والدستور
تأليف الدكتور
توفيق بن عبد
العزيز السديرى
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن مـحمدا عبده ورسوله صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فـإن الدستور أو القانون الدستوري فـرع من فـروع القانون
العام، والدستور لأي دولة كـانت يعبر عن فكر تلك الدولة واتجـاهها الديني
والاجتماعي؛ لأن الدستور هو القانون المهيمن، والموجه لقوانين تلك الدولة ونظمها.
وهذه الأهمية للدستور أحد الأسباب التي دفـعتني لهذا
البـحث، وبخاصة معالجـته من الناحية الإسلامية ومحاولة توضيح أسس الأحكام
الدستورية في الشريعة الإسلامية، ومن ثم دراسة لبعض تطبيقاتها منذ قيام الدولة
الإسلامية في عهد الرسول r إلى عصرنا الحاضر.
وما من شك في أن بحث
موضوع كهذا من هذه الزاوية من الأهمية بمكان، لأهمية الأحكام الدستورية بين
الأحكـام والنظم الأخرى، ولأهمية دراسة الدستور في الإسلام وذلك بتحديد قواعده،
مما يسهم في إثراء البحث العلمي في الشريعة الإسلامية في العصر الراهن، سواء من
ناحية تبيين ما عليه الشريعة الإسلامية في هذا المجال، أم من ناحية الدراسات
المقارنة.
ولذلك كان اختيار
موضوع " الإسلام والدستور " ([1])
الذي حاولت فيه تبيين وجهة النظر القانونية البحتة للدستور، ثم تبيين وجهة النظر
في الإسـلام، بحـيث يجـمع البـحث بين الدراسـة القـانونيـة والشـرعيـة، واستعراض
الواقـع الدستوري للدولة الإسلامية على مر عصورها من خلال دراسة بعض الوقائع
الدستورية في التاريخ الإسلامي.
والحقيقة أن البحث
في الأحكام الدستورية الإسلامية ليس جديدا ومستحدثا، فـالفقهاء المسلمون القدامى
بحثوا هذا الموضوع وبينوا تلك الأحكام في مختلف أبواب الفقه وكتب السياسة الشرعية.
وقد تقدمت الدراسات
الدستورية والقانونية في هذا الوقت وأصبحت لها أبحاث ودراسات مستقلة مما يتطلب من
الباحثين والمفكرين المسلمين المعـاصـرين أن يؤصلوا الدراسـات الدستورية، ويبـينوا
وجـهة النظر الإسلامية ويستنبطوا الأحكام للوقائع المستجدة، وإذا نظر الباحث إلى
الدراسات الدستورية المعاصرة، يجد أن الذين تعرضوا لهذا الموضوع، منهم من يغلب
عليه الطابع القانوني البـحت، ومنهم من يعرض الموضوع بشكل عام دون تفصيل، ومنهم من
يبـحث جـزئيات من الموضوع عند دراسة النظام السياسي الإسلامي، مما يجعل سير الباحث
في هذا الطريق صعبا وشاقا.
إن أهم مصادر هذا
البحث تتركز في كتب السياسة الشرعية، والكتب والدراسات الدستورية والقانونية
الوضعية، والكتب المعاصرة التي تبـحث في النظام السياسي، بالإضافـة إلى الوثائق
والنصوص المشتملة على بعض القوانين والنظم المطبقة في بعض البلدان.
ومن أهم الصـعوبات
التي واجـهتها في هذا البـحث، قلة المراجع الحديثة التي تخدم موضوع البحث، وبخاصة
الدراسات التي تبحث في النظام الدستوري الإسلامي بحثا مقارنا مع النظم الوضعية، أو
تلك التي تؤصل للنظام الدستوري الإسلامي وتبين أحكامه وقواعده من مصادره ومظانه
الأصلية من الكتاب والسنة وما سطره علماء المسلمين الأوائل في هذا المجال.
كما
أن حساسية البحث في الموضوع تشكل عائقا أمام الباحث في هذا المجال؛ نظرا لخطورة
الموضوعات والمباحث التي تتعلق بهذا الجانب ودقتها.
ولقد
حاولت أن أقدم هذا الموضوع بشكل متكامل، جامعا فيه خلاصة ما اطلعت عليه مما كتبه
الآخرون، محللا لبعض آرائهم، ولا أزعم أنني أعطيت الموضوع حـقه كاملا، ولعل عذري
في ذلك أن الموضوع لا يزال بكرا، ولم يحظ بدراسات علمية شاملة وعميقة، ولكنني
حاولت وبجهد المقل أن يكون البحث شاملا، بقدر الاستطاعة وكم تمنيت أني قد توصلت
إلى نتائج أكبر مما كان.
والمجال
متسع للباحثين فيما بعد لاستكمال البحث في هذا الموضوع، والتوسع فيه، والعناية به
بشكل أكبر.
ولقد
ابتعدت قدر الإمكان عن العاطفة الشخصية والآراء المسبقة ما استطعت إلى ذلك سبيـلا،
واستخـدمت عدة مناهج علمية حسب ما اقتضته طبيعة البحث، فاستخدمت المنهج التاريخي
فيما كان له الطابع التاريـخي من البحث، أو نسق من أقوال العلماء، ثم التحليل على
أساس تلك القاعدة، أو ذلك النسق، واستخـدمت المنهج المقارن عند الحـاجـة لمقارنة
الآراء والحجج مع بعضها.
ولقد
تم عزو الآيات القرآنية إلى سورها وتخريج الأحاديث النبوية التي تم الاستشهاد بها
في هذا البحث، كما أرجعت الاقتباسات والنقول إلى مراجعها في كل مكان يتم فيه
الاقتباس أو النقل، وأثبت أهم المراجع في فهرس مستقل في آخر الكتاب.
وبعد:
حسبي أني قدمت ما استطعت من جهد ووقت لإخـراج هذا البحث، سائلا الله جل وعلا أن
يتقبل هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه، وأحمد الله وأشكره وأثني عليه بما أنعم به من
إكمال هذا البحث.
وفي
الختام أرجو الله القبول والتوفيق والسداد.
وصلى
الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،
الباب الأول
تعريفات ضرورية
سيكون الحديث في
الباب الأول عن بعض المواضيع الرئيسة التي لا بد منها للتمهيد لموضوع البحث
الرئيس، وذلك في ثلاثة فـصول، الفصل الأول منها عن القانون، تعريفه وضرورة وجوده،
وتقسيماته وفروعه، ثم يتحدث الفصل الثاني عن فرع من فروع القانون وهو المتعلق
بموضوع البـحث الرئيس وهو الدستور، حـيث سيـتناول البـحث تعريفه، وأنواع الدساتير
وأساليب نشأتها ونهايتها، ومصادرها، ومقومات الدستور الأساسية، ثم يتحدث الفصل
الثالث عن الدولة وذلك لارتباطها الوثيق جدا بموضوع البحث حيث سيتم تعريف الدولة
وأركانها، ومقومات الدولة والقانون وضمانات تحقيقها وأنواع الدول.
وما يذكر في هذا
الباب من مسائل إنما يوضح ما استقر عليه الفقه القانوني الوضعي المعاصر في هذه
المسائل، التي يدخل أغلبها في باب الوسائل؛ ليكون تمهيدا للباب الثاني وهو الباب
الذي يبحث الدستور في الإسلام.
الفصل الأول القانون
المبحث الأول
تعريف القانون
التعريف اللغوي :
القانون كلمة
يونانيـة الأصل، تلفظ كما هي Kanun
وانتقلت من اليونانية إلى اللغات الأخرى وهى تعني العصا المستقيمة، فانتقلت إلى
الفارسية بنفس اللفظ (كانون) بمعنى أصل كل شيء وقياسه، ثم عربت عن الفارسية بمعنى
الأصل، ودرج استخدامها بمعنى أصل الشيء الذي يسير عليه، أو المنهج الذي يسير
بحسبه، أو النظام الذي على أساسه تنتظم مفردات الشيء، وتكون متكررة على وتيرة
واحدة بحيث تصبح خاضعة لنظام ثابت، فيقال في معرض الأبحاث الطبيعية قانون
الجاذبية، ويقال في معرض الأبحـاث الاقـتصـادية قانون العرض والطلب ([2])
. . وهكذا.
التعريف
الاصطلاحي:
لتعريف القانون
اصطلاحا ثلاثة تعريفات:
1- تعريف
اصطلاحي عام:
وهو القواعد التي
تنظم سلوك الأفـراد في المجتمع تنظيما ملزما، ومن يخالفها يعاقب، وذلك كفالة
لاحترامها.
2 - تعريف
اصطلاحي باعتبار المكان:
وهو مجموعة القواعد
القانونية النافذة في بلد ما، فيقال القانون الفرنسي والقانون المصري مثلا...
3 - تعريف
اصطلاحي باعتبار الموضوع:
وهو مجموعة القواعد
المنظمة لأمر معين وضعت عن طريق السلطة التشريعية فـيقال: قانون الملكية العقارية،
وقانون المحـاماة، وقـانون الجامعات ([3])
...
*
* *
المبحث الثاني
ضرورة وجود القانون
الاجتماع الإنساني
ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من
الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم ([4])
.
فـالإنسان بدافـع من
طبعه لا يستطيع أن يعيش بمفرده ويسعى إلى المحافظة على وجوده من خلال مجتمع من
الأفراد يعيش بينهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعل طبيعته لا تمكنه من
العيش بمعزل عن الناس، ولا يمكن أن يقوم وحـده بسد حـاجـاته، بل هو مضطر إلى أن
يعيش في جماعة يتفاعل معها وتتفاعل معه، فيتبادل مع هذه الجماعة المنافـع، وبهذا
تنشأ بين أفراد هذه الجماعة علائق متعددة، اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وثقافية،
وغيرها وهذه العلائق لا يمكن أن تقوم بحال إلا وفق ضوابط تحكمها، حتى لا يختل
توازن هذه الجماعة، وهذه الضوابط هي النظم والقوانين، فبدون القانون تصبح الأمور
فوضى تسير وفق الأهواء والرغبات الفردية، وحالة عدم وجود القانون حالة لا يمكن أن
يتصور دوامها لأن مجرى السنة الكونية يحتم وجود قانون، ولو افترض وجـود حـالة
الفوضى فـلا بد أن يكون الحكم للقوة، فـيتـحكم الأقـوياء بالضعفاء، وفق ما يريدون
ويشتهون فيكون هناك قانون القوة أو الغابة، بغض النظر عن كون هذا القانون سليما
وموافـقا للحق أو بعكس ذلك. ومن هنا يتبين أن القانون ضرورة اجـتماعية لا بد منه؛
ليـحكم نشاط الأفراد، وينظم علاقاتهم.
*
* *
المبحث الثالث
تقسيمات القانون
يقسم الفقهاء
القانون تقسيمات عدة، نذكرها فيما يلي:
1 - على
أساس طبيعة القواعد القانونية:
وحسب هذا الأساس
ينقسم القانون إلى قسمين هما:
أ - قانون موضوعي،
وهو الذي تتضمن قواعده أحكاما موضوعية تبين الحقوق والواجبات المختلفة، فيقال
مثلا: القانون المدني، والقانون التجاري وغيرهما.. حسب الموضوع الذي تتضمنه أحكام
كل قانون.
ب - قـانون شكلي أو
إجـرائي: وهو الذي تتضمن قـواعده أحكاما إجرائية تبين الأوضاع والإجراءات، التي
تتبع لاقتضاء الحقوق التي يقررها القانون الموضوعي، كقانون المرافعات المدنية،
وقانون الإجراءات الجنائية مثلا ([5])
.
2 - على
أساس القوة الملزمة للقاعدة القانونية:
وحسب هذا الأساس
ينقسم القانون إلى قسمين هما:
أ - قواعد آمرة أو
ناهية: وهي تشمل مجموعة القواعد التي تحمي المصالح الأساسية في الدولة، ولا يجوز
للمتعاقدين الخروج عليها وإلا كان اتفاقهم باطلا.
ب - قـواعد قـانونية
مفسرة أو مكملة أو مقررة: وهي مجموعة القواعد التي لا تتصل بالنظام الأساسي في
المجـتمع، ويجـوز الاتفاق على عكسها؛ لأنها وضعت لتفسيـر وتكملة إرادة المتعاقدين ([6])
.
ويمكن التفريق بين
القواعد الآمرة والقواعد المفسرة من عبارة النص نفسه؛ إذا لم يكن ذلك واضحا من
العبارة يعرف من موضوع القاعدة القانونية؛ فالقواعد المتصلة بالنظام العام والآداب
تعتبر قواعد آمرة أو ناهية، وماعداها يعتبر قواعد مكملة.
3 - من حيث
التدوين وعدمه:
وينقسم القانون من
حيث المصدر الذي توجد فيه القاعدة القانونية إلى قسمين هما:
أ - قانون مكتوب،
وهو مجموعة القواعد القانونيـة الواردة في نصوص مكتوبة كالتشريع.
ب - قانون غير
مكتوب: وهو مجموعة القواعد القانونية التي لم تصدر في نصوص مكتوبة كما هو الحال
بالنسبة لقواعد العرف.
4 - على
أساس النطاق الإقليمي:
ويبنى
هذا التقسيم على أساس الرابطة التي ينظمها؛ فيقال: قانون داخلي، وقانون خارجي،
وذلك تبعا للرابطة الاجتماعية التي ينظمها، هل هي داخل الجماعة أو خارجها ([7])
.
5 - على
أساس الرابطة التي تحكمها قواعده:
وهذا التقسيم هو
التقسيم الرئيس الذي يسير عليه أكثر كتاب القانون، وهو تقسيم تقليدي لا يزال
مستقرا ومسلما به في الفقه القانوني الوضعي الحديث، وهذا التقسيم أهم أنواع
تقسيمات القانون، وهو الذي درج عليه معظم فقهاء القانون منذ عهد الرومان إلى عصرنا
هذا، بالرغم من المحاولات للعدول عنه ([8])
.
وينقسم القانون من
حيث طبيعة الرابطة التي تحكمها قواعده إلى قسمين هما:
أ -
القانون العام:
وهو مـجموعة من
القواعد تنظم الارتباط بين طرفين أحدهما أو كـلاهما ممن يملكون السيادة، أو
السلطات العامة، ويتصرفـون بهذه الصفة ( الدولة أو أحد فروعها ) ولهذا وصف بأنه
قانون إخضاع ([9]) .
ب -
القانون الخاص:
وهو مجموعة من القواعد
تنظم الروابط بين طرفين لا يعمل أيهما بوصفه صاحب سيادة أو سلطة على الآخر،
كالأفراد والأشخاص المعنوية الخـاصة أو الدولة - أو أحد فروعها - حين تمارس نشاطا
يماثل نشاط الأفراد ([10])
كالقواعد التي تنظم ما يعرف بالأحوال الشخصية وكذلك أحكام المعاملات والعقود
وغيرها أو كأن تبيع الدولة أرضا تملكها، أو تستأجر منزلا.
*
* *
المبحث الرابع
فروع القانون
ينقسم القانون حسب
التقسيم الرئيس السابق إلى: قـانون عام، وقانون خاص، ويتفرع من كل قسم منهما عدة
فروع نذكرها فيما يلي:
أولا:
فروع القانون العام:
يتفرع القانون العـام
إلى فـرعين رئيسين يسمى أحـدهما القانون الدولي العام، وهو الذي تكون الدولة طرفـا
فـيه، باعتبارها صـاحـبة السلطان، ويكون الطرف الآخر فيه دولة أو دول أخرى، أو
هيئات دولية. والفرع الثاني: هو القانون الداخلي، وهو الذي ينظم الروابط الداخليـة
العامة التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبار سلطتها، وهذا الأخير ينقسم إلى ثلاثة
أقـسـام هي: القـانون الدسـتـوري، والقـانون الإداري والمالي، والقانون الجنائي.
وعلى هذا تكون فروع
القانون العام أربعة هي:
أ -
القانون الدولي العام:
وهو مجموعة الأحكام
التي تنظم ارتباط الدولة بالدول الأخرى في أوقـات السلم والحـرب ([11])
فـالمحـتكمون إلى هذا القـانون الدول وليس الأفراد، ومن التعريف يتضح أن القانون
الدولي العام ينقسم إلى قـانون سلم وقانون حرب، ولكل واحد منهما موضوعاته الخاصة.
فقانون السلم يبحث في المواضيع التالية:
- أشخاص القانون
الدولي.
- ممثلو الأشخاص في
الجماعات الدولية.
- الأعمال القانونية
الدولية، وأهمها المعاهدات، فيعين أركان انعقادها وشروط صحتها وآثارها وأسباب
انقضائها.
- المسؤولية الدولية
في قيامها وآثارها.
- المنظمات الدولية.
- حقوق الدول
وواجباتها وفض المنازعات الدولية سلميا ([12])
.
ويبحث قانون الحرب
في الموضوعات التالية:
- العلاقـة بين
الدول المتحاربة وواجبات كل دولة إزاء جـيش الأخرى، ورعاياها، والأسرى، ويبين
القواعد الخاصة ببدء حالة الحرب ووقفها وانتهائها.
- علاقة الدولة
المحاربة بالدول المحايدة ([13])
.
ب -
القانون الدستوري:
وهو مجموعة الأحكام
التي تحكم شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وسلطاتها، وطريقة توزيع السلطات، وبيان
اختصاصاتها، ومدى ارتباطها ببعضها، ومن حيث التعاون أو الرقـابة، وكذلك بيان حـقوق
المواطنين وواجباتهم تجاه الدولة وسلطاتها العامة ([14])
.
ومن هذا يتبين لنا
أن القانون الدستوري يبـحث في الموضوعات التالية:
- شكل الدولة، هل هي
بسيطة أو مركبة، ملكية أو جمهورية.
- السلطات العامة في
الدولة: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
- الأشخاص أو
الهيئات التي تتولى السلطات العامة.
- علاقـة هذه
السلطات ببعضها، نوع هذه العلاقـة، وهل هناك فـصل مطلق بينهما أو مرن.
- الحـريات الفردية
وضماناتها، وهي الحريات الشخصية، والتملك، والمسكن، والرأي، والتعليم، والمساواة
أمام القضاء، والوظائف العامة، والتكاليف العامة ([15])
.
جـ -
القانون الإداري والمالي:
يفصل بعض الكتـاب ([16])
القـانون الإداري عن القـانون المالي، ولكن أصلهما واحد؛ لأن القانون المالي منبثق
أصلا عن القانون الإداري، لذا نجد أكثر الكتاب يعدونهما قسما واحدا، لتقارب
النواحي الإدارية والمالية للدولة من بعض.
ويعرف القانون
الإداري بأنه مجموعة القواعد التي تبين كيفية أداء السلطة التنفيذية لوظائفها ([17])
.
ويبحث القانون
الإداري في المواضيع التالية:
- تحديد أجهزة
الدولة الإدارية المختلفة، وطرق تكوين كل منها، وعلاقة بعضها ببعض، وعلاقتها
بالسلطات العامة الأخرى.
- كيفية ممارسة
الإدارة لنشاطها، والأساليب المتبعة في ذلك.
- صور النشاط الإداري
المخـتلفة، وأسس اختلافـها عن صور النشاط العام الأخرى للدولة.
- صلة الإدارة
بالعاملين فـيها، والقواعد التي تنظم اخـتيارهم، وتحدد حـقوقهم وواجباتهم،
والمزايا الممنوحة لهم، والضمانات التي توفر لهم الحماية.
- تبيين الأموال
العامة، والنظام القانوني لها، وكيفية إدارتها والانتفاع بها، والتفريق بينها وبين
المال الخاص.
- تنظيم القضاء
الإداري بترتيب المحاكم الإدارية، وتحديد اختصاصاتها وقواعد الطعن أمامها
بالقـرارات والأعمـال الإداريـة المخـالفـة للقانون ([18])
.
ويعرف القانون
المالي، بأنه مجموعة الأحكام التي تنظم حـصول الدولة على دخلها وطرق إنفاقها لهذا
الدخل ([19])
.
ويبحث القانون
المالي في المواضيع التالية:
- النفقات العامة
للدولة، وذلك بتحديد أوجه إنفاق المال العام.
- الإيرادات العامة
للدولة من رسوم وضرائب وغيرها.
- القروض العامة
وكيفية تحصيلها.
- القواعد التي تتبع
في تحـديد الميزانية السنوية للدولة، وفي تنفيذها والرقابة على هذا التنفيذ.
د -
القانون الجنائي:
وهو مجموعة الأحكام
التي تحدد الجرائم، والعقوبات المقررة عليها، والإجراءات التي تتبع في تعقب المتهم
ومحاكمته، وتوقيع العقاب عليه ([20])
.
ويتضح أن القانون
الجنائي يشتمل على طائفتين من الأحكام: أحكام موضوعية، وهي التي تبين الجرائم
وتحديد العقوبة لكل جريمة، وأحكام إجرائية وهي التي تبين الإجراءات التي يجب
اتباعها منذ وقوع الجريمة إلى حين توقيع العقاب على الجاني.
وعلى ذلك فالقانون
الجنائي ينقسم إلى فرعين كل منهما مستقل عن الآخر، أحدهما: قانون العقوبات،
والثاني: قانون الإجراءات الجنائية.
- فـقـانون
العـقوبات: هو مـجـمـوعـة الأحكام التي تحـدد الجـرائم والعقوبات ([21])
وينقسم إلى قسمين، هما:
قسم عام: يشمل القواعد التي
تحدد الأحكام العامة للجريمة والعقوبة، فـيبين أنواع الجرائم من جنايات وجنح
ومـخـالفات، وأركان الجـريمة، والأحكام التي تحدد العقوبات من حيث أنواعها، وحالات
تعددها، ومتى تخفف، ومتى تسقط، ومتى يعفى منها.
قسم خـاص: يشمل الأحكام
الخـاصـة بكل جـريمة على حـدة، ويبين أركانها، وصورها المختلفة، والعقوبات التي توقـع
على مرتكبيها ([22])
.
- وقانون الإجراءات
الجنائية: هو مجموعة الأحكام التي تبين الإجراءات التي يجب اتباعها، منذ أن تحدث
الجريمة إلى أن يوقـع العقاب على مرتكبها، من حـيث ضبط المتهم، والقبض عليـه،
والتحـقيق معه، ومحاكمته، وتنفيذ العقوبة المحكوم عليه بها ([23])
.
ثانيا:
فروع القانون الخاص:
يعتبر القانون
المدني أصلا للقانون الخاص، وبالانفصال عنه نشأت فروع أخرى للقانون الخاص، وهذه
الفروع إما أن تحكم قواعد موضوعية كالقانون التجاري والبحري والجوي والعمل، أو
قواعد إجرائية كقانون أصول المحاكمات المدنية، وقانون المرافعات التجارية
والمدنية، وإلى جانب هذه الفروع ظهر فـرع آخـر وهو: القانون الدولي الخـاص؛ حيث
تنفرد أحكامه بوظيفة معينة فيما يتعلق بالأمور ذات العنصر الأجنبي؛ وعلى هذا فتكون
فروع القانون الخاص خمسة، هي:
أ -
القانون المدني:
وهو مجموعة الأحكام
التي تنظم الروابط الخاصة بين الأشخاص في المجتمع، إلا ما يتكفل بتنظيمه فرع آخر
من فروع القانون الخاص ([24])
وهذا يعني أن القانون المدني يعتبر الأصل في علاقات القانون الخاص، وذلك لأن
القانون المدني هو أصل الفروع الأخرى للقانون الخاص، ويعني:
- أنه ينظم ارتباط
الأفراد بغض النظر عن طبيعتهم ومهنتهم التي يمتهنونها، وبخـلاف الفروع الأخرى من
القانون الخـاص، التي تعنى بطوائف ومهن معينة، أو حالات وأوضاع معينة.
- أن قـواعـده يرجـع
إليها في كل مسـألة مسكوت عنها في الفروع الأخرى من فـروع القانون الخـاص، عدا
القانون الدولي الخـاص، وهذا الفرع ينظم نوعين من الروابط، هما: الأحوال الشخـصية،
والأمور المالية ([25])
.
ب -
القانون التجاري:
وهو مـجموعة الأحكام
التي تنظم نشاط التـجار في ممارستهم لمهنتهم ([26])
والمعاملات التجارية لا تعدو أن تكون معاملات مالية تشبه ما ينظمه القانون المدني
منها، وهي ما كانت في البداية محكومة بقواعد هذا القانون، إلا أنه تبين بعدئذ قصور
هذه القواعد عن سد حاجـات التعامل التجاري إلى السرعة والأمان؛ فبدأت النظم الخاصة
بالتجارة تظهر تدريجيا، وكمل تنظيمها حتى استوت على سوقها، فشكلت فرعا مستـقـلا عن
القـانون المدني، هو القانون التـجـاري، ويلحق بالقانون التـجاري: القانون
البـحـري، والقانون الجـوي. فـالقـانون البـحـري هو مجموعة الأحكام التي تنظم
النشاط التجـاري البحـري، فهو جـزء من القانون التجـاري، ولكن نظرا لازدياد عدد
قـواعده استقل حـتى أنه من الممكن أن يعتبر فرعا مستقلا من فروع القانون الخاص.
والقانون الجوي،
أحدث فروع القانون الخاص، وهو مجموعة الأحكام التي تنظم المسائل المتعلقة
بالملاحـة الجوية، على غرار تنظيم القانون البـحـري لمسائل الملاحـة البـحـرية،
وقـد بدأت قـواعده بعد استعمال الطائرات وسائل نقل، ونظرا لحداثته لا تزال القواعد
المكونة له متبعثرة في عدة تشريعات ولم تقنن بعد ([27])
.
جـ -
قانون العمل:
وهو مجموعة الأحكام
التي تنظم الارتباط بين العمال وأصـحـاب العمل ([28])
وهذا الفرع حديث المنشأ نسبيا، فقد كانت العلاقـة بين العامل ورب العمل تخضع
للقانون المدني، وكـان نشوء هذا الفرع رد فـعل من جانب العمال الذين تكونت منهم
طبقة اجتماعية جديدة لها وزنها وقوتها، بعد قيام النهضة الصناعية الحديثة؛
للاختلال الحاصل في عقد العمل، الواضح في جور الشروط والقيود التي يفرضها أرباب
العمل.
د - قانون
المرافعات:
قانون أصول
المرافعات المدنية والتجارية كما يسميه فقهاء القانون المصري أو قانون أصول
المحاكمات المدنية، كما يسميه فقهاء القانون اللبناني، هو مجموعة الأحكام التي
تنظم السلطة القـضائية، وتبين الإجراءات الواجب اتباعها لتطبيق الأحكام الموضوعية
في القانون المدني والقانون التجاري ([29])
.
فهو قانون إجرائي
يتكفل بأمرين هما:
1 - تنظيم السلطة
القضائية، وذلك بتنظيم مجموعتين من القواعد هما:
- قواعد النظام القضائي، وهي التي تبين أنواع
المحـاكم وتشكيلها، وشروط تنصيب القضاة، وحقوقهم، وواجباتهم.
- قـواعد الاختصاص، وهي التي تتعلق بتوزيع ولاية
القضاء على المحاكم بطبقاتها المختلفة.
2 - بيان الإجراءات
التي تتبع لحماية الحقوق واقتضائها ([30])
.
هـ -
القانون الدولي الخاص:
وهو مجموعة الأحكام
التي تعنى بصفة أساسية، ببيان المحكمـة المخـتصة، وتحـديد القانون الواجب التطبيق
فـيمـا يتعلق بالعلاقـات القانونية الخاصة والتي يدخل العنصر الأجنبي طرفـا فيها ([31])
. أي تلك العلاقات التي تدخل ضمن نطاق القانون الخاص، ويكون أحد عناصرها متصلا
بدولة أجنبية، فيوضح هذا القانون المحكمة المختصة والقانون الواجب تطبيقه في واقعة
ما.
ويضم في نطاق
موضوعات القانون الدولي الخاص، موضوعات ثلاثة أخرى وذلك باعتبارها مسائل أولية، قد
تسهم في تعيين الاخـتصاص القضائي أو التشريعي، وهذه الموضوعات هي:
- الجنسية وهي علاقة
تبعية الفرد للدولة.
- الوطن، وهو علاقة
الفرد بالدولة نتيجة إقامته فيها.
- مركز الأجانب، وهو
ما يمكن أن يتمتع به الأجانب من حقوق، أو يتحملوه من تكاليف وواجبات في الدولة
التي يوجدون على أرضها ([32])
.
ويلاحظ أنه على
الرغم من وجود كلمة " دولي " في هذا القانون، إلا أنه في الواقـع قانون
وطني، فلكل دولة قواعد تطبق في محاكمها في هذا الخصوص، كما تطبق أي قـانون داخلي،
وقـد تختلف من دولة لأخـرى، بخلاف القانون الدولي العام، الذي تعتبر
قواعده واحدة واجبة الاحترام من جميع الدول على حد سواء ([33])
.
وفي
الصفحة التالية شكل يوضح أقسام القانون وفروعه.
*
* *
([1])
هذا الكتاب مستل من رسالة ماجستير قدمها المؤلف لكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد
بن سعود الإسلامية بالرياض سنة 1407هـ بعنوان (الدستور في البلاد الإسلامية
ومشكلاته في ضوء الإسلام) وقد تم تعديل وتحديث ما يحتاج إلى تعديل أو تحديث من
المعلومات الواردة في الكتاب وفقا لوضعه الجديد.
([2])
ابن منظور لسـان العرب ، ص 177 جـ 3 ، طبع دار لسان العرب ببيروت ، د. حـبيب
إبراهيم الخليل ، المدخل للعلوم القانونية ، ص 9 - طبعة ثانية ، د. محمد موسى
هنداوي ، المعجم في اللغة الفارسية ، ص 328 ، مكتبة الأنجلو بمصر ، د. أحمد سلامة
، المدخل لدراسة القانون ، جـ1 ، ص15 ، مكتبة نهضة مصر 1963 ، محمد كمال عبد
العزيز ، الوجيز في نظرية القانون ، ص4 ، مكتبة وهبة بالقاهرة 1962م ، د. عبد
العزيز النعيم ، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة ، ص 5 ط 1 ، دار الاتحاد
العربي ، د. جميل الشرقاوي ، دروس في أصول القانون ، جـ 1ص 13 ، دار النهضة
العربية 1970م.
([3])
د. جميل الشرقاوي ، دروس في أصول القانون ، جـ1 ص13 ، د. عبد المنعم فرج الصدة ،
أصول القانون ، ص 12 ، دار النهضة العربية القاهرة 1979.
([4])
عبد الرحمن بن خلدون ، مقدمة ابن خلدون ، ص 37 ، طبعة دار الهلال ، عام 1983م.
([5])
د. عبد المنعم فرج الصدة ، أصول القانون ، ص 43.
([6])
د. محمد علي إمام ، محاضرات في نظرية القانون ، ص 53 ، مكتبة نهضة مصر ، القاهرة.
([7])
د. محمد علي إمام ، محاضرات في نظرية القانون ، ص 53.
([8])
د. عبد المنعم فرج الصدة ، أصول القانون ، ص 42 ، د. أحمد سلامة ، المدخل لدراسة
القانون ، جـ 1 ص 62.
([9])
د. حبيب الخليلي ، المدخل للعلوم القانونيـة ، ص 58 ، طبعة ثانية ، ديوان
المطبوعات الجامعية ، الجزائر.
([10])
د. حبيب الخليلي ، المدخل للعلوم القانونيـة ، ص 58 ، طبعة ثانية ، ديوان
المطبوعات الجامعية ، الجزائر.
([11])
د. عبد العزيز العلي النعيم ، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة ، ص 179.
([12])
المرجع السابق ، ص 182 - 184.
([13])
المرجع السابق ، ص 182 - 184.
([14])
المرجع السابق ، ص 182 - 184.
([15])
د. عبد العزيز العلي النعيم ، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة ، ص 182 -
184.
([16])
أصول الأحكام الشرعية ، مرجع سابق ، ص 187 - 192.
([17])
د. توفيق حسن فرج ، المدخل للعلوم القانونية ، ص 44 ، مؤسسة الثقافة الجامعية
1977.
([18])
جميل شرقاوي ، دروس في أصول القانون ، ص 52.
([19])
المرجـع السابق ، ص 52 - 53.
([20])
د. توفيق حسن فرج ، المدخل للعلوم القانونية ، ص 47.
([21])
المرجع السابق ، ص 48.
([22])
المرجع السابق ، ص 48.
([23])
المرجع السابق ، ص 48 - 49.
([24])
د. عبد المنعم فرج الصدة ، مبادئ القانون ، ص 45.
([25])
المرجع السابق ، ص 45 - 46.
([26])
جميل شرقاوي ، دروس في أصول القانون ، ص 58 - 62.
([27])
جميل شرقاوي ، دروس في أصول القانون ، ص 58 - 62.
([28])
د. عبد المنعم فرج الصدة ، مبادئ القانون ، ص 49.
([29])
المرجع السابق ، ص50.
([30])
المرجع السابق ، ص50.
([31])
المرجـع السابق ، ص 51.
([32])
المرجـع السابق ، ص 51.
([33])
المرجـع السابق ، ص 53.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب