غسل الأموال في النظم الوضعية
رؤية
إسلامية
أ.د محمد
بن أحمد صالح الصالح
أستاذ
الدراسات العليا
وعضو
المجلس العلمي
جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(طبعة تمهيدية)
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعاءٍِ
بدعوته واهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الثقافة القوية تفرض نفسها على الثقافة
الضعيفة وتستمد الثقافة قوتها من قوة الدولة التي تتبعها والحضارة التي تلتصق بها
وقد سادت الثقافة الإسلامية في عصر ازدهار الإسلام، وعمت المفاهيم والأفكار
والمصطلحات الإسلامية مشارق الأرض ومغاربها حيث أنه لم تخل لغة من اللغات من بعض
المصطلحات والكلمات العربية، وفي العصر الحاضر غلبت الثقافة الغربية على الفكر
الإسلامي وكثرت المصطلحات الأجنبية في بلاد الإسلام، سواء مما تعلق منها
بالمحسوسات
أو المعقولات.
ففي مجال المحسات كثرت مسميات
الآلات الحديثة في ميادين شتى وجرت على الألسنة، وفي مجال المعقولات وفدت إلينا
أسماء واصطلاحات كثيرة وأصبحت لغة التداول
في وسائل الإعلام مثل مصطلح "غسل الأموال" وتبيض الأموال، "تطهير
الأموال" وغيرها من المصطلحات بدلاً من المال الحرام ولست أدري : هل القائمون
على أمر هذه الأشياء هم الذين أطلقوا عليها هذه التسميات لتبقى معماة أو طلقها
غيرها لاعتبارات رأوها، وإن وردت بعض التعليلات لبعض الأسماء لكن تبقى أسماء أخرى
لم يرد لها سبب للتسمية.
وهذا ما جعلني أكتب هذا البحث
ردّاً المصطلحات الحديثة إلى أصول إسلامية ثم استبدال الألفاظ فيها بغيرها، حتى
تتسم بسمة الفكر الغربي لكرههم لكل ما هو إسلامي، وإقامة الدليل على أن الإسلام
سبق جميع النظم في علاج هذه الظاهرة، وقد عالجت هذا الأمور في إطار الموضوعات
التالية:
1.
مفهوم مصطلح غسل
الأموال وسبب التسمية.
2.
مجالات غسل الأموال
ومصادر التحصيل.
3.
مراحل غسل الأموال.
4.
أسباب تفشي ظاهرة غسل
الأموال.
5.
آثار غسل الأموال.
6.
الجهود والقوانين
الدولية لمكافحة غسل الأموال.
7.
دول مجلس التعاون
ومكافحة غسل الأموال.
8.
موقف الشريعة
الإسلامية من غسل الأموال.
ويقتضينا واجب الدراسة في
الختام أن ننتهي إلى الخلاصة المناسبة.
أولاً: مفهوم مصطلح "غسل الأموال" وسبب
التسمية:
تقديم : تعتبر كل عملية من العمليات المتعددة والمتداخلة لغسل الأموال
"القذرة" واحدة من الصور الإجرامية المستحدثة ذات البعد الاقتصادي الذي
لا يقف عن حدود دولة بعينها بل يتخطاها إلى دول عديدة، ومن ثم فإنه لاغرابة والحالة هذه في اعتبار
جريمة غسل الأموال بجميع عملياتها من الجرائم الاقتصادية الدولية المنظمة بل هي
أخطر هذه الجرائم مجتمعة وذلك لما لها من اتصال وثيق بالأنشطة الاقتصادية غير
المشروعة والتي تقع تحت ما يعرف بالاقتصاد الخفي ومن اتصال وثيق بحركة التجارة
الدولية والاستثمار الدولي ومن اتصال وثيق بالدور الثقافي للمؤسسات المالية
(البنوك) في انتشارها ومكافحتها ويوجد في أدبيات الفكر الاقتصادي والقانوني
العالمي مجموعة من التعريفات لغسل الأموال من أبرزها:
-
أنها "مجموعة من العمليات والتحويلات المالية والعينية على الأموال القذرة،
لتغيير ضفتها غير المشروعة في النظام الشرعي وإكسابها صفة المشروعية، بهدف إخفاء
مصادر أموال المجرمين. وتحويلها بعد ذلك لتبدو وكأنها استثمارات قانونية".
وعلى
ذلك فإن الأنشطة الخفية الإجرامية والاتجار في المخدرات وتجارة الرقيق الأعضاء البشرية ، و الدعارة ،و
القوادة ،وأعمال المافيا ، هي مصادر للأموال القذرة التي يحاول أصحابها تغيير
صفتها غير المشروعة وإكسابها صفة جدية مشروعة من خلال عمليات غسيل الأموال".
(1)
- إنها "مجموعة العمليات المالية المتداخلة
لإخفاء المصدر غير المشروع للأموال (القدرة) وإظهارها في صورة أموال متحصلة من
مصدر مشروع، أو الإسهام في توظيف أو إخفاء أو تحويل العائد المباشر أو غير المباشر
لجناية أو جنحة ومن ثم فإن جريمة غسيل الأموال هي جريمة تابعة تفترض ابتداء سبق
ارتكاب جريمة أولية (أصلية) ينتج عنها أموال غير مشروعة، ثم تأتي في مرحلة تالية،
عمليات غسيل هذه الأموال لتطهيرها في إحدى صور الغسيل".(2)
-غسيل الأموال عبارة عن
"مجموعة من العمليات المالية تستهدف إضفاء الشرعية على أموال متحصلة من مصدر
غير شرعي، بحيث تنطوي هذه العلميات على إخفاء مصدر المال المتحصل عليه من أنشطة
إجرامية، وجعله يبدو في صورة مشروعة، مما يمكن الجناة من الاستفادة من حصيلة
جرائمهم علانية.
والجاني في غسيل الأموال يقوم
بإجراء عمليات مالية متداخلة هدفها إدخال هذه الأموال غير المشروعة إلى حركة
التداول المشروع لرأس المال، وهو ما يؤدي إلى إدماج هذه الأموال في النظام (الهيكل
) المالي للدولة التي تتجه إليها هذه الأموال ويصبح من الصعب اقتفاء أثرها أو
الوقوف على مصدرها غير المشروع".(3)
- غسيل الأموال هو
"تحويل الأموال الناتجة من أنشطة إجرامية إلى أموال تتمتع بمظهر قانوني سليم
خصوصاً من حيث مصادرها".(4)
- غسيل الأموال هو
"إضفاء المشروعية على الأرباح المستمدة من أي نشاط غير مشروع".(5)
- وعرفه الدكتور محي الدين
عوض بأنه "يطلق على إخفاء حقيقة الأموال المستمدة من طريق غير مشروع عن طريق
القيام بتصديرها أو إيداعها في مصارف دول أخرى أو نقل إيداعها أو توظيفها أو
استثمارها في أنشطة مشروعة للإفلات بها من الضبط والمصادرة وإظهارها كما لو كانت
مستمدة من مصادر مشروعة وسواء أكان الإيداع أو التمويه أو النقل أو التحويل أو
التوظيف أو الاستثمار في دول متقدمة أم في دول نامية".(6)
-
اعتمد المجلس الأوربي تعريفا لغسيل الأموال فحواه غسيل الأموال هو:"تغيير شكل
المال من حالة إلى أخرى وتوظيفه أو تحويله ونقله مع العلم بأنه مستمد من نشاط
إجرامي أو من فعل يعد مساهمة في مثل هذا النشاط وذلك بغرض إخفاء, أو تمويه حقيقة
أصله غير المشروع أو مساومة أي شخص متورط في ارتكاب النشاط الإجرامي لتجنب النتائج
القانونية لعمله".(7)
-
وقد عرفه د.صلاح جودة قائلاً:"عبارة غسيل الأموال يقصد بها سلسلة من التصرفات
أو الإجراءات التي يقوم بها صاحب الدخل غير المشروع أو الناتج عن الجريمة بحيث
تبدو الأموال أو الدخل كما لو كان مشروعاً تماما مع صعوبة إثبات عدم مشروعيته
بواسطة السلطات الأمنية أو القضائية، ويحقق ذلك عندما ينجح صاحب الدخل غير المشروع
في قطع الصلة بين أصل المال غير المشروع وماله
النهائي"(
وفي
قانون مكافحة غسيل الأموال المصري ورد التعريف لغسيل الأموال بأنه
"كل سلوك ينطوي على اكتساب مال أو حيازته أو التصرف فيه أو إدارته
أو حفظه أو استبداله أو إيداعه أو ضمانه أو استثماره
أو نقله أو تحويله إذا كان متحصلاً من جريمة من الجرائم المنصوص عليها ... متى كان
القصد من هذا السلوك إخفاء أو تمويه مصدر المال أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون
اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال".(9)
ويمكن
القول: إن قاسما مشتركا يجمع سائر التعاريف مفاده "محاولة إضفاء الشرعية على
المال الحرام يهدف إظهاره في صورة مال حلال".
وقد
تفاوتت التعاريف بين قبض وبسط وبين اقتصار على المضمون وخروج للوسائل وجمع للصور
وضم المصادر .. الخ بما لا يتسع المقام لنقده.
سبب التسمية بغسل
الأموال:
للباحثين أراء مختلفة في علة التسمية
بـ"غسل الأموال" إلا أن جمهور الباحثين على أن مرد التسمية يرجع للآتي
"حينما لاحظ رجال مكافحة المخدرات أن تجار المخدرات الذين يبيعون للمدمنين
بالتجزئة يتجمع لديهم في نهاية كل يوم فئات صغيرة من النقود الورقية والمعدنية
وعادة ما يتجهون إلى المغاسل الموجودة بالقرب من كل مجمع سكني لاستبدال النقود
الصغيرة الفئات بنقود من فئات كبيرة ليقوموا بعد ذلك بإيداعها في البنك القريب من
أماكن تواجدهم.
ونظرا لأن فئات النقد الصغيرة
عادة ما تكون ملوثة بآثار المخدرات التي ربما تكون عالقة في أيدي تجار التجزئة فقد
حرصت المغاسل على غسيل النقود الملوثة بالبخار أو الكيماويات قبل إيداعها في
البنوك التي توجد بها حساباتهم ومن هنا جاء الربط بين تجار المخدرات وغسيل الأموال
باعتبار أن نشاط الاتجار غير المشروع في المخدرات يمثل حوالي 70% من الأموال غير
المشروعة الناتجة عن الجريمة المنظمة على مستوى العالم".(10)
ويرى آخرون أن التسمية ترجع
لأسباب أخرى وأن أول مرة عرف فيها مصطلح غسيل الأموال كان في عام 1350هـ 1931م،
عند محاكمة (الفونس كابوني) الشهير بآل كابوني.
ويصفُ هذا المصطلحُ واحداً من أهم الأطوار التي تمر بها الأموال
التي تحصلها عصابات المافيا لجعلها تبدو مشروعة والتي تأتي أساساً من أعمال
الابتزاز والسرعة والدعارة والقمار علاوة على تهريب المخدرات.... ويعتبر القيام
بأعمال مشروعة ثم خلط عائدها من الأموال بالعائد من الأعمال غير المشروعة إحدى
الطرق التي كانت المافيا قادرة على اتباعها لفترة طويلة من الزمن....(11)
أما مفهوم :"غسيل
الأموال" كمصطلح فيعتبر مفهوماً جديداً وترجع أصول اقتباسه كما يقول (ستيل)
إلى جريدة خلال تقرير عن فضيحة (واترجيت) في الولايات المتحدة عام 1393هـ،1973م،
وأول مرة ظهر فيها المصطلح في الإطار القضائي والنظامي كان في عام 1402هـ 1982م،
ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المفهوم مقبولا وانتشر استخدامه في العالم كله.(12)
ويقول البعض: أن كلمة غسيل
الأموال ظهرت في ولاية شيكاغو حيث اشترى رجال الأعمال التابعون لعصابات (المافيا)
مؤسسات الغسيل والتي تتم معاملاتها بفئات مالية بسيطة وكان المشرفون عليها يضيفون
إلى أرباح مؤسسات الغسل بعض أرباح تجارة المخدرات ليتم تنظيمها دون أن يرتاب أحد
في مجموع المبالغ المتحصلة. (13)
وقد استعمل التعبير غسيل
الأموال في إطار قانوني في إحدى القضايا في الولايات المتحدة 1982م.
ويلاحظ أن معنى عبارة غسيل
الأموال التي تستخدم كمصطلح قانوني في التشريع الآن تكاد تتعارض لغوياً وعملياً مع
الفهم العربي والإسلامي لهذه العبارة ـ فالغسل في اللغة إزالة الوسخ عن الشيء
وتنظيفه بالماء كما تقول المعاجم ـ ويعني المفهوم الشرعي التطهير حسياً ومعنوياً
أيضا ـ وغسيل الأموال إذا أخذنا العبارة بمفهومها اللغوي والشرعي يعني تنظيفها
حسياً ومعنوياً وهو تنظيف حقيقي لا خداع فيه سواء كان حسياً أو معنوياً.
أما مفهوم غسيل الأموال
كمصطلح حديث فهو من الناحية العملية إضافة جريمة أو عمل غير شرعي إلى جريمة سابقة
وهي حصول الشخص على مال حرام يريد إخفاءه وفصله عن مصدره غير المشروع أو إخفاء هذا
المصدر عن الناس وهذا المعنى وهو ما يجري واقعياً يتعارض مع غسل الأموال أو
تطهيرها بالمفهوم الشرعي الصحيح سواء كان غسلاً حسياً ومادياً أو غسلاً وتطهيراً
معنوياً كما هو الحال في أداء الزكاة والتصدق بجانب منه.
وبذلك يمكن قبول المصطلح
القانوني على أنه من قبيل المجاز فحسب أمَّا حقيقته فهي ليست في غسيل المال وإنما
إضافة تلويث إليه بالخداع في مصدره وإخفائه بطرق احتياليه.
أما غسيل الأموال في الرؤية
الإسلامية فهو أمر مطلوب إذا قصدنا به تطهير المال وتزكيته بحيث يصبح نعمة كبرى
على الإنسان يستخدمه ويستثمره فيما أحل الله ليزداد نماء وطهراً .
ولا يرد غسيل الأموال في
الشريعة الإسلامية إلا على المال الحلال والذي اكتسب بطريقة مشروعة وباستقراء
أحكام الشرع التي تهدف إلى تطهير المال وجعله نعمة خالية من شبهة الحرام نجد أن
الشرع يطهر المال ويزكيه ويزيد في بركته حين تؤدى زكاته بحسب شروط إخراج الزكاة
(زكاة المال وزكاة الفطر) كما يتطهر المال بالصدقة وتزيد بركته لقول الرسول صلى
الله عليه وسلم: ما نقص مال من صدقة " كما يجب أن يوفى الإنسان ما نذره من
مال لوجه الله تعالى وما عليه من حقوق مالية (مثل الكفارات والديات) وفضلاً عن ذلك
أمر الشرع بالوفاء بحقوق العباد التي تنشأ عن المعاملات المالية أو الديون حتى ديون
النفقات التي يفرضها الشرع على من يلتزم بها نحو الأقارب وهكذا يزكى المال الحلال
وينمو وتزداد بركته ويصح أن نطلق على ذلك غسيل الأموال فتكون العبارة أصدق ما تكون حساً أو معنى.
ومع ذلك لم يترك الشرع من يقع
في يده مال لم يكتسبه من الوجه المشروع بل نظم الشارع له وسيلة تنجيه هو من الإثم
وتطهر المال إذا بقي في يده، فالمال الذي يقع في يد المسلم ولا يكون الحصول عليه
بوجه شرعي ينبغي رده إلى صاحبه إذا علم وعرف وكذلك بأداء الأمانة لا سيما في
البيوع إذا شابها غش أو غبن فاحش فعلى من استفاد من هذا الغش أو الغبن الفاحش أن
ينبه من ظلم في ماله ويرد إليه ما يغسل الكسب ويجعله حلالاً لمن يحصل عليه وذلك عن
طريق تصحيح البيوع الفاسدة أو المعاملات التي وقع فيها غش أو غرر أو احتكار يجعل
الكسب من ورائها مشوباً بالحرمة أو يجعل العقد الخاص بها حراماً أو مكروهاً ـ هنا
يكون غسيل المال بتصحيح تلك العقود والمعاملات وجعلها في نطاق الشرع ورد ما تحصل
عليه الشخص من مال حرام إلى صاحب الحق فيه.
ولا نغفل هنا وجوب توبة الشخص
الذي تحصل على مال حرام إلى جانب رد المظالم كما ذكرنا فلا تصلح التوبة إلى الله
باللسان وأن رد المظالم إلى أصحابها، ولا يصلح رد المظالم وحده مع انصراف
النية عن التوبة النصوح إلى الله تعالى .
كذلك فإن ولي الأمر حين يضع
الأنظمة التي يتعامل الناس على أساسها في المجتمع يجب عليه أن يجعلها في نطاق
الشرع حتى تكون مكاسب الناس فيها طاهرة فلا تباح معاملة فيها الظلم أو الربا
المحرم ولا يباح القمار والغرر في المعاملات ولا يسمح بالاحتكار واستغلال حاجة
الناس إلى سلعه معينة فالشرع يلزم ولي الأمر بأن يشرف على التعامل المالي أو
الاقتصادي في المجتمع ويحمي أصحاب الحقوق حماية عامة فلا يسمح بأن يشوب الظلم أو
الجشع معاملات الناس وقد عاقب عمر رضي الله عنه من يغش اللبن ويبيعه للناس مخلوطاً
بالماء بإحراق ما يبيعه وكذلك أفتى العلماء بإتلاف ما يضر الناس من سلع أو كتب أو
مطبوعات وفي كتب الفقهاء أمثلة عديدة في كيفية تصدي الولاة لمنع الظلم في معاملات
الناس.
ويعتبر ذلك من أوليات الشرع
وهو في ذاته إغلاق لباب الحصول على مال حرام ويجعل صاحبه إذا لم يكن من المسلمين
الصالحين يجاهد في إخفائه بعد ذلك وخلطه بالمال الحلال أمامهم ـ فإذا راعى ولاة
الأمور إغلاق أبواب الحرام وسد طرق الحصول عليه بوسائل غير مشروعة لم تعد هناك
حاجة إلى محاولة غسلها كما ظهر في العصر الحديث فراراً من رد المظالم إلى أصحابها
أو فراراً من العقوبة التي تنتظر من يحصل على المال الحرام عن طريق ارتكاب
الجرائم.
وهكذا فإن الرؤية الإسلامية
في غسيل الأموال تصحح الوضع القائم فلا يعقل أن تباح الدعارة في بلد ثم نتكلم عن
مقاومة غسيل الأموال الناتجة عنها فالأمر جريمة من قبل ومن بعد ولا يعقل أن تباح
تجارة الخمور أو أنواع من المخدرات ونحاول بعد ذلك أن نكبح جماح من يغسلون الأموال
المتحصلة من هذه الجرائم ولكن الأبقى والأتقى والأصلح للمجتمع أن نغلق باب الحرام
فلا تكون هناك حاجة إلى ممارسة غسيل الأموال بالمعنى الوضعي وهذا ما تهدف إليه
الشريعة وهو من قبيل الوقاية للفرد والمجتمع في الجانب الاقتصادي والمالي.
ثانياً: مجالات غسل
الأموال ومصادر التحصيل:
بدأت عملية غسل الأموال بتجارة المخدرات على
الراجح نظرا لما تدره التجارة فيها من كسب فائق الوصف والتوقع، إلا أن مجالات
الكسب ومصادر التحصيل قد نمت بنمو الزمن وتناسبت تنانسباً طردياً مع الزمن، وقد
حصر أحد الباحثين هذه المجالات وشرحها مفصلا نكتفي بذكر رؤوس هذه المجالات ومن
أراد الوقوف على كيفية التطبيق العلمي فعليه بالمرجع المذكور، من هذه المجالات
ما يلي:
1.
مجال المضاربات على
الأسهم في البورصات الوليدة الناشئة.
2.
مجال المضاربة على
أسعار الأراضي والعقارات والشقق الفاخرة.
3.
مجال العقود
والتوريدات الحكومية وغير الحكومية الهائلة.
4.
مجال المزادات
والمناقصات الحكومية وغير الحكومية.
5.
مجال الهدايا وبيع
التحف النادرة وتجارة الأشياء الثمينة ذات القيمة المعنوية .
6.
صناعة السينما ومكاتب
الإنتاج السينمائي.
7.
مجال تذاكر آليا نصيب
واللوتارية.
8.
مجال المطاعم والوجبات
السريعة (العالمية).
9.
دور السينما واستخدام
حفلاتها لغسل الأموال.
10.
الملاهي على اختلاف
أشكالها وألوانها.(14)
وهناك مجالات أخرى ذكرها لم
نشر إليها لعدم طمأنينة النفس إليها ومما
ذكره صلاح جودة مضافا إلى ما سبق
ما يلي:
11.
أنشطة التهريب عبر الحدود للسلع والمنتجات
المستوردة دون دفع الرسوم والضرائب الجمركية المقررة مثل تهريب السلع من المناطق
الحرة وتهريب السجائر والسلع المعمرة وتجارة السلاح وغيرها.
12. أنشطة السوق السوداء والتي تحقق منها دخول طائلة
للمتعاملين فيها بالمخالفة للقوانين الدولية مثال ذلك: المتاجرة في العملات
الأجنبية في الدول التي تفرض رقابة على معاملات النقد الأجنبي ومثل السلع التي
تعاني البلاد نقص المعروض منها بالنسبة للطلب عليها مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها
بما يتجاوز ضوابط تسعيرة الدولة.
13. أنشطة الرشوة والفساد الإداري والتربح من الوظائف
العامة وذلك من خلال الحصول على دخول غير مشروعة مقابلة التراخيص أو الموافقات
الحكومية أو ترسية العطاءات أو العقود المخالفة لنصوص اللوائح والقوانين.
14. العمولات التي يحصل عليها بعض الأفراد والمشروعات
مقابل عقد صفقات الأسلحة والسلع الرأسمالية أو الحصول على التكنولوجية
المتقدمة....
15. الاقتراض من البنوك المحلية بدون ضمانات كافية أو
بضمانات صورية
أو مبالغ في قيمتها وتحويل الأموال إلى الخارج دون
سداد مستحقات هذه البنوك وهروب الأشخاص المقترضين مع أموالهم إلى الخارج لفترات
معينة حتى تسقط الجرائم والأحكام بالتقادم.
16. جمع أموال من المودعين وتهريبها إلى الخارج دون وجود
ضمانات كافية لأصحابها بزعم توظيفها في مجالات تحقق أرباحاً مغرية.
17.
الدخول الناتجة عن
الغش التجاري أو الاتجار في السلع الفاسدة أو تقليد الماركات العالمية أو المحلية
ذات الجودة والشهرة.
18.
الدخول الناتجة عن
تزييف النقود المحلية والأجنبية ذات الفئات الكبيرة القيمة.
19. الدخول الناتجة عن تزوير الشيكات المصرفية وسحب
المبالغ من البنوك المحلية بشيكات أو حوالات مزورة أو من خلال تزوير الاعتمادات
المستندية المعززة بموافقة البنوك.
20. الدخول الناتجة عن الفساد السياسي مثل فساد أعضاء
البرلمان واستخدام الحصانة في التربح من العمل السياسي أو التهرب للسلع المستوردة.
21. الدخول الناتجة عن أنشطة الجاسوسية الدولية... وتودع
الأموال من الجهة التي يعمل لحسابها في حساب مصرفي باسم الجاسوس خارج دولته.
22. الدخول الناتجة عن التستر والتي تجرمها بعض الدول
العربية التي تمنع قوانينها الأجانب من المتاجرة أو مزاولة الأنشطة الاقتصادية
..دون وجود كفيل وطني حيث يلجأ الأجانب إلى بعض رجال الأعمال من أبناء تلك الــدول
العربـــــية ويقدمـــــــــون له
رواتب شهرية أو سنوية أو نسبة من الأرباح مقابل التنازل عن حقه في استخدام ترخيص
مزاولة النشاط الاقتصادي وبذلك يحصل الأجنبي على أرباح طائلة من استغلال التراخيص
الممنوحة للمواطنين...(15)
وأضيف إلى كل ما سبق ساحة جديدة من فرص غسل الأموال
في العراق المحتل. فتحت ذريعة إعمار العراق، واستثمار رأس المال الأجنبي، سوف تجد
المافيات الدولية ميداناً كثير الفرص لغسل الأموال وتطهيرها، ومن ثم إخراجها،
ولعلّ عصابات المال الصهيوني التي لا تعفّ عن رذيلة في دنيا المال، إلا وتأخذ بها،
لعلها بدأت التسلل إلى العراق بحجة الاستثمار، بعدما أعطيت ذات الدرجة التفضيلية
لأي مال خارجي، وإنه لأمر يستحق الملاحظة والتتبع والانتباه.
ومن الناحية الشرعية نلاحظ أن مفردات الأنشطة التي
ذكرت آنفاً والتي توردها التشريعات المهتمة بظاهرة غسيل الأموال تقع جميعاً في
المفهوم الإسلامي تحت عبارة المال الحرام ـ وهو معنى محدد في الإسلام بأنه المال
الذي يكتسب عن طريق غير مشروع وتنتج عدم المشروعية عن أصلين كلاهماورد النهي عنه
في القرآن الكريم وهما أكل أموال الناس بالباطل وتعدي حدود الله في التصرفات
المالية ـ ويدخل في ذلك ما يؤخذ غصباً دون رضا صاحبه والقمار والخداع والغش وكل ما
نتج عن معصية حرمها الشارع أو وضع لإرتكابها عقوبة كالسرقة والاحتيال وإنكار
الحقوق وأخذ الربا وثمن المحرمات كالخنزير ونحوه من المحرمات فكل ذلك مال حرام نهى
الله عن كسبه والانتفاع به ويلاحظ أن نشأة ظاهرة غسيل الأموال ونشاط المجتمع
الدولي في محاربتها لها أسباب اقتصادية وبواعث اقتصادية لا تكاد تتصل بالتوجيه
الخلقي في المجتمع، فالدول الأوروبية والأمريكية تجيز ألواناً من الكسب محرمة
شرعاً وتضر بالمجتمع أبلغ الضرر مثل الأموال الناتجة عن القمار والدعارة المصرح
بها والرهان المحرم شرعاً ولكنها أموال تسلم لصاحبها رغم عدم شرعيتها ويرجع ذلك
إلى انفصال القواعد القانونية عن القواعد الخلقية في التشريع الغربي بالذات وهو
مبدأ مستقر على خلاف
ما نراه في التشريع الإسلامي.
ثالثاً: مراحل غسل
الأموال:
"تمر عملية غسل الأموال
بمراحل ثلاث مترابطة وهي مرحلة الإيداع ومرحلة التمويه ومرحلة الإدماج وتهدف هذه
المراحل في مجملها إلى إخفاء المصدر الجرمي للعائدات غير المشروعة ودفعها للامتزاج
والاندماج في هياكل وآليات الاقتصاد المشروع ، بما يحقق للمجرمين وللمنظمات
الإجرامية فرصة أوسع للتصرف بحرية تامة في هذه العائدات بعيدا عن متناول أجهزة
القانون".(16)
ويرى د.جودة أن مراحل غسيل
الأموال ثلاثة هي:
1 - التوظيف أو الإيداع.
2 - التعتيم أو التمويه.
3 - التكامل أو الاندماج.(17)
بينما كتب محي الدين علم
الدين أن المراحل (*) هي:
1)
اكتساب الأموال
بالعملة المحلية أو الأجنبية نقداً أوعيناً.
2) التخلص من حيازة الأموال بعد قبضها حتى إذا تم ضبطه
لم يكن المال في حيازته فلا يصـادر عند توقيع العقوبة عليه فيعهد إلى أحد معـاونيه
في الجريمة بحيازة
المال وقد يلجأ إلى إيداع
المبالغ المتحصلة في خزانة حديدية في بنك من البنوك حتى لا يتبين ضخامتها
وأهميتها.
3) إدارة الأموال والتصرف فيها، فقد يعهد المجرم بنقل
سلطة إدارة أمواله المكتسبة من عمل غير مشروع منصوص عليه إلى آخر، وقد يمعن في
التخفي فيخرج جزءً من هذه الأموال على سبيل الصدقة أو المساهمات الاجتماعية
الخيرية أو رصد جوائز للمتفوقين في مجلات علمية أو رياضية أو دينية درءاً للشبهات
عن نفسه، وقد يعهد بهذه الأموال إدارة وتصرف إلى أجهزة أمناء الاستثمار في البنوك
أو الشركات.
4)
حفظ الأموال المكتسبة
وهذا يتم عادة بواسطة أشخاص يثق فيهم المجرم وكثيراً ما يكونون من شركائه.
5) استثمار الأموال المكتسبة من جريمة من جرائم غسل
الأموال، بصورة ويرى آخرون أن عمليات
غسل الأموال تمر بثلاث مراحل متعاقبة هي: (19)
1 .
الإحلال .
2 .
التغطية.
3 .
الدمج.
أولاً : الإحلال:
وهي أولى مراحل الدورة لتقليدية
لغسل الأموال وفي هذه المرحلة يتم إدخال الأموال القذرة التي تم تحصيلها من جرائم الاتجار
بالمخدرات أو بالسلاح أو بالرقيق الأبيض أو بالأعضاء البشرية أو من أي صورة من صور
الجريمة الدولية المنظمة، إلى الجهاز المصرفي دون لفت الأنظار، ثم بعد فترة يتم
نقل هذه الأموال إلى الخارج بأية صورة من صور التحويل المصرفي .
وقد تتعدى عملية الإحلال من مجرد
الإيداع في البنوك إلى شراء مؤسسات مالية أو تجارية أو شراء أسهم أو سندات لحاملها
أو سبائك ذهبية، المهم في هذه المرحلة أن يتم تغيير شكل المال الحرام بأية صورة من
صور التغيير.
وهذا الإحلال قد يتم في نطاق
المدينة أو المنطقة التي تم اكتساب المال الحرام منها، ويمكن أن يتم ذلك من جانب
موزعي المخدرات بالجملة أو التجزئة
أو المرتشين أو تجار السوق السوداء وأمثالهم حين يقومون بغسل الأموال الشخصية التي
يتحصلون عليها، أما الحيتان الكبار من منظمات المافيا العالمية، فإنهم يفضلون غسل
أموالهم القذرة خارج حدود دولهم.
رؤية
إسلامية
أ.د محمد
بن أحمد صالح الصالح
أستاذ
الدراسات العليا
وعضو
المجلس العلمي
جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(طبعة تمهيدية)
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعاءٍِ
بدعوته واهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الثقافة القوية تفرض نفسها على الثقافة
الضعيفة وتستمد الثقافة قوتها من قوة الدولة التي تتبعها والحضارة التي تلتصق بها
وقد سادت الثقافة الإسلامية في عصر ازدهار الإسلام، وعمت المفاهيم والأفكار
والمصطلحات الإسلامية مشارق الأرض ومغاربها حيث أنه لم تخل لغة من اللغات من بعض
المصطلحات والكلمات العربية، وفي العصر الحاضر غلبت الثقافة الغربية على الفكر
الإسلامي وكثرت المصطلحات الأجنبية في بلاد الإسلام، سواء مما تعلق منها
بالمحسوسات
أو المعقولات.
ففي مجال المحسات كثرت مسميات
الآلات الحديثة في ميادين شتى وجرت على الألسنة، وفي مجال المعقولات وفدت إلينا
أسماء واصطلاحات كثيرة وأصبحت لغة التداول
في وسائل الإعلام مثل مصطلح "غسل الأموال" وتبيض الأموال، "تطهير
الأموال" وغيرها من المصطلحات بدلاً من المال الحرام ولست أدري : هل القائمون
على أمر هذه الأشياء هم الذين أطلقوا عليها هذه التسميات لتبقى معماة أو طلقها
غيرها لاعتبارات رأوها، وإن وردت بعض التعليلات لبعض الأسماء لكن تبقى أسماء أخرى
لم يرد لها سبب للتسمية.
وهذا ما جعلني أكتب هذا البحث
ردّاً المصطلحات الحديثة إلى أصول إسلامية ثم استبدال الألفاظ فيها بغيرها، حتى
تتسم بسمة الفكر الغربي لكرههم لكل ما هو إسلامي، وإقامة الدليل على أن الإسلام
سبق جميع النظم في علاج هذه الظاهرة، وقد عالجت هذا الأمور في إطار الموضوعات
التالية:
1.
مفهوم مصطلح غسل
الأموال وسبب التسمية.
2.
مجالات غسل الأموال
ومصادر التحصيل.
3.
مراحل غسل الأموال.
4.
أسباب تفشي ظاهرة غسل
الأموال.
5.
آثار غسل الأموال.
6.
الجهود والقوانين
الدولية لمكافحة غسل الأموال.
7.
دول مجلس التعاون
ومكافحة غسل الأموال.
8.
موقف الشريعة
الإسلامية من غسل الأموال.
ويقتضينا واجب الدراسة في
الختام أن ننتهي إلى الخلاصة المناسبة.
أولاً: مفهوم مصطلح "غسل الأموال" وسبب
التسمية:
تقديم : تعتبر كل عملية من العمليات المتعددة والمتداخلة لغسل الأموال
"القذرة" واحدة من الصور الإجرامية المستحدثة ذات البعد الاقتصادي الذي
لا يقف عن حدود دولة بعينها بل يتخطاها إلى دول عديدة، ومن ثم فإنه لاغرابة والحالة هذه في اعتبار
جريمة غسل الأموال بجميع عملياتها من الجرائم الاقتصادية الدولية المنظمة بل هي
أخطر هذه الجرائم مجتمعة وذلك لما لها من اتصال وثيق بالأنشطة الاقتصادية غير
المشروعة والتي تقع تحت ما يعرف بالاقتصاد الخفي ومن اتصال وثيق بحركة التجارة
الدولية والاستثمار الدولي ومن اتصال وثيق بالدور الثقافي للمؤسسات المالية
(البنوك) في انتشارها ومكافحتها ويوجد في أدبيات الفكر الاقتصادي والقانوني
العالمي مجموعة من التعريفات لغسل الأموال من أبرزها:
-
أنها "مجموعة من العمليات والتحويلات المالية والعينية على الأموال القذرة،
لتغيير ضفتها غير المشروعة في النظام الشرعي وإكسابها صفة المشروعية، بهدف إخفاء
مصادر أموال المجرمين. وتحويلها بعد ذلك لتبدو وكأنها استثمارات قانونية".
وعلى
ذلك فإن الأنشطة الخفية الإجرامية والاتجار في المخدرات وتجارة الرقيق الأعضاء البشرية ، و الدعارة ،و
القوادة ،وأعمال المافيا ، هي مصادر للأموال القذرة التي يحاول أصحابها تغيير
صفتها غير المشروعة وإكسابها صفة جدية مشروعة من خلال عمليات غسيل الأموال".
(1)
- إنها "مجموعة العمليات المالية المتداخلة
لإخفاء المصدر غير المشروع للأموال (القدرة) وإظهارها في صورة أموال متحصلة من
مصدر مشروع، أو الإسهام في توظيف أو إخفاء أو تحويل العائد المباشر أو غير المباشر
لجناية أو جنحة ومن ثم فإن جريمة غسيل الأموال هي جريمة تابعة تفترض ابتداء سبق
ارتكاب جريمة أولية (أصلية) ينتج عنها أموال غير مشروعة، ثم تأتي في مرحلة تالية،
عمليات غسيل هذه الأموال لتطهيرها في إحدى صور الغسيل".(2)
-غسيل الأموال عبارة عن
"مجموعة من العمليات المالية تستهدف إضفاء الشرعية على أموال متحصلة من مصدر
غير شرعي، بحيث تنطوي هذه العلميات على إخفاء مصدر المال المتحصل عليه من أنشطة
إجرامية، وجعله يبدو في صورة مشروعة، مما يمكن الجناة من الاستفادة من حصيلة
جرائمهم علانية.
والجاني في غسيل الأموال يقوم
بإجراء عمليات مالية متداخلة هدفها إدخال هذه الأموال غير المشروعة إلى حركة
التداول المشروع لرأس المال، وهو ما يؤدي إلى إدماج هذه الأموال في النظام (الهيكل
) المالي للدولة التي تتجه إليها هذه الأموال ويصبح من الصعب اقتفاء أثرها أو
الوقوف على مصدرها غير المشروع".(3)
- غسيل الأموال هو
"تحويل الأموال الناتجة من أنشطة إجرامية إلى أموال تتمتع بمظهر قانوني سليم
خصوصاً من حيث مصادرها".(4)
- غسيل الأموال هو
"إضفاء المشروعية على الأرباح المستمدة من أي نشاط غير مشروع".(5)
- وعرفه الدكتور محي الدين
عوض بأنه "يطلق على إخفاء حقيقة الأموال المستمدة من طريق غير مشروع عن طريق
القيام بتصديرها أو إيداعها في مصارف دول أخرى أو نقل إيداعها أو توظيفها أو
استثمارها في أنشطة مشروعة للإفلات بها من الضبط والمصادرة وإظهارها كما لو كانت
مستمدة من مصادر مشروعة وسواء أكان الإيداع أو التمويه أو النقل أو التحويل أو
التوظيف أو الاستثمار في دول متقدمة أم في دول نامية".(6)
-
اعتمد المجلس الأوربي تعريفا لغسيل الأموال فحواه غسيل الأموال هو:"تغيير شكل
المال من حالة إلى أخرى وتوظيفه أو تحويله ونقله مع العلم بأنه مستمد من نشاط
إجرامي أو من فعل يعد مساهمة في مثل هذا النشاط وذلك بغرض إخفاء, أو تمويه حقيقة
أصله غير المشروع أو مساومة أي شخص متورط في ارتكاب النشاط الإجرامي لتجنب النتائج
القانونية لعمله".(7)
-
وقد عرفه د.صلاح جودة قائلاً:"عبارة غسيل الأموال يقصد بها سلسلة من التصرفات
أو الإجراءات التي يقوم بها صاحب الدخل غير المشروع أو الناتج عن الجريمة بحيث
تبدو الأموال أو الدخل كما لو كان مشروعاً تماما مع صعوبة إثبات عدم مشروعيته
بواسطة السلطات الأمنية أو القضائية، ويحقق ذلك عندما ينجح صاحب الدخل غير المشروع
في قطع الصلة بين أصل المال غير المشروع وماله
النهائي"(
وفي
قانون مكافحة غسيل الأموال المصري ورد التعريف لغسيل الأموال بأنه
"كل سلوك ينطوي على اكتساب مال أو حيازته أو التصرف فيه أو إدارته
أو حفظه أو استبداله أو إيداعه أو ضمانه أو استثماره
أو نقله أو تحويله إذا كان متحصلاً من جريمة من الجرائم المنصوص عليها ... متى كان
القصد من هذا السلوك إخفاء أو تمويه مصدر المال أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون
اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال".(9)
ويمكن
القول: إن قاسما مشتركا يجمع سائر التعاريف مفاده "محاولة إضفاء الشرعية على
المال الحرام يهدف إظهاره في صورة مال حلال".
وقد
تفاوتت التعاريف بين قبض وبسط وبين اقتصار على المضمون وخروج للوسائل وجمع للصور
وضم المصادر .. الخ بما لا يتسع المقام لنقده.
سبب التسمية بغسل
الأموال:
للباحثين أراء مختلفة في علة التسمية
بـ"غسل الأموال" إلا أن جمهور الباحثين على أن مرد التسمية يرجع للآتي
"حينما لاحظ رجال مكافحة المخدرات أن تجار المخدرات الذين يبيعون للمدمنين
بالتجزئة يتجمع لديهم في نهاية كل يوم فئات صغيرة من النقود الورقية والمعدنية
وعادة ما يتجهون إلى المغاسل الموجودة بالقرب من كل مجمع سكني لاستبدال النقود
الصغيرة الفئات بنقود من فئات كبيرة ليقوموا بعد ذلك بإيداعها في البنك القريب من
أماكن تواجدهم.
ونظرا لأن فئات النقد الصغيرة
عادة ما تكون ملوثة بآثار المخدرات التي ربما تكون عالقة في أيدي تجار التجزئة فقد
حرصت المغاسل على غسيل النقود الملوثة بالبخار أو الكيماويات قبل إيداعها في
البنوك التي توجد بها حساباتهم ومن هنا جاء الربط بين تجار المخدرات وغسيل الأموال
باعتبار أن نشاط الاتجار غير المشروع في المخدرات يمثل حوالي 70% من الأموال غير
المشروعة الناتجة عن الجريمة المنظمة على مستوى العالم".(10)
ويرى آخرون أن التسمية ترجع
لأسباب أخرى وأن أول مرة عرف فيها مصطلح غسيل الأموال كان في عام 1350هـ 1931م،
عند محاكمة (الفونس كابوني) الشهير بآل كابوني.
ويصفُ هذا المصطلحُ واحداً من أهم الأطوار التي تمر بها الأموال
التي تحصلها عصابات المافيا لجعلها تبدو مشروعة والتي تأتي أساساً من أعمال
الابتزاز والسرعة والدعارة والقمار علاوة على تهريب المخدرات.... ويعتبر القيام
بأعمال مشروعة ثم خلط عائدها من الأموال بالعائد من الأعمال غير المشروعة إحدى
الطرق التي كانت المافيا قادرة على اتباعها لفترة طويلة من الزمن....(11)
أما مفهوم :"غسيل
الأموال" كمصطلح فيعتبر مفهوماً جديداً وترجع أصول اقتباسه كما يقول (ستيل)
إلى جريدة خلال تقرير عن فضيحة (واترجيت) في الولايات المتحدة عام 1393هـ،1973م،
وأول مرة ظهر فيها المصطلح في الإطار القضائي والنظامي كان في عام 1402هـ 1982م،
ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المفهوم مقبولا وانتشر استخدامه في العالم كله.(12)
ويقول البعض: أن كلمة غسيل
الأموال ظهرت في ولاية شيكاغو حيث اشترى رجال الأعمال التابعون لعصابات (المافيا)
مؤسسات الغسيل والتي تتم معاملاتها بفئات مالية بسيطة وكان المشرفون عليها يضيفون
إلى أرباح مؤسسات الغسل بعض أرباح تجارة المخدرات ليتم تنظيمها دون أن يرتاب أحد
في مجموع المبالغ المتحصلة. (13)
وقد استعمل التعبير غسيل
الأموال في إطار قانوني في إحدى القضايا في الولايات المتحدة 1982م.
ويلاحظ أن معنى عبارة غسيل
الأموال التي تستخدم كمصطلح قانوني في التشريع الآن تكاد تتعارض لغوياً وعملياً مع
الفهم العربي والإسلامي لهذه العبارة ـ فالغسل في اللغة إزالة الوسخ عن الشيء
وتنظيفه بالماء كما تقول المعاجم ـ ويعني المفهوم الشرعي التطهير حسياً ومعنوياً
أيضا ـ وغسيل الأموال إذا أخذنا العبارة بمفهومها اللغوي والشرعي يعني تنظيفها
حسياً ومعنوياً وهو تنظيف حقيقي لا خداع فيه سواء كان حسياً أو معنوياً.
أما مفهوم غسيل الأموال
كمصطلح حديث فهو من الناحية العملية إضافة جريمة أو عمل غير شرعي إلى جريمة سابقة
وهي حصول الشخص على مال حرام يريد إخفاءه وفصله عن مصدره غير المشروع أو إخفاء هذا
المصدر عن الناس وهذا المعنى وهو ما يجري واقعياً يتعارض مع غسل الأموال أو
تطهيرها بالمفهوم الشرعي الصحيح سواء كان غسلاً حسياً ومادياً أو غسلاً وتطهيراً
معنوياً كما هو الحال في أداء الزكاة والتصدق بجانب منه.
وبذلك يمكن قبول المصطلح
القانوني على أنه من قبيل المجاز فحسب أمَّا حقيقته فهي ليست في غسيل المال وإنما
إضافة تلويث إليه بالخداع في مصدره وإخفائه بطرق احتياليه.
أما غسيل الأموال في الرؤية
الإسلامية فهو أمر مطلوب إذا قصدنا به تطهير المال وتزكيته بحيث يصبح نعمة كبرى
على الإنسان يستخدمه ويستثمره فيما أحل الله ليزداد نماء وطهراً .
ولا يرد غسيل الأموال في
الشريعة الإسلامية إلا على المال الحلال والذي اكتسب بطريقة مشروعة وباستقراء
أحكام الشرع التي تهدف إلى تطهير المال وجعله نعمة خالية من شبهة الحرام نجد أن
الشرع يطهر المال ويزكيه ويزيد في بركته حين تؤدى زكاته بحسب شروط إخراج الزكاة
(زكاة المال وزكاة الفطر) كما يتطهر المال بالصدقة وتزيد بركته لقول الرسول صلى
الله عليه وسلم: ما نقص مال من صدقة " كما يجب أن يوفى الإنسان ما نذره من
مال لوجه الله تعالى وما عليه من حقوق مالية (مثل الكفارات والديات) وفضلاً عن ذلك
أمر الشرع بالوفاء بحقوق العباد التي تنشأ عن المعاملات المالية أو الديون حتى ديون
النفقات التي يفرضها الشرع على من يلتزم بها نحو الأقارب وهكذا يزكى المال الحلال
وينمو وتزداد بركته ويصح أن نطلق على ذلك غسيل الأموال فتكون العبارة أصدق ما تكون حساً أو معنى.
ومع ذلك لم يترك الشرع من يقع
في يده مال لم يكتسبه من الوجه المشروع بل نظم الشارع له وسيلة تنجيه هو من الإثم
وتطهر المال إذا بقي في يده، فالمال الذي يقع في يد المسلم ولا يكون الحصول عليه
بوجه شرعي ينبغي رده إلى صاحبه إذا علم وعرف وكذلك بأداء الأمانة لا سيما في
البيوع إذا شابها غش أو غبن فاحش فعلى من استفاد من هذا الغش أو الغبن الفاحش أن
ينبه من ظلم في ماله ويرد إليه ما يغسل الكسب ويجعله حلالاً لمن يحصل عليه وذلك عن
طريق تصحيح البيوع الفاسدة أو المعاملات التي وقع فيها غش أو غرر أو احتكار يجعل
الكسب من ورائها مشوباً بالحرمة أو يجعل العقد الخاص بها حراماً أو مكروهاً ـ هنا
يكون غسيل المال بتصحيح تلك العقود والمعاملات وجعلها في نطاق الشرع ورد ما تحصل
عليه الشخص من مال حرام إلى صاحب الحق فيه.
ولا نغفل هنا وجوب توبة الشخص
الذي تحصل على مال حرام إلى جانب رد المظالم كما ذكرنا فلا تصلح التوبة إلى الله
باللسان وأن رد المظالم إلى أصحابها، ولا يصلح رد المظالم وحده مع انصراف
النية عن التوبة النصوح إلى الله تعالى .
كذلك فإن ولي الأمر حين يضع
الأنظمة التي يتعامل الناس على أساسها في المجتمع يجب عليه أن يجعلها في نطاق
الشرع حتى تكون مكاسب الناس فيها طاهرة فلا تباح معاملة فيها الظلم أو الربا
المحرم ولا يباح القمار والغرر في المعاملات ولا يسمح بالاحتكار واستغلال حاجة
الناس إلى سلعه معينة فالشرع يلزم ولي الأمر بأن يشرف على التعامل المالي أو
الاقتصادي في المجتمع ويحمي أصحاب الحقوق حماية عامة فلا يسمح بأن يشوب الظلم أو
الجشع معاملات الناس وقد عاقب عمر رضي الله عنه من يغش اللبن ويبيعه للناس مخلوطاً
بالماء بإحراق ما يبيعه وكذلك أفتى العلماء بإتلاف ما يضر الناس من سلع أو كتب أو
مطبوعات وفي كتب الفقهاء أمثلة عديدة في كيفية تصدي الولاة لمنع الظلم في معاملات
الناس.
ويعتبر ذلك من أوليات الشرع
وهو في ذاته إغلاق لباب الحصول على مال حرام ويجعل صاحبه إذا لم يكن من المسلمين
الصالحين يجاهد في إخفائه بعد ذلك وخلطه بالمال الحلال أمامهم ـ فإذا راعى ولاة
الأمور إغلاق أبواب الحرام وسد طرق الحصول عليه بوسائل غير مشروعة لم تعد هناك
حاجة إلى محاولة غسلها كما ظهر في العصر الحديث فراراً من رد المظالم إلى أصحابها
أو فراراً من العقوبة التي تنتظر من يحصل على المال الحرام عن طريق ارتكاب
الجرائم.
وهكذا فإن الرؤية الإسلامية
في غسيل الأموال تصحح الوضع القائم فلا يعقل أن تباح الدعارة في بلد ثم نتكلم عن
مقاومة غسيل الأموال الناتجة عنها فالأمر جريمة من قبل ومن بعد ولا يعقل أن تباح
تجارة الخمور أو أنواع من المخدرات ونحاول بعد ذلك أن نكبح جماح من يغسلون الأموال
المتحصلة من هذه الجرائم ولكن الأبقى والأتقى والأصلح للمجتمع أن نغلق باب الحرام
فلا تكون هناك حاجة إلى ممارسة غسيل الأموال بالمعنى الوضعي وهذا ما تهدف إليه
الشريعة وهو من قبيل الوقاية للفرد والمجتمع في الجانب الاقتصادي والمالي.
ثانياً: مجالات غسل
الأموال ومصادر التحصيل:
بدأت عملية غسل الأموال بتجارة المخدرات على
الراجح نظرا لما تدره التجارة فيها من كسب فائق الوصف والتوقع، إلا أن مجالات
الكسب ومصادر التحصيل قد نمت بنمو الزمن وتناسبت تنانسباً طردياً مع الزمن، وقد
حصر أحد الباحثين هذه المجالات وشرحها مفصلا نكتفي بذكر رؤوس هذه المجالات ومن
أراد الوقوف على كيفية التطبيق العلمي فعليه بالمرجع المذكور، من هذه المجالات
ما يلي:
1.
مجال المضاربات على
الأسهم في البورصات الوليدة الناشئة.
2.
مجال المضاربة على
أسعار الأراضي والعقارات والشقق الفاخرة.
3.
مجال العقود
والتوريدات الحكومية وغير الحكومية الهائلة.
4.
مجال المزادات
والمناقصات الحكومية وغير الحكومية.
5.
مجال الهدايا وبيع
التحف النادرة وتجارة الأشياء الثمينة ذات القيمة المعنوية .
6.
صناعة السينما ومكاتب
الإنتاج السينمائي.
7.
مجال تذاكر آليا نصيب
واللوتارية.
8.
مجال المطاعم والوجبات
السريعة (العالمية).
9.
دور السينما واستخدام
حفلاتها لغسل الأموال.
10.
الملاهي على اختلاف
أشكالها وألوانها.(14)
وهناك مجالات أخرى ذكرها لم
نشر إليها لعدم طمأنينة النفس إليها ومما
ذكره صلاح جودة مضافا إلى ما سبق
ما يلي:
11.
أنشطة التهريب عبر الحدود للسلع والمنتجات
المستوردة دون دفع الرسوم والضرائب الجمركية المقررة مثل تهريب السلع من المناطق
الحرة وتهريب السجائر والسلع المعمرة وتجارة السلاح وغيرها.
12. أنشطة السوق السوداء والتي تحقق منها دخول طائلة
للمتعاملين فيها بالمخالفة للقوانين الدولية مثال ذلك: المتاجرة في العملات
الأجنبية في الدول التي تفرض رقابة على معاملات النقد الأجنبي ومثل السلع التي
تعاني البلاد نقص المعروض منها بالنسبة للطلب عليها مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها
بما يتجاوز ضوابط تسعيرة الدولة.
13. أنشطة الرشوة والفساد الإداري والتربح من الوظائف
العامة وذلك من خلال الحصول على دخول غير مشروعة مقابلة التراخيص أو الموافقات
الحكومية أو ترسية العطاءات أو العقود المخالفة لنصوص اللوائح والقوانين.
14. العمولات التي يحصل عليها بعض الأفراد والمشروعات
مقابل عقد صفقات الأسلحة والسلع الرأسمالية أو الحصول على التكنولوجية
المتقدمة....
15. الاقتراض من البنوك المحلية بدون ضمانات كافية أو
بضمانات صورية
أو مبالغ في قيمتها وتحويل الأموال إلى الخارج دون
سداد مستحقات هذه البنوك وهروب الأشخاص المقترضين مع أموالهم إلى الخارج لفترات
معينة حتى تسقط الجرائم والأحكام بالتقادم.
16. جمع أموال من المودعين وتهريبها إلى الخارج دون وجود
ضمانات كافية لأصحابها بزعم توظيفها في مجالات تحقق أرباحاً مغرية.
17.
الدخول الناتجة عن
الغش التجاري أو الاتجار في السلع الفاسدة أو تقليد الماركات العالمية أو المحلية
ذات الجودة والشهرة.
18.
الدخول الناتجة عن
تزييف النقود المحلية والأجنبية ذات الفئات الكبيرة القيمة.
19. الدخول الناتجة عن تزوير الشيكات المصرفية وسحب
المبالغ من البنوك المحلية بشيكات أو حوالات مزورة أو من خلال تزوير الاعتمادات
المستندية المعززة بموافقة البنوك.
20. الدخول الناتجة عن الفساد السياسي مثل فساد أعضاء
البرلمان واستخدام الحصانة في التربح من العمل السياسي أو التهرب للسلع المستوردة.
21. الدخول الناتجة عن أنشطة الجاسوسية الدولية... وتودع
الأموال من الجهة التي يعمل لحسابها في حساب مصرفي باسم الجاسوس خارج دولته.
22. الدخول الناتجة عن التستر والتي تجرمها بعض الدول
العربية التي تمنع قوانينها الأجانب من المتاجرة أو مزاولة الأنشطة الاقتصادية
..دون وجود كفيل وطني حيث يلجأ الأجانب إلى بعض رجال الأعمال من أبناء تلك الــدول
العربـــــية ويقدمـــــــــون له
رواتب شهرية أو سنوية أو نسبة من الأرباح مقابل التنازل عن حقه في استخدام ترخيص
مزاولة النشاط الاقتصادي وبذلك يحصل الأجنبي على أرباح طائلة من استغلال التراخيص
الممنوحة للمواطنين...(15)
وأضيف إلى كل ما سبق ساحة جديدة من فرص غسل الأموال
في العراق المحتل. فتحت ذريعة إعمار العراق، واستثمار رأس المال الأجنبي، سوف تجد
المافيات الدولية ميداناً كثير الفرص لغسل الأموال وتطهيرها، ومن ثم إخراجها،
ولعلّ عصابات المال الصهيوني التي لا تعفّ عن رذيلة في دنيا المال، إلا وتأخذ بها،
لعلها بدأت التسلل إلى العراق بحجة الاستثمار، بعدما أعطيت ذات الدرجة التفضيلية
لأي مال خارجي، وإنه لأمر يستحق الملاحظة والتتبع والانتباه.
ومن الناحية الشرعية نلاحظ أن مفردات الأنشطة التي
ذكرت آنفاً والتي توردها التشريعات المهتمة بظاهرة غسيل الأموال تقع جميعاً في
المفهوم الإسلامي تحت عبارة المال الحرام ـ وهو معنى محدد في الإسلام بأنه المال
الذي يكتسب عن طريق غير مشروع وتنتج عدم المشروعية عن أصلين كلاهماورد النهي عنه
في القرآن الكريم وهما أكل أموال الناس بالباطل وتعدي حدود الله في التصرفات
المالية ـ ويدخل في ذلك ما يؤخذ غصباً دون رضا صاحبه والقمار والخداع والغش وكل ما
نتج عن معصية حرمها الشارع أو وضع لإرتكابها عقوبة كالسرقة والاحتيال وإنكار
الحقوق وأخذ الربا وثمن المحرمات كالخنزير ونحوه من المحرمات فكل ذلك مال حرام نهى
الله عن كسبه والانتفاع به ويلاحظ أن نشأة ظاهرة غسيل الأموال ونشاط المجتمع
الدولي في محاربتها لها أسباب اقتصادية وبواعث اقتصادية لا تكاد تتصل بالتوجيه
الخلقي في المجتمع، فالدول الأوروبية والأمريكية تجيز ألواناً من الكسب محرمة
شرعاً وتضر بالمجتمع أبلغ الضرر مثل الأموال الناتجة عن القمار والدعارة المصرح
بها والرهان المحرم شرعاً ولكنها أموال تسلم لصاحبها رغم عدم شرعيتها ويرجع ذلك
إلى انفصال القواعد القانونية عن القواعد الخلقية في التشريع الغربي بالذات وهو
مبدأ مستقر على خلاف
ما نراه في التشريع الإسلامي.
ثالثاً: مراحل غسل
الأموال:
"تمر عملية غسل الأموال
بمراحل ثلاث مترابطة وهي مرحلة الإيداع ومرحلة التمويه ومرحلة الإدماج وتهدف هذه
المراحل في مجملها إلى إخفاء المصدر الجرمي للعائدات غير المشروعة ودفعها للامتزاج
والاندماج في هياكل وآليات الاقتصاد المشروع ، بما يحقق للمجرمين وللمنظمات
الإجرامية فرصة أوسع للتصرف بحرية تامة في هذه العائدات بعيدا عن متناول أجهزة
القانون".(16)
ويرى د.جودة أن مراحل غسيل
الأموال ثلاثة هي:
1 - التوظيف أو الإيداع.
2 - التعتيم أو التمويه.
3 - التكامل أو الاندماج.(17)
بينما كتب محي الدين علم
الدين أن المراحل (*) هي:
1)
اكتساب الأموال
بالعملة المحلية أو الأجنبية نقداً أوعيناً.
2) التخلص من حيازة الأموال بعد قبضها حتى إذا تم ضبطه
لم يكن المال في حيازته فلا يصـادر عند توقيع العقوبة عليه فيعهد إلى أحد معـاونيه
في الجريمة بحيازة
المال وقد يلجأ إلى إيداع
المبالغ المتحصلة في خزانة حديدية في بنك من البنوك حتى لا يتبين ضخامتها
وأهميتها.
3) إدارة الأموال والتصرف فيها، فقد يعهد المجرم بنقل
سلطة إدارة أمواله المكتسبة من عمل غير مشروع منصوص عليه إلى آخر، وقد يمعن في
التخفي فيخرج جزءً من هذه الأموال على سبيل الصدقة أو المساهمات الاجتماعية
الخيرية أو رصد جوائز للمتفوقين في مجلات علمية أو رياضية أو دينية درءاً للشبهات
عن نفسه، وقد يعهد بهذه الأموال إدارة وتصرف إلى أجهزة أمناء الاستثمار في البنوك
أو الشركات.
4)
حفظ الأموال المكتسبة
وهذا يتم عادة بواسطة أشخاص يثق فيهم المجرم وكثيراً ما يكونون من شركائه.
5) استثمار الأموال المكتسبة من جريمة من جرائم غسل
الأموال، بصورة ويرى آخرون أن عمليات
غسل الأموال تمر بثلاث مراحل متعاقبة هي: (19)
1 .
الإحلال .
2 .
التغطية.
3 .
الدمج.
أولاً : الإحلال:
وهي أولى مراحل الدورة لتقليدية
لغسل الأموال وفي هذه المرحلة يتم إدخال الأموال القذرة التي تم تحصيلها من جرائم الاتجار
بالمخدرات أو بالسلاح أو بالرقيق الأبيض أو بالأعضاء البشرية أو من أي صورة من صور
الجريمة الدولية المنظمة، إلى الجهاز المصرفي دون لفت الأنظار، ثم بعد فترة يتم
نقل هذه الأموال إلى الخارج بأية صورة من صور التحويل المصرفي .
وقد تتعدى عملية الإحلال من مجرد
الإيداع في البنوك إلى شراء مؤسسات مالية أو تجارية أو شراء أسهم أو سندات لحاملها
أو سبائك ذهبية، المهم في هذه المرحلة أن يتم تغيير شكل المال الحرام بأية صورة من
صور التغيير.
وهذا الإحلال قد يتم في نطاق
المدينة أو المنطقة التي تم اكتساب المال الحرام منها، ويمكن أن يتم ذلك من جانب
موزعي المخدرات بالجملة أو التجزئة
أو المرتشين أو تجار السوق السوداء وأمثالهم حين يقومون بغسل الأموال الشخصية التي
يتحصلون عليها، أما الحيتان الكبار من منظمات المافيا العالمية، فإنهم يفضلون غسل
أموالهم القذرة خارج حدود دولهم.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب