقوقه و حرياته المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ضد أي
تعسف لسلطات دولية فهو قانون يشتمل على حقوق لا أهمية لها في المنازعات المسلحة
مثل الحقوق السياسية و بعض الحريات السياسية كحرية الصحافة و حرية التعبير و حرية
الاجتماع الخ ... (1).
و قد تكفلت الدساتير بكل دولة بضمان هذه الحقوق ,كما تكفل المجتمع الدولي
ببيان الحد الأدنى لهذه الحقوق و الحريات من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لسنة 1948 ثم العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعيـــــــة و الثقافية عام
1966، و هذه الحقوق و الحريات تسهر الدول
على توفيرها لمواطنيها و النص عليها في دساتيرها و هذا يعني أن قانون حقوق الإنسان
يعمل به في زمن السلام , أما القانون الإنساني الدولي فانه يعمل به في مواجهة
ضحايا النزاعات في حق غير المقاتلين في زمن النزاعات المسلحة فهو قانون خاص مرهون
بحالات النزاعات المسلحة بل أن اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا المنازعات المسلحة قدرا
من الحماية أكبر مما تتيحه لهم اتفاقيات حقوق الإنسان لأنها أكثر ملاءمة لظروفهم .
" ويبقى الاختلاف بين القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان اختلافا
جوهريا فحيث يتعلق الأمر بحقوق الإنسان تقوم الأطراف المتضررة أساسا باتخاذ الإجراءات
اللازمة أمام المحاكم الوطنية، و إذا
اقتضى الأمر أمام سلطة دولية. أما في القانون الدولي الإنساني , فان اتخاذ إجراءات
قانونية بواسطة الأطراف المتضررة أمر مستبعد بصورة عامة لسببين , أولا : لأن
الإجراءات القانونية ليست ملائمة لتقويم الانتهاكات التي يرتكبها الجنود و ثانيا
:لأن القانون الدولي الإنساني يحمي أولا أفرادا لا حول لهم و لا قوة و لا يستطيعون
في العادة أن يلجأوا لأي إجراء قانوني وطنيا كان أو دوليا . و بناء على ذلك فان
تطبيق الاتفاقيات الإنسانية يكون أكثر ضمانا بتدخل هيئة محايدة , تعمل مستقلة عن
أي تأثير و يعززها وجود أحكام عقابية .
أما اتفاقيات حقوق
الإنسان فهي تقضي بأنه يجوز للدول المتعاقدة او للافراد الذين انتهت حقوقهم أن
يقدموا شكوى ضد الدولة التي ارتكبت هذا الانتهاك , و هي إجراءات قد تستغرق سنوات
عديدة و لكن ما يصحبها من دعاية و إعلام قد يكون
رادفا قويا " (2).
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب