حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
البداوة والتحضر في الجزيرة العربية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty البداوة والتحضر في الجزيرة العربية

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:30 pm

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية


    أولا: الحضارة والبداوة


    1-
    الحضر
    :



    الحضري كلمة
    مأخوذة من الحضارة. وتعني الحضارة

    كل نشاط تمارسه
    الأمم من أجل بلوغ ما تصبو
    إليه. ومواجهة كل ما من شأنه
    أن يحول دون
    وصول الأمم إلى أهدافها
    وتطلعاتها. إلا
    أن هذا النشاط لا يتساوى عند
    كل علماء الحضارة
    وعدم التساوي ينتج من خلال
    تفاوت درجات
    الوعي عند علماء الحضارة،
    لأن «الوعي ليس
    شيئا آخر سوى الوجود
    الواعي،ووجود البشر
    ».


    فالحضارة ظاهرة
    إنسانية تشترك فيها كل الأمم. وتنشأ

    الحضارة في كل
    أمة داخل أرضها، ومن خلال
    تجربتها الاجتماعية، وتحت تأثير
    مناخها
    وثرواتها، وما يصاحب ذلك من تحدّيات
    بيئية
    وما تمر به من ظروف مواتية أو غير
    مواتية
    لإنتاجها وعملها الحضاري.


    ومن تعريفات الحضارة:
    «أنها تعني نمطا من الحياة يتميز

    بخطوط ألوان من
    التقدم والرقي». و«الحضارة
    هي ثمرة كل جهد يقوم به
    الإنسان لتحسين
    ظروف حياته سواء أكان
    المجهود المبذول
    للوصول الى تلك الثمرة
    مقصودا أم غير مقصود،
    وسواء أكانت الثمرة مادية أم
    معنوية». وهذا
    المفهوم للحضارة مرتبط
    بالتاريخ لأن التاريخ،
    كما سنرى هو الزمن، والثمرات
    الحضارية
    تحتاج إلى زمن لكي تطلع. أي أنها جزء من التاريخ،
    أو نتاج للتاريخ
    .


    وللحضارة معاني
    عدة في اللغة العربية مثل الإقامة

    في المعمورة.
    أي في المدن والقرى. ويشرحها

    معجم لسان
    العرب بقوله: «والحضر خلاف البدو،

    والحاضر خلاف
    البادي، والحضارة الإقامة
    في الحضر».


    وفي وصفه الحضارة،
    يقول عنها ابن خلدون إنها «طور

    طبيعي في حياة
    الشعوب. تبدأ من البداوة،
    وتنتهي في الحضر، وأن البدو
    أصل الحضر
    . ولذلك تتحول إلى غاية للبداوة».


    ويتابع ابن
    خلدون الحضارة في لحظات تطورها وتحولها،
    ويرى
    أنها تجعل الشعوب يتسعون في أحوالهم
    . ويلاحظ أن
    الحضارة عند ابن خلدون تبدأ من مرحلة
    البداوة،
    ثم يتطور أهلها تدريجيا حتى يبلغوا

    الحضر فيصبحوا
    منه بالجهد والعمل
    .


    2. البدو:


    تُعرّف
    "الموسوعة
    العربية العالمية" البدو
    بأنهم: «مجموعة من البشر
    يعيشون حياة الترحال،
    وعدم الاستقرار في مكان
    بعينه، ويعيشون
    حياتهم التقليدية في الصحراء،
    بحثاً عن
    الماء والمرعى لجمالهم وأغنامهم، ويعيشون في
    خيام مصنوعة من جلود وشعر حيواناتهم،
    ويعتمدون
    في غذائهم في الغالب
    على منتجات الألبان
    والتمور والأرز. ويقايضون اللحوم،
    ومنتجات الألبان مع سكان
    القرى المجاورة
    للحصول على الخناجر
    والأواني والبضائع
    المصنعة الأخرى. والبدو شديدو الاعتزاز بكرامتهم،
    ويعتمدون
    على أنفسهم
    إلى درجة
    بالغة، ويعيشون حياتهم ملتزمين بالصفات الأخلاقية،
    وبقيم الشجاعة والكرم، والولاء
    للقبيلة، وبالضيوف والغرباء،
    وقد تؤدي
    إهانة الكرامة أحياناً إلى صراعات دموية بين
    القبائل
    ».


    ويبدو أن
    هذا التعريف يركز
    على بدو
    الجزيرة العربية؛
    لأنه أغفل جماعات من البدو
    تعتمد
    على تربية الأبقار
    أيضاً، مثل قبائل "البقَّارة
    " في السودان، حيث تمتلك
    قبيلتان (هما الزريقات
    والمسيرية)، ما يتراوح بين
    ثلاثة ملايين
    وأربعة ملايين رأس من
    الأبقار. كما أغفل
    التعريف ذاته قبائل
    "الطوارق" و"البنتو
    " التي تربي الماعز، لأنه يتكيف
    بشكل إيجابي
    مع المرتفعات والأودية. وهذه
    القبائل تعيش
    في بيئة جبلية في المغرب
    العربي (جبال الهوقار
    ).


    والأهم في
    تعريف البدو هو التركيز
    على الخاصية الأساس
    التي تميز البدو من وجهة نظر علم
    الاجتماع، وهي الترحل وعدم
    الاستقرار،
    بغض النظر عن أنواع الماشية
    التي يربونها،
    والدور أو الأدوار الاقتصادية
    التي يمارسونها
    . وتشمل خاصية الترحال البدو في المشرق
    (الجزيرة
    العربية والعراق والشام)، كما تشملهم في شمال
    إفريقيا من السودان إلى موريتانيا
    .


    3. الصيادون :


    هم المترحلون الذين
    يعيشون في البحار، فيتنقلون لصيد
    السمك، أو لجمع الإسفنج
    والكافيار وصيد
    اللؤلؤ في معظم دول الخليج
    العربي، وهم
    بذلك يشبهون الصيادين في دول
    أخرى مثل اليابان،
    وأندونيسيا، وماليزيا،
    والفليبين في جنوب
    شرقي آسيا. وقد تندرج تحت اسم
    المترحلين
    أو غير الثابتين، فئات أخرى من السكان
    مثل
    الغجر (النوَر) والصَّلب الذين يتنقلون في
    الصحراء وراء القبائل العربية الأصيلة،
    ويعيشون
    من صناعات يدوية محددة، ويسمون
    المتنقلين (Trailers)، ومنهم
    أيضاً المتنقلون
    بالقوارب في البحار (Boat Trailers)، ويجري التنقل
    والتجوال لفترة قصيرة أو فصلية،
    وأحياناً لمدة أطول. وقد يجمع
    البدو بين
    صيد الأسماك والغوص عن اللؤلؤ في فصل
    الشتاء،
    ويتفرغون في الصيف لجمع التمر من نخيلهم، كما
    في عُمان والإمارات
    .


    هؤلاء جميعاً
    من بدو وصيادين وغجر (نوَر) وصلب،
    وسكان البيوت والقوارب
    المتنقلة يشتركون
    في سمة أساسٍ مشتركة بينهم
    جميعاً، هي أنهم
    يتجولون متنقلين من مكان إلى
    آخر، وفقاً
    لشروط بيئية مثل الحرارة
    والماء، وبحثاً
    عن الغذاء. وهم في تنقلهم هذا
    يشابهون الكائنات
    الحية الأخرى التي تنتقل في
    أشكال جماعية
    كالهجرة الموسمية لدى بعض
    فصائل الطيور،
    والحيوانات الأخرى من عاشبة
    ومفترسة التي
    تنتقل من مكان إلى مكان سعياً
    إلى التكيف
    مع البيئة.


    يرى "بياجيه"
    أن الإنسان
    يتكيف ويتلاءم في عيشه مع البيئة
    الطبيعية والاجتماعية لتلبية
    حاجاته الحيوية
    بالتمثل والمطابقة، فهو يغير
    البيئة لتناسبه
    في منحى التمثل، ويغير نفسه
    ليناسب البيئة
    في منحى المطابقة. وقد يتم
    التلاؤم بالمنحيين
    معاً.


    ويقوم التمثل
    الحضاري
    على محاولة
    الإنسان السيطرة
    على الطبيعة
    ما أمكن، وملاءمتها عن طريق
    الخبرة بداية، ثم عن طريق
    العلم والتقنية
    في القرون الأخيرة؛ وما بناء
    السدود، وشق
    الطرقات والأنفاق، واستحداث
    أنواع جديدة
    من الزراعات والسلالات،
    وتدجين الحيوانات،
    واختراع وسائل المواصلات
    الحديثة، إلا
    من قبيل إخضاع الطبيعة
    وملاءمتها للإنسان،
    وهذا منحى إجرائي حضاري. أما
    منحى المطابقة
    فيسود في البادية، ويقوم على تغيير
    الإنسان
    نفسه، والانتقال إلى بيئة جديدة؛ فالبدوي إذا
    تغيرت عليه البيئة حيث يقيم، لا يلجأ
    إلى
    "التمثل" أي التغيير في البيئة،
    بل
    يعمد إلى "المطابقة" أي الرحيل
    بنفسه
    وأغنامه وإبله وحيواناته إلى بيئة
    جديدة يتلاءم معها. والبدوي
    يرتحل باستمرار
    طلباً للماء والمرعى،
    متوافقاً مع الفصول
    والتضاريس، وتتأثر بنيته
    الفيزيولوجية،
    وغذاؤه، وكساؤه، وعاداته،
    وتقاليده، وقيمه
    بما يناسب البيئة الصحراوية
    في قسوتها
    وصفائها، وفي شحها وكرمها.


    إلا أن مظاهر
    الحياة الحديثة قد أخذت تتسرب إلى
    حياة البدو، فلم يعد غريباً،
    أن
    ترى سيارة واقفة
    أمام بيت شَعَر في الصحراء. كما أخذ
    البدو يستخدمون السيارات
    الشاحنة لنقل
    المواشي والأعلاف، وصاروا
    يستخدمون المضخات
    في شفط الماء من الآبار. لكن على الرغم
    من
    هذا كله، لا تزال الحياة البدوية باقية في
    قيمها وعاداتها. وذلك لأن القيم والعادات
    تتغير
    ببطء بالغ، في حين أن الوسائل الآلية
    ومظاهر
    الحياة المادية تتغير بسرعة أكبر،
    لأن استخدامها يتعلق بجدوى
    عملية تبدو
    واضحة جلية، لا بقيم أخلاقية
    أو اجتماعية
    تتسم بطابع المحافظة والثبات
    في كثير من
    الأحيان.


    ويمكن تقسيم
    البدو من حيث ترحلهم ونمط حياتهم
    إلى ثلاثة أقسام:


    * البدو الرحل:
    وهؤلاء يعتمدون على الإبل،
    وما
    تدره عليهم من منتجاتها. رحلاتهم بعيدة، قد
    تمتد إلى آلاف الكيلومترات إذا أحوجتهم
    السنة،
    يساعدهم
    على ذلك
    حيوان بيئي هو الجمل
    بما يتصف به من قوة وصبر
    وتحمّل للمشاق
    .


    * الشاوية والبقّارة:
    وهم من رعاة
    للشاة والأبقار،
    رحلاتهم قصيرة، لأن حيواناتهم
    من أغنام
    وأبقار، لا تحتمل مشاق الرحلة البعيدة، ولا
    تصمد للعطش. وهؤلاء قد يزرعون الأرض
    إضافة إلى الرعي، لذا فهم
    ليسوا بدواً رحلاً
    بالمعنى الاجتماعي، إلا أنهم
    لم يصبحوا
    حضراً مستقرين، لذلك يطلق عليهم أحياناً وصف
    البدو (نصف الرحل). ومنهم بدو القرى
    النجدية وقرى جنوب السعودية.


    * المزارعون: وهم أناس
    استقروا في القرى، بعضهم ينتمي إلى
    قبائل بدوية وبعضهم إلى قبائل
    حضرية. يحترفون
    الزراعة في الدرجة الأولى
    وعليها تقوم
    حياتهم، كما يهتمون برعي
    الماشية وتربية
    الحيوانات الأليفة والطيور.
    وتتشابه عاداتهم
    وتقاليدهم وأعرافهم -في بعض
    جوانبها- مع
    عادات البدو الرحل ونصف
    الرحل، وثمة فوارق
    بينهم وبين البدو في عادات
    الطعام واللباس
    وبعض القيم الأخلاقية.


    4. العلاقة بين
    البدو والحضر



    يرى علماء الحضارة
    أن من أهم خصائص العناصر الحضارية

    أنها تغادر
    أرضها إلى بلدان كثيرة في العالم

    مدفوعة
    بفكرتها. ويقررون أن سمة الانتقال

    هذه ليست واحدة
    في كل الحضارات، بل إنها
    تختلف من حضارة إلى أخرى
    باختلاف قوة الفكرة
    أو ضعفها. ويرون أن الاختلاف
    يتباين ويتنوع
    حسب مبادئ وقيم فكرة وفلسفة
    كل حضارة ودينامياتها
    وآلياتها.


    إن خاصية مغادرة
    العناصر لأرضها أو انتقالها تجد

    نفسها في جوهر
    العنصر وتركيبه الحضاري،
    حيث لا تملك هذه العناصر
    سوية واحدة في
    الانتقال. بل تنتقل بموجب
    قوة أو ضعف الحضارة
    من جهة،وحاجة الشعوب أو
    الأمم إلى العنصر
    الحضاري المبتكر أو المصنع،
    أو بفعل الفكرة
    ونسقها. ومع ذلك فإن
    الحضارات المتفوقة
    والمنتصرة الغنية بالأفكار
    والثروات والاختراع
    والمنافع المادية هي التي
    تتفوق في الانتقال
    من مكان إلى آخر، ومن أمة
    إلى أمة أخرى،
    ولذلك تكون وجهة الانتقال
    عادة أما متعلقة
    بالتماثل الحضاري، حيث
    تتبادل الدول الصناعية
    العناصر الحضارية المبتكرة
    هنا أو هناك
    في ميدان الذرة وصناعة
    الصواريخ والكمبيوتر
    والاتصال، وصناعة المعلومات،
    أو متعلقة
    بالتفاوت الحضاري، حيث تنتقل العناصر
    الحضارية
    من الدول المتقدمة إلى الدول الأقل
    تقدما
    ويتم الانتقال أما بالقوة أو الحاجة أو بالتقليد.
    كما رأينا في انتقال العناصر

    الثقافية.


    ويرى ابن
    خلدون، أن المجتمعات المغلوبة تأخذ

    وتقلد
    المجتمعات الغالبة. والمجتمعات تقلد

    بعضها. والشعوب
    في طور النهضة أو الصاعدة
    حضاريا، تأخذ من الدول
    المتمكنة حضاريا،
    وتطور ما تأخذه حتى يتفق مع
    مصالحها
    .


    غير أن قانون
    الانتقال وتقليد المغلوب الغالب

    له بعض
    الاستثناءات حيث يتمثل،
    على سبيل المثال،
    في تأثير المغلوب
    على الغالب، إذا
    كان المغـلوب بالسلاح أكثر تقدما
    في
    الحضارة،
    على النحو
    الذي حدث خلال غزو
    المغول للوطن العربي، وفي
    أعقب انتصار
    الأسبان على العرب
    في بلاد الأندلس؛ ومع
    ذلك فإن تأثير الغالب على المغلوب
    هو الأكثر
    شيوعا والأقوى فعلا وليس تفاعلا لأن
    التأثير
    يأتي في أكثر الأحيان من جانب الغالب على المغلوب.


    غير أن هذا
    التأثير يتزامن تدريجيا في تبدله مع

    تطور الشخصية
    الحضارية لدى المغلوب. وهذا
    حال المجتمعات المغلوبة إبان
    مرحلة الاستعمار
    الأوروبي حيث أثرت الحضارة
    الأوربية
    على الشعوب
    المستعمرة، وبدلت فيها تبديلا قويا

    يتناسب مع
    مصالحها، حتى أن هذه الشعوب فقدت

    الكثير من
    مقومات شخصيتها وزادت قوة التأثير

    في العقد
    الأخير من القرن العشرين، وخاصة

    بعد تكامل
    الموجة الثالثة من ثورة المعلومات،

    وثورة الاتصال،
    وثورة الهندسة الوراثية
    .


    والإسلام بوصفه
    دينا وثقافة وحضارة يؤكد
    على التبادل الثقافي
    والتنوع الفكري بين البشر، يقول

    القرآن بأن
    الله خلق البشر بوصفهم شعوبا

    وقبائل وجعل
    التعارف والمودة بينهما سننا

    حضارية وأساسا
    للحياة المشتركة
    .


    وكثيرة هي
    الشواهد
    على حوار
    الحضارات
    وصراعها، سواء
    كانت بسبب الدوافع الدينية أو الثقافية،
    أو
    مصالح اقتصادية. وقد عرفت الحضارات في
    الصراع
    السلمي. والصراع العسكري منذ أقدم

    العصور، وحتى
    هذه اللحظة، واللحظة القادمة
    . مثل الصراع بين الحضارة
    الفارسية والرومية،
    والصراع بين الحضارة
    الإغريقية والحضارات
    المجاورة لها حتى بر مصر.
    ويعتبر مثال الاسكندر
    الكبير خير دليل على الصراع
    الحضاري
    حينما ركب بواخره وسفنه، وعبر البحر مع جنوده
    تجاه الأمم الأخرى فاتحا ومؤسسا

    حضارة إغريقية
    في تلك البلدان بعد أن انتصر

    عليها.


    غير أن الصراع
    لا يتم
    على وتيرة
    واحدة أو مستوى
    محدد، وإنما يختلف، ويتباين
    باختلاف الاتجاه
    الذي يقرره الدور الحضاري.
    لذلك يبقى حمل
    الرسالة وتبليغها والدفاع عن
    الهوية، والشخصية
    الحضارية العامل الفصل في
    الصراع الحضاري
    .


    ثانيا:
    التنظيم الاجتماعي عند البدو


    * العشيرة البدوية:
    العشيرة هي وحدة
    التنظيم الاجتماعي
    في المجتمع البدوي، منها
    ينطلق الفرد،
    وإليها يعود، وتكاد تكون
    المؤسسة الاجتماعية
    الوحيدة التي تمارس ضغطاً
    اجتماعياً
    على الأفراد،
    فهم يفيئون إلى حماها، ويدافعون
    عنها، ويفتخرون بتراثها
    وأمجادها، يتعصبون
    لها، ويذوبون فيها، وهذا ما
    تفرضه طبيعة
    الحياة البدوية القائمة على التنقل
    والترحال
    . ولكل عشيرة شيخ يسوسها ويدبر أمورها،
    تنقاد
    له عشيرته انقياداً كاملاً، ما دام يرعى مصالح
    العشيرة ويحرص عليها. ومصلحة العشيرة
    واحدة،
    تندغم فيها مصلحة الفرد في مصلحة
    الجماعة، وتتحقق من خلالها.


    * العصبية القبلية:
    العصبية لغةً
    تعني أن يدعو الرجل
    إلى نصرة عصبته، أي أقاربه من
    جهة الأب
    والتآلب معهم على من
    يناوئهم ظالمين أو
    مظلومين، والعصبية هي وسيلة
    من وسائل البدوي
    للتكيف مع البيئة لحماية
    كيانه القبلي،
    وتراثها الذي يتناقله جيلاً
    بعد جيل. وقد
    تحدث "ابن خلدون"
    في مقدمته عن ضرورة
    العصبية للبداوة.


    وتتميز العصبية
    القبلية بأنها موحدة، شاملة، ذات
    قوة إلزامية قهرية ـ
    باعتبارها ظاهرة اجتماعية
    ـ تمارس قدراً كبيراً من السيطرة على أفراد القبيلة
    الواحدة. وتؤدي العصبية القبلية
    إلى ترابط المجتمع البدوي في
    وحدة كلية
    يشعر فيها كل فرد بالضمانة النفسية
    والمادية،
    لكنها تعمل على عزل
    القبيلة عن القبائل
    الأخرى من النواحي الاجتماعية
    والنفسية
    والجغرافية والحيوية.


    * الأسرة:
    الأسرة البدوية
    هي نواة التكوين الاجتماعي
    عند البدو، مثلهم في ذلك مثل
    سائر المجتمعات
    البشرية، والأسرة البدوية
    أسرة أبوية،
    حيث الأب هو رئيس الأسرة، له
    حق الطاعة
    على جميع
    أفرادها
    .


    أما حقوق الأسرة
    ومكانتها في العشيرة ؛ فتتناسب
    طرداً مع ما عندها من مال
    ورجال. ويحرص البدو
    على إنجاب
    أكبر عدد ممكن من الذكور، لأن
    كثرة الأبناء الذكور تُعَدُّ
    في أعرافهم
    عاملاً هاماً من عوامل العز
    والمنعة للأسرة
    في العشيرة، وللعشيرة في
    القبيلة، وللقبيلة
    بين القبائل الأخرى، إلا أن
    ارتفاع نسبة
    الوفيات بين المواليد عند
    البدو تذهب بارتفاع
    نسبة الولادات، وترتفع نسبة
    الوفيات بسبب
    نقص الرعاية الصحية، وتدني
    المستوى الثقافي،
    وتخلف أساليب التوليد، وضعف
    العناية بالحامل،
    وكلها عوامل تعود إلى تدني
    المستوى الاقتصادي
    والثقافي. وعلى الرغم من ذلك،
    فإن معدل
    زيادة السكان عند البدو تظل أعلى مما هي لدى
    السكان الآخرين في البلاد التي يعيشون
    فيها،
    ويعود ذلك إلى كبر الأسرة، وتعدد
    الزوجات وأنماط التفكير
    الفطرية. ووظائف
    الأسرة عند البدو أوسع منها
    لدى الأسرة
    عند الفلاحين في الريف، وعند
    الحضر في المدينة،
    حيث سلبت المؤسسات والبنـى
    الاجـتماعية
    كثـيراً مـن وظائف الأسرة في
    الريف والمدينة،
    فالأسرة البدوية لا تزال تقوم
    بوظائفها
    الاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية حتى
    اليوم
    .


    *المرأة:
    تتسم نظرة البدو
    إلى المرأة بالمحافظة،
    هذه النظرة التي تكاد تبقى
    حتى اليوم
    على ما
    كانت عليه قبل الإسلام،
    على الرغم
    من
    أن الإسلام قد شجب تلك النظرة، وأعلى من شأن
    المرأة، فما زال البدوي يستقبل ولادة
    بنت
    بالوجوم، وكأنها مصيبة حلت به، ويعود
    ذلك
    إلى طبيعة الحياة البدوية حيث يتميز
    دور الرجل، فهو الذي يحمي
    العشيرة، ويرد
    عنها الخصوم والطامعين، وهو
    الذي يجلب
    الرزق، في حين ينحصر دور المرأة في أعمال المنزل
    البسيطة ورعاية الأطفال، وقد تقوم
    بأعمال اقتصادية ثانوية مثل
    رعي الإبل
    والأغنام، وحلبها. إلا أن النساء في
    البادية
    لَسْنَ دون الرجل شهامة ومروءة، فهن
    يحملن
    القيم الأخلاقية ذاتها، يُستجار بهن
    فيجرن،
    ويكرمن الضيف عند غياب الرجال، ويتحملن ما
    يتحمل الرجال من أعمال ومتاعب ومشاق،
    وقد
    يشاركنهم الغزو أحياناً
    .


    والمرأة عند
    البدو رمز للشرف والكرامة، فهي محترمة
    مصونة،
    لا يجوز أن تُمَسَّ بأذًى مهما بلغت
    العداوة والبغضاء بين
    العشائر. وما من وصمة
    عار يمكن أن تلحق برجل كوصمة
    أن يشتم امرأة
    أو يهينها أو يضربها، وإذا
    قُتلت امرأة
    في خصومة بين عشيرتين، فإن
    ثأرها أو ديتها
    يماثل من أربعة أضعاف إلى
    ثمانية أضعاف
    ثأر الرجل أو ديته.


    * العادات والتقاليد
    والأخلاق
    : للبدو عادات وتقاليد كثيرة،
    أكثر من أن تحصى، انتقل بعضها بالتسلسل
    من
    الآباء إلى الأحفاد، وحوفظ عليها كما
    لو
    كان شِرْعَةً لا يصح الإخلال بها، وبعضها
    نشأ
    بحكم الضرورة القاهرة، من شظف العيش
    وضيقه، وقساوة البادية،
    ومرارة العيش فيها
    . وتمارس تلك الأعراف والتقاليد ضغطاً
    اجتماعياً
    على جميع
    الأفراد، فلا يستطيع أحد التحرر
    منها، وإلا فإنه يعرض نفسه
    للاستخفاف والازدراء،
    وللعقاب أحياناً، والنبذ أحياناً
    أخرى،
    وربما يضطر إلى الهرب خارج العشيرة أو
    القبيلة
    . وهذا النمط المحافظ الثابت أدى إلى
    استمرار
    عادات وقيم وبقائها على ما
    هي عليه منذ
    ما قبل الإسلام حتى اليوم.


    ومن أخلاق البدو،
    الأنفة، والعزة، والصبر، والكرم،
    والعفة، والوفاء، وإغاثة
    الملهوف، وإجارة
    المستجير، والإيثار، والجرأة
    في قول الحق،
    والعفو عند المقدرة. والبدو
    يحفظون أنسابهم
    ويفاخرون بها.


    * التكتم:
    يعد التكتم من
    الأعراف الراسخة في البيئة
    البدوية، وكل ما تذكره الكتب
    والدراسات
    من أرقام عن أعداد البدو لا يعدو التخمين والتقدير،
    ويعود ذلك إلى سببين : الأول
    هو أن طبيعة حياة البدو
    القائمة
    على التنقل والترحال
    تحول دون إجراء إحصاءات دقيقة،
    والثاني يعود إلى تكتم البدو
    نحو السلطات
    الرسمية، والهيئات الحكومية،
    وخوفهم من
    التجنيد الإجباري، والتكاليف الضريبية، والالتزامات
    نحو السلطات بشكل عام، إن
    هم أدلوا بمعلومات إحصائية
    دقيقة مضبوطة
    . وقد ظهرت هذه الحقيقة جلية عند البدو،
    وانتشرت
    بينهم أيام الحكم العثماني للبلاد
    العربية
    .


    والبدو كما
    هو معروف يتمثلون الأخلاق الكريمة
    كما أشرنا، إلا أنهم، في بعض
    الحالات وفي
    ظروف ما، لا يعتبرون السرقة
    عملاً لاأخلاقياً،
    بل ينظرون إليها على أنها
    عمل من أعمال
    الرجولة، ولعلها جاءت هكذا
    عندهم امتداداً
    للغزو، ومظهراً آخر من
    مظاهره، والحاجة
    والفاقة وضيق ذات اليد
    الناجمة عن جدب الأرض
    وقلة خيراتها، وشظف العيش في
    البادية الصحراوية،
    أو شبه الصحراوية، هو ما يدفع
    البدوي إلى
    السرقة، أو التهريب أو تجارة
    الممنوعات
    كي يحافظ على بقائه.


    * الثأر: والثأر
    عادة قديمة متأصلة لدى البدو، منذ
    ما قبل الإسلام، وقد نهى
    الإسلام عن الثأر،
    إلا أن ذاك النهي لم يبطل تلك
    العادة، لأن
    البدو يسلكون وفق أعرافهم
    وتقاليدهم، ووفقاً
    لها يُعَدُّ عدم الأخذ بالثأر
    جبناً، والجبن
    صفة ذميمة جداً عند البدو،
    وقد يتدخل القضاء
    الرسمي في حوادث القتل التي
    تحدث بين البدو،
    ويصدر فيها أحكامه ؛ إلا أن
    كثيرين منهم،
    لا يقبلون بهذه الأحكام بل
    يظلون ينتظرون
    خروج الجاني من السجن
    للانتقام منه أخذاً
    بالثأر، وقد يعمدون إلى قتل
    قريب من أقربائه
    لذات الغاية.


    * الفراسة:
    عُرف البدو منذ
    القديم بالفراسة، والفراسة
    لغة هي سلامة الحدس وصدق
    النظر، فتجد البدوي
    ينظر إلى آخر، فيعرف قبيلته
    وعشيرته من
    أول نظرة.


    * قصّ الأثر:
    واشتهر البدو
    بقص الأثر، ولهم
    في ذلك مهارة عجيبة لا يكاد
    يجاريهم فيها
    أحد، فيكشفون كثيراً من الحوادث
    الغامضة
    عن طريق قص الأثر، وتتبع آثار الأقدام، والعلامات
    الأرضية لمسافات طويلة
    .


    * القضاء:
    عرف العرب
    القضاء منذ عهد الشفاهية، فقد
    قامت بينهم مصالح مختلفة
    متنوعة، أدت إلى
    نشوء خلافات ومنازعات بينهم،
    فشدوا للعدل
    صرحاً، وأسسوا له قواعد
    ثابتة، سادت بينهم
    سيادة القوانين المكتوبة، على الرغم
    من
    أنها كانت شفاهية غير مكتوبة. وقد تكونت تلك
    القواعد عبر ماض طويل، وجاءت خلاصة
    سلسلة متصلة من التجارب
    والخبرات، توارثوها
    جيلاً بعد جيل، فارتكزت على أسس
    قوية، ودعائم
    متينة استندت إلى مكارم
    الأخلاق في الدرجة
    الأولى، واغتنت وتعمقت
    بالحكمة والحنكة
    والخبرة الحياتية المتجددة
    باستمرار
    .


    وظهر الإسلام
    بين العرب، ليكون الحدث الأجل
    والأخطر والأعظم أثراً في
    حياتهم، فأخذوا
    يطبقون أحكامه الدنيوية
    والأخروية، في
    خلافاتهم ونزاعاتهم من قتل أو
    سرقة أو اعتداء،
    وفي معاملاتهم من بيع وشراء،
    ووصية وإرث،
    وزواج وطلاق... إلخ. وبالتالي
    سادت بينهم
    قوانين مكتوبة دقيقة التزموا
    بها، وطوروها
    لتلبي حاجاتهم المتجددة، فكان
    الكتاب والسنة
    مصدري التشريع في المرحلة
    الأولى، وبعد
    وفاة النبي# وتوقف نزول
    القرآن الكريم،
    مضت الحياة في سبيلها لا
    تتوقف، أوجدوا
    مصدراً جديداً هو القياس، ثم
    أضافوا مصدراً
    آخر هو الإجماع، لما تغيرت
    معالم الحياة
    المتجددة وأحداثها بحيث لم
    تعد تتطابق
    مع الأحداث التي جرت في حياة
    النبي#، ولما
    اتسعت رقعة الدولة اتساعاً
    جعل إجماع الفقهاء
    مستحيلاً، أضافوا المصدر
    الأهم وهو الاجتهاد
    .


    لكن هذا كله
    ارتبط بالعرب المستقرين في الحضر،
    أما البدو المتنقلون فقد
    ظلوا، في الجملة،
    يحافظون على عاداتهم
    وتقاليدهم وأعرافهم،
    لاسيما أن الدين الجديد لم
    يتغلغل في نفوس
    بعضهم، فظلوا يرجعون إلى تلك
    الأعراف والتقاليد
    في حل خلافاتهم ومشكلاتهم،
    فبقيت الأعراف
    والتقاليد هي القانون السائد
    في البادية،
    وقد أخذت تلك الأعراف
    والتقاليد تتطور
    إلا أن تطورها كان بطيئاً
    جداً، واستمر
    هذا التطور حتى وصلت إلى ما
    هي عليه اليوم
    .


    والمسؤولية الجماعية
    هي محور القضاء في المجتمع البدوي،
    ويهدف النظام القضائي عند
    البدو إلى معاقبة
    أولئك الذين يخرجون على الإرادة
    الجماعية،
    أو يجرحون مشاعر الجماعة ؛ والعقاب وسيلة لإعادة
    التوازن بين أفراد الجماعة
    .


    ويقوم القضاء
    عند البدو
    على العرف
    والعادة، فليس
    ثمة قوانين مكتوبة، ولا خطط
    مرسومة، يتولاه
    الشيوخ، وهؤلاء إما قضاة في
    الخلافات التي
    تنشأ داخل العشيرة، أو
    محكّمون في المسائل
    التي تحدث بين العشائر
    المجاورة، وهم يباشرون
    القضاء بأنفسهم، لكنهم قد
    ينيبون عنهم
    رجالاً منهم يحكّمون بما
    اكتسبوا من خبرة
    وتجربة، وبما سمعوا من أحكام
    أسلافهم في
    وقائع مماثلة. وللمحاكمات
    أصول، وللقضاء
    درجات متعارف عليها، تكاد لا
    تختلف من قبيلة
    إلى أخرى، إلا في بعض تفاصيل
    قليلة. وهناك
    أحكام جزائية خاصة بالقتل،
    والديّة، والزنى
    والسرقة والذم، وأحكام أخرى
    تتعلق بالشفعة
    والميراث.


    خصائص المترحلين الاقتصادية
    :



    يقوم نمط
    المعيشة
    على الأنشطة
    المختلفة التي
    يمارسها البشر في سبيل الحصول على الموارد الاقتصادية
    الضرورية لحياتهم ؛ إلا أن
    صلة نمط المعيشة بالبيئة
    الجغرافية، ليست
    على درجة
    واحدة ؛ فهي تشتد أو تضعف حسب تطور
    الشعوب ورقيها. ويمكننا أن
    نميز في نشاط
    البشر الاقتصادي بين ثلاثة
    أنشطة زراعية
    وصناعية وخدمات كعمل الموظفين
    والمستخدمين
    وأصحاب المهن الحرة.


    * الرعي والزراعة:
    يرتبط نشاط
    البدو الاقتصادي
    بالزراعة، لكنه يقوم على الرعي
    في الدرجة
    الأولى، وعلى الزراعة والصيد في الدرجة الثانية.
    والبدو يحتقرون العمل اليدوي
    الصناعي، ويأنفون منه، ولهذا
    واجه التعليم
    الصناعي مقاومة لدى فئات
    البدو منذ عهود
    طويلة، كما أنهم ينظرون نظرة
    دونية إلى
    الزراعة، لأنها تربط صاحبها بالأرض، وتحد من
    حريته في التجوال والترحال عبر البوادي
    والصحاري
    لذلك نجد "الطوارق"، في جبال
    الهوقار
    حتى عهد قريب، يتفرغون للغزو،
    ومرافقة القوافل، في حين
    يتركون زراعة
    أراضيهم لجماعة يعتبرونهم أقل
    شأناً منهم،
    يسمونهم "الحراثين"،
    كما نجد حالة
    مشابهة في موريتانيا حيث كان
    العبيد يقومون
    بالزراعة على ضفاف
    نهر "السنغال
    "، لحساب
    سادتهم من البدو. هذه كانت الصورة
    التقليدية عن الزراعة والعمل
    اليدوي، إلا
    أنها أخذت تتغير بفعل عوامل
    عديدة أثرت
    في عقلية البدو، فعدلت من
    أنماط تفكيرهم،
    وغيرت من سلوكهم تجاه الأرض
    والعمل اليدوي،
    فأخذوا يتحولون إلى الزراعة،
    فاستقروا
    في أراض خِصْبَةٍ يروونها، فقبيلة
    "شمَّر
    " استقرت في الجزيرة السورية، واستقر
    "بنو
    وهب" في أرض الحجاز وخيبر، ولهم
    فيها
    نخيل يقدر بنصف نخيلها، كما استقرت قبيلة "الزريقات"
    في السودان، التي أصبح
    أكثر من نصفها مستقراً اليوم،
    ولهم أربع
    عشرة قرية كبيرة، ويزرعون المحاصيل
    الإعاشية،
    وهي الدخن والذرة، والمحاصيل النقدية، وعلى
    رأسها الفول السوداني. ولكن،
    على الرغم من
    حالات الاستقرار هذه، فإن الرعي يظل
    حرفة البدو الرئيسة، عليه
    اعتمادهم ومعولهم،
    يتبعون مساقط الغيث، ومنابت
    الكلأ لرعي
    مواشيهم على اختلاف
    أنواعها
    .


    والرحيل لدى
    البدو له أسبابه، وأهمها انتجاع الكلأ،
    أو
    اتقاء الرياح الباردة القارصة، أو التخلص
    من
    بعض الحشرات كالبراغيث، والهروب من
    الذباب القارص الذي ينقل
    الأمراض في المناطق
    الطينية في مواسم الأمطار،
    كما هي الحال
    في مناطق السافانا في السودان.


    * التجارة:
    لا يعتمد البدو
    في غذائهم
    على مواشيهم
    ومنتجاتها
    فحسب، بل يعمدون إلى مبادلة مواشيهم
    ومنتجاتها
    من ألبان وأصواف مع الحضر، كما أنهم
    يشتغلون
    بالنقل والتجارة مستفيدين في ذلك من
    خبرتهم
    في الصحراء، ومعرفة مسالكها معرفة دقيقة نتيجة
    تنقلهم الدائم. وتلعب الجمال دوراً
    هامّاً في التجارة البرية، إذ
    كانت القوافل
    تتألف من قطارات من الجمال قد
    يتراوح عددها
    بين خمسمائة إلى ألف وخمسمائة
    من الإبل
    . وكان البدو يتقاضون أجور النقل، وأجور حماية
    القوافل التجارية، فقد كانت هناك
    طرق تجارية معلومة لا تستطيع
    القوافل التجارية
    عبورها، والمرور عبرها، إلا
    في حماية عشائر
    بدوية معينة، منها طريق حلب ـ
    بغداد، وطريق
    الحج بين الآستانة (إسطنبول)
    ومكة، وطريق
    دمشق ـ بغداد.


    أما في شمال
    أفريقيا، فهناك طرق طويلة عرضانية
    تمتد بين السودان وتشاد
    والنيجر ومالي
    حتى السنغال، كما أن هناك
    طرقاً طويلة تمتد
    من الحواضر الشمالية إلى
    أفريقيا السوداء
    جنوباً، وقد لعبت تلك الطرق،
    التي كانت
    طرقاً تجارية في الأصل، دوراً هاماً
    بارزاً
    في نشر الإسلام والثقافة العربية جنوبي الصحراء.


    بهذا يتضح
    لنا أن وضع البدوي الاقتصادي يتشابه
    [font:0bf7=&q
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:32 pm

    الخصائص الثقافية :


    يُعْنَى بالثقافة
    العلوم والمعارف والفنون الأدبية
    والفنية والموسيقية. وثقافة
    البدو تتعلق
    بالمسائل الحيوية في حياة
    التنقل والترحال
    التي يعيشونها، فهي تدور حول
    مواشيهم وخيامهم،
    والملاهي والمناهل والأنواء
    وتغير الفصول،
    يضاف إلى ذلك ما يجري بينهم
    من أحداث يتناقلون
    أخبارها، وما يتوفر للبدو من
    معارف في الفراسة
    والقيافة والكهانة والعيافة،
    ومعرفة الأنواء،
    وقص الأثر، ومواقع النجوم
    وتحركاتها، ليس
    سوى خبرات حيوية تقتضيها ظروف
    المعيشة،
    وذلك أن البداوة وما يرافقها من تنقل
    وعدم
    استقرار لا يفسح مجالاً للعلم والثقافة للنشوء
    والتطور، ثم التقدم والارتقاء
    . وقد كان هذا في عهود الشفاهية
    والكتابية
    القديمة، إلا أن الأمر أخذ يتغير إلى حد بعيد،
    في عهد المعلومات الإلكترونية
    .


    وفيما يلي
    نتناول بعض مكونات الثقافة البدوية
    :


    * اللغة: تفوق
    البدو في نقل المشاعر عند الاتصال
    وجهاً لوجه، واتخذوا أسماء
    وصفات متميزة
    في اللغة للتعبير عن لغة
    العيون، وأسماء
    الخيل، والسيف، والإبل، عبروا
    عن ذلك بشعر
    فصيح أو بدوي. وقد لخصت
    الحِكَم والأمثال
    والحكايات خبراتهم المتراكمة
    في أقوال
    مأثورة تنتقل شفاهياً من جيل إلى جيل.
    وقد
    استخدمنا "الشفاهية البدائية"
    بدلاً
    من "الأمية" التي أطلقها شعب
    كتابي
    على فئة
    أو قوم شفاهيين، إلا أن الشفاهية
    البدائية أخذت تتحول اليوم
    إلى "الشفاهية
    الثانوية" في عصر
    التقنيات المتقدمة
    .


    ويتكلم البدو
    المعاصرون اللغة العربية العاميّة،
    وهي أقرب اللهجات العامية
    العربية إلى
    اللغة العربية الفصحى، ويعود
    ذلك إلى عزلة
    البدو في بواديهم، وقلة
    اختلاطهم بغير
    العرب الطارئين على الوطن
    العربي. والبدو
    يخرجون الأصوات (الحروف)
    مخرجاً صحيحاً
    دقيقاً، لكن بعضاً من هذه
    الأصوات قد تطرأ
    تغيرات على مخارجها
    من قبيلة إلى أخرى،
    فقد تحول الكاف شيناً، أو
    تقلب الضاد ظاءً،
    والغين قافاً، أو العكس، أما
    القاف فقد
    تجري عليها تحويلات كثيرة، فتخرج كافاً أو
    جيماً، عادية أو معطشة، وقد تلفظ الجيم
    ياءً،
    وهكذا تتنوع التحويرات التي تصيب
    الحروف، إلا أن المفردات
    والعبارات الاصطلاحية
    التي تدل على تنوع
    العواطف، والأسماء،
    والصفات المتعلقة بالخبرة
    المتميزة ما
    زالت من خصائص غنى اللغة
    العربية. وقد تدخل
    إلى اللغة العربية مفردات
    أجنبية تعرّب
    بما يناسب والنطق العربي.


    * القصص:
    تتناول القصص
    التي يتداولها البدو أبطالهم
    التقليديين، كقصة عنترة وعبلة،
    وأبي زيد
    الهلالي وعلياء، ومعظمها ضرب من الأساطير حاكها
    الخيال حول أولئك الأبطال. وهناك
    قصص تجري على ألسنة
    الحيوانات تتضمن مواعظ
    متنوعة، وحكماً مختلفة، كما
    يتداولون حكايات
    وروايات وافية تتعلق
    بالأنواء، والأدوار،
    تفتقر إلى الإثبات العلمي،
    وهناك قصص لتنظيم
    السلوك والعادات في البيئة
    الصحراوية
    .


    * الأمثال:
    الأمثال ضرب من
    الكلام الوجيز البليغ،
    يتضمن حكمة، أو خبرة، أو
    تجربة، يتناقله
    الناس، وتستخدم القياس
    والمماثلة
    على أحوال سابقة.
    وتسود بين البدو المعاصرين آلاف
    من الأمثال، يستشهدون بها في
    الظروف المناسبة،
    بينها وبين كثير من أمثال
    العرب تشابه في
    اللفظ والمعنى، أو تشابه في
    المعنى دون
    اللفظ أحياناً. والأمثال لدى
    البدو تعكس
    كثيراً من صفاتهم وخصائص
    حياتهم ؛ وتصور
    جوانب البيئة التي يعيشون
    فيها، وبعضها
    يتضمن عظات، أو حكماً، ومنها
    ما يلخص فلسفة
    البدو في الحياة القائمة على الاهتمام في
    الحاضر، وعدم الالتفات إلى الماضي،
    أو التطلع إلى المستقبل،
    ويصاغ المثل في
    إيقاع متوازن لفظاً، يستند على السجع
    في
    كثير من الأحيان، وذلك كي يسهل حفظه،
    ويتناسب
    مع الثقافة الشفاهية.


    * الشعر:
    الشعر ديوان
    العرب، يلخص تجاربهم، لذلك
    قد يدرَّب البدوي على حفظ
    الشعر، والقياس
    على أوزانه
    لمعالجة قضايا راهنة، وفي ذلك
    قدر من الإبداع في الحفظ.
    ويستخدم البدو
    فنون البلاغة في شعرهم،
    لاسيما التشابيه
    والاستعارات والكنايات.
    ويستخدم الشعر
    لديهم ليلخص حياة البادية،
    وبما أنه يعتمد
    على الحفظ
    الشفاهي، لذلك كان لابد من نظمه
    على إيقاع
    شعر منظوم، أو شعر بدوي، أو زجل
    إبداعي عند سكان الجبال،
    يطورون ألفاظه
    مع المحافظة على الإيقاع،
    وقد يترافق مع
    آلات موسيقية، ويغنى ليروي ما
    يقع بين القبائل
    بين حروب وخصومات تدعو إلى
    الفخر، ويستخدم
    أيضاً للمدح، والهجاء،
    والرثاء، والتعبير
    عن انفعالات تلخص اللذة،
    والألم، والشكوى،
    والحب. ويعبرون عن الحب
    بألفاظ عديدة تختلف
    باختلاف شدة الحب، ونوعه،
    وتميزه، مما
    يدل على خبرات
    انفعالية متميزة
    .


    وقلة قليلة
    من البدو ينظمون الشعر الموزون بداهة،
    إلا
    أن كثيرين منهم يقرضون نوعاً من النظم
    دون
    الشعر الصحيح، يسمى "شعراً نبطياً
    " في المشرق العربي،
    و"شعراً ملحوناً
    " في بلدان المغرب العربي، ويقوم مقام
    الشعر
    الصحيح في أداء المعنى وإفادة السامع
    وفيه
    كثير من التورية والكناية والمجاز، لكنه لا
    يتقيد بضوابط الصرف والنحو والمعاني
    والبيان. وللقصيدة البدوية
    بنيتها الخاصة،
    وأوزانها وقافيتها، التي قد
    تتفق مع الشعر
    الفصيح، وأوزان الخليل، وقد
    تختلف عن أوزان
    العروض المعروفة.


    ولعل ما
    للشعر من دور في بيئة الشفاهية والحياة
    العامة
    من أهم عوامل حفظ الشعر في البادية
    وروايته، فالشاعر البدوي، كان
    ولا يزال،
    لسان حال قبيلته ؛ في المنازعات والخصومات، في
    المناظرات والمنافرات، فلا عجب إذن
    أن يحتل الشاعر مكاناً
    مرموقاً في قبيلته
    ؛ ذلك أن الشعراء في البادية يقومون بدور وسائل
    الإعلام والدعاوة في قبائلهم في
    مجال الاتصال الشفاهي، ولهذا
    يعد الشعر
    ديوانهم الذي يتضمن جميع أنشطة حياتهم ويعبر
    عنها
    .


    الخلاصة


    يعيش المترحلون
    من بدو وصيادين في الغالب ثقافة
    الشفاهية البدائية التي تختلف
    عن الثقافة
    الكتابية والإلكترونية كما
    شرحها (أونغ،
    1994)،
    فتفكيرهم يقوم
    على العطف
    بين الجمل
    بواو العطف، وعلى التجميع بدلاً من
    التحليل
    من أجل تقوية الذاكرة وعلى الارتجال
    والإطناب
    في التعبير لإقناع جماهير المستمعين.


    ويقوم الحفظ على الإعادة
    والتكرار. وتنزع ثقافتهم
    إلى المخاصمة في القصص والعنف
    الجسدي يقابلها
    المدح المفرط والمشاركة
    الوجدانية، وحفظ
    سلاسل النسب.


    والمفاهيم الحسية
    أقل تجريداً من المفاهيم الحسية
    لدى الكتابيين، ويلجأون إلى
    التسميع الفوري
    للحفظ، أو تحويل الكلام إلى
    شعر وغناء وإنشاد
    يرافق بحركات اليد والجسد.
    لضبط الإيقاع
    والحفظ الصحيح والاحتفاظ بها.


    الخصائص التربوية :


    يتأثر المترحلون
    الشفاهيون البدائيون بخصائصهم
    الثقافية وبخاصة اعتمادهم على آلية
    الحفظ
    في اللغة والقصص والأمثال والشعر، وينعكس ذلك على التربية
    التي تحافظ
    على التراث الثقافي،
    وتنقله إلى الأجيال التالية،
    عن طريق الأسرة والعشيرة،
    والكتاتيب والمدارس
    القرآنية، والزوايا والمرابط،
    وما شابه
    ذلك من مؤسسات تتحول تدريجياً إلى مدارس نظامية
    في التعليم الأساسي يقوم عليها
    معلم وحيد يعلم عدة صفوف في
    الوقت نفسه،
    أو معلم صف واحد، ينتقل معهم
    في مواسم الانتقال،
    أو يتعلمون تعلماً عرضياً
    مستمراً في أنظمة
    تعليم متكاملة.


    ويركز التعليم
    والتقويم
    على آلية
    الحفظ والاحتفاظ
    المناسب للكلمة المنقولة
    شفاهياً وسماعياً،
    ويسهل الإيقاع في اللفظ والحركات
    عمليات
    حفظ المعلومات والاحتفاظ بها، ونقلها
    بالتربية
    والتعليم إلى الأجيال التالية. وقد تجري الكتابة على ألواح
    خشبية بأحبار يسهل محوها
    بعد الانتهاء من الكتابة، ثم
    استخدام الورق
    والقلم بأنواعها المختلفة في
    التعليم والاتصال،
    إلا أن التعليم بأقل قدر من
    الورق بدأ ينتشر
    في أواخر القرن العشرين عن
    طريق الأجهزة
    الإلكترونية.


    ويجري التدريب على المهارات
    الحركية، كالسباحة
    وركوب الخيل، والصيد بالوسائل
    المتوفرة
    . وقد مكنهم دخول السيارة إلى حياتهم من
    التدرب
    الذاتي على القيادة
    في الصحراء، وتحسين
    مهاراتهم من خلال التعامل مع
    السيارة الحديثة،
    وتشغيلها، وصيانتها، وتوظيفها
    لأغراض
    الصيد والقنص، ونقل الحيوانات. وتقتصر الصناعة على المنتجات
    الحيوانية كصناعة
    الألبان والأجبان، واستخلاص
    الزبدة والسمن،
    والاستفادة من صوف الأغنام
    ووبر الإبل
    وشعر الماعز في صنع الملابس
    والفراش والأغطية
    والخيام. وقد وظفت الحكومات
    المعنية البدو
    في أعمال الحراسة، والأمن،
    والشرطة، وتتبع
    الأثر، وقد يتبعون آثار
    الإنسان والحيوان
    والنبات ـ فطر الكمأة مثلاً ـ
    مما يفيدهم
    في الغذاء والتجارة.


    ولما كان
    عصر المعلومات الراهن يتميز بسرعة
    التغير في المعلومات
    والتقنيات والمهن،
    فقد صارت تربية البدو العرضية
    تتسم بالتعلم
    الذاتي عن بعد، عن طريق أجهزة
    الهاتف وخاصة
    (الخلوي ــ النقال)، والراديو والمسجلة، والتلفزيون،
    والفيديو، ولذلك لابد من تعديل
    الأنظمة والمناهج التربوية
    لتلائم هذا
    التغير السريع في المعلومات
    والتقنيات،
    والعمل على توفير
    معلومات تناسب ثقافاتهم
    وحاجاتهم وظروف معيشتهم. وقد
    استفاد أغنياء
    البدو من التقنيات الحديثة،
    أما المحافظون
    منهم، فقد قاوموها لأسباب
    تراثية، إلا
    أنهم عادوا بعد ذلك عن
    مقاومتهم تلك، وتدربوا
    عليها للاستفادة منها لأنها
    أصبحت مظهراً
    من مظاهر الجاه والنفوذ،
    ووسيلة من وسائل
    الرفاهية في الحاضر والمستقبل.


    أثر التقنيات الحديثة في ثقافة البدو وتربيتهم


    تميز النصف
    الثاني من القرن العشرين بسرعة التغير
    في
    المعلومات والتقنيات، فترك ذلك أثراً
    بالغاً على الحياة
    الاقتصادية في العالم،
    وقد تأثر المجتمع البدوي بهذا
    التغير،
    لكن حياة البدو تأثرت بأسباب سياسية
    وأخرى
    طبيعية، إضافة إلى الأسباب التقنية،
    وفيما
    يلي نعرض هذه العوامل بإيجاز :


    * الأسباب السياسية:
    أقيمت حدود
    سياسية حديثة بين
    بعض الدول، وظل البدو
    يجتازونها بحثاً
    عن الماء والكلأ، وفقاً لقيود
    القبيلة،
    وتوزع أفرادها بين الدول المتجاورة. ولكن الدول
    أخذت تحد من تنقل البدو عبر الحدود
    السياسية الحديثة، وبدأت
    تمنعهم من تجاوز
    تلك الحدود بدواعي السيادة
    الوطنية، أو
    الأمن أو منع التهريب بين
    الدول، ولهذا
    انحصرت القبائل في نطاق دولة
    معينة، فتفرقت
    القبائل في المشرق العربي،
    مثلاً، بين
    سورية والعراق والأردن
    والسعودية. أما
    في المغرب، فقد كانت قبائل
    الطوارق تنتقل
    عبر الصحراء الإفريقية في
    اتجاهات مختلفة،
    إذ كانوا ينتقلون من ليبيا
    شرقاً إلى موريتانيا
    غرباً، ومن الهوقار إلى
    النيجر ومالي جنوباً،
    وقد ظلوا كذلك بعد الاحتلال
    الفرنسي، لأن
    المناطق المشار إليها كانت
    كلها تحت الاحتلال
    الفرنسي. أما بعد الاستقلال ؛
    فقد وجد الطوارق
    أنفسهم موزعين بين ليبيا
    والجزائر والنيجر
    ومالي، وبعد أن كانوا أحراراً
    (أسياد الصحراء
    ) ؛ أصبح
    عليهم الخضوع لسلطات تلك الدول،
    فضعفت سيطرتهم على الصحراء.
    وأُنشئت (إسرائيل
    ) على أساس
    عنصري، فقامت بتهجير البدو في
    صحراء النقب، واقتلاعهم من
    أرضهم التي
    عاشوا عليها آلاف السنين، تحت
    ذرائع ودواعي
    مختلفة، أمنية واستراتيجية
    حيناً، وحيناً
    بحجة تحضيرهم وتهيئتهم للقرن
    الحادي والعشرين،
    ليحل محلهم اليهود المهاجرون
    من دول أخرى،
    كما هاجر معظم بدو شمال
    فلسطين هجرة قسرية
    إلى الأردن وسورية ولبنان بعد
    عام 1948



    * الأسباب الطبيعية:
    مرت على منطقة
    الساحل الأفريقي
    والصحراء الكبرى، من السودان
    شرقاً إلى
    موريتانيا غرباً، سنوات عجاف في
    الثمانينيات،
    ساد فيها جفاف متوال، عاماً
    بعد عام، فأتى
    على الزرع
    والضرع، وقد أهلك ذاك الجفاف
    مواشي كثيرة يعتمد عليها بدو
    تلك المناطق،
    بل تجاوز ذلك إلى إهلاك البشر
    نتيجة المجاعة
    والعطش. وكان لذلك أثره
    السلبي في موريتانيا
    خاصة، إذ تفككت البنية
    الرعوية فيها، وأخذ
    كثير من البدو الرحل يتركون
    مناطقهم متجهين
    جنوباً إلى ضفاف نهر السنغال،
    حيث الزراعة
    والمياه، واصطدموا بالمزارعين
    في تلك المنطقة
    ؛ فنشأ عن ذلك توتر كبير بين الفئتين شمل موريتانيا
    كلها. وقد اتجه قسم آخر من البدو
    إلى الحواضر، وضربوا خيامهم
    حول بعض المدن
    أو بنوا بيوتاً مؤقتة من
    الصفيح والخشب،
    وسعف النخيل، مشكلين فيها
    طبقة هامشية
    فقيرة يطبعها سوء التلاؤم مع
    الأوضاع الجديدة



    * التقدم التقني:
    دخلت الحياة
    الحديثة بما تتضمنه
    من وسائل تقنية إلى حياة
    البدو عبر مسارب
    عدة، حيث إن الدول، لاسيما
    النَّفطية منها
    ـ شجعت البدو على هجر
    حياة التنقل والترحال
    عن طريق توفير وسائل
    الاستقرار المادية،
    إذ فتحت لهم مجالات واسعة
    للتعليم، وبالتالي
    وجد كثيرون منهم، من متعلمين
    وأشباه متعلمين،
    فرصاً واسعة لدخول مجزية عن
    طريق الانخراط
    في الوظائف الحكومية، وفي
    سلكي الجيش والشرطة،
    وقد تخلى كثيرون منهم عن
    تربية المواشي
    والإبل، إلا إذا كان ذلك على سبيل
    الهواية،
    فقد استخدموا السيارات والشاحنات بدل
    الإبل،
    ومهروا في قيادتها


    ودخلت وسائل
    الاتصال الحديثة حياتهم، فاستخدموا
    الإذاعة والمسجلة، والفيديو
    والتلفزيون،
    والهاتف العادي والخلوي
    (النقال)، كما استخدموا
    السيارات المخصصة للمناطق
    الوعرة (لاندروفر
    ) ليجوبوا بها الصحاري والبوادي، واستفاد المتعلمون
    من البدو من التقنيات التي توفرها
    لهم الدولة، والجامعات للتعلم
    المفتوح،
    من تقنيات سريعة التغير في المعلومات
    والأجهزة
    والبرامج، إلا أن القيم السائدة لدى
    البدو
    بقيت بطيئة التغير، بخاصة لدى الفقراء منهم،
    إذ ما زال هؤلاء هامشيين يعانون من
    شظف العيش، والفقر، والمرض،
    في الصحاري
    المشرقية والمغربية، كما بقيت
    سائدة ومسيطرة
    العادات الاجتماعية المتعلقة
    بالأسرة،
    والإنجاب، والمرأة، فالمسؤولية الجماعية للأسرة
    والعشيرة، أو القبيلة، وما يرافقها
    من عادات، كعادة الثأر، قد
    تؤدي إلى انتقال
    الأسرة أو العشيرة كلها إلى
    مسافات بعيدة
    تجنباً للثأر بسبب شيوع
    المسؤولية الجماعية
    . لكن تلك العادات أخذت تتراجع إلى حد كبير بتأثيرات
    التقدم التقني، وأخذت تحل محلها
    عادات جديدة، نتيجة استخدام
    التقنيات والآلات،
    وانتظام أعداد متزايدة من
    البدو في أطر
    منتظمة في نطاق الوظائف الحكومية،
    وسلك
    الشركات الخاصة والقوات المسلحة، وتزايد نسبة
    المستقرين منهم، إلا أن البدوي الذي
    أصبح يستخدم السيارة،
    والمذياع، والتلفاز،
    والهاتف، ظل يتعامل بحكم
    الموروث، مع الجمل
    والربابة، والشعر (النبطي)،
    ولا يزال الصراع
    لديه قائماً بين قيمه،
    وعاداته، وتقاليده،
    وتراثه، وماضيه، واعتزازه
    بذلك كله، وبين
    القيم الحديثة التي برزت
    نتيجة دخول المجتمعات
    البدوية عصر التقنيات
    الإلكترونية. وإذا
    كان من السهل التعامل مع
    الوسائل المادية
    التي جلبتها الحضارة الحديثة،
    واستعمالها
    ؛ فمن الصعوبة بمكان تبني ما يرافق هذه الوسائل
    من قيم وثقافة غريبة وطارئة
    على العقلية
    البدوية النمطية. ولهذا يمكن الاستفادة
    من
    الأصالة والحداثة في ميدان تعليم البدو
    تمهيداً
    لنقلهم إلى مجتمع القرن الحادي
    والعشرين. وفي الوقت ذاته يجب
    التأكيد
    على بناء
    استراتيجية لتعليمهم
    على أساس
    من
    قيمهم وعاداتهم السائدة، لأنها أصيلة
    لديهم،
    كما يجب عدم التصدي لتلك القيم والعادات مباشرة،
    لتغييرها، لابد أن يكون ذلك عبر
    تقدم تدريجي، بحيث لا يقتصر
    التعليم العرضي
    على المعلومات
    والمهارات، بل يتناول تدريجياً
    القيم والعادات، لأن تطور
    المعلومات والتقنيات
    يتسم بالسرعة الفائقة، بينما
    يتسم تطور
    القيم والعادات بالبطء الزائد، وهذه
    معادلة
    يصعب حلها في وقت قصير


    استقرار البدو وتوطنهم


    1. توطين
      البدو في
      الدول العربية
      :



    تشجع الدول
    البدو
    على حياة
    مستقرة، يدفعها إلى
    ذلك عوامل متعددة، يرتبط
    بعضها بأهمية
    تقديم الخدمات التعليمية
    والاجتماعية،
    وبعضها يرتبط بفكرة استغلال
    الموارد الطبيعية
    والبشرية استغلالاً أمثل، في
    حين يعود
    بعض آخر إلى عوامل سياسية، وهذه أمثلة على الطرق
    والوسائل التي اتبعتها بعض الدول
    للوصول إلى استقرار البدو


    فالمشاريع التي
    أنشأها محمد علي باشا والي مصر
    على الجانب
    الغربي من دلتا نهر النيل، وأدت
    إلى استقرار أعداد كبيرة من
    بدو مصر، كانت
    لأسباب سياسية ؛ إذ أنه رأى
    أن بعض القبائل
    ذات الشوكة لن تتركه ينعم
    بالحكم، فلم يجد
    مناصاً من أن يمنح رؤساءها
    أراض صالحة للزراعة،
    وأصدر أمره إليهم، أن يزرعوها
    بأنفسهم،
    وإلا نزع ملكيتها عنهم، فكان من أثر ذلك، أن
    ترك كثير من البدو حياة البدو، واستقروا
    لزراعة
    الأرض



    وفي الجزيرة العربية،
    قام الملك عبد العزيز آل سعود
    بمساع جمة من أجل تحضير
    القبائل البدوية
    فيها، فكان يحدّد بقعة من
    الأرض فيها ماء
    لقبيلة، أو لفخذ من قبيلة،
    فتنزع إليها،
    وتباشر بناء البيوت فيها،
    وكان الملك يساعدهم
    مالياً في بناء تلك البيوت
    الجديدة



    أما في السودان،
    فهناك نموذجان ناجحان لاستقرار
    البدو
    :


    ـ مشروع الجزيرة
    الذي أنشئ عام 1925، وأدى بدوره إلى
    استقرار أشباه البدو في منطقة
    الجزيرة،
    وكان هؤلاء الزراع المستقرون يملكون
    أعداداً
    كبيرة من الماشية، ترعى خارج المشروع، وقد
    تأتي إلى المشروع بعد الانتهاء من جمع
    القطن
    حتى تقتات
    على فضلات
    المحصول



    أما النموذج الثاني
    فهو نموذج قبيلة الرزيقات. لقد وصفهم
    الإنجليزي
    (لامبن) عام 1933 بقوله
    : إنهم يبذرون محصولاً
    ضئيلاً عندما يأتون من بحر العرب
    في بداية موسم الأمطار، ويتركونه
    في حراسة
    النساء المسنات بينما يسير معظم أفراد القبيلة
    شمالاً مع الماشية . أما الآن فنجد
    أكثر من نصف القبيلة مستقراً،
    ولهم أربع
    عشرة قرية كبيرة، ويزرعون المحاصيل
    الإعاشية
    كالدخن والذرة، كما يزرعون محاصيل
    اقتصادية
    على رأسها
    الفول السوداني، يضاف إلى هذا،
    أن القبيلة تملك أكثر من
    مليون ونصف مليون
    من الأبقار ؛ فكيف حدث ذلك ؟


    لقد جاء هذا
    الاستقرار نتيجة تطور بدأ منذ الأربعينيات
    من
    هذا القرن، عندما فرض شيخ القبيلة
    على أفراد
    قبيلته زراعة الحبوب الغذائية، أثناء
    الحرب
    العالمية الثانية، كي لا يعتمدوا
    على القبائل
    الأخرى في غذائهم : في وقت لاحق
    قررت الدولة فتح موارد مائية
    جديدة (حفائر
    وآبار عميقة)، فبدأ بعض البدو
    يقيمون فترات
    أطول حول موارد المياه، وبذلك
    ازداد ما
    يزرعون من الحبوب الغذائية. وقد حدث
    التغير
    الكبير عند بناء خط سكة حديد (نيالا) في السودان،
    عام 1960، ماراً في منطقة قبيلة
    الزريقات، فأخذ بعض البدو في
    زراعة بعض
    المحاصيل النقدية، وأهمها الفول
    السوداني،
    ووجدوا أن زراعة مثل تلك المحاصيل
    النقدية
    يتطلب بقاء لفترات أطول، لجني المحاصيل، وحملها
    إلى السوق لبيعها. ومن هنا نشأت
    فكرة أن تنشطر الأسرة إلى
    نصفين، نصف يواصل
    الرحيل إلى بحر العرب بعد
    الحصاد، بينما
    بقي النصف الآخر فترة أطول
    قريباً من السوق،
    وقد استقر هذا الجزء
    بالتدريج. وعلى هذا
    نجد اليوم أن اقتصاد الأسرة
    الواحدة من
    الزريقات اقتصاد مختلط (بدوي
    زراعي)، ويعود
    الدخل من هذا الاقتصاد بشقيه
    الزراعي والبدوي،
    إلى الأسرة بكاملها. وقد
    أصبحت القرية في
    منطقة الزريقات قرية مكتملة،
    فيها موارد
    المياه والأسواق التجارية،
    وفيها المدارس
    والمراكز الصحية


    وما نلاحظه من
    هذا النموذج هو أن الاستقرار جاء نتيجة
    تضافر
    عوامل عديدة، عملت ببطء في إحداث
    هذا التغير، أما الخدمات التي
    قدمتها الدولة،
    فكان من المفروض أن تقدمها
    إلى المواطنين
    كافة، سواء كانوا بدواً أم
    مستقرين. ولم
    يطلب أحد من البدو أن
    يستقروا. ولكن ما حدث
    هو أن البدو وجدوا تلك
    الخدمات في صالحهم،
    فأقبلوا عليها


    ونجد تجارب
    مماثلة ناجحة لاستقرار البدو في
    الجزيرة السورية، نتيجة وجود
    الأراضي الطيبة،
    ومشاريع الري التي أنشأتها
    الدولة (سدود
    وقنوات ري)، وإدخال زراعة
    القطن إليها،
    الأمر الذي وفر دخلاً جيداً
    للبدو، مما
    ساعد على استقرارهم،
    ورفع مستواهم المعيشي
    والاجتماعي


    ولم تكن تجارب
    تحضير البدو واستقرارهم ناجحة كلها
    . فقد حاول شاه إيران سنة 1934، على سبيل
    المثال،
    أن يفكك النظام القبلي عن طريق إسكان
    إجباري،
    فدمر الجنود خيام البدو، وفرض عليهم أن يبنوا
    مساكن في قرى دون ماء، وكان البدو
    يعرفون أن الغرض من توطينهم
    هو السيطرة
    عليهم وتجنيدهم إجبارياً


    كما شرعت الحكومة
    الجزائرية بعد الاستقلال في تنفيذ
    برنامج طموح لتوطين الرحل،
    وفي أوائل السبعينيات،
    بدأ تطبيق (الثورة الزراعية)
    في الجزائر،
    وكانت تهدف إلى تغيير وجه
    الريف الجزائري،
    وتمكين الفلاح الجزائري من
    أرضه عن طريق
    التعاونيات، والقرى الزراعية
    المزودة
    بكل ما هو ضروي من ماء وكهرباء، وخدمات تعليمية
    وصحية. وقد تم فعلاً بناء بضع مئات
    من هذه القرى الزراعية. وكانت
    المرحلة الثانية
    من (الثورة الزراعية) تستهدف
    عالم البدو
    الرعاة، بقصد إعادة تنظيمهم،
    وتحريرهم
    من سيطرة طبقة (الموالي) واستغلالها،
    والحفاظ
    على الأراضي
    الرعوية وصونها من الرعي الجائر
    . وقد تم فعلاً، بناء بعض القرى
    الرعوية،
    ووزعت بعض المواشي على الرعاة
    المعدمين،
    إلا أن التجربة لم تصل إلى أهدافها
    المتوخاة،
    فالموالون خافوا على قطعانهم
    وهرب الكثير
    منهم خارج القطر، كما أن
    الرعاة الصغار
    نظروا بعين الريبة إلى تدخل
    الدولة في شؤونهم،
    يضاف إلى هذا أثر سلبي على التجربة
    أحدثته
    روح البيروقراطية واللامبالاة التي سيّرت (الثورة
    الزراعية) من ناحية، والروح الاتكالية،
    وتدني
    الوعي لدى الفلاحين من ناحية أخرى،
    حيث نظر أولئك الفلاحون إلى
    الأرض ووسائل
    الإنتاج على أنها
    ملكية (أخرى) من أملاك
    الدولة، وما هم إلا موظفون
    يأخذون أجورهم
    منها. وهكذا أجهضت هذه
    التجربة الرائدة
    لأسباب تتعلق بالتخطيط
    والتنفيذ أكثر مما
    تتعلق بالهدف المنشود.


    1. توطين
      البدو في
      الجزيرة العربية
      :



    هناك قدر من عدم التوافق بين
    مفهوم القبيلة التي
    يتحدد الانتماء لها وما يترتب على ذلك الانتماء من حقوق وواجبات من
    خلال نظام القرابة والعصبية
    وبين مفهوم الدولة التي يتحدد الانتماء لها من خلال مفهوم المواطنة والانتماء الجغرافي. وكلما سارعت الدولة خطاها وحثت مساعيها نحو تكريس
    سلطتها وتعزيز هيمنتها
    كلما اتضحت حدة التناقض بينها وبين النظام القبلي. التوتر الذي
    يسود علاقة القبيلة
    مع الدولة كتنظيم سياسي يوازيه توتر من نوع آخر، هو ذلك التوتر الذي يسود علاقة البدو مع الحضر
    والفلاحين منذ فجر التاريخ
    . ولأن الدولة مدنية بطبعها فليس من المستغرب أن تجد نفسها منحازة
    نحو الحضر في صراعهم
    التقليدي مع البدو وتتبنى وجهة النظر الحضرية تجاه البداوة، لكنها
    تبلور هذه النظرة
    من مجرد صور نمطية ومشاعر غامضة إلى نسق فكري وأيديولوجي
    متكامل. تحول الدولة هذا
    التوتر من مجرد تنافس إيكولوجي يمكن له أن يتخذ شكلا تكامليا سلميا إلى صراع أيديولوجي تضادي بين الدولة
    والقبيلة كتنظيمين سياسيين
    متمايزين تغذيه رغبة الدولة في توسيع سلطتها وفرض هيمنتها على القبائل.



    ترى
    الدولة في
    حركية
    القبائل البدوية وروحهم القتالية
    عوائق تحد من إحكام قبضتها عليهم وإخضاعهم لسلطتها، وبالمقابل لا
    يرى البدو في الدولة
    إلا قوة تجبرهم على دفع الضريبة أو الزكاة وعلى المحاربة في
    صفوفها دون أن تدفع لهم
    أي شيء بالمقابل لأن خدمات الدولة إن وجدت لا توجد إلا في الحواضر
    دون البوادي· وبينما
    ترى الدولة أن من حقها أن تفرض الضرائب والزكاة ومختلف الرسوم على مواطنيها نجد أنها تعتبر
    "الخاوة" التي تفرضها القبيلة
    على من يجتاز مضاربها مقابل
    التمتع بحمايتها
    والاستفادة من مواردها الطبيعية من حطب وحشيش وماء ابتزازا لا مبرر له· ولا تقبل الدولة أن تقاسمها
    القبيلة ولاء الأفراد
    المنتمين لها ولا تقر الأعراف القبلية مثل "الدخالة" و"الخاوة" و"الوجه" وغيرها من الأعراف التي تنتقص من سلطة الدولة وتتنافى مع تشريعاتها·
    وهناك الكثير من
    العادات والممارسات التي تسيّر سلوك ابن القبيلة وتحكم علاقته
    بالآخرين والتي تشكل
    جزءا من هويته الثقافية ومن قيمه الاجتماعية التي يصعب عليه التخلي
    عنها لكن الدولة
    لا يمكن أن تقرها وتقبل بها· مثال ذلك قضية الثأر واقتصاص الفرد
    لنفسه من الآخرين
    وأخذ حقه بيده وبقوة السلاح· ومن البديهي أنه ليس من السهل على البدوي أن يتخلى عن "سلوم العرب" ويخضع لنظم الدولة التي صاغتها ذهنيات حضرية·
    التخلي عن "سلوم
    العرب" والأعراف القبلية وقيم الصحراء والرضوخ لشرعة الحضر
    كان يشكل تحديا كبيرا
    بالنسبة لابن البادية·


    من هنا نجد كل الدول التي قامت
    في بلاد العرب
    على مر العصور سعت جاهدة
    لتقويض القيم القبلية
    وتبني أيديولوجية مناهضة للأيديولوجية القبلية وبأساليب تقوم على المقابلة والمفاضلة بين البداوة والحضارة
    وإبراز التضادية
    بينهما مع التأكيد دوما على أفضلية التحضر والاستقرار وعلى تفوق
    الثقافة المدنية
    الكتابية على ثقافة الترحال الشفهية.
    التباين
    الأيديولوجي
    والاختلاف التنظيمي بين الدولة
    والقبيلة كنقيضين يصعب التوفيق بينهما تغذيه تعاليم الدين الذي غالبا ما تستمد منه الدولة الناشئة
    شرعيتها وتتخذ منه
    سلاحا فعالا في صراعها الأيديولوجي مع القبيلة، خصوصا وأن تعاليم الدين لا تتواءم مع حياة الترحال والقيم
    القبلية. منذ أن
    بزغ فجر الدولة الإسلامية الأولى وحتى ظهور حركة الإخوان التي قامت عليها الدولة السعودية الحديثة كانت
    القبائل البدوية
    تُجبَر على الرضوخ لسلطة الدولة
    باسم الدين
    . فالدولة
    مثلا ترى أن طبيعة الحياة البدوية
    غير موائمة للتفقه في أمور الدين وإقامة شعائره على الوجه الصحيح، ويصعب هنا حصر جميع الأقوال التي تؤكد هذه النظرة والتي منها مقولة "الدين
    حضري" ومقولة "من
    بدا جفا"، بل إن بعض المذاهب كانت لا تقبل شهادة البدوي ضد
    الحضري. وممارسة شعائر
    الدين وطقوسه على الوجه الصحيح تفترض
    توفر
    نصوص دينية
    مكتوبة مثل القرآن ومساجد معمورة
    لإقامة الصلاة، وهذا ما يتنافى مع حياة الترحال البدوية وطبيعتها الشفهية. إقامة شعائر الإسلام على وجهها الصحيح يفترض الإقامة في الحضر، وربما كان الإسلام أساسا يهدف إلى توطين البدو،
    لأن كل سلطة مركزية
    تظهر في الجزيرة العربية تهدف أول ما تهدف إلى توطين البدو نظرا
    لما بين النظام القبلي
    ونظام الدولة المركزية من تناقض. وقد اتخذت كل الدول التي نشأت في
    بلاد العرب من أمية
    البدو وجهلهم بالشرائع السماوية والكتب المقدسة ذريعة لإخضاعهم وسلاحا في صراعها الأيديولوجي معهم،
    فتصفهم بالجهل الديني
    والتخلف الحضاري وبأنهم عقبة في سبيل التقدم والتطور ولذلك تسعى
    لتوطينهم وتدجينهم
    . [font:62
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:33 pm

    البدو والتعليم


    إذا كانت الشفاهية
    (الأمية) تتفشى بين البدو، والجهل
    يضرب أطنابه بينهم، فذلك
    لأنهم بسبب من
    نمط حياتهم، لا يرون في
    التعليم أداة للتغير
    الاجتماعي، ولذا فهم لا
    يبالون به، إلا
    بالقدر الذي يعود عليهم
    بمردود اقتصادي،
    ذلك أن الأسرة البدوية تشكل
    وحدة إنتاج
    متكاملة ؛ فالرجل يعمل،
    والمرأة تشاركه
    العمل، والأولاد يساعدون في
    العمل، والبنات
    يرعين الصغار، ويساعدن في
    أعمال البيت
    ؛ بحيث يصبح الاستغناء عن أي يد عاملة في الأسرة،
    لأي سبب من الأسباب، مدعاة للإخلال
    باقتصاد الأسرة


    إلا أن السلطة
    في نظر البدو شيء مهمّ جداً، وقيمة
    أساس، ولقد رأوا أن أساس هذه
    السلطة هو
    التعليم الذي يمكنهم أن يصبحوا أطباء، أو
    إداريين، أو قضاة، أو ضباطاً في الشرطة
    أو
    الجيش، أو نواباً في البرلمان، فلماذا
    لا
    يرسلون أبناءهم مثل أبناء المستقرين



    وهكذا نجد
    حافز السلطة من أول الحوافر نحو التعليم،
    كما
    نجد حافزاً آخر لا يقل أهمية هو الدين،
    كما
    في المغرب العربي




    * لمحة تاريخية
    عن تعليم البدو
    : وانسجاماً مع ما
    أوردناه عن حافز السلطة، نشير إلى أن
    أول
    مدرسة أنشئت لتعليم البدو، هي مدرسة
    العشائر، التي أنشئت في عهد
    السلطان العثماني
    عبد الحميد في (إستانبول).
    وكانت تلك المدرسة
    تستقبل أبناء العشائر، فتعمل على تربيتهم تربية
    عصرية، ليعملوا بعد ذلك
    على خدمة السلطة
    العثمانية، هم وعشائرهم




    أما الحافز الديني،
    فنجده متمثلاً في (الزوايا) المنتشرة
    بكثرة
    في المغرب العربي. والزاوية هي بناء
    مكون من مسجد ملحق به ضريح
    مؤسس الزاوية،
    وأبنية أخرى لإقامة شيخ
    الزاوية ومساعديه
    من العرفاء وطلبة العلم.
    وتسمى الزاوية
    باسم مؤسسيها مثل زاوية سيدي ...


    هذه الزوايا منتشرة
    أساساً في المناطق الصحراوية والجبلية
    العالية
    النائية، ابتداء من الصحراء الليبية
    حتى موريتانيا. والنظام في
    هذه الزوايا
    داخلي، والتعليم فيها مجاني،
    لأن نفقاتها
    تأتي من تبرعات الناس، ومن
    الأوقاف الملحقة
    بها، وهذا ما ساعد على استقطابها
    كثيراً
    من أبناء البدو، والأفارقة من جنوب
    الصحراء



    أما نظام التعليم
    فيها ؛ فهو تقليدي يقوم
    على التلقين والحفظ،
    والشيخ يعتمد
    على الكتب
    والمخطوطات
    التي تتوفر في الزاوية،
    والعرفاء يساعدونه
    . وأداة التعليم لدى الطلاب هي
    "اللوحة
    "، وهي
    عبارة عن لوح رقيق من الخشب يكتب الطالب
    ما
    يرغب في تعلمه عليه بالصمغ القابل للغسل،
    فإذا
    ما حفظ ما كتب
    على اللوحة
    غسلها، وعاد
    ليكتب شيئاً جديداً... وهكذا


    وكانت الزوايا
    تعلم الطلاب القرآن، والحديث والتفسير
    والفقه،
    إضافة إلى علوم اللغة من نحو وصرف،
    فإذا أنهى الطالب دراسته
    فيها، عاد إلى
    قبيلته، ليدرّس أطفالها ما
    تعلمه، ويؤم
    مصليها، ويفقه الناس في أمور
    دينهم
    على قدر
    استطاعته



    وقد ينتقل بعض
    المبرزين من طلاب الزوايا إلى الحواضر
    لإكمال
    تعليمهم، ثم إلى جامع الزيتونة
    في تونس، أو جامع القرويين في
    المغرب، وقد
    يصل بعضهم إلى الأزهر الشريف
    في القاهرة




    وقد كانت تلك
    الزوايا،
    على ما
    في نظامها من ضعف،
    مراكز إشعاع للثقافة العربية
    الإسلامية
    في المغرب العربي، وأفريقيا الإسلامية. وقد
    مارس شيوخها دوراً عظيماً في نشر الإسلام
    واللغة
    العربية جنوبي الصحراء ؛ يضاف إلى
    هذا كله أنها كانت وسيلة
    ملائمة جداً، لتعليم
    البدو وتثقيفهم، وإبقائهم على صلة
    وثيقة
    بدينهم ولغتهم، وما زالت بعض تلك الزوايا تقوم
    بدورها حتى اليوم. ولعل السلطات الجزائرية
    قد
    استوحت من الزوايا ما عرف بـ "المدارس
    الرعوية"
    ضمن نطاق "الثورة الزراعية
    " التي أشرنا إليها آنفاً من
    تجربة "الزوايا
    ". وقد كانت المدارس الرعوية مدارس ابتدائية وإعدادية
    تتبع النظام الداخلي، وخصصت في
    حينها لأبناء البدو الرحل،
    إلا أن مصيرها
    ارتبط بمصير الثورة الزراعية،
    فلم تصل
    إلى الهدف المرسوم


    * تطور تعليم
    البدو
    : نالت البلدان العربية استقلالها وراحت
    تسعى إلى تطوير حياة شعوبها وتقدمها
    ؛ فأدركت أهمية نشر التعليم في البوادي، فعملت على فتح
    مدارس لتعليم أبناء العشائر،
    وكانت تلك المدارس أحد نوعين :


    المدارس المستقرة:
    وافتتحت هذه
    المدارس في الحواضر
    القريبة من البادية التي
    يؤمها أبناء البادية،
    ومنها مدارس العشائر في
    سورية، حيث أنشئت
    خمس مدارس لأبناء العشائر في
    سورية، في
    الحسكة، والرقة، والمعرة، وتدمر، والضمير. وقد
    أُنشئت بعض هذه المدارس لتلبي حاجة
    عملية، كما حدث في الأردن
    مثلاً، إذ بدأ
    أول تعليم للبدو بعد إنشاء
    قوة البادية
    في الجيش العربي الأردني،
    وإنشاء المخافر
    في البادية، عام 1931، ولما
    كان لابد من وجود
    من يعرفون القراءة والكتابة،
    فقد كلفت
    قيادة الجيش بعض المعلمين بالإشراف على تعليم
    جنود المخافر القراءة والكتابة،
    وكانت تلك المدارس تعلم
    الجنود محو الأمية،
    كما تعلم أبناء البادية
    الموجودين في تلك
    المناطق


    أما الضرب الثاني،
    فهو
    المدارس السيارة، وهي مدارس
    ترافق البدو في حلهم وترحالهم، وهي
    مدارس ذات معلم وحيد غالباً،
    وهي عبارة
    عن بيت من الشعر، يتلقى فيها أبناء
    العشائر
    شيئاً من المعارف الأساس في القراءة
    والكتابة
    والحساب، وكانت تلك المدارس مدارس موسمية ؛ فما إن يحل الربيع حتى يسارع الأهل
    إلى
    سحب أبنائهم من المدرسة كي يسرحوا بقطعان الماشية
    حتى الخريف التالي، فتعود الحياة
    إلى المدرسة، وهكذا كل عام


    الخلاصة


    إن تعليم المترحلين
    متنوع وفقاً لمدى ترحلهم واستقرارهم
    وضغوط البيئة الطبيعية
    والاجتماعية والاقتصادية،
    ومدى جاذبية حوافز التعليم من
    بناء ومدارس
    ومستوصفات للبشر وخدمات
    البيطرة



    وتراوحت نظم
    تعلم الأطفال بالمدارس بين النظم التقليدية
    جداً،
    والمدارس النظامية التابعة لوزارة
    التربية والتعليم إلى التعلم
    المستمر بالتقنيات
    والتعليم عن بعد، الذي يشمل
    الكبار غالباً،
    ونادراً ما يتم في مدارس
    الصغار



    تجارب ومشروعات


    لقد غيرت التقنيات
    الحديثة من تعليم المترحلين،
    وأسهمت وسائل الاتصال
    الحديثة، أو وسائل
    الإعلام في الانتقال من مفهوم
    الشفاهي
    البدائي إلى مفهوم الشفاهي الثانوي،
    لأنها
    جعلت المعلومات الإلكترونية أكثر تداولاً بين
    الناس في المناطق النائية، مما خفف
    من عزلة المترحلين من بدو
    وصيادين ومكنهم
    الاتصال بالآخرين والعالم
    المتحضر، وبخاصة
    في القضايا التي ترتبط
    بحياتهم المعاشية،
    والمعلوماتية


    وسنتناول دور
    وسائل الإعلام في التعلم الذاتي المفتوح،
    وفي
    التعلم العرضي، وهي الإذاعة والمسجلة،
    والتلفاز
    والفيديو، والهاتف العادي والهاتف
    الخلوي ــ النقال، والحاسوب
    والتقنيات
    المتعددة، ثم نستعرض بعض التجارب
    والمشروعات



    التعليم بالتقنيات :


    . الإذاعة والمسجلة
    : انتشر المذياع "الترانزستور
    " الذي يعمل على البطاريات
    انتشاراً واسعاً،
    حتى أصبح ملازماً لكل بيت
    مهما كان نائياً،
    وهو مرغوب به لدى البدوي حتى
    أن الرعاة
    في بادية الشام مثلاً، يشترطون على أصحاب قطعان
    الأغنام تزويدهم، إضافة إلى أجرتهم،
    براديو، وتغيير البطاريات عند
    استهلاك
    طاقتها، مما يشغله في أوقات الفراغ
    ويؤنسه
    ليلاً، ويتثقف منه، فيتعرف على حقوقه
    وواجباته،
    وهذا أمر مفيد في محو الأمية الوظيفية
    لدى
    الأميين. وهكذا صار المذياع أداة شفاهية، تنقل
    المترحل إلى عالمه الحضاري، كما يمكن
    للمترحل
    أن يسجل البرامج التعليمية من
    المذياع على أشرطة
    "الكاسيت" ؛ مما
    يمكنه من التكرار والمراجعة،
    ويمكن له
    أيضاً أن يسجل استجابته إذا أراد ذلك،
    وهذا
    يجعل المسجلة أداة تعليمية تنقل التعلم الذاتي
    عن طريق المذياع خطوات إلى الأمام،
    بخاصة في البرامج التعليمية
    الموجهة إلى
    هذه الفئة من المترحلين


    * التلفزيون والفيديو:
    انتشر التلفزيون
    في البلدان
    النامية في الستينيات من هذا
    القرن، لكن
    تقنيات البث التلفزيوني حالت
    دون شمول
    البث كل أنحاء البلاد، فلم يكن البث يغطي المناطق
    النائية التي يتحرك فيها المترحلون،
    وفي التسعينيات دخل البث
    الفضائي ميدان
    البرامج التلفزيونية، وقد يسر
    ذلك نقل
    المعلومات، عن طريق البث التلفزيوني، إلى مناطق
    واسعة جداً في البلاد العربية والإسلامية،
    ومعظم
    البلدان النامية، مما فتح نافذة
    واسعة يطل الشفاهي البدائي
    عبرها على معلومات
    واسعة، متعددة التقنيات
    تستخدم قنوات شخصية،
    سمعية، بصرية، وحركية في
    الوقت نفسه، تعرض
    على الشاشة بصورة واقعية
    وفورية. وقد تعددت
    المحطات الفضائية العربية
    التي تنقل المعلومات
    عن طريق البرامج الترفيهية
    والسياسية والعلمية
    والتعليمية. ومن المتوقع أن
    يتوسع نقلها
    بالتلفزيون الفضائي، وبالكابل
    والتلفزيون
    الرقمي. ويمكن تسجيل هذه
    البرامج على أشرطة
    الفيديو التي انتشرت لدى
    أغنياء المترحلين،
    والبدو الذين استقروا حديثاً
    في قرى مستقرة



    وقد خصصت برامج
    تعليمية وتربوية للتعليم عن بعد
    لتعليم الكبار، استفادت منها
    الجامعات
    المفتوحة، إضافة إلى التعلم في المرحلة الابتدائية،
    والإعدادية، والثانوية ؛
    فقد أتاح برنامج "افتح
    يا سمسم" على
    سبيل المثال، للصغار فرصاً
    للتعلم في مرحلتي
    ما قبل المدرسة والتعليم
    الابتدائي، الأمر
    الذي زاد من تكافؤ الفرص، بين
    الريف والمدينة،
    من حيث مستوى التعليم
    المتقدم. لكن هناك
    مشكلة تحد من فاعلية التعلم
    بالتلفزيون
    الفضائي والرقمي. وتلك
    المشكلة هي ارتفاع
    كلفته، بحيث لا يستطيع
    استعماله إلا الأغنياء
    المستقرون في منازل. أما
    الذين يحتاجون
    هذه البرامج من الفقراء، فإن قدراتهم
    المالية
    المنخفضة، واضطرارهم إلى توجيهها نحو
    الضروريات،
    يحول بينهم وبين اقتناء جهاز
    الاستقبال
    وتوابعه من مخدم، وطبق، وفيديو ؛ كما
    أنهم،
    للسبب ذاته، لا يتمكنون من تحمل أعباء
    الاشتراكات
    الشهرية أو السنوية.
    والملاحظة الجديرة
    بالاعتبار هنا، هي أن أغنياء
    المال أصبحوا
    أغنياء بالمعلومات ؛ بينما ظل
    فقراء المال
    فقراء بالمعلومات ؛ وإذا بقيت
    الحال على
    ما هي عليه فسوف تزداد الفجوات بين
    أغنياء
    المترحلين وفقرائهم في المال والمعلومات معاً،
    الأمر الذي يجعل السلطات المهتمة
    بتطوير حياة المترحلين
    وتعليمهم مجبرة
    على العمل لجعل خدمات التعليم
    عن طريق التلفزيون
    بأشكاله المتعددة حقاً
    متيسراً للمواطنين
    كـافة، لاسـيما الفقراء منهم،
    المقيمين
    والمترحلين، وعلى الأخص المهمشين منهم ؛ فالتعليم والتعلم يجب أن يصبح حقاً
    متاحاً
    للجميع ؛ كما ورد في مؤتمر
    "جوميتيان
    " عام 1990، وكما أقرت كثير من المنظمات
    القومية
    والإقليمية والدولية المهتمة بتعليم
    الكبار
    والمهمشين. ويبدو أن التعلم ميسر
    بالتلفزيون
    والفيديو للفئة المستقرة من
    البدو منذ
    الثمانينيات، كما أشار لذلك ويتحسن
    التعليم
    بالتلفزيون والفيديو ليصبح أكثر
    تفاعلياً،
    ويناسب التعلم الذاتي بنمط عرضي


    * الهاتف العادي والخلوي/النقال:
    يتميز الهاتف
    بأنه يمكن من الاتصال في اتجاهين
    من المرسل إلى المستقبل، ومن
    المستقبل
    إلى المرسل، ولذلك ؛ فإنه يمكن أن يسهم في
    إعطاء التعليمات والمعلومات، واستقبال
    رد
    فعل المستجيب بالهاتف المستقبل. ويستخدم
    الهاتف
    العادي في الإرشاد الزراعي والصحي،
    في المناطق النائية، إلا أن
    الهاتف اللاسلكي
    يحتاج إلى منبع كهربائي حتى
    يمكن استخدامه،
    ولذلك، وبفعل التطور التقني،
    حل محله الهاتف
    الخلوي النقال، الذي يعمل
    بنقل رقمي للصوت
    ويحمله المستفيد أينما يذهب
    داخل الدولة،
    ويستقبل عن طريقه المكالمات
    من أي نقطة
    في العالم، وقد أصبح متداولاً
    في المناطق
    النائية من الدول المتباعدة
    الأرجاء. لكن
    كلفة خدمات الهاتف النقال ما
    تزال أعلى
    بكثير من كلفة خدمات الهاتف العادي.
    ولكنه
    شاع استخدامه في البلدان العربية
    والإسلامية،
    بأشكال مختلفة. ويستخدم خارج
    المدرسة للصغار
    والكبار متجاوزاً الحواجز
    الجغرافية والسياسية،
    ولذلك كان ملائماً في الاتصال
    والتعليم
    لجميع المترحلين


    وعندما يربط
    الهاتف بالتلفزيون مستخدماً الفاكس،
    أو يربط الهاتف النقال بحاسوب
    متصل بشبكة
    الأنترنيت العالمية،
    فالمستفيد يستطيع،
    أينما وجد في العالم، الاتصال
    بالموقع
    المناسب له، سواء عن طريق الاتصال
    بالإذاعة،
    أو التلفزيون، فتؤمن هذه بدورها الخدمة للمستمعين،
    والمشاهدين في الأماكن البعيدة
    عن مراكز البث الإذاعي أو
    التلفزيوني وييسر
    التعلم الذاتي المستمر
    للمستقرين



    ونشير هنا،
    إلى أن الهاتف، سواء كان عادياً أم
    نقالاً، أداة يمكن أن تستخدم
    في الإرشاد
    والتعليم، ونقل المعلومات،
    كما يمكن أن
    يستخدم في أغراض غير مقبولة
    اجتماعياً،
    وعندما ينظم الاتصال في طريق
    المعلومات
    السريع ؛ يمكن أن يزداد الإقبال على
    التعلم
    بالهاتف العادي، والنقال (الخلوي) لأنه أداة
    تفاعلية مناسبة للإرشاد والتعليم



    * الحاسوب والتقنيات
    المتعددة
    : بدأ التعليم بالحاسوب في
    دول الخليج داخل البيوت مع أوائل الثمانينيات،
    وقد
    عقدت "المنظمة العربية للتربية والثقافة
    والعلوم"،
    و"المنظمة الإسلامية للتربية
    والعلوم والثقافة" ندوات
    واجتماعات
    متعددة، لاستطلاع مدى التعلم عنه،
    والتعلم
    به، ووضعت له المناهج، والكتب، والتقنيات اللازمة


    ولكن تقنية
    الحاسوب تتطلب مستوى تقنياً عالياً
    في المعلومات الإلكترونية
    كشرط لازم التعلم
    عنه، وبه ؛ مما لا يتناسب
    والشفاهيين البدائيين،
    من فئة البدو والصيادين
    المترحلين ؛ إلا
    أن الأغنياء منهم يستخدمون
    السيارات في
    التنقل، والهاتف في الاتصال،
    الأمر الذي
    وفر لهم فرص التعليم والتعلم
    من هذه التقنيات،
    في تعلم عرضي، يمهد للتعلم
    والتعليم بالحاسوب
    والتقنيات المتعددة. وقد أسهم
    التعليم
    النظامي في إشاعة التعليم عن طريق
    الحاسوب،
    والتعلم به في أواخر التسعينات ؛ ويتوقع أن
    يزداد انتشاره في المدن الكبرى على حواف
    الصحراء،
    إذ انتشرت المقاهي الإلكترونية
    في مدن الإمارات العربية
    المتحدة، والكويت،
    والبحرين، ويستفيد منه
    الآخرون في المملكة
    العربية السعودية، مما يهيئ
    بيئة مناسبة
    للتعلم عن بعد ؛ عن طريق شبكة
    الأنترنيت
    وموقعها الخاص بالتقنيات المتعددة،
    المسمى
    "الشبكة العنكبوتية العالمية" (World Wide Web)، واختصارها WWW، التي
    زادت من انتشار
    الخدمات المعلوماتية في
    العالم، ويسرت
    التعليم عن بعد لجميع الناس،
    ليتسفيد منه
    المحرومون والمهمشون، بكلفة
    ما زالت كبيرة
    بالنسبة لإمكانات ذوي الدخل
    المحدود، ولكنها
    تعلم بتقنيات متعددة، وتيسر
    للمستفيد ارتياد
    حقيقي للمكتبات والمتاحف،
    والمعارض والأسواق،
    ويبدو أننا نسير تدريجياً نحو
    الدمج بين
    التقنيات السابقة في تقنيات متعددة
    بالتلفزيون
    والحاسوب والهاتف، وتوابعها
    لنتعلم جميعاً
    تعلماً عرضياً مستمراً


    الخلاصة


    إن المعلومات والتقنيات
    تتطور بسرعة هائلة، وتحتاج إلى
    تعلم ذاتي مستمر، قد يتعلم
    منه الكبار من
    المترحلين بنظام تعلم عرضي
    مستمر، وعلينا
    السرعة في الاستفادة من
    فاعلية هذه التقنيات،
    وجعلها شائعة بين الناس،
    لتعوض على ما فات
    المهمشين في التعليم النظامي
    من الاستفادة
    من وسائل الإعلام والمعلومات
    في مواصلة
    التعلم العرضي والنظامي وغير النظامي، في
    نظام تعلم مستمر مدى الحياة



    ومهمتنا أن نستفيد من هذه البرامج التي يغلب أن تكون باللغة
    الإنجليزية، ونجعلها مناسبة للبيئة المحلية، والثقافية للفئات غير المستقرة حتى يستفيد منها الجميع بالحاضر والمستقبل


    الصحراء


    بعيدًا عن
    الأسطورة التي طالما سكنت المخيال البشري
    حول
    الصحراء باعتبارها فضاء للترحّل الدائم
    ولاندثار
    علامات الوجود البشري ولشظف العيش
    وقساوته،
    والانقطاع عن مراكز الحضارة أعاد
    باحثون
    غربيون وأفارقة وعرب للصحراء
    اعتبارها وكل أبعادها
    الحقيقية وكشفوا
    من خلال العديد من المداخلات
    التي اسهموا
    في تقديمها، عن تاريخها
    "الحضاري
    " الممتد عبر الآلاف من السنين،
    وعن مختلف
    الأدوار والوظائف التي لعبتها
    في نشأة
    الحضارات والتأثير على
    محيطها، والتقريب
    بين الشعوب والثقافات، وذلك
    في الملتقى
    الدولي الذي عقده "كرسي
    بن علي للحوار
    بين الثقافات والأديان"
    بمدينة دوز (الجنوب
    التونسي) من 19 الى 22 ديسمبر
    2002 حول موضوع
    "الصحراء : صلة بين الشعوب
    والثقافات
    ".


    كما كشفت تلك
    المداخلات عن أهمية الصحراء الاستراتيجية
    ماضيا
    في المجال العسكري والمجال الاقتصادي،
    وأيضا
    عن امكانية الرهان عليها مستقبلا
    في وضع الاستراتيجيات
    الاقتصادية لما تتوفّر
    عليه من موارد طبيعية وطاقات
    بشرية، تجعل
    التفكير في تطويرها مستقبلا،
    من أجل مقاومة
    الفقر وتحقيق تنمية مستديمة،
    مشغلا من
    اهمّ مشاغل البلدان الافريقية المُتاخمة للصحراء
    والمنظمات الدولية المهتمة بقضايا
    التنمية، وهو ما يفسّر قيام
    وزير السياحة
    والتجارة التونسي السيد منذر
    الزنايدي
    بافتتاح هذا الملتقى وتركيزه في الكلمة التي
    ألقاها بهذه المناسبة على أهمية قطاع
    السياحة
    الصحراوية
    .


    اعادة كتابة تاريخ الصحراء


    الورقة العلمية
    الثرية التي أعدّها الدكتور محمد
    حسين فنطر الذي يرأس
    "كرسي بن علي لحوار
    الحضارات والأديان"
    للملتقى، والتي
    طرح من خلالها العديد من
    الأسئلة التي تخصّ
    تاريخ الصحراء وخصائصها
    وثقافاتها، ومكانتها
    في الجيوستراتيجيا كما في
    مخيال الشعوب
    المتاخمة لها، أثارت شهية
    الباحثين من
    مؤرّخين وعلماء آثار
    واتنولوجيين وعلماء
    نباتات ومهتمين بالاقتصاد
    والسياحة. ولعلّ
    من أبرز المداخلات التي تفاعل
    معها الحضور
    العلمي، تلك التي قدّمتها
    الباحثة الجزائرية
    مليكة حشيد التي ما فتئت منذ
    عشرين سنة
    تجول في أرجاء الصحراء الافريقية من
    منطقة
    التاسيلي الجزائرية الى صحراء مصر تستنطق حجارتها
    والشواهد القائمة بها لتفنّد كما
    تقول بالحجة المادية المكتوبة
    أي النقوش
    الحجرية الباقية ما دأب الباحثون
    الغربيون
    على اقراره في قراءة تاريخ الصحراء
    والتدوين
    لخصائصها، من أنها كانت تمثل حاجزًا بين المراكز
    الحضارية معتمدين في ذلك خاصة
    على كتب الرحالة والمؤرخين
    الاغريق واللاتين
    مثل هيرودوتس وغيره.. وتقول
    الباحثة الجزائرية
    ان أولى الشواهد على تاريخ
    الصحراء تعود
    الى حوالي 30 ألف سنة قبل
    الميلاد ولكن أكثرها
    بلاغة على وجود مراكز حضارية
    بالصحراء
    الافريقية تعود الى 11 أو 12 ألف سنة قبل
    الميلاد،
    ثم الى حوالي 4 لاف سنة قبل الميلاد، حيث تؤكد
    النقوش الحجرية وجودَ مركز حضاري
    كان يشعّ على شمال افريقيا
    والمتوسّط وعلى
    منطقة الهلال الخصيب، وذلك
    قبل عدة قرون
    من انبعاث الحضارة الفرعونية.


    وتوضّح الباحثة
    ان الكشوفات الحجرية في مناطق
    التاسيلي والهقار الجزائرية
    وفي شمال النيجر
    وبالصحراء الليبية وغيرها
    تُثبتُ تعاقب
    حضارات كانت تعيش على تربية
    الحيوانات،
    ثم على الزراعة وتتمتع بحس
    ديني عميق تكشف
    عنه الرمزية المكثفة التي
    صُورت بها الآلهة
    في النقوش الحجرية. وتثبت
    كذلك الأقنعة
    المرسومة وجود حضارة زنوجة
    الى جانب حضارة
    ذوي البشرة البيضاء. وقد عاشت
    هذه الحضارات
    على اختلاف الفروق العرقية
    لشعوبها في
    وئام، اذ لا وجود في تلك
    النقوش لما يشير
    الى صراع بين الافراد أو الى
    نزاعات حربية
    بين المراكز الحضارية
    المختلفة، وهو الدرس
    الكبير الذي يمكن ان نتلقاه
    من تلك الحضارات
    . وخلصت الباحثة الى ضرورة التخلص من
    القراءات
    الغربية لتاريخ الصحراء الافريقية
    والعربية
    على حدّ السواء، اذ لا يمكن لهذا التاريخ الا
    ان يكتبه ابناء الصحراء انفسهم، بالموضوعية
    المطلوبة
    التي تمكّنهم منها الآثار المتبقية
    في مختلف ارجاء الصحراء،
    ومقارنتها بامتداداتها
    الحضارية والرمزية على مستوى
    المعتقدات
    والطقوس والنقوش على الملابس والحليّ
    والبيوت
    وغيرها.


    وفي الواقع أتت
    مداخلة الباحثة مليكة حشيد ردّا غير
    مباشر على بعض المداخلات التي
    قدمها باحثون
    فرنسيون في هذا الملتقى منهم
    اندريه لاروند
    الذي اعتمد على هيرودوتس
    لدراسة العلاقة
    بين مدينة قورنية (شحات
    حاليا) الليبية
    والتي كانت مركزا حضاريا
    اغريقيا هاما
    على شاطئ المتوسط، وبين
    الصحراء، وأيضا
    على الباحث الفرنسي جهان
    ديسانج الذي ذكر
    في مداخلته ان الصحراء كفّت
    عن أن تكون،
    منذ القرن الثالث قبل
    الميلاد، رابطة بين
    المراكز الحضارية لتمثّل
    عائقا للتواصل
    بينها، وذلك اعتمادًا على بعض
    الدراسات
    القديمة، التي أشارت بعضها، ومنها دراسة بريطانية،
    الى ان الصحراء كانت مجرّد معبر
    أو وسيط بين بعض الحضارات
    المتاخمة لأطرافها
    .


    مراكز حضارية صحراوية


    وفي نفس السياق
    كشفت الباحثة السورية عفراء علي
    الخطيب التي تعمل بمعهد
    الدراسات الافريقية
    بجامعة محمد الخامس بالرباط
    عن بعض مظاهر
    التواصل الثقافي عبر الصحراء
    الكبرى بين
    أبناء الجزيرة العربية وبلاد
    ما بين النهرين
    وشرق افريقيا متجسّدا في
    عقائد مشتركة،
    أبرزها عبادة الثالوث الكوكبي
    المقدس،
    وإنْ في اتجاه معاكس لذلك الذي اختارته الباحثة
    الجزائرية. ففيما اعتبرت الدكتورة
    مليكة حشيد ان الصحراء
    الافريقية أشعّت
    على منطقة المتوسط وعلى منطقة
    الهلال الخصيب،
    وشبه الجزيرة العربية، خلصت
    الباحثة السورية
    الى انه لا يمكن فهم الرسوم
    والاشارات الصامتة
    والمنقوشة على الحجر الا بمقارنتها
    بمثيلاتها
    من الحضارات المجاورة اي حضارة بلاد
    الرافدين
    وجنوب جزيرة العرب التي تركت لنا ثارًا مدوّنة
    والتي تعتبر الباحثة أن تأثيرها
    امتد الى منطقة شرق افريقيا
    والمغرب القديم
    عبر القوافل التجارية
    والهجرات القديمة
    الى شرق افريقيا والمغرب
    القديم وهي مناطق
    كانت تعرف دورات مطيرة جعلت
    منها منطقة
    خصبة تستقطب الباحثين عن
    وسائل العيش المتاح
    والذين حملوا الى الصحراء
    المغاربية أنماط
    تفكيرهم ومعتقداتهم ومن ضمنها
    الاعتقاد
    في الثالوث المقدّس، أي الشمس والقمر
    والهلال،
    وهو ثالوث كان يُرْسَمُ على رؤوس الثيران والاكباش
    في كل من تلك الحضارات القديمة،
    مما جعل الباحثة تصل
    بالاستقراء الى ان
    وجود تلك الرسوم في الصحراء
    المغاربية
    حصل نتيجة تلك الهجرات الجماعية والتواصل الثقافي
    الذي يتمّ عبرها
    .


    وسواء أتت
    الحضارة من المغرب القديم، اي من الصحراء
    الافريقية
    أو من صحراء شبه الجزيرة العربية،
    فإن الباحثتين توصلتا، عبر
    قراءة لنشأة
    تلك الحضارة وديناميكيتها
    التاريخية،
    الى ان الصحراء كانت منذ اقدم
    عصور ما قبل
    التاريخ مهدًا لحضارات
    متنوّعة وثرية ومنفتحة
    بعضها على بعض، حتى ان عفراء
    علي الخطيب
    تحدثت عن عولمة عصور ما قبل
    التاريخ التي
    كان فيها اللقاء الثقافي
    والحضاري أيسر
    وأكثر تلقائية وأشدّ تأثيرًا
    مما هو عليه
    اليوم!..
    قراءة خلدونية لبداوة مندثرة...


    الباحثان التونسيان
    د. عبد الرحمان أيوب، من المعهد
    الوطني للترات والمختص في
    مرويات الأدب
    الشعبي ود. منصف محلّة، من
    نفس المعهد والمختص
    في التاريخ المعاصر اختارَا
    الوقوف عند
    بعض مظاهر تاريخ الصحراء
    التونسية وقبائلها
    وقد توقف الباحث عبد الرحمان
    أيّوب عند
    "قصور الجنوب الشرقي التونسي متحدّثا
    عن هندستها المعمارية، حاجيات
    واستراتيجيات بُناتها وهي
    استراتيجيات
    دفاعية واقتصادية اقتضتها
    ضرورة الدّفاع
    عن النفس وضرورة ضمان العيش
    لأولئك البدو
    الذين كانوا يضربون في
    الفيافي رحّلا لتعقب
    مناطق الخصب والنماء ونقاط
    المياه حيثما
    توفّرت ووقتما توفّرت ثمّ
    العودة الى "قصورهم
    او
    قلاعهم الآمنة ليستهلكوا في أيام الشحّ
    ما
    ادّخروه من مؤونة ولتوقي اخطار الهجمات
    الخارجية
    عندما يستشعرون أخطارها
    ..


    الا ان أطرف
    ما جاء في مداخلة الأستاذ أيوب تأكيده
    ان
    تلك "القصور" التي توقف طويلا عند
    هندستها
    المعمارية، تمثّل تواصلا لأنماط
    معمارية مشابهة كان الرومان
    قد بنوها على
    شكل سلسلة من القلاع والحصون
    الحدودية
    لدرء أخطار العدوّ.. وهو ما يوصلنا ربمّا الى
    الاقرار لا فقط بوجود شواهد على التواصل
    بين
    مختلف محطات تلك المنطقة التاريخية
    بل الى الاقرار أيضا بعبقرية
    سكّان المناطق
    الصحراوية الذين قاوموا تحدّي
    الصحراء
    بعبقرية الابداع للتكيف مع تحدّي المكان.


    وعبر شبكة مفهومية
    خلدونية في نظرية العمران البشري
    وبناء نظري فِيبري (نسبة الى
    ماكس فيبر
    ) يعمد الباحث منصف محلّة الى تتبّع أثر
    خمس
    قبائل من الجنوب الغربي التونسي
    (المرازيق،
    أولاد يعقوب، غريب، صابرية
    والعذارى) من
    القرن التاسع عشر الى بدايات
    القرن العشرين
    ليدرس بنيتها الاجتماعية
    والاقتصادية
    ومختلف أنشطتها ووظائفها ومن
    ضمنها الوظيفة
    الحربية، علاقاتها بالقبائل
    الأخرى والتحولات
    الكبرى التي طرأت على أنماط
    عيشها في نهايات
    القرن التاسع عشر وميلها الى
    الاستقرار
    في الواحات والقرى التي تنطلق منها في
    مواسم
    معينة نحو تجديد الرحلة، رحلة البداوة بحثا
    عن أسباب العيش، ليتساءل في النهاية
    ان كان بإمكاننا اليوم أن
    نتحدث عن نمط
    عيش بدوي قائم في الجنوب
    التونسي في ما
    نراه من بعض أنماط الحياة
    البدوية، ومتى
    يمكن القول ان هذا المظهر من
    مظاهر العمران
    البشري قد اندثر مثلما اندثرت
    آثار "أهل
    الرمال" على الرمال ؟


    ودون الغوص في
    المداخلة العلمية الثرية التي قدمها
    الأستاذ محلّة والتي اعتمد
    فيها الرواية
    الشفوية ومن ضمنها أشعار
    البدو كما الوثيقة
    المكتوبة ومن ضمنها سجلات
    الأداءات التي
    كانت تؤديها القبائل الى
    الحكومة المركزية
    للبايات، أو القبائل لبعضها
    البعض طلبا
    للحماية، نشير الى ما ذكره من
    أن التحول
    الهام في حياة قبائل الجنوب الغربي
    التونسي
    كان متزامنا مع وصول قوّات الجيش الفرنسي الى
    الجنوب، وبسط نفوذها على هذه المناطق
    مما
    عطّل ان لم نقل أنهى نهائيا الوظيفة
    الحربية لتلك القبائل ان كان
    دفاعا أو استيلاءً
    على مغانم من غير القبائل
    المتحالفة
    .


    بل ان هذا التوازن
    العسكري او الحربي المفقود بين
    قوّات الاحتلال الفرنسي وبين
    القبائل التي
    كانت تقوم بهذه المهام
    الدفاعية قد أفقد
    هذه الاخيرة موردًا ماديا
    هامّا، ومصدرا
    من مصادر عيشها اذ لم تعد
    تفرض على القبائل
    التي كانت تقوم بحمايتها
    أداءات مالية،
    وهو ما دفعها الى البحث عن
    مقومات عيش أخرى
    .


    صحيح ان بعض
    البدو ظلّوا يردّدون حتى السبعينات
    من القرن العشرين، وربما الى
    اليوم مقولتهم
    "مازلنا نرحلو" إلا ان بوادر
    الاستقرار
    حول نقاط المياه وبالواحات سُجّلت منذ بدايات
    القرن العشرين. ومن الاشارات التي
    يذكرها الباحث حول تبدّل نمط
    حياة البدو
    في الصحراء التونسية بدايات
    استقرار قبائل
    المرازيق عامي 1909 و1913
    عندما عمدت سلطات
    الحماية الفرنسية الى حفر
    بئرين ارتوازيّتين
    بمنطقة نفزاوة، ثم كانت سنوات
    الجفاف العصيبة
    التي شهدها سكان الصحراء
    التونسية ما بين
    سنتي 1944 1948 حيث كان عام
    1948 سنة "الغباري
    " (الرياح الزاحفة) وسنة البؤس
    الحقيقي المادّي
    والنفسي أيضا لهؤلاء البدو،
    فلقد "تكسّرت
    العصا" ولم يعد وتد
    الخيمة قائما، وبَليت
    "أفلاج الخيمة" من كثرة ما طويت
    وعُهدت
    الى الغبار والنسيان. هذا البؤس عبّرت
    عنه
    أشعار البدو وحكاياتهم وأقوالهم وهي
    مرويات
    تقطر أسفا وحنينا الى أيام البداوة التي شهدت
    فصلا من فصول نهايتها مع انبثاق عين
    الفوّار عام 1947، ووزعت
    الأراضي من حولها
    بين قبيلتي غريب وصابرية عام
    1953، وبنيت
    مدرسة أصبح يؤمها أطفال
    البدو، ينهلون
    منها العلم، بعد أن كانت
    الكتاتيب المتنقلة
    وسيلتهم الوحيدة للمعرفة.


    وهكذا لم
    تعد الصحراء صحراء، بعد أن شهدت مظاهر
    العمران
    الحضري، ولم يعد البدو رحّلا،
    في ما عدا بعض الرحلات
    الموسمية بَحْثًا
    عن الكلإ لمواشيهم، وانكسرت
    تلك العصبية
    القبلية التي كانت تشدّ اواصر
    القبيلة
    وتكيف حياتها، ولم تعد من هذه إلا بعض
    المظاهر
    التي قاومت من أجل البقاء في الآداب
    والفنون
    ومظاهر السلوك البسيطة التي يعمل اليوم الباحثون
    على استنطاقها لفهم بنية اجتماعية
    واقتصادية لت الى التفكّك بعد
    "تغلب

    النزوع الى
    الاستقرار والتكيف مع حياة
    الحضر.


    مستقبل الصحراء


    ولكن هل ان
    الصحراء والبداوة لم تعد إلا ذكرى وجملة
    من
    الأساطير الجميلة التي يمكن التقاطها
    وتركيبها
    من بقايا العيش البدوي، وفي أفضل
    الأحوال تاريخا يعكف عليه
    الباحثون من
    مؤرخين وعلماء آثار
    واتنولوجيين وانتربولوجيين؟
    أم ان تاريخها الحقيقي مازال
    امامها يمكن
    أي يصنعه أهلها الذين ظلّوا
    يعيشون على
    بوّاباتها بل في رحمها في
    حركة دائبة بين
    واحاتها وفيافيها وامتداد
    كثبانها التي
    تحيلك الى المطلق واللانهائي؟


    هل ان الصحراء مجرّد تاريخ أم هي مستقبل أيضا؟ مجرّد أسطورة أم واقع
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:35 pm

    الثروة المادية في
    الجزيرة العربية



    إذا كان قد قُدر لشبه جزيرة
    العرب أن تحتضن الثروة
    المادية (النفط) ، والثروة المعنوية (الحرمين الشريفين) ، فقد ساقت
    إليها الأقدار – كذلك
    الطامعين
    الأجانب ، بغية الاستيلاء على
    معظم الثروة المادية ، وتحريف قيم الإسلام ومبادئه ، بما يخدم
    المصالح السياسية للعائلة
    المالكة ، وكذلك مصالح الغربيين الإستراتيجية ، حتى أضحى النظام السعودي ، ولوقت طويلزعماً – هو " النظام الإسلامي ! " الوحيد فى العالم !! وعن هذا الطريق جاء التحريف والتزييف ،
    وبُذلت الأموال الطائلة
    لتدجين الشعوب الإسلامية ، باسم الإسلام المُفسر "سعودياً
    أمريكياً
    " [1] .


    إذ لعب التاريخ الديني لآل
    سعود -بسبب التصاقهم
    بدعوة محمد بن عبد الوهاب وخلفائه- دوراً مكنهم -وحدهم دون
    سواهم- من أن يكتلوا الجماعات
    القبلية لصالح سياستهم وأهدافهم في الاحتلال الواسع لشبه جزيرة
    العرب ، كما لم تكن تجربتهم
    في إلحاق الدين بالمطمح السياسي -من ناحية ثانية- قليلة ، ذلك أن
    أي من الحكام السعوديين
    -وعلى مدار القرن التاسع عشر- لم يتوان عن إظهار الصفة الدينية ،
    وخصوصاً لقب (الإمامة
    ) ، التي بسببها انضوت القبائل والمدن الأخرى تحت لوائهم ، بغض النظر عن مدى التزامهم بالدين والمعتقدات
    الوهابية ذاتها ، حيث
    أن المشكلة -كما يرى أحد الباحثين المنحدرين من جزيرة العرب ، وهو
    فهد القحطانى- لم تكن
    واقعة في الرعايا التابعين للحكام السعوديين في القرن التاسع عشر ،
    بل في الأمراء أنفسهم
    ، الذين اختلفوا
    حول تقاسم الحكم (المغنم
    ) ، فشقوا –بذلك-
    وحدة الشعب ، التي تفتت
    بمقدار حدة التنازع آنئذ .. والذي قاد آل الرشيد إلى السيطرة على
    نجد بكاملها ، لذا
    ، حين جاء عبد
    العزيز لينازعه الحكم عليها
    ، تم الأمر -ويا
    للمفارقة- في إطار بعيد
    عن الأرضية الدينية ، أي على أساس أنه أحقتاريخياً- منه في الحكم ، ولم يرفع الشعار الديني ، آنئذ ، إلا
    بعد ظهور " الإخوان
    " الوهابيين ، الذين وجد فيهم ابن سعود قوة منافسة تريد أن ترث
    التاريخ الديني
    لعائلته ، فتبناها واحتواها ، خوفاً ، ومن أجل الاستفادة منها ،
    طمعاً
    .


    أي أن ظروفاً حتمت عليه دعمها
    – وليس تشكيلها
    وهى ظروف لم
    تكن متواجدة في عهد أجداده
    وآبائه ، لذا رسى عمل التوحيد عليه دون غيره ، بحسب تفسيرات القطحانى ، التي تقطع بأن الصبغة الدينية
    كانت هي الحل الوحيد
    للم شمل القبائل تحت لواء ابن سعود [2] ، وذلك اعتماداً على نظرية العلامة العربي القديم ابن خلدون ، الواردة في مقدمته ، والقائلة بـ : "
    أن العرب -أي البدو- لا
    يحصل لهم المُلك إلا بصبغة دينية ، من نبوة أو ولاية ، أو أثر عظيم
    من الدين على الجملة
    .. والسبب في
    ذلك أنهم لخلق التوحش الذي
    فيهم ، أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض ، للغلظة والأنفة وبُعد
    الهمة والمنافسة
    في الرياسة ، فقلما يجتمع أهواؤهم ، فإذا كان الدين بالنبوة أو
    الولاية كان الوازع
    لهم من أنفسهم ، وذهب خُلق الكِبر والمنافسة منهم ، فسهل انقيادهم
    واجتماعهم ، وذلك
    بما يشملهم من الدين المُذهب للغلظة والأنفة ، الوازع على التحاسد والتنافس " .


    ويضيف : " وهم مع ذلك أسرع الناس قبولاً للحق والهدى ، لسلامة طباعهم
    عن عوج الملكات
    ، وبراءتها من ذميم
    الأخلاق ، إلا ما كان
    من خُلق التوحش القريب المعاناة ، المتهيئ لقبول الخير ، ببقائه
    على الفطرة الأولى
    ، وبُعده عما ينطبع
    فى النفوس من قبيح العوائد
    وسوء الملكات " [3] .


    وعلى الرغم من الانتقادات
    التي وجهها العديد
    من الباحثين لنظرية ابن خلدون في علم " العمران البشرى" لما شابها من أخطاء منهجية ، ومن تقادم
    صلاحية بعض من مفاهيمها
    ، في الوقت الراهن
    ، وخاصة فيما يتصل بمستويات
    التمييز بين أهل الحضر وأهل البادية ، من العرب القدماء
    والمحدثين ، وما يرتبط بذلك
    من تباين بين قاطني الحجاز وقاطني نجد ، فقد اتكأ العديد من
    هؤلاء الباحثين على
    ما استحدثته هذه النظرية من مفهومات بغية تطويرها وخاصة فيما
    يتعلق بأسباب صعود
    الدولة السعودية الثالثة ، التي جاءت على أنقاض المجتمع البدوي
    وقبائله
    .


    ففي الوقت الذي كان يفترض فيه أن
    تسيطر القبائل البدوية
    على المدنية ، وتستحوذ عليها -وفق نظرية ابن خلدون ، المشار
    إليها- سيطر ابن سعود
    على البادية وقبائلها ، وجيرها للعمل من أجل توسيع سلطاته ، وفق
    مشروع " الهجر
    " والتوطين ،
    وضمن المشروع "الإخواني
    " الديني ، والذي كان العامل الرئيسي في إخضاع القبائل ، وليس عامل
    القوة ، فحسب
    [4] .


    واستناداً إلى ذلك فإن مدار هذا
    البحث سوف ينصب على
    رصد وتحليل ثلاث مستويات في مسيرة الحكم السعودي :


    الأول : الطبيعة
    الدينية للحكم السعودي ، من
    حيث الأصول والنشأة .


    الثاني : التحولات
    التي طرأت على العلاقة بين
    السلطة الدينية والسلطة السياسية في مملكة آل سعود .


    الثالث : دور عامل
    النفط في سعودة الخطاب الإسلامي
    في عموم العالم الإسلامي ، وأثره على أوضاع المقدسات الإسلامية في
    الحجاز ، حتى اليوم
    .


    ذلك أن أي مسعى لتحرير
    المفاهيم الراهنة حول طبيعة
    الخطاب الإسلامي المعاصر تتطلب سبر أغوار هذا الخطاب ، والذي
    يعود بجذوره إلى المفهومات
    الوهابية ومحظوراتها ، التي راجت مع صعود الدولة السعودية
    الثالثة ، عبر تحالفات
    دولية (بريطانية وأمريكية بالأساس) اقترنت بعوائد النفط ، منذ
    أربعينيات القرن العشرين
    ، وطفرات أسعاره في
    سنوات السبعينيات من
    هذا القرن .


    1 – الطابع
    البدوي للإسلام السعودي
    :


    إن الناظر لتاريخ شبه جزيرة العرب
    ، مع تحول أغلبية
    قاطنيها إلى الإسلام ، سيلحظ أن سيادة السلطة المركزية على أهلها لم
    تدم سوى لفترة قصيرة
    في عهدي الملك الأموي هشام بن عبد الملك ، خلال القرن الأول من الهجرة ، والملك النجدي محمد بن سعود ، في القرن الثاني عشر منها ، ثم ما تلبث أوضاع التفكك والاقتتال تعود أدراجها بين
    إماراتها ، مما جعل من
    الغياب الطويل لسلطة الدولة المركزية -كجهاز موجه ومنظم للحياة
    الاجتماعية والاقتصادية
    والثقافية- غياباً لأي مشروع إنمائي أو استيطاني ، في هذا البلد العريق (باستثناء فترة حكم القرامطة في
    شرق جزيرة العرب
    ) ، وهو ما كرّس من واقع التجزئة وسيادة المنطق القبلي ، فكراً وممارسة ، فعاشت كل منطقة منعزلة عن الأخرى ، لها
    إماراتها وقوانينها
    وعملاتها المسموح بتداولها وأوزانها ، ناهيك عن العداء المستحكم بين هذه المناطق، وذلك حتى صعود نجم عبد
    العزيز آل سعود ،
    وحلفاءه من رجال الدين والإخوان الوهابيين خلال الفترة الواقعة
    بين العام 1902 والعام
    1926
    ، والتي اتسمت بالعمل الدؤوب باتجاه
    توحيد تلك المناطق ، فتم القضاء على الإمارات البدوية المتناثرة
    المتصارعة ، والتي لم
    يتعد طموح أمرائها سوى التمتع بحكم بضعة قبائل وقرى ، بيد أن
    ذلك التوحيد توقف عند
    حدود المخيمات البريطانية في الخليج والمناطق الخاضعة لنفوذ الدول
    الكبرى فى شمال الجزيرة
    وجنوبها [5] .


    وعلى الرغم من أن مفهوم ابن
    سعود للوحدة السياسية
    لم يتجاوز إعادة مجد حكم آبائه وأجداده، وما اقترن بها من إحياء
    إصلاحي للحركة الوهابية
    ، كما فهمها رجال
    الدين آنذاك ، ناهيك عن
    اعتبار هذه الوحدة عودة لعصر " الغزوات الكبرى " ، كما
    كان يطمح لها قادة "الإخوان
    " الوهابيين ، إلا أن الدور المهم في إرساء قواعد هذه الوحدة كان
    لرجال القبائل وسكان
    وقرى ومدن نجد [6] ، خلال تلك الفترة المبكرة على قيام دولة آل سعود ، وذلك من خلال سياسة الهجر
    والتوطين التي أدت دورها
    في الحروب ، كما في تفكيكها لروابط القرابة القبلية ، بعد أن دمرت
    أساسيات المجتمع
    البدوي ، الذي استوطن وسالم ، وصار تحت قبضة السلطان الجديد ، إذ بدا توطين البدو ضرورياً لابن سعود ،
    كما لخلفائه ، من أجل
    ضبط البدو والسيطرة عليهم ، وتوجيه جهودهم لخدمة أغراض الأسرة
    الحاكمة عسكرياً ،
    ولتمهيد الطريق لقيام حكم مركزي مستبد ، حيث أن وضع
    القبائل برئاستها وولاءاتها
    الخاصة وانغلاقها عن غيرها ، تعتبر من عوامل مقاومة استتباب أي سلطة
    مركزية ، وهو ما
    عرض مجموع القبائل البدوية والقروية إلى الهيمنة الحكومية
    الصارمة ، فنخرت أساساتها
    ، وتعرض بناؤها
    القبلي إلى الاهتزاز الشديد
    [7] .


    ففور ظهور السلطة السعودية
    المركزية بدأت الأخيرة
    بالتدريج – في انتزاع السلطة من يد شيخ القبيلة ، ومجلس القبيلة ، بإنشاء مراكز للشرطة والأمن والقضاء
    ، تنوب عن مجلس الشيوخ
    في حل القضايا والمشكلات التي تطرأ في المجتمع القبلي ، ليجد الأفراد
    ، أنفسهم ، أمام
    وضع لا يمكن السماح لهم فيه بالولاء لجهتين : السلطة ممثلة في الحكومة ، والقبيلة ممثلة في شيخها ، مما أحدث
    ازدواجية في الولاء
    وارتباكات كبيرة في سلوك الفرد القبلي ، فهو -في البداية-
    لم يخضع للسلطة الحكومية
    ، ووضع مصلحة
    القبيلة فوق كل اعتبار ، لكنه
    وجد نفسه ، يخضع لطائلة القانون ، ومعاقبة السلطة الحكومية له ،
    مما قلص من دور القبيلة
    لينمو دور الحكومة ، أكثر فأكثر ، فبينما كان شيخ القبيلة -في
    السابق- حاكماً له مطلق
    الحريات والصلاحيات ، في إطار قبيلة لا ينازعه منازع في كل شأن من شئونها ، جاء انضوائه تحت سلطة
    الدولة بالقوة ليحرمه
    من تلك الصلاحيات التي بات يتولاها ، بالنيابة عنه ، أمير المنطقة أو
    المدينة المولىّ
    ، من قِبل الحكومة
    ، فالزكاة التي كان يتقاضاها
    شيخ القبيلة والهدايا الأخرى أخذتها الحكومة من قبيلته ، وبواسطته ،
    هو ، وباسم ضريبة
    الجهاد أو الخدمة أو غيرها ، وبدل أن يحتكم الناس إليه ويصدر هو
    الأحكام ، احتلت محاكم
    الدولة مكانه، وبينما كان له -في السابق- الحق في والقدرة على تصدير قرارات الحرب ، ويقوم بحماية أفراد قبيلته ، في الوقت ذاته ، من فتك القبائل الأخرى ، أصبحت الحماية تقدمها الدولة ،
    وبوسائلها يتم ضبطه وضبط
    أفراد قبيلته ، وفي مقابل ذلك ، وبعد تفكك سلطة شيخ القبيلة ،
    تفككت عوامل قوته وضبطه
    لأبناء القبيلة ، الذين بدئوا لا يعيرونه أهمية ، فخرجوا -بفعل
    الأنماط الثقافية
    الوافدة عليهم- من عادات القبيلة وتقاليدها ، فاهترأت القبيلة ، ولم يتبق منها إلا القليل ، أو انعدمت بالكامل ، ناهيك عن دور التكنولوجيا الوافدة ، والتي أثرت ، كثيراً ، في شرخ
    القبائل وهدمها ، عبر
    مساعدة الدولة على الوصول إلى البدوي مكانياً ، وإلى عقله ثقافياً ، فعبر وسيلتي الإذاعة والتليفزيون أمكن السيطرة على فكره ، الذي يعتبر من أهم مقومات
    الاستقلال ، وغزوه
    بأفكار السلطة ورؤاها وتصوراتها ، وإيجاد نمط ثقافي جديد ، مدعوم
    بالوسائل المادية
    ، التي دخلت حياة
    البدوي ، والتي لكل منها
    فكرة وفلسفة تدعمها [8] .


    وهو ما حمل القحطانى على
    اعتبار التحول الذي حصل
    في بلاده بالفجائي ، وذلك بغية القضاء على قوة البدو وإفسادها ،
    من خلال ما أسماه
    تخطيط حكومي مقصود ، أفضى إلى وضع صارت فيه القبائل مجرد مجموعات من الأفراد ، يكثر بينها الشقاق ، ولا ترتبط برأس واحد ، بعد أن فقد الشيخ أهميته ، ففقدت التمايز بينها وبين أهل المدن ، بعد أن اندمجت تلك القبائل ، تماماً ، في
    الحياة العامة ،
    وانخرطت في سلك خدمة الدولة وحمايتها ، عبر وظائف بديلة عن تلك التي كانت تؤديها سابقاً ، بحيث لم تعد
    سلطة شيخ القبيلة
    تزيد عن كونها همزة وصل بين أفراد قبيلته -التي لا تدين له بالولاء والطاعة- وبين سلطات الدولة وأجهزتها ، لتصير أغلب أعمال البدو ضمن العمل
    العسكري ، في جهاز الحرس
    الوطني ، بينما ظل الآخرون عاطلون عن العمل ، وإن حصلوا على مرتب حكومي مقابل توطنهم ، مما جعل من
    المدينة العامل الذي يستدرج
    إلى إنشاء دولة ، وحيث تقوم الدولة على تدمير أسس البداوة ، والذي جاء عبر تهجير الرعاة ومربوا الماشية
    إلى المدينة ، إلا
    أن عدم قدرة هؤلاء على تغذية احتياطي جيش العمل الصناعي أدى إلى
    مسارعة الجهاز السياسي
    والإداري لاستيعابهم في "وظائف" تعج بها المجمعات السكنية
    القبلية ، بغية إعالة
    البدو المتنقلين ، حديثاً ، من البداوة إلى حياة المدن ، بواسطة مشايخ القبائل ، وبذلك يتوطد نمط
    حياة اجتماعية يقوم على
    البطالة الفعلية ، وعلى التبعية الكاملة للجهاز السياسي
    والعسكري والإداري ، الذي
    يقوم بتوزيع قسم من العائدات النفطية ، عبر أعيان التجمع القبلي ، أو أجهزة الدولة مباشرة ، وبخاصة الحرس
    الوطني ، لتمس أمور
    مثل "التلاحم والتضامن ووساطة الزعامات" عوامل تتضافر على جعل علاقة التجمعات القبلية بالدولة النشاط الوحيد
    المتبع لوسائل العيش
    [9] .


    وهو ما جعل البدوي كائناً شديد
    التفاعل مع برنامج
    ومخطط السلطة ، فألقى بنفسه إلى الأرض ، من فوق جمله ، راكعاً ،
    للدولة المركزية
    " عدوه "
    التاريخي ، مما أحال هذا
    " الاستيطان " أو "الاستقرار" إلى واحداً من أغرب وأخطر
    أشكال التوطين الذي
    عرفه تاريخ البداوة العريق ، وذلك بفعل ما يسميه أنور عبد الله مرحلة " الفيضان البترولي " ، حيث
    أدى التغيير النوعي
    ، أو القفزة
    الهائلة في البنية الاقتصادية
    في الجزيرة العربية من اقتصاد رعوي – زراعي ، أو تبادل بضائعي صغير ، إلى اقتصاد يقوم على الثروة النفطية ، من عدة مئات آلاف من الدولارات ، كدخل قومي للبلد في العشرينات ، إلى عشرات الملايين من الدولارات في سنوات الإنتاج الأولى للبترول ، ليصل إلى مائة ومئات الملايين في
    أواخر عهد الملك عبد
    العزيز ثم ابنه سعود ، وهو ما أدى إلى تغييرات هامة في تركيبة المجتمع
    ، بحيث أجبرت السلطة
    والمؤسسة الدينية على مراجعة بعض قيودها على المجتمع ، ونظرتها
    تجاه العالم الخارجي
    ، إذ بقدر ما ساهمت
    أنابيب استخراج وتصدير
    البترول بالاختراق العلني " لجدار الوهابية القديم " ، بقدر
    ما عزز روح التعاون الوثيق
    بين الملك ورجال الدين ليشكلا أداة ضغط عمياء ، لعرقلة مسار التطور الصحيح للمجتمع والإنسان ، خوفاً من
    خروجه على الخط الوهابي
    السعودي ، وهو أحد العوامل الرئيسية الذي أسهم –بعمق- في خلق العديد من أشكال التشوه داخل المجتمع ،
    والتي تفجرت روائحها
    ، مع مرحلة "
    فيضان البترول
    " [10] .


    2 – العلاقة
    المتغيرة بين الدين والسياسة
    :


    وفى هذا الإطار يتوقف الباحثون
    عند ست محطات رئيسية
    في مسار العلاقة بين الأيديولوجية الدينية ونظيرتها السياسية ،
    منذ صعود نجم ابن سعود
    ، فيما بين عامي
    1902 و 1915 -وبعد احتلاله للرياض
    ، من منطلق قبلي ،
    لا يمت للدين بصلة- أصبح
    يسمى أميراً ، أو الشيوخ ، وذلك حتى العام 1915
    ، والذي استطاع ، خلاله ، أن يصوغ أشكالاً
    ملائمة لاحتواء حركة "الإخوان" الوهابيين إلى صفوفه معلناً شعار
    الإسلام عنواناً
    لحكمه لتتم له البيعة الصورية بالإمارة .


    ولكن سرعان ما وسم ابن سعود
    بلقب الإمام، تماشياً
    مع معتقدات "الإخوان" ، التي صارت القوة العظمى في نجد ،
    ما بين عامي 1915 و
    1921 ، إلا أن ابن سعود عاد ليطرح لقب الإمام أرضاً لحساب لقب " السلطان " ، بعد أن سيطر على كل بادية
    نجد وإمارة حائل ،
    ما بين عامي 1921 و 1926 ، ومنذ هذا التاريخ ، تقلص دور الإخوان ، نتيجة احتلال الحجاز ، بوصفه آخر معقل
    سمح البريطانيون لابن
    سعود باحتلاله مقابل الاعتراف بالوضع الإقليمي ، أي وضع التجزئة الذي خطط له الانجليز بعد سقوط جدة ، حيث أعلن ابن سعود نفسه ملكاً على الحجاز ، فقط ، دون
    نجد ، التي بقى سلطاناً
    عليها ، خوفاً من استثارة أهلها ، من تسميته بـ " الملك " [11] عليها .


    إلا أن مبايعة ابن سعود ملكاً
    على الحجاز أسهم
    في إنضاج إرهاصات ثورة من جانب "الإخوان" ،
    الذين هددوا بخلع ابن سعود ، باعتبار
    أن إقدامه على هذا الفعل يعنى مشاركته الله في أسمائه الحسنى ، بيد
    أن تجاهل ابن سعود
    لهذه الاعتراضات ، وإعلانه نجد وملحقاتهافي وقت لاحق- مملكة له ، هي الأخرى ، زاد من لهيب ثورة الإخوان ،
    وهو ما حدا بابن
    سعود للاستعانة بعدد من رجال الدين إلى صفه ، بوصفهم "أهل الحل والعقد" ، في مواجهة
    "الإخوان" ، فعقد الأولون اجتماعاً
    بالرياض ، في يناير 1927 / 1345 هـ خصص لمبايعة الملك وإدانة مسلك
    الإخوان ، رغم مشاركة
    زعمائهم فيه ، حيث وصف ابن سعود نفسه "بأنه خادم الشريعة ، يحافظ
    عليها أتم المحافظة
    ، وأنه هو الذي
    يعهدونه من قبل لم يتغير
    ، كما يتوهم بعض
    الناس (...) ، وأنه لا يزال
    ساهراً على مصالح العرب والمسلمين" ، على حد تعبير أحد
    مستشاري ابن سعود ، وهو
    حافظ وهبه ، الذي أشار إلى أن ذلك الاجتماع انتهى "بالفتوى
    الشهيرة التي أصدرها
    علماء نجد في صدد المسائل التي كانت سبب تشوش الإخوان"
    موضحاً أن الحاضرين أعلنوا
    "تعلقهم بإمامهم وملكهم ، وبايعوه بالملكية على نجد ، فأصبح لقبه
    الرسمي ، ملك الحجاز
    ونجد وملحقاتها " [12] .


    ويبدو أن هذا الحدث قد أعاد
    ترتيب العلاقة بين
    آل سعود وحلفائهم من فئة رجال الدين (النجديين / الوهابيين أساساً) ، من جهة ، وبين جماعة " الإخوان " الوهابيين ، من جهة أخرى ، بعد أن امتنع الأخيرين عن مبايعة ابن سعود ، بوصفه ملكاً ، على نجد والحجاز، بل إماماً ، كما كان في السابق ، وذلك لأجل استمرار الصبغة الدينية
    الحرفية على حكم
    ابن سعود، كما كانوا يعتقدون بها ، وهو ما خلق فجوة عميقة بين الطرفين ، حين تجاوزت طموحات ابن سعود
    مفهومات " الإخوان
    " العقائدية ، وهو ما دعا ابن سعود لعقد مؤتمراً آخر ، بعد عامين فقط
    (1347 هـ) ، سمى بـ "الجمعية
    العمومية" والذي قاطعه "الإخوان" ،
    ومع ذلك حرص ابن سعود في كلمته على تذكير
    " الإخوان " بفضله عليهم ، بوصفه المسئول عن تجميعهم وإهدائهم
    إلى الإسلام
    (...) ، منكراً أي فضل من جانبهم لتوسيع مُلكه ، داعياً الحاضرين إلى
    مبايعته ، من جديد
    ، لمهاجمة
    المتمردين الثوار ، أي "الإخوان
    " ،
    الذين سارعوا بإدانة ابن سعود بوصفه "طالب
    مُلك" ، وموال للكفار ، وشريك لهم في جميع الأعمال" ،
    بينما هم القائمون "بأمر
    الدين ، وإقامة الشريعة التي يهدمها عبد العزيز (ابن سعود)" [13] .


    وفى هذا الإطار يحدد القحطانى
    دوافع ثورة " الإخوان
    " على ابن سعود في ثلاثة عوامل :


    الأول : ما وصفه
    الإخوان بتغير عبد العزيز بعد
    احتلال الحجاز ، فأعلن نفسه ملكاً وبدت تصرفاته كالملوك .


    الثاني : موالاة عبد
    العزيز للانجليز وانكشاف
    ارتباطه بهم .


    الثالث : تعطيل ما يسمونه
    بالجهاد ، الذي لا يقف
    عند حدود ، باعتبار أن أهالي الكويت والعراق والشوام كفاراً ، ولا
    يحاربونهم ، وهم الذين
    شحنوا بأن غيرهم كفاراً [14] ؟! .


    فبعد هجوم " الإخوان
    " على مخفر " بصّية
    " على الحدود العراقية ، وقبيل معركة " السبلة " الشهيرة التي اندلعت بينهم وبين قوات ابن سعود ،
    في العام 1929 ، يكشف
    ديكسون عن جوانب من الخطة التي وضعها الإخوان لتجريد ابن سعود من
    مصداقيته الدينية ،
    والتي تكشف عن طبيعة العلاقة الانتهازية بين الطرفين ، في
    مواجهة من عادهم ، من المسلمين
    ، وفي هذا يقول
    ديكسون : "وكانت خطتهما
    -الدويش وابن بجاد (من زعماء الإخوان)- وضع ابن سعود في مأزق لكي
    يتسنى لهم إحراجه
    حسب الحجة الآتية : يا عبد العزيز ، أنت كإمام كنت تدعو إلى
    الجهاد ضد الكفار المشركين
    ، ولطالما دعوت
    وكررت الدعوة إلى أن العراق
    كدولة، يجب أن يُدمر ، وأن كل ما يؤخذ من أهله حلال .. ولطالما
    رددت قول القرآن الكريم
    لإثبات أن كل الأعمال التي يقوم بها المؤمنون (أي الإخوان) ضد الكفار والمشركين (المسلمين الآخرين) يجب أن يكافأ
    عليها
    " .


    ويضيف ديكسون جانباً آخر من
    اتهامات الإخوان
    لابن سعود ، والتي تستهجن دعوته لهم بإعادة ما سلبوه إلى أصحابه :
    "والآن ، وبأمر
    من الإنكليز الكفار أنفسهم ، تدعونا نحن فرسانك المختارين ، سيف
    الإسلام ، إلى إعادة
    ما أخذناه ، لأنك تعتبر ما فعلناه خطأ . فأما أن تكون دجّال منافق تحب ذاتك وتبحث عن منفعتك ، وإما أن
    يكون القرآن غير صحيح
    . فليحكم
    علماء نجد
    " .


    ويصف ديكسون أثر هذه
    الاتهامات على ابن سعود
    قائلاً : "ومما لاشك فيه أن الرعب دبّ في قلبه بحيث أنه لم
    يفكر قط في عرض القضية
    على أية هيئة من علماء الدين الوهابيين، وبدل أن يقرر القطيعة
    مع البريطانيين ،
    قرر ضرب الإخوان بسرعة مرة واحدة وإلى الأبد" [15].


    ورغم قوة " الإخوان
    " العسكرية إلا أن مقتلهم
    جاء بسبب انفصال رجال الدين الوهابيين عنهم، أو بالأحرى انحيازهم إلى صف سلطة ابن سعود ، وهو ما عبر عنه صراحة حافظ وهبة ، بالقول : "لقد كان لابن سعود سلاح آخر لا يقل عن سلاح الجند وهم العلماء .. ولكن العاصين (يقصد الإخوان)
    لم يعودوا يثقون
    بالعلماء ، وقال فريق من الإخوان : إن المشايخ مقصرون مداهنون لابن
    سعود وقد كتموا الحق
    عنه" ، وهي الأزمة التي انفجرت بعد نحو خمسين عاماً ، عبر
    انتفاضة الحرم في مطلع
    العام 1400هـ / 1979م ، كتعبير عن عمق الهوة التي تفصل بين العلماء
    والقاعدة المقاتلة
    ، ذلك أن ابن سعود
    ما كان ليقدر على استئصال
    حركة الإخوان قديماً ، لولا هؤلاء العلماء الذي أفتى معظمهم بأنهم
    خوارج على حكم
    " الإمام"
    ابن سعود ، فجردوهم من الشرعية
    والمظلة الدينية ، لينصب العلماء ، كقيادات فوقية ، بعد أن دانوا
    بمناصبهم لابن سعود
    وللإخوان ، ومن بعدها راح ابن سعود يتصرف في إدارة جزيرة العرب
    بـشكل مطلق ، دون
    أن يعبأ بأي معارضة ، حتى من رجال الدين [16] .


    ومنذ ذلك الوقت بدأت تتبلور
    طبيعة الحكم الاستبدادي
    الملتحف برداء الدين ، عبر مؤسسة تسوغ لهذا الحكم ممارساته ،
    وتوجيه الدعوة الإسلامية
    نحو جوانب غيبية مثل الحوار مع الجن ودعوتهم إلى الإسلام ، ومراقبة
    المرأة ، إلى جانب
    بث إذاعي يختزل الإسلام في التلاوة القرآنية ، وأخرى باسم صوت الإسلام ، والتي جاءت لإرضاء المتدينين ورجال العامة بسبب استياءهم من البرامج الإذاعية ،
    التي كسرت باعتقادهم
    القيم والأعراف الدينية ، وخاصة بعد تحول نداء الإذاعة السعودية
    من "مكة المكرمة
    " إلى
    "العربية السعودية" ، من بعد العام
    1961.


    وعلى المستوى الخارجي بدأ
    ابن سعود ، ومنذ وقت
    مبكر ، للدعاية الدينية لسلطته ، بحسب ما يذكر الوزير البريطاني
    في جدة
    (Stonehower Berd) ، في تقريره عام 1940 ، والذي يبين فيه أن السعوديين يدفعون منذ سنوات مساعدات
    مالية لوكلاء هنود للدعاية
    لهم ، دينياً ، في الهند ، وامتد هذا الأسلوب إلى جنوب أفريقيا ، إلى
    جانب اعترافات مقاول
    كيني ، حضر لأداء فريضة الحج يدعى فضل إلهي ، بتسلم ألف ريال سعودي مقابل الدعاية للسعوديين في جنوب وشرق أفريقية
    وهو التوجه الذي أخذ
    يأخذ أشكالاً تنظيمية بعد اندلاع "حرب اليمن" في مطلع
    ستينيات القرن الماضي
    ، باسم
    "المحور الإسلامي" في مواجهة
    الانتماء العربي القومي ، والذي مهد الطريق إلى دور سعودي واسع
    النطاق ، داخل العالم
    الإسلامي ، عبر احتواء وتجنيد العديد من الوعاظ ورجال الدين ،
    ناهيك عن دور هذا
    المحور في رعاية ودعم حركات التيار الديني السلفي المتشدد ، ولهذا
    جاء تأسيس ما يسمى
    بـ "رابطة العالم الإسلامي" ، إبان الصراع السعودي مع مصر
    الناصرية منذ أواسط
    الخمسينيات حتى هزيمة 1967 ، بغية تكتيل الشخصيات الدينية والمؤسسات
    الإسلامية ودعمها لأجل
    الترويج والدعاية للنظام السعودي وسياساته ، فضلاً عن إضفاء الشرعية عليه ، بدعوى أنه "إسلامي" ، إلى جانب ما لعبته الرابطة من محاربة التيارات
    الثورية ، في العالم
    الإسلامي ، تحت شعار محاربة "الشيوعية" ،
    وهو ما كان محور لقاء آل سعود مع الأمريكيين
    .


    وبحسب ما لاحظ عبد الرحمن
    الناصر الشمرانى فإن
    نشاط رابطة العالم الإسلامي قد انصب في السنوات الأخيرة على دائرتين متقاطعتين الأولى : الدائرة الشيعية ، التي تعنى بمحاربة التشيع ، بوصفها
    الحاضنة لأشد الحركات
    أصولية وثورية وخطراً على الصهاينة والأمريكان والسعوديين ، كما يتضح
    من تجربة الجهاد
    الشيعي في لبنان ، فصدرت الكتب والفتاوى التي تُكفّر الشيعة ،
    واعتبارهم خطراً
    أكبر على الإسلام من الصهاينة (!) .


    أما الدائرة الثانية فشملت التيارات
    الإسلامية الثورية
    شيعية كانت
    أم سنية– حيث كانت الرابطة
    أول من أفتى ضد الجهاد الإسلامي في لبنان عام 1984 [17] .


    وفى هذا يذكر الباحث أنور عبد
    الله أن المفتى الأكبر
    للسعودية (محمد بن إبراهيم كان قد خاطب الملك سعود (1953 – 1964م) على أثر تلاعب رجال الدين بأموال الأوقاف
    قائلاً : "إننا
    إذا أخطأنا في الحساب فلأن قلوبنا لاهية في ذكر الله" ،
    فكان جواب سعود عليه
    : "عفا الله
    عما سلف أرسلوا من يعلمهم الحساب
    " (!) .


    وعلى هذا النحو صار وضع رجال
    الدين السعوديين
    داخل سلطة آل سعود ، عبر التواطؤ الصريح مع سياستهم ، وسبغ صفة
    الإسلامية على شرعية
    حكمهم ، على الرغم من أن هذه الشرعية تستدعى توافر شروط عدة ، منها :


    1 – أن يكون الحاكم قد وصل إلى
    منصبه وفق الأصول
    والضوابط الإسلامية ، باختيار الجمهور وانتخابهم له .


    2 – أن يكون الحاكم متمنعاً
    بشروط : العدالة ،
    والرجولة ، والعلم ، والكفاءة ، والتفقه في الدين .


    3 – أن يجرى الحاكم قوانين
    الشرع سياسياً وثقافياً
    واجتماعياً .


    وبالمقابل فإن حكم آل سعود قام
    ولا يزال على الجبر
    ، والتوريث العائلي
    ، في الوقت الذي عبر
    فيه جمهور الفقهاء عن عدم جواز عقد ولاية العهد للأبناء والأقارب
    إذا كانت النية
    حفظ الحكم في باب الإرث ، لأن الخلافة لا تورث ، أو لا تنعقد
    بالاستخلاف ، وإلا فهي
    ملك جبري. وهو ما عززت عوائد النفط من قوته ، حتى استطاع أن يصبغ الخطاب الإسلامي في عموم العالم الإسلامي بالطابع السعودي ، الذي يجعل من
    الإسلام شكلاً طقوسياً تحريمياً
    لا أكثر .


    3 – أثر النفط
    في تسييس الإسلام
    :


    من اللافت أن (الحرمين الشريفين)
    قد صارا ، منذ سبعين
    عاماً ، رهن بإرادة دعاة نظر مذهبي محدود ، هو "الحنبلية" ، والذي احتكر آل سعود ومشايخ نجد ، ومن
    والاهم ، حق تفسيره عبر
    الوجهة "الوهابية" ، حيث يعتبرون أنفسهم "المسلمون" السائرون على الطريق الصحيح ، دون غيرهم ، ومن ثم تكفير الآخرين من أتباع المذاهب الأخرى الإسلامية ، من شيعة ، ومالكية ، وشوافع ، وأحناف ، المنتشرون في مختلف أصقاع شبه جزيرة العرب .


    واستناداً إلى ذلك فقد عمل سدنة
    الدولة السعودية على
    اصطناع مذهباً إسلامياً يقوم على إعادة توظيف جانب من آراء ابن حنبل ، في سياق تعاليم ابن عبد الوهاب ، وجعله
    مذهباً رسمياً للدولة
    ، يرجع إليه كل
    القضاة في أحكامهم ، مما
    يعد إجحافاً بحق أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى ، التي ما فتأ
    آل سعود على محاربتهم
    ، بمن فيهم
    الحنابلة ، الذين لا يجارون
    أتباع ابن عبد الوهاب في رؤيتهم وتفسيرهم للنصوص الإسلامية ،
    ولهذا كانت حروب آل
    سعود ، خلال الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة تستند إلى هذا
    التفسير ، الذي
    كان ابن سعود قد تظاهر بالانقلاب عليه بعد احتلاله الحجاز ،
    فتساهل كثيراً في إعطاء
    الوعود ، من حيث ملكية الحجاز لجميع المسلمين ، وأن إدارته ستكون فيما بينهم ، عبر وعده الشهير بعقد مؤتمر تقرير مصير الحجاز ، إلى جانب بلاغاته المتعددة باحترام كل المذاهب الإسلامية ، التي لم تعمد أمام التطبيق الفعلي إلا لعامين فقط ، وذلك بعد استتباب حكم ابن سعود ،
    وتلاشى ضغوط العالم
    الإسلامي .


    إذ جاء في البلاغ الذي وجهه
    السلطان عبد العزيز
    قبيل سقوط
    جدة– إلى العالم الإسلامي
    ، بتاريخ
    28/12/1926 ما يلي : "إن الشريعة هي
    القانون العام الذي يجرى العمل وفقه البلاد المقدسة ، وأن السلف
    الصالح ، وأئمة المذاهب
    الأربعة ، قدوتنا في السير على الطريق القويم (...) ،
    وسيكون العلماء المحققون من جميع
    الأمصار هم المرجع لكل المسائل التي تحتاج إلى تمحيص ونظر ثاقب" [18] .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:36 pm

    وكان ابن سعود قد أمر رئيس
    القضاة بأن يكون ضمن
    تشكيل مواد القضاء مادة –هي المادة التاسعةنصّت على أن : "يحضر من المذاهب الأربعة معتمدات الكتب لمراجعة
    ما يلزم" والتي
    صدرت ضمن قرار خاص بالقضاء في 18/8/1927 [19] ، وهو ما شجع صحيفة أم القرى على انتقاد التعصب المذهبي ، والإعلاء من شأن التعدد المذهبي ، بما فيه
    المذهب الشيعي ، حيث
    جاء في تلك الصحيفة (عدد 64) ، بتاريخ 5/9/1927 ، ما نصه : " المذاهب الأربعة ، ومذهب الإمام زيد بن على بن الحسين ، والإمام جعفر الصادق ، ومذهب الأوزاعي ، وداود الظاهري ظنها في هؤلاء الأئمة" .


    كما أعلنت الصحيفة ، في عدد آخر
    لها ، بتاريخ 28/2/1928
    : "أن جلالة الملك ، حفظه الله ، يفكر في وضع مجلة الأحكام
    الشرعية (التي سوف
    ) تعهد إلى
    لجنة من خيار علماء المسلمين الاختصاصين
    ، (بحيث تتم) استنباطها من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة" ، مشيرة
    إلى أن "هذه المجلة
    ستكون مشابهة لمجلة الأحكام التي كانت الحكومة العثمانية وضعتها عام 1293 هـ .. ولكنها تختلف عنها بأمور أهمها
    عدم التقيد حين
    الاستنباط بمذهب دون آخر ، بل تأخذ ما تراه في صالح المسلمين ، من
    أقوى المذاهب حجة
    ودليلاً من الكتاب والسنة" ، وهي رؤية كانت تحاول إظهار مدى
    تفتح ابن سعود على
    المذاهب الأخرى ، ونقداً للدولة العثمانية التي اعتمدت المذهب
    الحنفي ، فقط ، دليلاً
    لاستنباط الأحكام ، وهو ما تشدد عليه الصحيفة بالقول : "حقاً إن
    هذا الموضوع جليل جداً
    ، وتأثيره لا ينحصر
    فقط في التأليف بين
    المذاهب الذين يقولون أن الإسلام غير قابل للإيلاف كل زمان ومكان
    ، بل أنه يدحض القائلين
    بجمود الإسلام ، وبأن المذاهب الأربعة تكاد الفوارق التي بينها أن تجعلها أدياناً أربعة " .


    لكن ، الصحيفة لم تتابع
    –بالطبع– نوايا ابن
    سعود –أو تفكيره ، كما قالت– على أرض الواقع بخصوص وضع مجلة الأحكام
    الشرعية ، حتى رحيله
    ، في العام 1953 ،
    وهو أمر لم يتحقق –بطبيعة
    الحال– مع خلفائه ، حتى اليوم ، وكان السبب في ذلك أن ابن سعود
    أصدر-خلافاً لما ذكرته
    الصحيفة– أمراً في 24/3/1930 باعتماد القضاء وفق المذهب الحنبلي
    فحسب ، واستناداً إلى
    التفسير الوهابي ، حيث جاء تصديقه على قرار الهيئة القضائية ، في
    هذا التاريخ ، متضمناً
    فقرة صريحة ، بذلك ، كما يقول نصها : "أن يكون مجرى القضاء في
    جميع المحاكم منطبقاً
    على المُفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل" والسبب هو "سهولة مراجعة كتبه (!) " .


    وباسم هذا التبرير الواهي انقلب
    ابن سعود على
    كل وعوده السالفة ، فيما ذهبت كل ادعاءات إعلامه أدراج الرياح ،
    والتي لم تكن – في
    الواقع – إلا قنابل دخان مهدت لسيطرته على منطقة الحجاز ، أو كما يقول محمد عبد الجواد : " إنما
    قصد الملك عبد العزيز
    في بدء حكمه للحجاز ، نوعاً من التهدئة السياسية ، لأن المذاهب الأربعة كانت –آنئذمُطبقة عملاً وعلماً ودراسة في الحرمين الشريفين بمكة والمدينة ، كما أن الذي شاع أن الدولة السعودية
    والدعوة الوهابية ،
    لا تقرّان من المذاهب الفقهية الإسلامية إلا المذهب الحنبلي " [20] .


    وبذلك جرى صبغ المقدسات
    الإسلامية في الحجاز
    بالصبغة السعودية ، سياسياً ، والوهابية ، دينياً ، حتى يوم الناس ، هذا ، ليتخذ من تلك المقدسات منبراً دعائياً لآل سعود وحلفاءه من الوهابيين ،
    في عموم العالم
    الإسلامي ، وليصير آل سعود هم حُراس الإسلام ، من خلال مقدساته ، وتصير الوهابية هي الإسلام المعاصر ، وإلا فكل من لا على هداها فهو خارج ملة هذا الدين
    الحنيف (!) ، وهو
    ما دعا الملك فهد –على اثر توليه مقاليد الحكم– لتلقيب نفسه
    بلقب "خادم الحرمين
    الشريفين" ، في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم ، بعد أن
    منحت الطفرة الهائلة
    في أسعار النفط مملكة آل سعود قوة مالية جبارة للترويج لهذه
    الصورة ، عبر استمالة
    المئات من الوعاظ ورجال الدين والإعلاميين ، في طول العالم الإسلامي وعرضه .


    واللافت أن الهالة التي حاول آل
    سعود صنعها حول
    رعايتهم للحرمين الشريفين لم تكن بغرض الدعاية الفجة لملكهم العضوض ، فقط ، بل لستر عورات فضائحهم
    الغاجرة ، التي ما فتأ
    قسم محدود من الإعلام الغربي والعربي عن الكشف عن جانب منها ،
    وخاصة تلك المتعلقة
    بالملك فهد ، من قبل تنصيبه ملكاً ، من ذلك لهوه وتبذيره وإدمانه
    للمقامرة ، من خلال
    ألعاب الدولية ، حيث ذكرت الصحف أن النائب الأول لرئيس الوزراء
    ووزير الداخلية فهد
    بن عبد العزيز خسر في ليلة واحدة من ليالي خريف 1974 نحو ستة
    ملايين دولار خلال مراهناته
    في نادى مونت كارلو [21] الفرنسي ،
    بينما ذكرت
    إحدى الصحف الألمانية الغربية أرقاماً خيالية لإنفاق فهد –بعد أن صار ملكاًعلى إعادة بناء " فيلات " وقصور ، يتخذ منها منتجعاً لأيام
    معدودة ، من كل عام
    ، منها 280 مليون
    مارك على إعادة بناء وتجميل
    قصره الضخم ، والكائن بشارع الأميرة (مارجنس) ، في حين تم إنفاق
    مائة وعشرين مليون مارك
    على شراء اليخت الملكي ، الذي يزن سبعة آلاف طن ، بطوابقه الخمس ، المرصعة بالحجارة الكريمة المذهبة [22] ، بينما قدرت تكاليف " يخت " آخر –والمسمى (عبد العزيز)- بمائة وأربعون مليون دولار ، حيث وصفه المحرر المساعد لمجلة
    (موتوربوت أنديا فتنغ) البريطانية
    (توم ديلبس) بأنه مصقول الشكل ويلمح بخطوط بيضاء ، ويحتوى على
    مدخنتين وأربع أقسام
    رئيسية ، مجهزة بكل وسائل الراحة ، وتتسع لستين ضيفاً ، وأن حمام
    الملك مُزين بالجواهر
    الزرقاء ، ومغاطس منقوشة من الرخام الخالص ، بجانب حنفيات من الذهب الخالص بحوض السباحة ، وذلك فضلاً عن
    "يخت" ثالث ، بلغت
    تكاليف أعمال "الديكور" الخاصة به مائة مليون كراون
    دنماركي ، قبل شرائه بستمائة
    مليون كراون ، أي ما يوازى مائة وخمسون مليون دولار ، ناهيك عن قصره الضخم بمنطقة فرساي الفرنسية ،
    وقصوره الخمس المنتشرة
    بالمنطقة الشرعية ، من المملكة ، كُلف اثنين فقط ، منهم ، بنحو عشرة
    مليون ريال
    [23] .


    ويضاف إلى ذلك الروايات التي
    تناقلتها وسائل
    إعلام أخرى حول الفضائح النسائية للملك فهد، قبل وبعد تسلمه مهام المُلك ، منها خطفه لسيدة لبنانية
    متزوجة من مهندس لبناني
    ، تدعى حسناء وفائي
    ، بعد أن كانت قد رفضت
    خطبته لها ، بعد اختيارها في مسابقة محلية لملكات الجمال ، في
    العام 1958 ، لكن سماسرة
    فهد استطاعوا –فيما بعد– إغواء الزوج بالعمل بالسعودية ، بمرتب خيالي ، فكانت الواقعة ، كما لم يستح
    فهد في الاقتران
    غير الشرعي، من سيدة سعودية متزوجة ، تُدعى لؤلؤة آل إبراهيم في
    العام 1964 ، وذلك بعد
    أن استطاع ، عبر دسائسه ، من استقدامها من الولايات المتحدة –حيث كانت تقيم مع زوجها– إلى السعودية . هذا إلى جانب ما تداول على نطاق واسع من إدمان فهد للكحول [24] داخل قصوره
    المنيفة ، حول العالم ، والتي
    تؤكد الصحف الغربية أنها تحوي أرقى أنواع النبيذ المعتق ، وهو
    أمر شائع بين طبقة
    الأمراء والأميرات ، التي يعشعشن فيهاإلى جانب الخمور– إدمان المخدرات ، منذ عقود طويلة ، ومن ذلك ما ذكره أحد حراس قصر الأمير عبد الله الفيصل
    ، في لندن ، من أن
    الشاحنات المحملة بأقنية الخمور ، تمد قصور الأمير كل بضعة أشهر ، بينما راجت الأحاديث حول مسئولية الأمير سلمان أمير الرياض عن انتشار تجارة
    المخدرات على نطاق
    واسع ، داخل المملكة ، في حين أدخل فيصل نجلى الملك فهد المصحات
    لمعالجته من الإدمان
    على المخدرات ، كما مات الأمير ناصر بن عبد العزيز ، والأمير عبد المحسن أمير الرياض ، نتيجة إدمانهما الكحول ، وهو ما أدى إلى إقالة الأمير فواز من إمارة مكة ، بعد انتفاضة الحرم عام 1979 ، بسبب
    شدة إدمانه للكحول
    ، لكن ، ذلك لم
    يحول دون يُشاهد وزير الإسكان
    مُتعب بن عبد العزيز ، بعد قيامه من صلاة المغرب ، وهو يترنح من
    شدة السُكر ، أو أن
    يقضى الأمير عبد الله –قبل توليه المُلكأفضل ساعاته عبر كؤوس الخمر وألعاب البلياردو في أندية
    (كازابلانكا) الليلية ، بالمغرب
    ، ما أدى إلى شيوع
    الاتجار بالمخدرات والخمور
    بين الصف الثاني من الأمراء والأميرات ، وهو ما كشفته
    حادثة الأمير مشهور بن الملك
    سعود داخل بريطانيا [25] ، في العام 1985 .


    وربما كان لشيوع هذا النمط
    المخيف من الاتجار
    غير المشروع في أوساط العائلة الحاكمة أن يسارع أقطابها إلى تبرير مقتل الملك فيصل ، في العام 1975 ، من قِبل الأمير الشاب فيصل بن مساعد بن عبد
    العزيز ، بوقوع الأخير
    في براثن الإدمان ، للمخدرات والكحول ، وهو ما برأه فيه زملاء الأمير وأساتذته السابقين في جامعة كلورادو ، بحسب ما ذكرته مجلة نيوزويك ، بتاريخه
    السابع من أبريل
    من العام 1975 ، حيث وصفوه بأنه مسلم تقي وسياسي معتدل ، وليس مصاباً
    بعقله ، كما زعم ، في
    حين وصفه أستاذه ادوارد رزق بالتواضع والاحتشام ، وانه لم يتصرف أبداً على أنه من أفراد الأسرة الملكية ، بحسب ما ذكرت صحيفة السفير اللبنانية ، بتاريخ
    السابع والعشرون من
    مارس ، من العام 1975 ، بينما عز فهد القحطانى حادث الاغتيال إلى
    مناوئة الأمير الشاب
    لحكم العائلة ، بوصفها مصدراً للتخلف من ناحية ، وإلى الانتقام
    من مقتل الملك فيصل
    لأخيه خالد ، في العام 1966 ، حينما حاول الأخير إثارة المعارضة ضد فساد
    برامج التليفزيون
    السعودي [26] ، وهو ما حدا بصحيفة (سيفنكاراك بلادن) اليومية السويسرية ، والصادرة بتاريخ 2/4/1978 أن تكتب تحت عنوان: " في البلاد التي تزعم أن القرآن قانونها " .. " إن الحكام السعوديين يتحدثون اليوم كثيراً عن موضوع ضرورة
    الحفاظ على
    التقاليد القديمة ، وعدم الاختلاط بالمجتمع الغربي خشية تأثير ذلك
    المجتمع بأفكاره
    الجديدة على بلادهم " إلا أنها تشير إلى " أن لهذا البلد نقطتين ، نقطة قوة ونقطة ضعف ، فنقطة القوة هي
    الثراء المالي الكبير
    الذي حصل بصورة مفاجئة بسبب النفط. أما نقطة الضعف فهي اعتماد بلادهم على الخبرة الأوربية الصناعية
    للبناء والتصنيع . وأن
    ذلك الأمر سيجلب معه بالتأكيد تأثيراً غربياً " ، وتضيف : " إن الأخلاقية السائدة في السعودية هي أخلاقية
    مزدوجة ، ففي الوقت
    الذي يحرم فيه على العامة تعاطي المشروبات ، فإن بيوت الأمراء تتوفر فيها أنواع المشروبات والأفلام الداعرة ،
    بالإضافة إلى ذلك فإن
    زوجات أولئك الأمراء يلبسن آخر موديلات أوربا " ، إلا أن الصحيفة الأوربية لم تحاول توظيف المسلك
    السعودي ، في هذا الشأن
    ، للتشهير بالدين
    الإسلامي ، الذي اعتبرت
    أنه "يختلف كلياً عن الواقع السعودي ، فهو دين يقوم على التسامح والتعاطف والمساواة في المسئوليات والحقوق".


    لذا ، كان من أكبر مهام سفراء
    آل سعود في عواصم
    العالم شراء ذمم الإعلاميين والصحفيين في هذه العواصم ، وهو ما شجع عدد آخر منهم لممارسة ابتزاز العائلة
    ، عبر اللجوء إلى
    وسائل التشهير الدوري ، على حد ما شهده السوق الصحفية في لندن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، وذلك من
    خلال بعض من مقالات
    صاحب مجلة الحوادث اللبنانية السابق سليم اللوزى ، إلى جانب
    النشرات والمحلات المغمورة
    مثل " الشرق الجديد " و(البلورات السحرية) و(المطرقة) ! .


    وكانت جريدة الجمهورية
    المصرية الصادرة بتاريخ
    17/3/1978
    ، قد نقلت –أيضاً– عن جريدة الجزيرة
    جانباً من مذكرات صاحب دار الصياد اللبنانية سعيد فريحة أن مؤسسته
    أقيمت بتبرع من وزير
    الدفاع الحالي الأمير سلطان بن عبد العزيز ، وذلك بقيمة خمسين ألف ليرة لبنانية ، وهو ما تم ، فيما بعد ، للصحف والمجلات التي صدرت ، في أوربا ، مثل
    التضامن والمجلة
    والشرق الأوسط وسيدتي ، خلال ثمانينيات القرن العشرين .


    بيد أن الإنفاق السعودي السخي
    على الإعلام ، غير
    السعودي ، كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات في مصر ، عبر الملياردير
    ورجال الأعمال السعودي
    حسن الشربتلى ، الذي أقام في القاهرة على أثر انهيار الوحدة
    المصرية السورية ، في
    العام 1961 ، واستطاع خلال أشهر قليلة أن يجمع من حوله عشرات
    الصحفيين والأدباء
    المصريين ، إلى حد تدبيح القصائد في شخصه ، من بينها ما نشرته مجلة روز اليوسف ، تحت عنوان " أمير المحسنين " (!) ، وما إلى ذلك من كتابات تفيض
    بحمد آل سعود ، وهو ما
    دعا المعارض السعودي المقيم في القاهرة ، آنذاك ، عبد
    الرحمن ناصر الشمرانى ، للتنديد
    بهذا المسلك الإعلامي ، في رسالة وجهها إلى الرئيس عبد الناصر ، أرفق بها جانباً من هذه الكتابات ، فما
    كان من الأخير إلا
    أن أمر بوقف هذه المهزلة ، وأجبر الشربتلى على مغادرة مصر ، بعد
    أن حاول رشوة عبد الناصر
    [27] نفسه ! .


    ويذهب الشمرانى إلى القول بأن
    إخفاق مهمة الشربتلى
    في القاهرة قد دفعت بآل سعود –وبتخطيط من المخابرات الأمريكية– للدفع ببعض الأمراء إلى مصر ، تحت اسم
    "الأمراء الأحرار
    " ،
    بدعوى التخطيط لثورة ضد الملك سعود ،
    بينما كانت غايتهم تغيير رسالة البرنامج الإذاعي ، المعادى لآل
    سعود ، وهو "أعداء
    الله" ، والذي كان يتولى إعداده مجموعة من المعارضين السعوديين
    ، ومنهم الشمرانى
    ، بقيادة ناصر
    السعيد ، حيث تضمنت مطالب
    هؤلاء الأمراء –بحسب ما يذكر الشمرانىألا يمس البرنامج العلاقة السعودية بالأمريكان ، وخاصة شركة أرامكو ، إلى جانب وقف الدعايات المعادية للعائلة ومؤسس حكمها عبد العزيز ، وهو ما رفض عبد الناصر الاستجابة لها [28] ، في ضوء مقاومة المجموعة المسئولة عن هذا البرنامج .


    ولكن ، يبدو أن العلاقة الوثيقة التي جمعت آل سعود بأحد القيادات السياسية المهمة في مصر، منذ وقت مبكر ، وهو أنور السادات ، كانت هي المفتاح السحري
    الذي شرع أبواب
    مصر كلية أمام العائلة السعودية ، بعد أن دانت للسادات مقاليد
    السلطة ، بعد سنوات
    من الإخفاقات السعودية المتتالية ، في هذا البلد ، حيث يظهر مقال كتبه القائمقام أنور السادات بمجلة
    الهلال المصرية بتاريخ
    أول مارس 1956 ، بعنوان "صقر الجزيرة سعود" طبيعة تلك العلاقة البعيدة ، والتي أتاحت لآل سعود صناعة شيكات
    ولاء واسعة لهم في
    الأوساط الإعلامية والسياسية ، ناهيك عن إفساح المجال لاستعادة
    الزخم القديم لجماعة
    الإخوان ، وما صاحب نشاطها من صعود لحركات جديدة للإسلام السياسي
    ، استمدت مرجعيتها
    من الإرث الوهابي السعودي ، فشاعت قيم التحريم الوهابية للآداب
    والفنون ، ومناوئة كل
    تجديد حضاري في عموم العالم الإسلامي ، مقابل الإعلاء من شأن التعاليم الوهابية ، التي صارت المعبر الأصيل عن الإسلام النقي ، في ظل هيمنة
    أصحابها على مقدساته ، وحراسه
    من آل سعود .


    المصادر


    1 – خير الدين الزركلى : شبه
    الجزيرة العربية فى
    عهد الملك عبد العزيز ، دار القلم ، بيروت 1970 .


    2 – فهد القحطانى : صراع
    الأجنحة في العائلة السعودية
    المالكة ، دراسة في النظام السياسي وما أسسته الدولة ، الصفا للنشر والتوزيع ، لندن 1988 ، ط1 .


    3 – ابن خلدون : مقدمة ابن خلدون ، المكتبة
    التجارية
    الكبرى بمصر .


    4 – أنور عبد الله : البترول
    والأخلاق ، طبعة خاصة
    ، تينمل ، مراكش
    1993
    .


    5 – جلال كشك : السعوديون والحل
    الإسلامي ، القاهرة
    ، ط2 .


    6 – عبد الرحمن ناصر الشمرانى ،
    مملكة الفضائح
    ، أسرار القصور
    الملكية السعودية ، دار
    الإنسان ، بيروت 1988 ، ط1 .


    7 – محمد عبد الجواد محمد :
    التطور التشريعي في المملكة
    العربية السعودية ، مطبعة جامعة القاهرة 1977 .


    (*) خبير بمركز
    يافا للدراسات والأبحاث
    .


    * مسئول فرنسي
    ، أدلى بهذا التصريح في أعقاب
    انتصار بلاده ، ضمن جبهة الحلفاء ، على جبهة المحور ، فى الحرب العالمية الثانية ، والتصريح نقلاً عن : خير الدين الزركلى ، شبه الجزيرة
    العربية في عهد الملك عبد
    العزيز ، ص 691 [1] فهد
    القحطانى : صراع
    الأجنحة في العائلة السعودية المالكة ، ص 8 .


    [2] المصدر السابق ، ص 23
    ،
    24 (بتصرف) .


    [3] المقدمة ، ابن خلدون ، ص 516 .


    [4] فهد القحطانى ، مصدر سابق ، ص 23 .


    [5] أنور عبد الله : البترول والأخلاق ، ص 25 ، 26
    (بتصرف
    ) .


    [6] المصدر السابق ، ص 26 (بتصرف) .


    [7] فهد القحطانى ، مصدر سابق ، ص 25 .


    [8] المصدر السابق ص 25 ، 26 .


    [9] المصدر السابق ص 27 ، 28 .


    [10] أنور عبد الله ، مصدر سابق ، ص 36 ، 37 .


    [11] فهد القحطانى ، مصدر سابق ، ص 302 و 303 ،
    وانظر ، كذلك ، جلال كشك
    ، السعوديون والحل
    الإسلامي ، ص126 ، وص510
    "الحاشية" .


    [12] فهد القحطانى ، مصدر سابق ، ص 305 ، 306 .


    [13] خير الدين الزركلى ، مصدر سابق ، المجلد الثاني ، ص 485 .


    [14] فهد القحطانى ، مصدر سابق ، ص 307 .


    [15] المصدر السابق ، ص 307


    [16] المصدر السابق ، ص 309 .


    [17] عبد الرحمن ناصر
    الشمرانى
    ، مملكة الفضائح ، ص 291 ، 292 .


    [18] فهد القحطانى ، مصدر سابق ، ص 523 ، 524 .


    [19] المصدر السابق ، ص 525
    ،
    526 .


    [20] محمد عبد الجواد محمد : التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية ، ص 65 .


    [21] مجلة الجزيرة الجديدة ، الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الشعبي بالسعودية (عدد 7) 1974 .


    [22] مجلة الجزيرة الحرة (عدد Cool مارس 1984 .


    [23] المصدر السابق ، عدد (9) ،
    يونيه 1984
    .


    [24] عبد الرحمن ناصر
    الشمرانى
    ، مصدر سابق ، ص 183 ، 184 ، 186 ، 187 .


    [25] فهد القحطانى ، مصدر سابق ، ص 171 ، 172 ،
    173 ، 174
    .


    [26] المصدر السابق ، ص 150 .


    [27] عبد الرحمن ناصر
    الشمرانى
    ، مصدر سابق ، ص 333 – 337 .


    [28] المصدر السابق ، ص 337 .


    القبيلة والدولة


    الدولة فوق
    القبيلة و الشريعة فوق العُرف، حتى
    في الجاهلية لم تقم حرب بين
    قبيلتين بسبب
    الشعر، وأن الخليفة العادل
    عمر بن الخطاب
    رضي الله عنه لم يقتل الحطيئة
    بسبب الشعر
    بل إنه اشترى منه أعراض
    المسلمين بالمال،
    و شعراء القبائل في (الجاهلية
    الثانية
    ) في الجزيرة العربية كانوا يمتدحون خصومهم قبل
    امتداح قبائلهم، وأعرف أن جريراً الشاعر
    قد
    هاجى الفرزدق عمراً طويلاً ولما توفي
    خصمه
    اللدود ذهب إلى قوم الفرزدق بني تميم
    وقال
    معزياً بفقدان خصمه
    :


    لعمري لقد
    أضنى تميما وهدها



    على نكبات الدهر
    موت الفرزدق



    فتى عاش يبني
    القول تسعين حجة



    وكان إلى
    العلياء والمجد يرتقي



    هذا ما كان
    يحدث في السابق أما اليوم فإننا نرى
    أن ضابطاً يقتل صحفية بسبب
    القبيلة، وكذلك
    قام صحفي بتأليب قبيلته
    (المعاصرة) لضرب
    زميل له بسبب خلاف ثقافي،
    وكذلك قامت قبيلة
    في إحدى الدول المجاورة
    بتحطيم ممتلكات
    إحدى المحطات الفضائية بسبب
    مثل عفوي قاله
    ممثل وبثته تلك الفضائية،
    وبالأمس القريب
    تناقلت الهواتف الجوالة عبر
    البلوتوث صورة
    محزنة لشاب ينزف دماً وهو
    يقبّل الحذاء
    ويهتف باسم قبيلة أخرى قيل
    إنه قد هجاها
    في حفلة عرس عبر (قلطة) أو
    مساجلة شعرية
    جرت بينه وبين شاعر القبيلة
    التي قام بعض
    أفرادها بالاعتداء عليه حتى
    الموت وكان
    يتوسل المعتدين أن ينقذوه
    وكانوا يمطرونه
    بالسباب وقيل ان
    أفراداً من قبيلة الشاعر
    المغدور به قد قاموا بمثل ذلك
    للشاعر الآخر
    من القبيلة الأخرى.



    العرب والعجم


    هذه المقالة وسلسلة
    ستعقبها كلها امتداد لسابقتها الأولى،
    وهي
    تدور حول العصبية القبلية في وسط الجزيرة
    وسريان
    هذه النعرة حتى عند فئات لا تنتمي
    إلى قبائل وجدت في عصبيتها
    الإقليمية تعويضاً
    عما فقدته. يدفعني لهذا
    التوضيح ما قد يبدو
    للقارئ أنها مقالات لم تكتمل
    أفكارها،
    فضيق المساحة وسياسة الصحيفة لا تسمح
    بنشرها
    سلسلة تحت عنوان واحد.


    قبل عشرين عاماً
    قرأت كتاب ‘’اقتضاء الصراط المستقيم
    مخالفة أصحاب الجحيم’’ لابن
    تيمية، وكما
    حصل مع محقق الكتاب حامد
    الفقي وشعوره بتناقضات
    المؤلف، فقد اعترتني أنا
    الحيرةُ، حيث
    تداخلت القواعد وتلاشت الحدود
    بين الضوابط
    التي كان ابن تيمية يسعى
    جاهداً لترسيخها
    عبر مئات الصفحات. فالتشبه
    المحرم بالكفار
    في لباسهم وعاداتهم ومحاكاتهم
    في اللغة
    أو الألفاظ، توسعت تطبيقاته عند من نقل الشيخ
    عنهم من المحدثين والفقهاء، حتى
    دخل المسلمون من(العجم) وغير
    العرب في حكم
    الفئة التي يتحتم تمايز
    المسلم عنها، وكما
    هي عادته في الاستطراد
    واستعرض آراء الفقهاء
    فقد ينقض ذيل أحد أبحاثه في
    الكتاب ما قرره
    في صدره، وأبقت عندي أسئلة
    كثيرة لم يشفها
    عشرات الأسئلة التي وجهتها
    إلى بعض مشايخي
    وآخرين من طلبة العلم.


    وجاءت قصة
    طريفة أخرى حدثني بها أحدهم قبل سنوات
    لتحملني
    على الحفر بشكل أعمق عن مصادر تلك
    الآراء المتطرفة والعنصرية
    التي لم تستثن
    حتى أسماء لم تعتد عليها
    مسامعهم فبدت لهم
    مثيرة للسخرية. فقد زارت
    مجموعة من أهل
    الطائف قبل سنوات عضواً في
    هيئة كبار العلماء
    وذكر أحدهم للشيخ أن اسمه
    (صفا خان)، فقال
    الشيخ: ‘’فصااا خان’’!...
    ‘’فصااا خان
    ’’! لماذا لا تغير اسمك؟ ولكن الضيف لم يسكت فانهال
    على الشيخ الذي لزم الصمت يوبخه
    ويذكِّره بخلق الرسول وسمت
    العلماء
    .


    هذه القصة لا
    تمنحنا الصورة الحقيقية لمجتمع تختلف
    درجات
    الوعي والثقافة بين أفراده، ولكنها
    تعطي مؤشراً مخيفاً: أن مثل
    هذه الانطباعات
    الشخصية قد تعكس هيمنتها في
    فتاوى أشخاص
    في هرم المؤسسة الدينية عاشوا
    معزولين
    في مجتمعاتهم الصغيرة ردَحاً من حياتهم، ثم
    انفردوا بالفتوى على أسئلة المتصلين
    من أنحاء العالم، وظهر أثرها
    أيضاً في الأحكام
    التي يصدرها القضاة مثلما وقع
    في قصة التفريق
    بين الزوجين سالفي الذكر (في
    مقال الأسبوع
    الماضي) بحكم أن العُرْفَ
    محكَّمٌ، مثلما
    ورد في صك الحكم القضائي،
    وكما أكده رأي
    القاضي بالمحكمة الكبرى في
    الرياض إبراهيم
    الخضيري في تعليقه المؤيد
    لحكم التفريق
    نفسه في تليفزيون الإخبارية
    السعودية رمضان
    الماضي. وقد دعا بكر أبو زيد
    القاضي السابق
    وعضو هيئة كبار علماء في
    السعودية العام
    2000 إلى تطهير جزيرة العرب ممن وصفهم بالعجم والعلوج[1]
    مشدداً على ‘’سد منافذ تهجين
    العرق العربي لتبقى السلالة
    العربية صافية
    سالمة من سحنة الأذايا
    والبلايا[2
    ]’’.


    إن العلاقة المعقدة
    بين عرب الصحراء وبين أبناء الشعوب
    الأخرى موغلة في القدم، لكنها
    اتخذت صبغة
    دينية مع الخليفة الثاني عمر
    بن الخطاب
    لمكانته بين المسلمين وتأثيره العميق في التشريع
    الإسلامي حتى اليوم، وذلك عبر
    إجراءات أمضاها تحد من كثرة
    توافد أبناء
    الفرس والشعوب التي اعتنقت
    الإسلام في
    عهد الفتوحات إلى الحجاز مركز
    السلطة الروحية
    والسياسية وقتها. وخشية تأثير
    ثقافة أبناء
    الحضارة الفارسية، اعتمد
    الخليفة عمر إجراءات
    صارمة في الملابس والعادات
    تقلص من مظاهر
    ذلك التأثير الكاسح، وفي
    وصاياه للجيوش
    الفاتحه ما يثبت ذلك حين
    يوصيهم بالمعدِّيَّة[3
    ] وبلغ الأمر غايته حين كان
    يتولى بنفسه ضرب
    الجواري اللواتي يلبسن كما
    تلبس الحرائر
    من نساء عرب المدينة. لكن
    التأثير الفارسي
    الثقافي تعاظم بعد ذلك ليبلغ
    شتى مناحي
    الحضارة الإسلامية، ويضع بصمته على
    الفلسفة
    والفنون والآداب وعلوم القرآن، ولم يكن مستغرباً
    أن يلقى الخليفة عمر حتفه على
    يد نجار فارسي لايزال الشيعة
    الإيرانيون
    حتى اليوم يحيطون مثواه
    الرمزي في إيران
    بهالة من التقديس[4].


    وعمر شأنه
    شأن المؤسسين الكبار للأمم لم يجد
    بداً من أن يستنسخ من الحضارة
    الفارسية
    المندحرة عسكرياً معظم التراتيب الإدارية في
    تسيير شؤون الدولة وديوان الجند وغيره،
    وغصَّت
    إثر ذلك دواوين الخلفاء والأمراء
    بالكتاب من أبناء فارس، وما هو
    أكثر إدهاشاً
    أن تتضامن نفرته من ‘’العلوج
    والأعاجم
    ’’ أمام سالم مولى أبي حذيفة[5] وهو من أهل
    ‘’اصطخر
    ’’ الفارسية، وقد كان سالم يتمتع بمكانة
    خاصة
    عند الرسول ولدى سيده أبي حذيفة، بدأتْ مبكراً
    من سنوات مراهقته وكانت الرغبة
    عارمة في إدماجه بالمكيين
    القرشيين ليكون
    بَضْعة منهم إلى حد إذن
    الرسول لزوجة أبي
    حذيفة بإرضاعه من حليبها بعد
    أن ظهر شعر
    لحيته. وبعض أزواج الرسول
    اعتبرن ذلك خاصاً
    بسالم من دون الناس.


    فالمشكلة التي
    كان يواجهها بيت أبي حذيفة من وجود
    رقيق أو خدم يكثر اختلاطهم
    بمحارم أسيادهم
    تعاني منها معظم البيوت في
    المدينة وغيرها
    وخصوصاً عند ذوي القدرة
    المالية منهم،
    ولكن السنة النبوية لم تنقل
    لنا وقائع أخرى
    تسامح فيها الرسول كما حصل مع
    سالم
    .


    عدم التكافؤ في
    النسب
    :


    الدين هو الأساس.. ورئيس
    محاكم جازان: الفسخ حكم
    متعجرف


    النسب يهدم بيت فاطمة



    هدم عدم تكافؤ النسب منزل المواطنة فاطمة التي تقبع في سجن الدمام برفقة طفليها بعد
    تطليقها من
    زوجها منصور
    التيماني
    عقب ان فرق
    بينهما حكم قضائي اصدرته محكمة
    الجوف.
    ففي الوقت الذي رفعت فيه قضية خلع فاطمة من زوجها الى محكمة التمييز في الرياض للنظر فيها فان قضية الطلاق لعدم التكافؤ تنهض بصورة محمومة وساخنة وترمى بثقلها في حياة
    الازواج
    من ضحايا عدم(التكافؤ
    ) وتجهز على
    حمائم السعادة بسهام قاتلة مما
    يؤدي الى تشتيت الاسر وعصف رياح
    “التفريق” بالاطفال وكان
    رئيس محاكم منطقة جازان الشيخ
    عبدالرحمن
    الغزي قد
    وصف الفسخ
    لعدم التكافؤ بـ«التعجرف» ونفى
    في نفس الوقت ان يكون
    للقضاة
    اجتهادات شخصية
    في اصدار الحكم بالفسخ من عدمه بل يعود ذلك لاعتمادهم على
    بعض
    اقوال اهل العلم
    وكشف عن اجتماعات تعقدها هيئة كبار العلماء لبحث المسألة من جوانب فقهية واجتماعية وهي لا تزال مستمرة ولم يصدر عنها بيان او حكم شرعي الامر
    الذي
    يدعو القضاة للتوقف
    عن اصدار الاحكام في قضايا التكافؤ لحين الوقوف على حكم تقره الهيئة وقال الداعية الشيخ الدكتور فهد الخليف ان القاضي حينما يحكم بالطلاق لعدم تكافؤ النسب لا يرتكب خطيئة وانما يراعي اعرافا اجتماعية سائدة لا تتغير.

    (
    تفاصيل
    راجع
    باب قضية
    للنقاش
    ) http://www.okaz.
    com.sa/okaz/ osf/20061006/ Con2006100653110 .htm



    التيماني: أرفض إيداع طفلي دار الحضانة


    بعد تطليقها ..رفع قضية فاطمة للتمييز






    محمد العنزي
    (الدمام
    )


    تم رفع قضية طلاق مواطنة سعودية من زوجها لعدم تكافؤ النسب الى محكمة التمييز
    بالرياض للنظر
    فيها.
    الزوج
    منصور
    التيماني
    اعرب لـ «عكاظ الاسبوعية» عن
    تفاؤله بأن هذه الخطوة
    ستثمر
    عن اعادة زوجته
    وطفله وطفلته اليه بعد ان فرق شملهم حكم قضائي اصدرته محكمة بالجوف.وأشار الى انه رفع أوراق القضية كاملة مبينا ان عقد قرانه كان على زوجته بعقد شرعي وولاية والدها وشهادة احد اخوانها في محكمة سعودية وليس في محكمة بحرينية كما ذكرت بعض وسائل الاعلام.. ولديه صك شرعي يثبت ذلك.
    وأبان
    بانه لم
    يتم ابلاغه رسميا بحكم الخلع الصادر غيابيا الا مؤخرا.
    ومع
    ذلك تمت
    محاسبته
    وزوجته
    «المخلوعة» على ذهابهما سويا الى جدة لمدة
    اسبوع لشرح قضيتهما للمسؤولين
    هناك. وقال ان زوجته نزيلة الآن بسجن
    الدمام وبرفقتها
    طفلاهما سليمان «9 أشهر» ونهى «سنتان
    وثلاثة اشهر» وهناك تحرك من
    قبل الشؤون الاجتماعية
    لايداع الطفلين في دار للحضانة
    بحجة
    عدم ملاءمة السجن
    لهما مضيفا انه يرفض بشدة ايداع طفليه بدار الحضانة.

    الحكم
    الجائر

    وفي
    قضية «منصور
    وفاطمة» اختتم قاضي محكمة الجوف
    الذي نظر في قضيتهما الصك
    الشرعي الذي ما زالت
    تداعياته تتفاعل على اكثر من صعيد
    بقوله:«حكمت بفسخ عقد نكاح المدعى
    عليه من المرأة
    .... وعليها
    العدة الشرعية حسب
    حالها
    اعتبارا من تاريخ
    الحكم ويشمل هذا الحكم التنفيذ المعجل بحيث يفارق المدعى
    عليه
    المرأة
    »!!
    وعندما
    رفض الزوجان
    الانفصال المعجل وحاولا استئناف الحكم تمت ملاحقتهما في اكثر من منطقة وقبض
    عليهما بمدينة جدة
    وووجها بتهمة «الخلوة غير
    الشرعية»
    ليزج بالمرأة
    في اصلاحية الدمام.. فيما خرج الزوج بكفالة ليواصل محاولاته اعادة لملمة شتات اسرته. http://www.okaz.
    com.sa/okaz/ osf/20061006/ Con2006100653101 .htm



    الشيخ ابن باز: استقامة الدين هي الأصل


    لا تمايز بين الناس.. والرسول
    والصحابة لا يبالون
    بأمر النسب






    عبدالمحسن الحارثي (الرياض)


    افتى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله- بجواز نكاح الانسان من غير قبيلته
    اذا استقام
    الدين وفي ما يلي نص فتوى
    سماحته
    :
    أجمع
    علماء الاسلام
    على جواز زواج الرجل من
    امرأة
    من غير قبيلته
    -اذا اتحد
    الدين- واجمعوا ايضا على جواز
    نكاح المسلم للمحصنة
    من
    اهل الكتاب -ولو
    كانت من غير العرب. والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وعمل سلف الامة كثيرة منها قوله تعالى: (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير[fo
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:37 pm

    حكم (القبيلة) يطلق الجنوبية من الشمالي






    صالح الفهيد
    (الدمام
    )


    يروى (م. ف) خمسون عاماً تجربة والده
    الخاصة مع الطلاق بداعي
    عدم تكافؤ النسب قائلاً: قبل نحو
    خمسين عاماً ذهب والدي يرحمه
    الله من مدينته الشمالية
    الى جنوب المملكة في مهمة عمل
    رسمية
    .. وهناك تعرف
    على احدى الاسر وما لبث ان طلب الزواج من احدى كريمات هذه الاسرة التي وافقت لمعرفتهم التامة به وباخلاقه العالية .. وتم الزواج .. واثمر عن
    مولود
    ذكر (هو انا) وبينما
    كانت الاسرة تعيش حياة سعيدة جاء احد الوشاة ليقول للاسرة الجنوبية ان من صاهرتموه ليس (قبيلياً)!!
    ويضيف:
    على الفور
    طلبت اسرة والدتي تطليق ابنتهم .. والا فان الوعد هو المحكمة الشرعية .. فلم يجد
    والدي من
    خيار سوى تطليق والدتي .. رغم الحب والانسجام الذي كان يظلل حياتهما الزوجية ويختتم حديثه بالقول: عندما انفصل والديّ عن بعضهما لم اكن ادرك ما حدث .. وبعد ان كبرت .. سألت والدي .. وقلت له لماذا طلقت والدتي؟ فقال: لم اكن راغبا في طلاق امك ..
    ولكن
    كانت هذه رغبة اخوالك !!
    فعدت
    وسألته
    ولكن لماذا
    طلب اخوالي تطليق والدتي منك؟
    فقال: لانهم يقولون انني (صانع) اي غير قبيلي .. واخوالك من قبيلة كبيرة.



    http://www.okaz.
    com.sa/okaz/ osf/20061006/ Con2006100653103 .htm



    رئيس محاكم جازان:


    فسخ النكاح لعدم التكافؤ تعجرف






    احمد الاحمدي
    (جازان
    )


    رئيس محاكم منطقة جازان الشيخ عبدالرحمن الغزي قال انه لم يصدر من محاكم المنطقة
    أو منه حكم
    بفسخ عقد النكاح لعدم تكافؤ
    النسب بين الزوجين
    وانما يلجأ للصلح بين الطرفين
    والتوفيق
    بينهما على
    البقاء.. ويرى ان التكافؤ بين الزوجين يتم في الدين والأخلاق والمعاملة الحسنة فيما وصف الفسخ لعدم تكافؤ النسب بـ«التعجرف».
    ونفى
    ان يكون
    للقضاة اجتهادات شخصية في
    اصدار الحكم بالفسخ
    من عدمه بل يعود ذلك لاعتمادهم على
    بعض أقوال أهل العلم مشيرا
    الى ان القاضي الذي
    يصدر حكما بالفسخ لا يحق لرئيس
    المحاكم
    التدخل في
    حكمه.
    وكشف
    عن اجتماعات
    تعقدها هيئة كبار العلماء لبحث
    المسألة
    من جوانب فقهية
    واجتماعية وهي ما زالت مستمرة ولم يصدر عنها بيان أو حكم
    شرعي
    وهذا ما يدعو القضاة
    للتوقف عن اصدار الاحكام في قضايا التكافؤ لحين الوقوف على حكم تقره الهيئة، وقال: «لو وردت إليّ قضية في تكافؤ النسب فإني أتوقف عن اصدار الحكم حتى تتضح رؤية الهيئة أو أصل لقناعة».



    http://www.okaz.
    com.sa/okaz/ osf/20061006/ Con2006100653100 .htm





    طلاق عدم التكافؤ تفريق تعسفي
    وهدم
    لاستقرار الأسروصمة تطارد أجيالنا






    خالد
    الشلاحي
    (المدينة
    المنورة) مفرح الرشيدي (حائل) عارف
    العضيلة (القصيم) هاني اللحياني
    (مكة المكرمة) عبدالرحمن القرني
    (أبها) فاطمة باسماعيل
    (
    الرياض) محمد عضيب (الدمام)تصوير:سامي الغامدي،صالح باهبري


    من خلف عباءة الاعراف والتقاليد وعتمة الحياة الاجتماعية تنهض قضية الطلاق لعدم تكافؤ
    النسب
    بصورة محمومة وساخنة مثل نهارات الصيف
    الحارقة... قضية شائكة
    ترمي بثقلها على حياة
    الأزواج
    من ضحايا عدم
    «التكافؤ»
    وتجهز على حمائم السعادة بسهام
    قاتلة فيهطل مطر
    الحزن
    على العش الوردي
    وتعصف رياح التفريق وانفصام عرى الحياة الزوجية بالاطفال،
    وبعيدا
    عن المنظور
    الديني في هذه المسألة فإن السؤال الذي يرفع «عقيرته» باحثا عن
    اجابات
    شافية يتمثل
    في ماهية الاسباب التي تقف وراء اشتعال فتيل عدم التكافؤ وهل
    لأهل
    الزوج أو الزوجة
    الحق في فصم عرى الحياة الزوجية بين الشركاء.
    انطلاقا
    من
    تنسيق جمعية حقوق الانسان مع
    وزارتي العدل والشؤون
    الاجتماعية لاجراء دراسة متكاملة
    عن امكانية اعادة النظر في
    بعض الاحكام المتعلقة
    بالطلاق لعدم تكافؤ النسب، فإن طرح
    مثل هذه القضية من الأهمية
    بمكان خاصة ان هناك
    حالات طلاق وقعت نتيجة لعدم التكافؤ
    في النسب.
    وفي
    سياق هذه
    القضية فإن
    للشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه
    الله- فتوى ذكر
    فيها
    ان الرسول صلى
    الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم لم يكونوا يبالون بأمر النسب اذا استقام أمر الدين.
    وتواصلا
    مع قضية
    عدم التكافؤ
    يتحدث عدد من أهل
    الرأي حيث
    يدلي كل منهم
    برأيه في شفافية مطلقة عابرين حواجز الاعراف والتقاليد بمرئيات تضع النقاط فوق الحروف.

    مأساة
    أبو محمد

    ثمة
    حالات كثيرة
    للطلاق لعدم التكافؤ تشرئب في افق
    الحياة ومنها قصة
    أبو محمد الذي لديه خمس بنات أصغرهن في
    مستهل دراستها الجامعية ورغم
    تقدم العمر ببناته
    الا ان أيا من ابناء عمومتهن أو
    أخوالهن
    لم يطرق بابه
    لطلب يد واحدة من بناته وعندها اشتكى همه لإمام المسجد فرشح له احد الشباب من اصحاب الاخلاق العالية ولكنه بين له ان العريس ليس «قبيليا» ولكنه على خلق ودين وفعلا تقدم الشاب ووافقت عليه البنت وابتسمت حياتهما الزوجية بالسعادة
    ولكن
    ظل أخوة والدالبنت
    يطاردونه ويقفون له بالمرصاد لكي يطلق ابنته من ذلك الرجل
    ولكن
    رفض الأب الانصياع
    لهم وبعد فترة تقدم زميل لزوج البنت الأولى واقترن باحدى شقيقاتها وهكذا تواصلت قطيعة الأسرة للأب وبناته وفي خضم هكذا قطيعة تقدم احد ابناء
    إخوة
    الأب للزواج من
    احدى بنات عمه فوافقت البنت ولكن لم يكن هو الرجل الذي تمنته الزوجة.
    يقول
    الأب انه
    لا يؤمن
    بالاعراف والتقاليد وهو يزوج بناته
    لمن يرتضي دينه وخلقه.
    وفي
    قصة مغايرة
    تكررت مع وداد التي تزوجت شابا وقف أهله في طريقه وبعد ان انجبت بنتا عادت الى بيت أهلها وهي تحمل لقب مطلقة بسبب عدم
    التكافؤ في
    النسب.

    قصة
    موجعة

    غير
    ان ماجدة
    تعيش قصة
    اخرى موجعة حيث ان والدتها
    ارتبطت بوالدها على غير رغبة
    أسرتها وفي نهاية
    المطاف تنكر لها وكان يعايرها دوما
    بأنها ما قبلت الزواج منه الا
    لانه لم يتقدم لها
    عريس من أفراد قبيلتها.
    أبو زهير من الجنوب قال انه اقترن بزوجة من الجنسية البرماوية لسبب واحد هو أنه عندما
    تقدم
    لطلب يد احدى بنات
    قبيلته طالبوه بمائة ألف ريال فيما راتبه لا يزيد عن 2000 ريال ولا يملك السكن لذا عرض عليه احد ابناء قريته ممن عاش التجربة الى ان يتزوج من فتاة من الجنسية البرماوية حيث كلف الزواج بما فيه المهر والحفلة 9000 آلاف ريال وقد قدمت له فوق ذلك هدية عبارة عن لباس كامل وقال ان الظروف ساهمت
    في ان يعيش
    الواقع وان يتكيف والحمد لله
    أنا سعيد في زواجي
    فرغم عدم تكافؤ النسب الا ان حفظ
    زوجتي لكتاب الله جعلها عندي
    مفضلة، مؤكدا على
    ان كثيرا من اصحاب الرواتب المتدنية
    تزوجوا بزوجة غير متكافئة من
    حيث النسب بسبب الظروف
    المادية.
    فيما
    يحكي احد
    المواطنين قصة فتاة تزوجت من رجل
    قبل سنوات عدة وأنجبت
    منه طفلين وترفض التفريط في
    زوجها
    الذي يراه أهلها
    غير الكفء في النسب وانه جلب لهم الكثير من التحقير و«المعايرة» من أقاربهم وبحجة انه أقل منهم اجتماعيا وماديا، وتم تطليقها
    بعد الضغط
    على الزوج واتخاذ
    أساليب
    التهديد بعد
    اللجوء للقضاء ولم يشفع لها
    طفلاها ولا رغبتها
    في
    مواصلة العيش مع
    زوجها بعد عشرة دامت خمس سنوات لم يتوقعوا بأن تتحول الى مأساة وطلاق بحجة واهية.

    متناقضات
    عديدة

    وفي
    سياق قضية
    عدم التكافؤ
    يقول الباحث
    الاجتماعي
    فائز الخالد
    انه من خلال بحث ورصد تاريخي واجتماعي نلاحظ ان هذا الموضوع ليس بالجديد على المجتمع بل هو متغلغل في القدم حيث نرى ان القبائل العربية قبل الاسلام وبعده كانت تجعل من الأصل درجة من درجات المكانة والتقدير الاجتماعي وفي حالة انتفاء الأصل العربي أو قلة درجته فإنه بالتبعية تقل المكانة ويظهر التميز
    جليا
    في حالات التزاوج
    حيث يكون الأصل هو المقياس الأهم والأبرز.
    واضاف
    ان هذا
    التقليد والنهج بات عرفا
    اجتماعيا سائدا بل وقويا
    لدرجة ان هناك مقولة يرددها البعض
    وهي ان «العرف أقوى من
    الشرع» وطبعا هذه المقولة
    مردودة وليست مقبولة للانسان الذي
    يفكر بعقله.
    واستطرد
    ان مسألة
    عدم التكافؤ
    تكتنفها العديد من المتناقضات
    حيث ان هذه القضية لا تظهر في
    مسألة زواج المواطن من
    جنسية اخرى لا تمنح للنسب أهمية وقد
    تكون الزوجة مجهولة النسب
    ورغم ذلك يتواصل الزواج
    بينما يفتح الزواج من مواطنة
    معروفة
    النسب والأصل
    أبواب عدم التكافؤ.
    وعن
    امكانية
    زوال مثل
    هذا العرف قال
    : انه من الصعوبة بمكان ان نستأصل عرفا مترسخا
    في النفوس
    .
    واستطرد
    ان عددا
    من الباحثين الاجتماعيين يشيرون الى «موجة» العودة الى النسب في مجتمعنا حيث بدأت تظهر
    قبل 15 عاما في الحياة الاجتماعية.

    تعميق
    الهوة

    وعلى
    الصعيد
    الاجتماعي يرى الباحث احمد


    الداعية الخليف: علينا التكيف مع الاعراف السائدة
    نائب
    رئيس جمعية
    حقوق الانسان:
    تعديل
    القوانين
    لحماية
    الاطفال

    المشكلة
    لا تظهر
    عند الزواج
    من
    اجنبية
    استاذ
    تاريخ
    : التصنيف غير
    الانساني يعمق الفجوة في المجتمع

    اسباب تاريخية وراء التقليل من شأن الآخرين
    باحث
    اجتماعي
    : النظر في
    قضيتي تفريق
    بالمحكمة
    الشرعية بالقصيم



    العقيل ان المجتمع السعودي
    يعيش العديد من
    الحالات على أصعدة مختلفة تساهم
    في تعميق الهوة
    بين افراد المجتمع في الوقت الذي
    تتطلب الامور ردم الهوة وعدم
    تجاوز الامور الشرعية
    بلا دليل عقلي او شرعي وان
    نستأصل
    الموروثات الشعبية
    التي لاقيمة لها وهي نفس الامور التي كانت تعيش فيها اوروبا في عصر الظلام.
    واضاف
    ان المحكمة
    الشرعية في القصيم تنظر في قضيتين فيهما طلب تفريق الاولى من عم احدى الزوجات رفع قضية طلبا للتفريق بين ابنة
    اخيه وزوجها
    رغم ان الاب هو من وافق على
    الزواج ولا يزال
    موافقا ومتمسكا بزوج ابنته والثانية
    لاخ غير شقيق يطالب فيها
    ايضا بالتفريق بين
    الزوجة والزوج لذات السبب رغم ان الزوج
    دخل بزوجته وهي في منزل
    زوجها ولا تزال الجلسات
    القضائية مستمرة.
    وتساءل
    العقيل
    عن ما يريده الذين يسعون
    لخراب البيوت وتصدعها
    لاسباب غير مبررة واعراف عفى عليها
    الزمن.
    ومن
    جانبه قال
    سعود رشيد
    الاخصائي النفسي: بعيدا عن حيثيات
    الحكم وملابسات الموضوع فلابد من النظر
    ايضا في الحالة
    النفسية للزوج والزوجة حال التفريق
    بينهما وهما الراغبان ببعضهما
    وهما اللذان يبنيان
    عش الزوجية على السعادة ويرزقان
    باطفال يأتي من يدعي ويطالب
    بالتفريق بين زوج وزوجته
    بداعي عدم التكافؤ بالنسب لكن
    دعونا
    نحاول تلمس الحالة
    النفسية التي سينشأ عليها الاطفال وحتى بعد الكبر اذا علموا ان
    سبب التفريق
    هو ان والدهم ليس كفؤاً لوالدتهم في النسب في مقابل ان احد اخوالهم اصحاب النسب متزوج من امرأة عربية من بلد مجاور دون ان يبحث عن النسب وهذا
    لاشك
    ان له آثار نفسية
    مدمرة ليس على الافراد بل على المجتمع.

    قضايا نادرة
    فيما
    يقول المهندس
    يحيى سيف رئيس الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية بمنطقة
    المدينة المنورة
    ان قضايا الطلاق لعدم تكافؤ النسب تظل نادرة الحدوث في المقام الاول ولكن ان وقعت فهي في نطاق ضيق ومن الصعب ادراجها ضمن
    القضايا والحالات
    الاجتماعية التي تصل لحد الظاهرة
    ولكن لحالات الطلاق
    لعدم تكافؤ النسب انعكاسات
    سلبية
    على الاسرة والابناء
    اولا والمجتمع ثانيا، حيث تؤدي لتشتت افراد الاسرة وكذلك لها اضرار نفسية على الابناء والزوجة التي غالبا هي المتضرر الاول من قضية الطلاق
    لعدم
    تكافؤ النسب حيث
    كما يقال ان الرجل لا يعيبه شيء كما ان لدينا العديد من الامثلة من الصحابة ا لذين تزوجوا ليس فقط من خارج القبيلة بل من اجناس
    والوان اخرى
    مثل سيدنا بلال بن رباح رضي
    الله عنه الذي تزوج
    بامرأة من اصول العرب، وكذلك اسامة
    بن زيد رضي الله عنه
    المعروف بانه أدم شديد
    سواد البشرة وتزوج ولم ينظر احد للون
    بشرته في تطبيق لمنهج رسول
    الله صلى الله عليه
    وسلم حين قال «من أتاكم من ترضون
    دينه وخلقه فزوجوه إلا
    تفعلوا تكن فتنة في الأرض
    وفساد كبير».
    فيما
    يقول المحامي
    والمستشار القانوني عبدالعزيز
    التويجري بانه لم يسبق
    له المرافعة في اية قضية طلاق
    تتعلق
    بعدم تكافؤ النسب،
    حيث لا تشكل هذه القضايا وان كانت موجودة في مجتمعنا ويقرها الشرع في جانب معين منه سوى نسبة ضئيلة جدا لاتكاد تذكر من جملة قضايا
    الطلاق،
    ويستطرد التويجري
    : ولكن ابرز
    مسببات حالات الطلاق بحجة عدم
    تكافؤ النسب هي «التحقير»
    والتنقيص
    من قدر احد
    الزوجين للآخر او العائلة او
    القبيلة ولكن هذه
    الامور
    لاتمنح القاضي
    رخصة بان يصدر حكما لاحد الزوجين بالطلاق وانما يتم الاخذ بجانب الوساطات وتدخل الاقارب ومحاولة الاصلاح بينهما لكي لا يعم الضرر الابناء ان
    وجدوا،
    ويضيف: فيما
    يرى غالبية اهل الرأي ورجال الدين الطلاق لعدم تكافؤ النسب هو فصل موجود في الشريعة الاسلامية ضمن ابواب الطلاق المتعددة، ولكن لم ينصح به لما له
    من
    اضرار على الاسرة
    وعلى المجتمع وانما هو يمثل طريقا للخلاص لدى حالات معينة في المجتمع.

    انعكاسات
    سلبية

    وقال
    استاذ التاريخ
    بجامعة الملك خالد الدكتور
    غيثان
    علي الجريسي
    ان الطلاق لعدم التكافؤ في النسب من الامور التي يتوجب تجاوزها لما لها من انعكاسات سلبية على الاسر وتصدع بنيان البيوت وتشريد الابناء.
    واضاف انه بعيدا عن الرصد الاكاديمي فانه توجد مسائل مشابهة بين القبائل
    فهناك مثلا
    «تدقير» او التقليل من وضع بعض القبائل
    وتبقى الاسباب غير واضحة
    ويعزو البعض ذلك
    لاسباب
    تاريخية لتبرير
    هذا التضييق غير الانساني المجحف واضاف ان الطلاق لعدم تكافؤ
    النسب
    يتوجب ان تتم
    معالجته ليس من وجهة نظر دينية ولكن كفكر اجتماعي غير مستحب لان مثل هذه المسائل تجرح المشاعر لذا فلابد من الخوض في فصول التاريخ للبحث عن حلول لمثل هذه المسائل الشائكة.

    حماية
    الاطفال

    وفي
    سياق هذه
    القضية قال الدكتور مفلح القحطاني استاذ القانوني بجامعة الملك سعود ونائب رئيس جمعية
    حقوق
    الانسان ان هناك بعض الحالات تتابعها جمعية
    حقوق الانسان فأين
    يذهب الابناء وما
    مصيرهم
    مؤكدا ان الجمعية
    سوف تدرس بشكل موسع موضوع طلاق عدم تكافؤ النسب خصوصا للزوجين اللذين امضيا زمنا طويلا في حياتهما الزوجية ونتج عنها اطفال.
    واضاف نائب رئيس الجمعية ان هناك اطفالا موجودون حاليا في دور الرعاية
    الاجتماعية بعد
    صدور صكوك
    الطلاق لعدم
    تكافؤ النسب بعد تمسك الطرفين بعدم الطلاق مؤكدا وجود تداخل بين اكثر من جهة وخاصة اذا دخلت قضية الازواج الى مرحلة التقاضي موضحا على أهمية حماية حقوق الطرفين «الزوجين» والاهم من ذلك حماية حقوق الاطفال.

    تذليل العقبات
    مدير
    الشوون
    الاجتماعية
    بالمنطقة الشرقية ابراهيم
    العمير اوضح ان ادارة
    الحماية
    الاجتماعية
    تتدخل في حدوث طلاق لعدم تكافؤ النسب حماية للاطفال والعائلات مؤكدا عدم استقبالهم حالات بمثل هذا النوع حتى الآن مضيفا انه لو حدث لا قدر الله سوف تنسق الشؤون الاجتماعية مع الجهات المسؤولة
    لتذليل العقبات والتوصل
    الى حلول مرضية.

    اختلاف
    الفقهاء

    الدكتور
    عبدالرحيم
    بن محمد
    المغذوي عضو هيئة
    التدريس في
    كلية الدعوة
    واصول الدين بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة يقول للتعرف على هذه القضية يجدر بنا ان نتفهم اولا الكفاءة حيث انها لغة المماثلة والمساواة وتعني ايضا في الاصطلاح الشرعي المماثلة بين الزوجين دفعا للعار في امور مخصوصة وقد اختلف الفقهاء في الامور المعتبرة في الكفاءة فهي عند المالكية الدين
    والمال
    وعند جمهور
    اهل العلم الدين والنسب والحرية والحرفة اي المهنة والصناعة وقد زاد الحنفية والحنابلة المال كما يراد بالكفاءة بين الزوجين تحقيق المساواة في الامور الاجتماعية لضمان استقرار الحياة الزوجية وتحقيق السعادة بين الزوجين بحيث لاتغير المرأة واوليائها بالزوج حسب العرف وأما آراء الفقهاء في اشتراط الكفاءة
    فتكمن
    في ادراجها ضمن
    قسمين الاول يرى ان الكفاءة ليست شرطا اصلا للزواج وليست شرط لزوم فيصبح الزواج ويلزم سواء اكان الزوج كفؤا للزوجة ام غير كفء فيما الرأي الثاني وهو ما عليه جمهور اهل العلم والفقهاء ومنهم اصحاب المذاهب الاربعة ان الكفاءة شرط في لزوم الزواج لا شرط صحة فيه واستدل كل فريق بادلته المتنوعة كما اتفق الفقهاء على ان الكفاءة حق لكل من المرأة واوليائها فاذا تزوجت المرأة بغير كفء كان لاوليائها
    حق المطالبة
    بالفسخ (الطلاق) واذا زوجها الولي بغير كفء كان لها ايضا
    الفسخ
    لانه خيار لنقص
    المعقود عليه ويضيف المغذوي وقد اخذ بمسألة الكفاءة في الزواج بعض التشريعات والقوانين والحاصل ان هذه المسألة مرجعها الى القضاء ولكن ينبغي التنبيه الى ان الاسلام يحرص على بناء البيت المسلم بناء متكاملا ويحض
    الجميع على
    توثيقه لا
    على تقويضه
    وعلى الحفاظ على افراد الاسرة والابناء وعدم التفريق بينهم.
    واضاف
    المغذوي
    بأن اغلب
    المعاملات التي ترد للمحاكم هي
    قضايا طلاق وانفصال بين الازواج ولكن حالات
    الطلاق لعدم تكافؤ
    النسب وان كانت موجودة في علم
    الفقه
    الشرعي الذي
    يعتبر بحرا لا ساحل له الا انها نادرة جدا وقد لاتتجاوز نسبتها من بين قضايا الطلاق الواحد من مليون قضية تقريبا، مضيفا ان العصبية القبلية لدى
    فئة
    نادرة من المجتمع
    هي اكبر مسببات المطالبة بالطلاق لعدم تكافؤ النسب محذرا ان
    تصبح
    ذريعة للبعض ونافذة
    مشرعة امام العديد من الحالات لطلب الطلاق وتحذو حذو قانون الخلع الذي تم اقراره في جمهورية مصر العربية قبل سنوات فرغم انه باب مباح في
    الشريعة
    الا ان المحاكم
    هناك استقبلت بعده قضايا طلاق اكثر من الفترة التي سبقت اقرار القانون.

    اعراف
    اجتماعية

    وفي
    السياق نفسه
    قال الداعية الشيخ
    الدكتور
    فهد الخليف
    ان القاضي حين يحكم بالطلاق لعدم تكافؤ النسب فإنه لا يرتكب
    خطيئة
    بل يراعي اعرافاً
    اجتماعية سائدة ولا تتغير.. وينظر لما قد يحدث مستقبلا من خلافات أو تداعيات بسبب عدم التكافؤ. كما ان الدين الاسلامي دعا الى ان يكون الزواج متكافئا من جميع النواحي.
    ويقترح
    الخليف
    ان تتم
    احالة مثل هذه القضايا قبل صدور
    الحكم الى لجنة اصلاح ذات
    البين.. لتدرس الحالة
    جيدا وتأخذ مرئيات الزوجين والأقارب
    وتدرس الوضع المالي
    والاجتماعي للأسرة.. ثم تضع
    مرئياتها امام القاضي.. فقد يكون
    هناك حل آخر وأسهل من الطلاق.
    وعن
    وضع الابناء
    في حالة صدور حكم الطلاق.. يقول
    الخليف:
    الزوجة تصبح
    مطلقة وعليه لا يكون هناك أي مبحث شرعي جديد إذ تكون الحضانة
    حسب
    المتبع في حالات
    الطلاق العادية.
    ويعترف
    ان هناك
    اعرافا
    وتقاليد قوية جدا
    وقد لا تتفق
    مع الشرع
    .. وعليه يجب
    ان لا نضع اللوم على القضاة فهم
    مجتهدون.
    كما لا يجب ان نسعى لاثارة المزيد من العنصرية ولا ننبش بالأمور التي قد تسببها.. فمادام المجتمع قد تعارف على أمر وبات قويا جدا يجب ان نسير أنظمتنا مع الأعراف.

    لايجوز
    الفسخ

    وفي
    حائل قال
    الشيخ سعيد
    بن هليل العمر مدير
    المعهد
    العلمي ان الله
    عز وجل اباح نكاح المسلمات ونكاح الكتابيات كما في قوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وكما في قوله (والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم) وحرم نساء اهل الشرك كما في قوله (ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن) وبين النبي
    صلى الله
    عليه وسلم
    ذلك بقوله (اذا اتاكم من ترضون
    دينه وخلقه فانكحوه) فاذا توفر
    في الخاطب
    والمخطوبة
    الضوابط الشرعية جاز النكاح
    دون اعتبار للنسب فقد
    زوج
    النبي صلى الله
    عليه وسلم زينب القرشية لحبه زيد بن حارثة وزوج ابو حذيفة مولاه سالما والمتأمل في السنن والاثار يجد ان اعتبار النسب معدوم في العصر الاول وانما العبرة بالديانة والخلق اما الحديث الذي جاء بلفظ (العرب اكفاء بعض.. الحديث) فهو
    حديث
    في صحته نظر ولو
    صح فلا يفهم منه اشتراط النسب وإنما غاية ما فيه مدح اصل العرب لكن اذا كان النكاح سيتولد عنه شر وفتنة فان القاعدة الشرعية تقول: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وهذا الذي كان يعتني به الشيخ عبدالعزيز بن
    باز
    -رحمه الله - وعلى اولئك الذين يشترطون النسب في بلاد العقيدة والتوحيد ان
    يتقوا
    الله عز وجل في انفسهم فهم لايشترطون ذات
    الشروط عند الزواج من
    خارج المملكة بل
    يفتون
    بجواز تزوج الشاب
    من اي بلد عربي دون النظر في النسب وهذا تناقض واضح يبطله الدليل الشرعي والنظر العقلي.
    ولايجوز
    لاهل
    الزوجة ولا
    لعموم اوليائها ان
    يطالبوا
    بفسخ النكاح
    الا اذا كان الزوج فيه عيب غير النسب واما قضية التفريق فأرى اعادة النظر في الحكم لان بلادنا ولله الحمد وضع فيها محاكم تمييز للنظر في مثل هذه المسائل المستصعية وكذلك ديوان المظالم لما هو اعظم من ذلك.
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:39 pm

    ما أشبه الليلة بالبارحة. و
    لكن هذه المرة تتطور
    القضية فيتعرض أطفال الأخ المواطن /منصور التيماني للأذى بفصل والدهم عن والدتهم. و قد يكون المسئول
    الثاني بعد
    المجتمع عن
    ظلم هؤلاء
    الأطفال و إلحاق الأذى بهم هو والدهم الذي حصل على الإيجاب و القبول عن طريق الحيلة و التدليس؟؟؟؟


    حكايتنا هذه رواها لي رجل أثق
    به عاصرها عندما كان
    يعمل موظفا صغيرا في الرياض و
    كان
    صاحب السمو الملكي
    الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله أميرا للرياض .

    قال
    الراوي
    :

    في
    عام 1370 هجرية
    و كان الأمير سلطان أمير
    الرياض....و
    القضية حضرت
    بين يديه....كان عم الزوجة السعودية قد اختطفها من منزل الزوج الذي كان يعملا رجلا خاصا للملك عبدالعزيز و يحمل صكا شرعية أنه
    من القبيلة
    الكبرى الفلانية النجدية....

    كان
    منطق عم
    الزوجة عجيب
    عندما جرى هذا الحوار
    بينه و بين الأمير الحليم
    الواسع الصدر و الذي
    حاول في البداية اخذ جانب الزوج
    نظراً
    لأن الزوج قد
    تعرض للتهديد لحياته و تحت وابل من النيران و غطاء من الذخيرة الحية تمكن عم العروس ذات السبعة عشر ربيعاً من اختطافها و الفرار بها للصحراء .


    حضر
    الرجل مقيداً
    بعد بحث مطول عنه استهلك جهوداً أمنية مضنية ..و حضر الزوج و كان رجلا عليه من
    صلاته أثر السجود كبير
    اللحية و في الخمسينيات من عمره و

    الأمير سلطان
    :
    ليه وراك تعتدي على فلان بالسلاح ، مكتوب في معاملتك هنا انك اعتديت ببندقية بلجيك قصيرة عائدة ملكيتها
    للدولة
    و اطلقت خمس
    من البندق و افزعت الآمنين و هربت بزوجة المواطن من منزله و لا زالت مختفية و ترفض تخبر عن مكان اختفائها ؟

    عم الزوجة ( و هو متوتر جداً
    )
    : صحيح طال
    عمرك....و لو
    ما هرب و ترك بنت اخوي كان ذبحته
    الله
    يطول لي عمرك....كان
    و الله ليطلع الفشق من قلبه قبل يتفرق... طال عمرك....

    الأمير ( بغضب لا يوصف و يختطف
    خيزرانة
    من قائد الشرطة الجالس فيمسك به بعض الجالسين
    قائلين : إحلم طال
    عمرك احلم... ) فيقول
    الأمير
    : تعتدي و انت عسكري في الدولة على مسئول في الدولة بالسلاح ؟ وش هو مسوي بك؟
    ذابح لك احد ؟ معتدى على
    فراشك ؟ غادر بعرضك؟
    متهجم
    على املاكك و
    اراضيك ؟؟؟

    عم الزوجة :
    كلهن كلهن طال عمرك....كلهن...و والله ان اللي ذكرتهن كلهن أهون من اللي هو
    سواه
    !

    الأمير ( في نفس النبرة من الغضب) : اللي هو سواه زواج على سنة الله و
    رسوله
    ....

    العم
    (
    في هدوء عجيب) : سنة الله و رسوله ما تامر بالدمار...طال عمرك...كلها عمار عمار....الله ما يامر بالشر....ما أصابك من مصيبة فمن نفسك...يقوله الله عز وجل...

    الأمير : وش هو دماره ...يا قليل خوف الله ! ؟

    العم : جانا داهيتكم هذا
    بفلوسه
    و ضحك على ابو البنت...و قال انه من قبايلنا اللي في الشمال و لا نعرفهم الا
    بذكرهم...و
    طلع كذاب دجال ....و انا ما
    كنت موجود و يوم رجعت
    من الكويت من وظيفتي عرفت ان اخوي
    الدريويش انضحك عليه...و هو يدور
    الستر لبناته و لا
    يصدق يجيه زوج فيه دين و
    ثقة....و
    شاف لحيته الكبيرة
    و ظن انه من اهل الخير و اثريه مدلس و دجال....و نصاب......

    الأمير ( و بغضب أكبر ) : دجال .....من هو الدجال ؟؟؟ دجال و هو معه صك شرعي انه من القبيلة الفلانية ؟


    عم الزوجة :
    ياطويل العمر و الله ان
    القبايل
    في السعودية و العراق و اليمن و الشام مافيهم
    اللي معه صك شرعي...إسأله
    هو جالس جنبك ليش معه صك يوم انه من
    القبيلة الفلانية؟؟؟
    لو انه صادق ما جانا يشيل صكه كبر
    جنب الجمل ....

    الأمير سلطان يهدأ و هو يحاول
    اخفاء ابتسامه نظرا لاستخدام
    الرجل الأمي هذا
    لغة عامية مكسرة في مرافعته عن
    نفسه...ثم
    يقفز
    شيخ متدين
    قيل انه فقيه و عالم شرعي
    كبير و كان
    يعرف الرجل
    المتزوج الذي يجلس عن يسار الأمير ...وو هو الزوج المتعرض لإطلاق نار كثيف أثناء تغطية المهاجم عم الزوجة لنفسه أثناء
    اختطافها و
    إخفائها في
    خيمة في
    الصحراء.....و
    كان الزوج صامتا و اليأس يكاد
    يطفي شمعة النور
    المضيء
    في وجهه الموسوم
    بأثر السجود في جبهته و بين دفتي لحيته الكبيرة بكبر لحية
    الشيخ
    المساند له
    ....

    فيقول الشيخ الفقيه
    :


    يا
    ولدي يا فلان
    .....اما سمعت
    حديث رسول الله صلى الله عليه
    و سلم : من جاءكم و ترضون دينه و خلقه فزوجوه؟......و قضايا الانساب هذه يا
    ولدي
    جاهلية منتنة معفنة تولج الإنسان في النار
    و بئس المصير و نصيحتنا
    لك الخالصة من قلوبنا
    ياولدي أن تتقي
    الله و لا تستمر في عنفوانك ففعلتك جاهلية جزاؤها عظيم في الدنيا و الآخرة....
    (
    هذا
    و يواصل
    الفقيه
    المتمكن في الشرع
    ) :
    .
    و
    نحن حضرنا
    هنا لا معك و لا معه و لكن
    بناء على طلب ولاة
    أمركم يا ولدي كي نعطيكم رأينا الشرعي
    الذي يكون على المحجة
    البيضاء ليلها كنهارها....لا
    يزيغ عنها إلا هالك....و أملنا
    من
    الله أن نصلح شأنكم
    و نخيركم في الأولى و هي اما انك تقبل الصلح و تترك الزوجة تتذهب لزوجها ، خاصة و أننا سألنا جاراتها و قالن عنها إنها حلفت لهن انها تحبه و
    يحبها
    ، و الثانية و
    هي ان تتحمل اثم اعتدائك السافر -- حيث اطلعنا على فعلتك الشنعاء في الصك الشرعي رقم xxxو تاريخxxxxxxx ....و هي فعلة عظيمة و خرق
    آثم في
    الأمن و تهجم بسلاح ناري تعود ملكيته
    للدولة --- فإن اخترت عدم
    القبول بالخيار
    الأول
    فإنك سوف تسجن
    عشر سنين على أقل القليل و يصدر صك شرعي جديد بإعادة بنت أخيك لزوجها معززة مكرمة و أنت تبوء بالخسران في الدنيا و الآخرة....فلا يعقل أن تكون انت و أمثالك حائلا دون الشرع المطهر.....

    (
    يلتفت عم الزوجة الذي في الأغلال) فيقول لمن حوله: الرجال هذا من هو ؟

    يسكت القوم ....فيهمس الخوي ...فيعيد الرجل السؤال : الرجال من هو ؟

    فيرد عليه الأمير
    بأنه
    فضيلة الشيخ فلان
    بن فلان ال الشيخ....فيرد الرجل المقيد : ال الشيخ الأجواد اللي ما
    غيرهم
    ؟


    فيرد
    عليه الخادم
    المسئول عن تقييد السجين قائلا بصوت خافت : ايه يابن الحلال...وراك تسذا انت
    ؟


    فيبتسم
    الرجل
    مطأطئاً
    رأسه في الأرض و يقول
    في هدوء : و
    نعم و نعم...آل
    الشيخ اهل دين و معرفة بالسلوم و الطرايق!

    (
    يسود
    صمت لا
    يتخلله سوى
    قول الرجل
    ) ....:

    إيـــــــــــه ....الله يعين.....

    (
    ثم
    يرفع رأسه
    فيحملق في
    الشيخ الفقيه بعينين ثاقبتين
    ) :

    يا
    شيخ أنتم
    اهل الدين و
    اهل العلم و الله يحفظكم ما
    نقول فيكم الا كل
    خير....و
    الشي اللي يرضي
    الله و فيه خير للاسلام و المسلمين اكيد انكم إن شاء الله تسبقون عليه و تامرون به و حنا يالشعب نمشي على طريقتكم و انتم منا و حنا منكم.....و انا مادام انك من ال الشيخ اهل العلم و المعرفة .. يرضيني كلمتك امام
    الرجاجيل
    و تحلف لي
    بالله
    العظيم على كتاب الله و يحلف الأمير
    معك لحيث انه أبو
    الجميع
    ، انتم ياثنينكم
    تحلفون لي بالله العظيم مثلك ثلاث مرات انكم يا الاثنين لو
    انكم
    في مكاني ما تعترضون
    على هذا الزواج التي تم بها الطريقة......و انكم ما عندكم مانع تزوجون هالرجال .....و اذا حلفتوا لي فابشروا و الله لاجيبها له معززة و مكرمة و اعتذر منه بعد و لا أروح من عنده إلا مرضيه و مطيب خاطره.....

    (
    ثم يواصل السجين السعودي ) :

    أما
    إن كان إنكم
    تقولون إن الدّين دينين؟ دين رعيان و دين
    شيوخ ... و الاسلام
    إسلامين إسلام للضعيف و إسلام
    للقوي
    ....؟ فهذا شيء
    ثاني ...و أمر لو أنتم رضيتوه علي ...انا ما نيب راضيه على نفسي.....لا مناسبكم باطيب من منسبي ، بدون قصور فيكم، و لا قبايلكم أقدم من قبايلي...و لانيب كافر تاخذون بناتي جواري لاخوياكم .....

    فيرد الفقيه ( بنفاد صبر واضح
    ) :
    لا حول و لا قوة إلا بالله.....أقول ...أقول ....آآآآقول : صدق الله العظيم الذي قال "الأعراب أشد كفرا و نفاقا...." ...يا ولدي نقول لك قال الله و قال الرسول و انت
    تقول : قولوا لي وش
    مسوين ال الشيخ و ال
    سعود.....ماحد ياولدي ينفعك
    و لا ينقذك من عذاب جهنم ...لا آل
    الشيخ
    و لا آل سعود
    و لا حتى خليفة اصطمبول ما ينقذك....أعوذ بالله من هذا الخروج على أوامر الله.....

    يضحك
    الرجل المقيد
    ....ث يقول : يا
    شيخ احسن الله اليك
    ....ان كان فيه خير ما سبقناكم
    عليه انتم مشايخنا
    و اهل العلم و النور و ولاة امرنا
    معكم ...ان كان في الزواج هذا حلال ما سبقناكم عليه...و الرجال انتم تعرفونه و
    يشتغل
    معكم و لو فيه
    امكانية ما تركتوه يروح لناس ما يعرفهم و يسوي من الصكوك و
    يزور
    على القبايل
    ......

    فيقول الأمير : يعني تختار السجن ؟؟؟ !!!!

    عم الزوجة
    :
    أختار السجن ؟ إيه أرضى بالسجن و يطلقها
    !

    الشيخ الفقيه
    :
    لا ما هنا طلاق ....لا
    طاعة لمخلوق في معصية
    الخالق ......إلا انت
    تنسجن
    و تودب و هو ياخذ
    زوجته و يجيب منها عيال ان شالله و بكره اذا طلعت شايب من السجن ما عاد انت بمسوي شيء.....

    فنظر عم الزوجه
    :
    و الله ان كان تبي
    تسجنوني يا شيخ اسجنوني
    عمري كله...لأن و الله لو ما يبقى لي من الدنيا الا يوم واحد و تطلعونني من السجن فيه ...و الله و الله لاروح و
    اذبحه
    فيه...و لا تنسون
    تسجنون
    الجماعه
    كلهم ترى رايهم من رايي
    ....

    يغضب الأمير منه فيأمر بإخراجه .....

    يعود
    به
    الخادم مقيدا و يعيده للسيارة
    التي تأخذه للسجن
    ....

    و
    في مكتب الأمير
    ...__ يقول الراوي__ يلتفت الأمير
    بامتعاض شديد للزوج
    المقهور المغدور .....فيقول بتودد و
    لطف له : أقول يا بو فلان
    ...وراك بس ما يعطونك
    فلوسك و خسارتك كلها و تعطيها
    ورقتها.....؟

    يرد
    الزوج بعد
    إطراقة
    صامتة كصمت الذي لا حيلة لديه : سم
    طال عمرك...سم ...أبشر طال عمرك....فيقبل منكب الأمير و يخرج مع الفقيه الذي قبل رأس الأمير هو بدوره....

    يتم
    تطليق الزوجة
    من الرجل و تتزوج ابن عم لها توجه بها
    للكويت حيث يعمل عمها هناك
    ....و يعود الرجل العريس
    لزوجته القديمة و أبنائه
    فيرضيها
    و يطيب خاطرها
    .... ...و قيل أنه
    بعد ذلك تزوج من فتاة شقراء
    من سوريا الشقيقة و أنجبت له أطفالا
    جعلوه ينسى ذلك الصك
    الكبير الذي أعده من إحدى المحاكم
    الشرعية في القرى النجدية و
    الذي لم يفلح في تمرير
    قضية النسب على عم الزوجة




    بديوي الوقداني العتيبي شاعر علم عاش في عصر حكم الاشراف وقد
    اشتهر بقصائد الحكمه
    وهو من مواليد مدينة
    الطائف وقد ذاع صيته


    توفي عام 1296هـ بالطائف



    عبدالعزيز الليث ياسبع غابه






    ياشين وش هاللي مع البدو نشبك


    البدو من عصر النبي
    والصحابه


    ما قيل مذهبهم يطابق لمذهبك


    مخبلك ياباغي من البدو ثابه

    ضَيمَها


    البدو وان شافت معك شي تنهبك


    كبّ البدو لعلهم للذهابه




    حيث ان مذهبهم مخالف لمذهبك


    بالك تطرف ياخذونك نهابه




    والا تخاويهم يحتون مزهبك


    ان جوا على العيشه سوات الذيابه




    تشطّر مخالبهم عن الزاد مخلبك


    الديك يذن لو عليه الجنابه

    والكلب مايؤمن ولو كان صاحبك

    ورجالهم عنده من المدح صابه

    لو تسمعه في بعض الاحيان شيبك

    ماعندهم حشمه ولالك مهابه

    وان جيت تهرج طارف القوم كذبك








    التحولات الاجتماعية في الخليج: دلالاتها
    السياسية وتحديات المستقبل



    تجتذب دراسة التحولات
    الاجتماعية من منظور مولداتها
    ومدياتها وأشكالها وبخاصة المتبدلة منها أهمية كبيرة في تشخيص
    العوامل الفاعلة
    في التحول الاجتماعي وآليات هذا التحول، زد على ذلك الظواهر
    الجديدة المصاحبة للتحول
    والتي تصبغ مجتمعاً ما لفترة من الزمن أو تستحوذ عليه
    لفترات طويلة
    .


    وسنميز بادىء بدء في ضوء ما
    سبق بين نوعين من التحول
    الاجتماعي: داخلي/ طبيعي يمارس المجتمع عبره عملية التحول في
    هياكله الاجتماعية
    والثقافية والاقتصادية مرتكزاً على مخزون ثقافي واسع مستوعباً
    النظام المعرفي والتراتبيات
    الاجتماعية والامكانيات الاقتصادية وطرق الانتاج المتبعة
    والعادات والتقاليد والقيم
    وكل ما يضطلع في تشكيل هوية المجتمع، أي رؤية هذا المجتمع
    لذاته وللعالم من حوله
    ولغاياته الكبرى، وبالتالي فإن هذا المجتمع يمارس سلطانه الكامل
    على تحوله الذاتي
    .


    والتحول الآخر: خارجي (= من
    الخارج) يتم وفق شروط
    ومواصفات لتحولات خارجية قد تختلف جزئياً أو كلياً عن شروط
    التحول الداخلي الذاتي
    . وفي كل الاحوال يصبح المجتمع مرتهناً للتحول القادم من الخارج في
    سرعته وحجمه، وشكله
    فلا سلطان لهذا المجتمع على مارد هذا التحول الغريب، وما ينشأ عن
    ذلك من انكسارات نفسية
    وعقدية.


    والحال، فإن مثل هذا التحول ـ
    الخارجي، يدهم مجتمعات
    تعيش على تخوم حركة تبدلات كبرى عميقة في العالم الخارجي، تضرب
    بتياراتها العنيفة
    المنظومات المعرفية للمجتمعات الاخرى الخاضعة لتأثيرات تلك الحركة لتدشن سلسلة مراجعات للذات (لماذا
    تأخرنا وتقدم غيرنا؟
    ) ومقارنات
    (بين التراث والمعاصرة، بين الانا
    والآخر، بين القديم والجديد..) وانقطاعات (الابحار في سياق تاريخي ومعرفي جديد مفصول عن السياق الماضي)
    وانكسارات (الانبهار
    بمنتوج الآخر، والتسليم بقدرته على حل مشكلاتنا المزمنة كتعبير عن الاحباط العميق بداخلنا والعجز عن
    النهوض الذاتي بواقعنا
    وصولاً الى تمثل سيرة الغالب المنتصر).


    وسعياً الى فهم الواقع
    الاجتماعي الحالي، فإن
    صورة التحول قد لا تبدو واضحة، لمن يبتلعه تيار التحول وبالتالي
    قصوره عن فهم الخلفيات
    التي تغذي وتوجّه مجريات هذا التحول، ولذلك فإن المجتمع قد يشهد
    تغيرات نوعية جوهرية
    ولكن لا تفضي في الظاهر الى تمثًلات في الفكر أي لم تطل
    مباشرة الاساسات الذهنية،
    بمعنى آخر قد يحدث التحول القادم من الخارج تغييراً عظيماً في
    سلوك المجتمع أو قطاع
    كبير منه، ولكن ليس بالضرورة أن يترك تأثيراً مباشراً وعاجلاً في
    الفكر،على أنه بالتأكيد
    يستبطن طيفاً من الاسئلة تتراكم بمرور الوقت كلما اتسعت وتزايدت التغييرات السلوكية وصولاً الى تغييرات
    كبيرة في الاساسات
    الذهنية، تتمظهر في عملية اختلالات في المنظومة الثقافية ونظام القيم وطرق المعيشة وأنماط التفكير وشبكة
    العلاقات الاجتماعية
    .


    وكتمهيد للحصول على صورة
    تقريبية لمجرى التحول
    الاجتماعي في منطقتنا الخليجية، وقد تتسع الصورة لمناطق أخرى،
    يمكن القول قبل ذلك
    ـ أي قبل التحول ـ أننا وبالرجوع الى الاوضاع الاجتماعية القبلية
    كان الوجود برمته ساكناً
    في الوعي العام، ويكاد يختزل نظرة الانسان للكون عند حدود
    المعرفة الموروثة، ثم الرتابة
    الكسولة في التفكير واللهاث وراء تأمين الحد الادنى للعيش
    (قوت من لا يموت) كتعبير
    من جهة عن الصراع من اجل البقاء، ومن جهة أخرى عن قصور هذا
    الانسان عن وعي ذاته فضلاً
    عن جهله التام بقدرته على التغيير في واقعه الفردي والاجتماعي فلا
    مكان للابداع والمغامرة
    والتطلعات البعيدة، وروح المسؤولية الفردية والاجتماعية، وسرعة
    المبادرة، كشروط ضرورية
    في عملية التغيير..وباختصار، ثمة غياب تام للوعي في المستوى
    الفردي والجماعي في موضوعات
    الحياة، التي لم تكن مندرجة من رأس في الاجندة، وكان الزمن يسير
    بإيقاع بطيء يبعث على الضجر،
    وإن تطلب استعمال أقصى المجهودات العضلية كتعويض عن عطالة العقل.


    هذا السكون كان متواصلاً طالما أن
    شروط التحول الذاتي
    في هذا المجتمع لم تتحقق، فأينما نظرت لا ترى سوى عجزاً مزمناَ
    وعميقاً ينعكس في
    جزء هام منه في الغياب التام عن وعي حركة التاريخ أي العيش في
    مكان خارج دورة التاريخ
    بل وخارج دورة الزمن، فلسنا معنيين بما جرى ويجري خارج السور
    طالما أن ذلك لا يقلق
    سباتنا أو يهدد لقمتنا، ينضاف الى ذلك قصور الوعي العام وما
    يستبطن من اشكال مروعة،
    فتارة يتخذ هذا القصور شكل نسيان الانسان لذاته، أي أنه يتصرف
    لا على اساس تميّزه
    الخلقي وأنه سيد المخلوقات، وتارة يتخذ شكل افتقاره لأي تصور
    حول ذاته، من هو؟
    ولماذا ولد؟وما هو دوره؟ وماذا يريد؟ وكل الاسئلة التي تدخل في
    تشكيل رؤية الانسان
    لذاته، وتارة ثالثة يأخذ شكل احتجاب عالم ما وراء السور عن
    الرؤية، فكل قرية وربما
    حارة تمثل المجال النهائي في وعي سكانها، وليس غريبا أن يكون
    تمييز المجال الخاص
    متوقفاً على فضول انسان القرية والحارة وبحثه عن مواقع أخرى
    للرزق فهو لا يدرك
    إن كان هناك مناطق اخرى خارج حدود حقل معاشه، وهو في آن عالمه
    الكامل أو طالما لم تأته
    رسل تلك المناطق، فيعرفونه بأنفسهم. بالطبع هناك استثناءات وهناك
    من سيواجهني بقائمة
    مملة من النماذج المضادة، وسأوفر الوقت والجهد بالقول أننا لا
    نقف في رؤيتنا عند
    سطح الازمة ونهمل عمقها وجذورها الضاربة في ذاكرتنا التاريخية،
    ووعينا السياسي،
    ونشاطنا الاقتصادي، ونظامنا الاجتماعي، فالأزمة ليست في هجرة
    فلان وقدوم علان،
    ولا بالكم والعدد، وإنما بما تحدث من تطوير في حركتنا العامة
    أوتسرّع في وتائر نمو
    معارفنا، وتقدمنا الحضاري.وهذا ما أعنيه على وجه التحديد
    باحتجاب الرؤية
    .


    وعلى اية حال، كان الفراغ
    واسعاً، وفي نفس الوقت
    كانت الفرص مؤاتية لملئه بأي شيء وبأي طريقة، فجاء عصر البترول،
    بتحولات جوهرية كبيرة
    في الواقع الاجتماعي، ووضع حجر الاساس لمجتمع مضاد يعاد تشكيله في المصهر البترولي بكل ما فيه من عناصر
    جديدة، وتفاعلات متنوعة،
    أي بما يحدث من تبدلات فوقية، في نظام التفكير، وتحتية في نظام القيم
    والعادات وطرق المعيشة
    والانتاج.


    وكان للمجتمع المضاد
    المتشكل في عصر البترول
    ما يكفي للاكتساح، فهو يخضع لمعالجات متطورة وفاعلة، بدءا من
    التعليم الحديث والفرص
    الثمينة في تحسين العيش والعمل المريح، وامتلاك المسكن
    الراقي، اضافة الى الضمانات
    الصحية والاجتماعية التي يفتقر اليها المجتمع التقليدي.


    بكلام آخر، أحدث عصر البترول
    طفرات مفاجئة مولّدة
    طيفا من الاختلالات والانقطاعات، فمن الفقر المدقع الى الغنى
    الفاحش، ومن العزلة التامة
    الى الانفتاح المطلق. لقد حدثت تبدلات كبرى في الاوضاع
    الاجتماعية، وهي تبدلات تسببت
    في قطع الاواصر بين الاجيال مسفراً عن (صراع الاجيال)، متمظهراً في
    غياب اللغة المشتركة
    في التفاهم والتعامل والتفكير، وايضاً غياب التطلعات المشتركة، والهموم المشتركة، والاهداف المشتركة،
    وفي نهاية المطاف ثمة
    تغييرات تحفر عميقاً في واقع المجتمع وتعيد تشكيله وصياغته وفقاً
    لبيئة وشروط ومحفزات
    جد مختلفة.


    ومن زاوية نظر أخرى، فإن التحول
    أخذ منذ تدفق الثروة
    ينطلق بوتائر متسارعة ويعصف بكل البنى القديمة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وكانت هناك حاجة الى
    كوابح للحد من سرعة
    التحول وأضراره المحتملة، فهناك عالم جديد يقذف بعالم قديم ويستوعب
    بحضوره الكلي
    والصارم كل البنى القديمة اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً وأيضاً
    سياسياً
    .


    إن عصر البترول لم يسهم فحسب
    في تبديل وجه المجتمع
    وصبغته الاقتصادية، أي تحويله من مجتمع زراعي الى مجتمع نفطي
    (لاصناعي)، ولكنه
    بدّل ايضاً التراتبية التقليدية السائدة في المجتمع المؤسسة
    على نمط معيشي محدد،
    كما بدل النظام المراتبي، والنظام القيمي، وأحدث تغييراً كبيراً
    في العادات والتقاليد
    .


    وليس خافياً، أن إزاء هذه
    التغييرات الجوهرية
    كمسار اصطناعي يخضع المجتمع لعملية تجديد قسرية، لا بد من
    العبور بالمجتمع من الممر
    الطبيعي، أي إحداث تبديل في قاعدته الفكرية واعادة تشكيلها، وفقاً
    لشروط المرحلة الجديدة
    ومتطلباتها، وأن اختفاء أو تأخر التبدلات الفكرية لا يعني
    بتاتاً عدم وجودها، فهي
    تفعل فعلها في مكان آخر، أي في الاعماق وتمارس عملية تفكيك
    هادئة وطويلة المدى
    للقواعد الفكرية ومن ثم فهي تعول في تمسرحها على توفر الشروط
    المناسبة، ومنها تحرر
    الوعي العام.


    في المدرسة يتعلم المجتمع المضاد
    العلوم الحديثة،
    الرياضايات، والكيمياء والفيزياء، واللغة الانجليزية،
    والآداب،والتاريخ، والجغرافيا،
    وهي مواد تصب في ذاكرة أبناء هذا المجتمع وفتحت أعينهم على معارف
    ليست مقتبسة في
    جزء هام وكبير منها من الموروث الثقافي للمجتمع، وأصبح اتقان
    هذه العلوم الشرط
    الرئيسي للرقي والتقدم على المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي،
    إذ لا سبيل امام الافراد
    من اجل تحسين أوضاعهم المعيشية سوى الانغماس في العلوم الحديثة
    واتقان فنونها، ولكن
    ما هو أهم من ذلك أن هذه العلوم تقوم بعملية قطع مع الموروث، الذي
    يوجّه المجتمع لرؤية
    الوجود، والاشياء، في مقابل رؤية مستحدثة تصدر عن العلوم
    الحديثة الطبيعية والانسانية
    .


    واجمالاً، لقد شهدت مجتمعاتنا
    تحولاً شاملاً منذ
    دخولها عصر البترول، تمظهر ـ هذا التحول، في انتشار التعليم
    الحديث، وسرعة الرقي
    العمراني، والتنامي المتسارع للطبقة الوسطى، والمكننة النشطة في
    الحقلين الصناعي والزراعي،
    والانفتاح الاقتصادي والاجتماعي على الخارج، والاتصال الثقافي عبر
    السفر ووسائل الاتصال
    الاعلامي (الراديو، التلفزيون، المجلات) والتي ساهمت هذه مجتمعة في احداث تبدلات سلوكية جوهرية في حياة
    المجتمع
    .


    وبكلام آخر، جرت عملية قلب
    للارض، في هيئة خفض
    ورفع في النظم الاجتماعية والاقتصادية والفكرية القائمة، وانبثاق نظم بديلة، تتشكل في الازمنة الحديثة، وبتأثير مفاعلات التحول الاقتصادي
    والاجتماعي والثقافي،
    فمع تبدل وسائل الانتاج وطرق المعيشة تنهار فئات اجتماعية
    تقليدية، لحساب فئات حديثة
    برزت في ظل برامج التنمية والتحديث الاقتصادي، وتبعاً له انهار
    النظام المراتبي في المجتمع،
    إذ كسر التحول الاقتصادي احتكارية العوائل التقليدية الثرية،
    سيما تلك العوائل التي
    وجدت نفسها عاجزة عن مواكبة شروط التحديث، وتسمرت في سياق وظيفي
    بدائي، لا يصمد أمام
    حركة الصناعة في سرعتها الهائلة وتطورها المذهل، فأصبحت وجوداً
    طرفياً ذا تأثير
    ضعيف، فيما ظهرت عوائل جديدة تنبهت الى مجريات التحول
    الاقتصادي وأفادت من فرص
    وامكانيات الاوضاع الاقتصادية الجديدة، وسلكت الخط السريع
    للثروة والوجاهة، استطاعت
    أن تبني لنفسها كيانات اقتصادية راسخة، ومن جهة أخرى، لعبت
    الشركات النفطية والصناعية
    في تهميش دور العوائل الثرية التي كانت تحتكر الانشطة
    الاقتصادية التقليدية في
    مجالات مثل الزراعة والحرف اليدوية وبعض الصناعات البدائية
    البسيطة
    .


    وعلى المستوى الثقافي، أفضت
    الاوضاع الاقتصادية
    الجديدة وما رافقها من انفتاح كبير على الخارج، لبدء برامج
    التنمية والتحديث بدءا
    من قدوم الشركات الاجنبية، وتالياً استقدام الخبرات والعمالة
    الوافدة بأعداد كبيرة
    مروراً بتدفق التكنلوجيا في سيل هائل من الاجهزة الكهربائية
    والالكترونية، وانتشار
    وسائل الاتصال الحديثة (التلفون، التلفزيون، الراديو، السيارات،
    الطائرات، السفن،
    القطارات) والسفر للخارج، والبعثات التعليمية، هذه وغيرها من معطيات
    ساهمت ايضاً في كسر
    احتكارية التوجيه المحلي، وأصبح التكوين الثقافي للافراد
    والفئات الاجتماعية يخضع
    لمصادر توجيه متعددة، وكان من الطبيعي أن تتسرب بعض الثقافات الاجنبية للداخل، بما يضعف من تأثير
    مصادر التوجيه المحلية،
    ومن الطبيعي أن تغذي هذه الثقافات ميولات سياسية متنوعة
    وأحياناً متنافرة، وقد تأخذ
    شكلاً تنظيمياً.


    وما يجب أن نلفت الانتباه
    اليه، أنه في الوقت الذي
    لعبت مصادر التوجيه الثقافي الخارجية في تهميش دور التوجيه
    المحلي، فإنها رهنت
    المجتمع لكل التبدلات التي تمر بها، ولم يعد المجتمع في منأى
    عن تأثير تلك التبدلات،
    سياسية كانت، أو ثقافية، أو اقتصادية.


    لقد صدقت عملياً مقولة المجتمع
    الاستهلاكي الذي
    يكاد يحتوي كل المجالات، بما في ذلك المجال الثقافي فقد راح
    الجميع يستهلك الافكار
    المستوردة، التي أصبحت تغذي الذاكرة الجماعية، وتراهن على محو
    المخزون الثقافي الموجود،
    وأصبح الوعي العام أسيراً لكل المنتوجات الثقافية المبثوثة عبر
    المحطات الفضائية،
    منعكساً في نبذ الواقع واعتزاله كأحد اشكال الاحتجاج الصامت
    ومتمظهراً في هيئة اللباس
    وقصات الشعر، وحتى في اختيار نوع العطر.


    إن التحول السلوكي بدأ يأخذ منذ
    وقت قريب هيئة تحول
    فكري خطير، فالتغير الكبير في البيئة الاجتماعية لا يعدو كونه سوى
    مؤشراً بارزاً على احتمال
    تبلوره في تيار فكري احتجاجي، سيوجه صدماته للقواعد الفكرية وحقل
    اليقينات، وهذا التحول
    المشدود بالخارج يستمد قوته ومبرره من احباطات الواقع، الذي يضيق ويتسع حسب قوة وشائج الصلة بأجزائه
    القريبة والبعيدة،
    كما يستمد قوته ومبرره أيضاً من نجاحات الخصم، وتمثيلاً
    فالتفوق الغربي بعد انهيار
    الاتحاد السوفيتي واحباط مفعول القوى الاقليمية والدولية المناهضة
    للغرب والولايات المتحدة
    وتحديداً منذ بدء عقد التسعينيات أفضى الى تبلور اتجاه نقدي عنيف في المنطقة يمارس عملية جلد قاسية للذات
    عبر مراجعة انتقامية
    للتراث وتحميله مسؤولية كاملة لكل الانهيارات [font:271
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:40 pm

    صورة المستقبل


    في هذه الحقبة التاريخية
    الحرجة، ندخل طوراً جديداً
    وخطيراً من التحول، فهناك على حد جاك أتالي الخبير الاقتصادي
    الفرنسي مؤلف (ملامح
    المستقبل) سوف يعاد تنظيم العالم حول مجالين عملاقين ـ المجال
    الاوروبي والمجال الباسيفيكي
    ـ وتأسيساً على هذه النزعة تتسارع الخطى من أجل بناء خارطة
    المستقبل، خارطة تكاد
    تتلاشى فيها الحدود الجغرافية، والخصوصيات الثقافية، والهويات
    القومية، بفعل التكنولوجيا
    المستقبلية المعقدة، بما يجعل من التماسك والانسجام الاجتماعي
    أمراً في غاية الصعوبة،
    ففي عام 2010م سوف يربط القطار السريع جداً بين باريس وموسكو، حيث
    لن تستغرق هذه المسافة
    أكثر من خمس ساعات فقط، ويعكف كثير من الخبراء وشركات المواصلات في
    اليابان وأوروبا والولايات
    المتحدة على وضع خرائط لشبكة قطارات عابرة للقارات تقترب في
    سرعتها سرعة الطائرات
    .


    أما في مجال التقانية
    الاتصالية، فالحديث عن القرية
    الالكترونية بات أقرب للواقع منه للخيال العلمي، فنحن من جهة
    في عصر يطلق عليه بالعصر
    التلفزيوني، يتحكم فيه عدد قليل من مالكي الامبراطوريات
    الاعلامية في العالم، ويتخذ
    من أوروبا والولايات المتحدة مركزاً له، فمنظومات المحطات التلفزيونية الفضائية التي أصبح من اليسير
    الحصول عليها من قبل
    شعوب العالم عبر الصحون المتوفرة حالياً بأسعار رخيصة، تبث ـ
    هذه المنظومات على
    مدار الساعة وبلا توقف ثقافات وقيم ورؤى لشعوب الغرب، بما يجعل
    الوقت بكامله مملؤا
    لحساب هذا المارد الجبّار، الذي يمارس عملية اغتصاب بشعة للوعي العام، عبر طيف من البرامج التي تعكس
    طرق حياة شعوب تختلف
    أو تتعارض جزئياً أو كلياً مع شعوب أخرى كشعوبنا. فالتلفزيون
    اليوم لم يعد وسيلة
    محايدة أو أداة تسلية، فهو يمارس أدواراً عدة فهو: يصنع وعي
    الجمهور بالاحداث، ويصوغ
    نظراتهم للاشياء، ويضع أجندة الافراد ويرتب أولوياتهم، اضافة الى
    ما يحدثه من اضطرابات
    اخلاقية وتبدلات سلوكية كبيرة، فهو ـ أي التلفزيون ـ مربية
    الكترونية للصغار، ومعلم
    ممتاز للكبار...فالبث التلفزيوني الواسع النطاق يتدفق عبر
    الفضاء ويخترق البيوت
    والقلاع المحصنة، ويصنع احلام وأوهام الجمهور، الذي يصبح بمرور الوقت
    قوة احتجاجية مدمرة،
    بحثاً عن الطريقة الخيالية للصورة المبثوثة عبر الشاشة الصغيرة،
    تماماً كما تفضي الالعاب
    الالكترونية المسلية الخاصة بالصغار، والمحمّلة بصور ومناظر عدوانية تشجّع على ارتكاب أبشع الجرائم.
    وجاءت شبكة الانترنت
    لاستكمال بناء القرية الالكترونية التي ستقفل ابوابها على
    سكانها نابذة كل مصادر
    التوجيه المحلي، مشكلة مجتمع بلا هوية وطنية ومقطوعة جذوره الثقافية والتاريخية.


    وفي المجال الاقتصادي، ستكون
    الاستعانة بالتكنولوجيا
    المتطورة خياراً كاسحاً تتظافر فيه جهود شركات تجارية عملاقة
    وخبرات علمية متقدمة،
    من أجل إرساء نظام اقتصادي دولي موحد يتمحور حول الغرب الرأسمالي،
    مؤسساً على ربط اقتصاديات
    شعوب ودول العالم بالاقتصاد الرأسمالي الغربي، عبر اقتصاد السوق، المدعوم من ترسانة الاعلام والقوة العسكرية والتحالفات السياسية المعقدة
    والاندماجات الكبيرة
    بين شركات عملاقة.


    هل من سبيل
    للخروج؟



    ثمة رهان كبير لدى نخبة من
    الاستراتيجيين والمفكرين
    في الغرب على وصول شعوب العالم الى قناعة بجدارة النموذج
    الغربي، بمعنى جدارة الحياة
    الغربية كما تنقل عبر الشاشة، وقد سمعنا عن الدعوات
    المتكررة للبلدان الشرقية من
    قبل قادة الغرب بأن تحذو هذه البلدان حذو خصمها التاريخي وتمثل سيرته،
    في التأسيس
    للبنات المجتمعات المدنية واقامة المؤسسات الديمقراطية، والتوسل
    بخيار اقتصاد السوق،
    ونقد الايديولوجيا المسيطرة والتخلي عنها لحساب الليبرالية
    الغربية، وتبديل النظم
    السياسية.


    وفي اعتقادي أن هذه التدابير ليست
    مقتصرة على البلدان
    الشرقية ـ الاشتراكية، وإنما هي تمثل في جوهرها شروط الغرب في
    تغيير وجه العالم،
    ويزيد في تعزيز هذا الاعتقاد ما ورد في خطاب الرئيس الاميركي
    كلينتون فور فوزه
    بالدورة الرئاسية الاولى، حيث أكد على نجاح الخيار الليبرالي ودعى الى تدويله. فهذا الخيار الأوحد كما يراه الغرب يصبح ضرورياً لشعوب العالم،
    والا فإنها "ستنتهي
    في وقت قريب الى الانهيار والزوال". على حد جاك اتالي.


    بيد أن من المغالاة التعويل
    بصورة كاملة على الخيارات
    القهرية، فذلك خلاف الطبيعية البشرية، زائداً إنه ليس من باب تسلية النفس أو بالاحرى خداع الذات، القول بأن
    هناك فراغاً خفياً
    في وعي الانسان بالمستقبل، بمعنى أن طاقة الانسان على التنبوء
    محدودة للغاية، كما
    أن هناك في الوقت نفسه الكثير من المفاجئات، والاحداث غير المتوقعة
    في جوف المستقبل
    .


    على أن هذا القول لا يثني عن
    التعامل مع الواقع
    كما هو، أي بما هو مجال لفعل الارادة البشرية، أما ما هو خارجها فذلك
    لا مجال للسيطرة
    عليه أو التحكم فيه. ولذلك فنحن هنا نتعامل مع أرقام وحقائق
    محسوسة ندرك من خلالها
    حاضرنا ونستشرف بها مستقبلنا.


    وما يجب الفات الانتباه اليه،
    أن تحولاً كبيراً
    حسب المعطيات الراهنة يشهده العالم حالياً، ويراد لهذا التحول أن
    يعيد تجميع القوة
    في قبضة الغرب (=أوروبا والولايات المتحدة)، وسيخضع بلدان العالم
    لعملية استتباع شامل،
    وسيجرّد هذه البلدان من كافة وسائل القوة الضرورية، بما يحيل
    شعوب العالم الآخر
    الى مستهلكين جدد للمنتج الغربي: تجارياً، اعلامياً، عسكرياً،
    ثقافياً، وسياسياً،
    فيما سيتحول الغرب الى مجرد صانع أزمات وحلال مشاكل لبلدان
    العالم الآخر
    .


    إن البحث عن حلول سحرية يصبح
    مجرد اعانة اضافية على
    تسريع وتائر التحول، الامر الذي يعزز من ايجاد حلول واقعية
    للمشكلة، فهناك خطوط
    عريضة لمجابهة أخطار التحول القادم، يمكن ايجازها على النحو
    التالي
    :


    ـ مراجعة شاملة وجريئة لوعينا
    الثقافي وذاكرتنا
    التاريخية، سعياً الى فهم واقعنا وبحثاً عن أسباب نهوضنا،
    فهناك معوقات ثقافية
    تساهم بدرجة كبيرة في انحباسنا ضمن أفق ضيق في التفكير
    والعمل، ولا بد من تحرير
    هذا الوعي من كل معوقات النهضة مسترشدين بالسيرة الحافزة، ودحض
    كل المبررات الوهمية
    التي تحول دون صحوتنا، وهذه المراجعة اذا ما تمت كفيلة بأن تحد
    من التأثيرات السلبية
    للموجات الثقافية الاجنبية القادمة عبر المحطات الفضائية،
    شريطة أن تضع المراجعة
    الاصبع على مشكلاتنا الحقيقية، وأن تتسلح بجرأة كبيرة في نقد
    ماضينا وحاضرنا، وفي
    نفس الوقت قادرة على توفير حلول مناسبة لتسوية تناقضاتنا
    العاجلة والآجلة
    .


    ـ تصفية النزاعات الداخلية:
    ثمة نزاعات داخلية
    تحركها عوامل اجتماعية وسياسية وايديولوجية، أفضت الى تصدعات في
    بنية المجتمع، وباتت
    تنذر بانهدامات خطيرة، تلك النزاعات القائمة على اساس الفروقات
    القبلية، أو الانتماءات
    الحزبية المتنوعة، أو الاختلافات المذهبية.


    ـ إرساء تقاليد للحوار: فقد
    بات الحوار خياراً جماعياً
    وضرورة من أجل سلامة المركب ومن ثم سلامة الركاب، ويجب تعميم
    هذه التقاليد على البيت،
    والحي، والمعمل، والسوق، والمسجد، والنادي فتصبح لغة الحوار
    حاكمة بين كافة فئات المجتمع،
    وبين المجتمع والدولة، إذ لا سبيل سوى الحوار من أجل احباط مبررات
    العنف والتطرف والجريمة
    والتخلف.


    ـ بناء الثقة: فقد دفع الجميع
    ثمناً باهضاً بسبب
    انعدام الثقة، دفعناها من أمننا الفردي والاجتماعي والوطني،
    ودفعناها من امكانياتنا
    الاقتصادية، وقدراتنا البشرية، ودفعناها من استقرارنا السياسي،
    ودفعناها من تطورنا
    العمراني، وبات الكل يبحث عن مصادر ثقة أخرى وفي الغالب
    خارجية، وهي مصادر ليست
    حريصة على مصالحنا، بل مصلحتها في استمرار تمزقنا وتشظينا.


    إن بناء الثقة يستند على
    استشعار أخطار غياب الثقة،
    والاستعداد المبدئي على ازالة اسبابها، ولعل من هم أهمها:
    الانحباس ضمن دوائر انتماء
    ضيقة: اقليمية وايديولجية وقبلية، واعتبار هذه الدوائر المجال
    النهائي الذي يتحرك
    فيه الافراد، ويحققون فيه ذواتهم، ويلبون فيه طموحاتهم فيما
    الضروري يكون باندياث
    هذه الدوائر في دائرة الانتماء الاكبر أي دائرة الوطن. لقد شهدت مجتمعاتنا انفتاحاً على الخارج دونما
    ضوابط أو شروط أو معوقات،
    فيما أهملت الانفتاح على الداخل، أي انفتاح المجتمع على نفسه،
    بمناطقه، وطوائفه، وقواه
    الاجتماعية.


    ـ بث ثقافة نهضوية شاملة، تساعد
    على اكتشاف طاقات
    أبناءنا وتوجيهها في خدمة مشروع البناء الحضاري لبلداننا،
    وتزرع روح المسئولية
    في كل أبناء المجتمع لجهة تكريس الجهود الفردية والجماعية
    للانخراط في مشاريع
    التنمية، وسن قوانين جزائية صارمة من اجل القضاء على الفساد
    الاداري المتسرب الى
    مؤسساتنا التربوية والاقتصادية، ومنح المخلصين وأصحاب الكفاءات العالية فرص المشاركة في البناء والاعمار، وتوفير الحوافز الضرورية من اجل تشجيع
    أصحاب رؤوس الاموال
    على استثمار أموالهم في مشاريع اقتصادية تنموية تساهم في حل
    مشكلات راهنة كالتوظيف،
    كما تساهم في بناء مستقبلنا الاقتصادي.





    آفاق التنمية
    السياسية في الخليج العربي



    لم يحظَ موضوع الإصلاح السياسي
    في دول الخليج العربية
    سوى باهتمام قليل من قبل المهتمين والباحثين. وجرت العادة ـ خاصة في الدراسات الأكاديمية الغربية ـ النظر الى
    تلك الدول من زاوية
    اقتصادية بحتة، كمنتج للنفط ومستهلك للبضائع الأجنبية، ومدى
    تأثيرها في الإقتصاد العالمي
    والى حد ما دورها (أو دور بعضها) في حركة السياسة الإقليمية.
    ولذا فإن الكتابات
    حول طبيعة النظم السياسية في الخليج وعلاقتها بعامل الإستقرار
    الداخلي والمنطقة قلّما
    بُحثت، وفي أكثر الأحوال يتم التعاطي مع المنطقة كما لو كانت
    مجرد بئر نفط بحاجة
    الى حماية أجنبية من أطماع دول الجوار، وأن شعوبها متخلفة عن
    الركب الحضاري وتقتات
    على ثقافات وانتماءات عفا عليها الزمن، فهم من وجهة النظر هذه
    مجرد أثرياء يعبثون
    بكميات هائلة من النقد ويبعثرونها هنا وهناك. هذه الصورة النمطية الماثلة في أذهان عرب وأجانب كلما ذكر
    الخليج وأهله أخذت
    بالتغيّر، وحظي الوضع السياسي في المنطقة خلال العقد الماضي
    باهتمام أكثر جدية وإن
    كان في مراحله الأولى بحيث أن دراسات مستفيضة لشؤونه الداخلية،
    السياسية منها بشكل خاص،
    بدأت تظهر في الحقلين الاكاديمي والصحافي.


    وإذا كان ينظر الى التنمية
    بمفهومها العام على
    أنها عملية شاملة ذات مضامين اقتصادية واجتماعية وسياسية، أي انها عملية لا تقبل التجزئة ، وأن أي
    تحوّل في أحدها يقود دون
    مناص الى تحوّل وتغيير في البقية، وهذا ما استقرّ على تعريفه
    معظم الباحثين.. فإن
    التنمية الإقتصادية والإجتماعية في دول الخليج لم تبحث سوى في
    اطارها الإقتصادي
    والإجتماعي كالتعليم والصحة والخدمات الإجتماعية وإيجاد قاعدة صناعية وتوزيع الثروة وما أشبه. لكن
    التنمية السياسية
    كنشاط يقوم به المواطن العادي من أجل التأثير في صناعة القرار
    الحكومي، ظلت الغائب الأكبر
    لدى صانع القرار، ولدى الباحثين والكتاب، الأمر الذي أدى الى
    التشكيك في حتمية (شمولية
    ) التنمية، بالنسبة لبعض الدول، خاصة الريعية منها، أي تلك الدول
    التي تعتمد على مصادر
    دخل غير (الضرائب) وتقوم بصرفها على التنمية.


    هناك من يجادل أن التنمية
    في دول الخليج لا تستدعي
    بالضرورة تضمين الجانب السياسي، أي أنها لا تقترن بالضرورة مع
    المشاركة الشعبية
    في صنع القرار ولا مع تحويل الأنظمة السياسية فيها من أنظمة تقليدية
    تعتمد في شرعيتها
    وبقائها على معايير وقيم غير متوائمة مع متطلبات الدولة
    الوطنية الحديثة، الى أنظمة
    تحظى من خلال الإختبار والإختيار الشعبيين بدعم جمهورها وتشرعن
    نفسها عبر صناديق
    الإقتراع وإشراك المواطنين في العملية السياسية.


    لا شك أن هناك تماثلاً يصل
    في بعض الأحيان الى
    حد التطابق بين دول الخليج في توصيف أنظمتها والنسيج الإجتماعي
    فيها، كما لا شك أن دول
    الخليج في مجملها تختلف عن بقية البلدان العربية فيما يتعلق
    بموضوع التنمية السياسية،
    لكن هذه الفوارق الناشئة من طبيعة الأنظمة نفسها ومن القيم
    الحاكمة في مجتمعاتها
    لا تجعلها تصل الى حد اعتبارها نسيجاً خاصاً لوحده لا تنطبق عليها
    موازين التغيير وسنن
    الكون. وهي بهذا لن تخط منهجاً معزولاً عمّا يجري في العالم،
    وتنشئ لنفسها تجربة
    خاصة بها مقطوعة الصلة ومختلفة الى حد التناقض مع ما يحدث في بلدان
    العالم الأخرى
    .


    ربما لم يكن موضوع التنمية
    السياسية ملحاً في
    معظم دول الخليج ـ مع تفاوت درجة الحاجة ومقدار الالحاح في كل
    دولة على حدة ـ لأسباب
    وظروف سياسية وثقافية واقتصادية وتاريخية، وهذه العوامل هي ما
    يجب مناقشته، لمعرفة
    ما إذا كانت التنمية السياسية أمراً لا مفرّ منه، أي توافر
    الشروط الموضوعية لتحديث
    بنى الدولة السياسية.


    هناك ثلاث مقاربات لموضوعة
    التنمية السياسية
    : أولها يربط
    التنمية السياسية بمقدار ما
    يتحقق من إنجاز في مجالي التنمية الإقتصادية والإجتماعية. أي أن
    التنمية السياسية تبدو
    هنا كما لو كانت ناتجاً أو مخرجاً للتنمية الإقتصادية
    والإجتماعية. فالتطور الإقتصادي
    والإجتماعي وفق هذا الرأي سيؤدي الى تطور في التنمية السياسية
    والممارسة الديمقراطية
    . أما المقاربة الثانية فتربط مؤسسات النظام السياسي بالتنمية
    السياسية، فبناء الأمة
    (Nation-Building) وتطور
    الهيكل الإداري
    للدولة من جهة الإنسجام والمطواعية تجاه التغيير وتحقيق قدر من
    الإستقلال لأجزائه
    وانسجامها مع باقي المؤسسات، مؤشران الى إمكانية تطور في
    الممارسة والتنمية السياسية
    . في حين يربط أصحاب الرأي الثالث بين التنمية السياسية والقيم
    السياسية السائدة في مجتمع
    ما. فهل هذه القيم تتواءم مع التغيير والتطور والديمقراطية (أو
    الشورى)، وهل تعنى بعملية
    حشد الجمهور وإشراكه في العملية السياسية أم تعتبرها حقاً
    مقدساً مقصوراً على (نخبة
    النخب)، وهل إقحام الجمهور في الشأن السياسي مرتبط بإرادة النخبة
    الحاكمة؟



    بقدر ما يتعلق الأمر بدول
    الخليج فإن أول ما
    يتبادر الى الذهن الجدل حول طبيعة دور (الدولة الريعية) وقدرتها على تقليص هامش إمكانية الإصلاح والتنمية
    السياسيين. فقد لعبت
    الدولة الريعية في الخليج والجزيرة العربية دورين متناقضين، فمن
    جهة سلبية، ساعدت
    الثروة في تعزيز جهاز السلطة الأمني والعسكري، وعززت مركزية اتخاذ
    القرار، وتأميم قنوات
    التعبير. كما ساهمت الثروة في إشغال المواطنين الخليجيين عن الموضوع
    السياسي والمشاركة
    في صناعة القرار في الجملة بل أضعفت الحاجة وربما التطلّع الى
    اقتحام التابو السياسي
    وممارسة النقد العلني حتى في حدوده الدنيا. بالنسبة لكثير من مواطني الخليج بدت المشاركة السياسية كما لو كانت
    وسيلة لأهداف أخرى
    يمكن تحقيقها عبر التوظيف وتحسين الوضع المعاشي، وهي بهذا
    تعوّض على الأقل عن المشاركة
    في صناعة القرار والتأثير فيه. ومن جهة إيجابية ثانية، كان لا
    بدّ لدول الخليج
    التي خاضت بعمق آفاق التنمية الاقتصادية والإجتماعية أن تواجه
    آثارها في ميدان
    السياسة أيضاً، والتي يمكن ملاحظتها في الميادين التالية:


    1 ـ قادت عملية التنمية (أو
    التحديث) الى تطوير في
    ميدان التعليم، وخلقت نخباً متعلّمة كانت في أشد الحاجة اليها
    في جهازها البيروقراطي
    الذي كان في طور النمو السريع. لم تكن هناك مشكلة في بداية الأمر،
    فقد كان من السهل
    احتواء معظم إن لم يكن كل النخب المتعلمة في الجهاز الوظيفي
    للدولة، وإن كان الإحتواء
    قد عنى بالدرجة الأولى الجانب الإقتصادي والمعيشي لتلك النخب،
    التي حصل بعضها على
    مواقع مهمّة لبّت حاجة معنوية لديها. ولكن هذه النخب التي نمت في
    رحم الدولة صعب كبح
    تطلعاتها السياسية والنظر الى (الأعلى) من أجل المساهمة في صناعة القرار السياسي. ومع انكماش قدرة الحكومات الخليجية ـ كما في السعودية ـ في
    استيعاب النخب الجديدة
    ضمن قنواتها الإقتصادية إما بسبب استكمال بناء الجهاز
    البيروقراطي أو لصعوبات اقتصادية
    بدأت بالظهور منذ منتصف الثمانينات، تضاعف حجم الأزمة وتزايدت
    الدعوة الى الإصلاح
    السياسي والى المحاسبة والشفافية وحرية التعبير وما أشبه.


    أما النخب (العسكرية) فقد كان تأثير التحديث عليها أكثر وضوحاً من خلال
    محاولات الإنقلاب
    العسكرية المتتالية والفاشلة والتي عكست تطلعاً متزايداً نحو
    حيازة السلطة، يعضدها
    في ذلك محاكاة تجارب مجاورة، وحيازة تكنولوجيا حديثة تشجّع على
    المغامرة
    .


    ربما يمكن القول، أن النخب
    في الخليج والتي كانت
    وربما لاتزال أقل تمظهراً في نشاطها السياسي من مثيلاتها في الدول
    العربية، رغم أنها
    تفوقها من ناحية النسبة العددية، بدأت على استحياء أولى خطواتها وتفاعلها مع حركة السياسة في بلدانها، باحثة لها عن دور تلعبه من بوابة
    الدعوة لضرورة الإصلاح
    السياسي.


    2 ـ إن التنمية الإقتصادية
    والإجتماعية هي
    في الغالب عملية غير متوازنة. فبعض المناطق وبعض الطبقات
    الإجتماعية والجماعات الأثنية
    أو الدينية/ المذهبية تكون مهيّأة أكثر من غيرها لاستثمار
    العملية التنموية والإفادة
    منها، وهي بالتالي أكثر إلحاحاً على المشاركة السياسية، إمّا لكونها
    قد سبقت غيرها في
    ميدان التعليم والنمو الإقتصادي والخدمات الإجتماعية فتكونت
    لديها الحاجة ونما عندها
    التطلّع وتهيأت لاستثمار الفرص المتاحة أمامها نحو المشاركة
    السياسية، وإما بسبب
    عكسي تماماً، أي أنها قد تكون أكثر حرماناً وأكثر التصاقاً
    بهويّاتها الخاصة (مناطقية
    أو قبلية أو طائفية) وتجد في موضوعة التنمية السياسية مخرجاً لها
    من وضعها الثانوي،
    ومعاملتها الدونيّة، وهي بالتالي تصرّ في المطالبة من أجل
    رفع مستواها الى مستوى
    الجماعات والمناطق الأخرى.


    إذا أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة
    التعدد الثقافي في
    الدول الخليجية، أو بعضها على الاقل، فإن عدم التوازن هذا
    والمتزامن مع تسويد ثقافة
    معيّنة أفرز جماعات منظمة ومعارضة. وبالقدر الذي تدخّلت فيه
    الدولة في حياة الأفراد
    (مستوى معيشتهم وتعليمهم وتوظيفهم وأنماطهم الثقافية) فإن عدداً
    غير قليل منهم دخلوا
    الى السياسة وتعاطوا معها من الزاوية الثقافية/ الدينية والإقتصادية لحماية مصالحهم، سواء كانوا أفرادا أو جماعات. وهذا عامل آخر يدفع باتجاه تطوير
    الهياكل السياسية
    الخليجية.


    بيد أن هناك رأياً يربط
    بين "المساواة
    " وتحقق المشاركة السياسية (أو بصورة أدق الديمقراطية). فكلما
    زادت الفوارق بين الأفراد
    والمناطق في الثروة والمكانة الإجتماعية والخدمات العامة،
    ابتعد المجتمع عن نظام
    الحكم الديمقراطي الذي هو مؤسس من الناحية المفهومية على
    المساواة السياسية. ولا
    يخفى أن مواطني عدد من دول الخليج تعاني من مشكلة التفاوت في
    التنمية والثروة وغيرها،
    وهي بقدر ما تدفع بالفئات المضطهدة للولوج الى
    عالم السياسة، فإنها
    تدفع بفئات أخرى للحفاظ (سياسيا) على الوضع الراهن الذي يحفظ لها تميّزها
    واستمتاعها
    بالثروة والمكانة الإجتماعية. لا يعني هذا بالضروة أن
    المساواة الإقتصادية بين
    المواطنين تقود الى تنمية سياسية، بالرغم من حقيقة تفاعل موضوعي
    المشاركة السياسية
    والمساواتية الإقتصادية والإجتماعية. ولربما يمكن الجدال
    بأن الدول الخليجية
    الأقل توازناً في تحقيق المساواة الإقتصادية والإجتماعية هي الأبعد
    عن الإصلاح السياسي
    بشكل عام، ونخص هنا بالمثال: السعودية.


    3 ـ أيضاً فإن عملية التنمية
    أثرت بشكل كبير على علاقة
    الدين بالدولة، وجعلت من الدين البوابة الواسعة التي يمكن أن
    يأتي عبرها أو بسببها
    الإصلاح السياسي. من الواضح أن أنظمة الخليج السياسية، وخاصة في
    المملكة، حريصة كل
    الحرص على عدم إقحام الجمهور في الشأن السياسي، رغم الحاجة الملحة
    اليه في احيان كثيرة
    . فالسياسة
    شأن خاص، ولكن الدين شأن عام،
    والمؤسسة الدينية ـ كما هي في المملكة ـ ومن الناحية النظرية لا
    تمثل جهازاً من
    أجهزة الدولة، ومشرعنة لنظام الحكم فيها فحسب، بل هي من
    الناحية النظرية (شريك سياسي
    ). مثل هذه المؤسسة تطورت وتوسع دورها بسبب عملية التحديث
    المتواصلة، وصارت لها جامعاتها
    وإعلامها الخاص بها، إضافة الى سلطاتها القضائية والرقابية
    والأمنية. وإن توسّع
    هذا الدور لا شك أقحمها في السياسة لمواجهة منظومة القيم الوافدة،
    عبر تحشيد الجمهور
    وتغذيته بثقافة خاصة ودفعه لأعمال تستبطن فعلاً سياسياً وتستهدف
    تغييراً في آلية
    صنع القرار. حدث هذا في مصر واندونيسيا والباكستان وحتى بين
    البوذيين في فيتنام
    .


    وإذا كانت الحكومات
    الخليجية قد أغلقت بوابة
    الحشد والتعبئة السياسيين على أسس وطنية، فإن المؤسسات الدينية
    والرديفة لها تقوم
    اليوم بهذا الدور التعبوي للجماهير، سواء كانت تلك المؤسسات
    تستوعب كامل الجمهور
    الخليجي، أو شرائح منه. فسكان المدن والوافدون اليها، والطلبة
    والعمال وموظفو الدولة
    هم ممن يقع تحت تأثير تلك المؤسسات الدينية، وهي الأقدر على
    إقحامهم في الفعل السياسي
    عبر الحشد الجماهيري عاطفياً. ولا تكمن قوة هذه المؤسسات
    الدينية في برنامجها
    بقدر ما يكمن في قدراتها الهائلة على الحشد الجماهيري الذي تخلّت
    عنه حكومات الخليج،
    لأن بعضها على الأقل يعتبره مؤشر خطر، ويتطلب إيجاد أيديولوجيا
    وطنية ومفاهيم جديدة
    تُبنى عليها شرعية الدولة ونخبها الحاكمة. ومن شبه المؤكد أن التنمية السياسية إن لم يتم تبنيها من صانع
    القرار السياسي الخليجي،
    فإن الجمهور سيتبناها وقد لا يجد بوابة أخرى أسهل من البوابة
    الدينية ليعبّر عن
    ذاته من خلالها.


    4 ـ رافقت عملية التنمية ثورة في
    الإتصالات، والإعلام
    الجماهيري، وقد استفادت دول الخليج من ذلك في عملية التأطير الذهني والثقافي لمواطنيها، وكانت الى وقت قريب قادرة على التحكّم بما يسمع وما
    يشاهد، الأمر الذي
    أضاف اليها قوّة غير عادية. لكن ثورة الإتصالات والمواصلات والإعلام،
    بدأت منذ عقد تميل
    الى غير صالح التوجّهات السياسية والثقافية الحكومية، وما عادت
    أجهزة الرقابة قادرة
    على تغذية الشارع بثقافة وتوجهات الحكومات الأحادية ومنع غيرها
    الاتي من الخارج من
    مواجهة التأطير للعقل الجماهيري. لقد دفعت أجهزة الإتصال بجموع كبيرة نحو الإهتمام بالسياسة قسراً، سواء
    من خلال المقارنة
    بالآخر من خلال الإتصال المباشر عبر السفر، أو عبر التواصل
    الإعلامي والفضائيات والإنترنت
    . وهذا ما جعل الشعوب الخليجية أقدر على تشكيل صورة واضحة للوضع
    السياسي الداخلي، واعتبر
    مسؤولو الإعلام المحلي الأمر مجرد غزو ثقافي من الخارج لا يستطيعون مواجهته بالرقابة أو بتقديم بديل منافس
    أو قادر على المنافسة
    . معنى هذا،
    أن التبريرات الثقافية والتأطير
    الذهني في ميدان السياسة لم تعد ممكنة، وأن المرتكزات التي
    تقوم عليها شرعنة العمل
    والممارسات السياسية القائمة قابلة للجدل والطعن.


    مخاوف وتحفظات


    بيد أن هناك مبررات أو تحفظات
    أو حتى مجرد ذرائع
    فيما يتعلّق بفصل التنمية السياسية عن المجرى العام للتنمية الشاملة، فالتنمية السياسية ـ بنظر بعض
    الباحثين والسياسيين
    ـ تؤدي الى خلخلة وحدة الدولة والى ظهور العنف المحلّي بالرغم
    من حقيقة
    أن العنف المحلي مجرد ناتج
    لغياب التنمية السياسية
    وليس لوجودها، وتجربة البحرين
    الحاضرة
    تشير الى
    ذلك بوضوح. هناك في دول الخليج
    من يعتقد أن النزعات القبلية ـ بالشكل الذي شهدناه في الكويت ـ
    وكذلك احتمالات التصويت
    على أسس طائفية كما هو موجود الى حد ما في الكويت والأكثر
    احتمالاً في الوقوع في
    البحرين مستقبلاً، يبرران عدم الإقدام على الإصلاح السياسي وإشراك الجمهور في صناعة القرار. ويستشهد
    بهذا لإثبات أن الجمهور
    الخليجي غير مهيّأ وغير ناضج سياسياً. وينقل المرحوم جلال كشك، أن
    حاكم دولة خليجية
    راحل وبّخ مثقفاً اقترح إجراء انتخابات وأشار اليه بأنه لن
    ينجح فيها لو حدثت بل
    رؤساء القبائل والتجار والمشايخ.


    ومع أن التصويت على أسس أثنية
    أو قبلية أو مناطقية
    أو دينية أو عرقية أمرٌ مشهود في كل ديمقراطيات العالم ولا يحتاج الى
    إثبات كما أنه ليس
    مدعاة للإحتجاج، يضاف الى أنه لا يعني بالضرورة تهديد وحدة الدولة
    وتهديد سيادتها. نعم،
    في عدد من الدول في العالم فإن العملية الإنتخابية وبسبب
    تعددية المجتمع وانقسامه
    الداخلي، لم تكن كافية (وليس لم تكن صالحة وجرى التنكّر لها)
    فأضيف اليها عمود آخر
    يسندها، ويرقع حالة الإنقسام فيها، وهي حصحصة الحكم بين
    الفئات السكانية حسب انتماءاتها
    العرقية واللغوية وفق عددها، ضمن عملية سُمّيت بـ
    (الديمقراطية الإجماعية) إن صحّت
    الترجمة (consociationalism) بالشكل
    الموجود في
    بلجيكا وسويسرا وماليزيا ولبنان. ما يهدد وحدة الدولة هو غياب
    المشروع السياسي الحافظ
    لوحدتها، ومركزية الدولة الشديدة، واستئثار الجهوية بالحكم على
    قاعدة الإنتماءات غير
    الوطنية. نعم، ربما تؤدي العملية الديمقراطية الى تعزيز تلك
    الإنتماءات في بداية التجربة،
    وقد تستمر معها، ولكن الذي يبقى هو الهوية الوطنية والإجماع
    الوطني، والإنتماء الكبير
    . بمعنى ان دولة ما قد تكون مهددة بالإنقسام، إذا لم تستطع خلق هوية
    وطنية وإجماعاً وثوابت
    وطنية في السياسة والإقتصاد والثقافة، وتأتي الديكتاورية لا
    لحلّ مشكل التعدد،
    بل لإلغائه على السطح، دون الوصول الى عمقه ومصدره، فإذا ما خفّت
    وطأة القمع انتشرت
    المطالب الإنفصالية كالفطر على السطح وحينها تكون الديمقراطية غير
    جاذبة فضلاً عن أن
    تشكل حلاً لمحنة الدولة نفسها.


    ومع أن دول الخليج ليست معنية
    بالموضوع آنف الذكر،
    اللهم إلا في المملكة، بسبب طبيعة نشأتها الإمبراطورية، وضعف
    الهوية الوطنية بداخلها
    مقابل الإنتماءات القبلية والمناطقية والطائفية، إلاّ أنها في المجمل لا تستطيع ان تبرر العزوف عن
    الإصلاح السياسي بحجّة
    الخوف على الأمن وعلى الوحدة الوطنية. فالتنمية السياسية المتوازية مع الدمج الوطني والنمو
    الإقتصادي كفيلان بإبعاد
    المخاطر التي تأتي بها عملية التحديث فيما يتعلق بتعميق
    الإنقسامات الداخلية وتأكيد
    الهويات الفرعية.


    لكن ما يخفى وراء هذه
    التبريرات أمرٌ أخطر. فالتنمية
    السياسية تعمّق شعور المواطنة، وتأتي بالمساواة السياسية، وتقضي ـ
    وهذا مهم ـ على مصالح
    فصيلية وجهوية تستأثر بالحكم ومنافعه. لا نشير هنا الى العائلات الحاكمة بقدر ما نشير الى طبقة
    مستأثرة معرّفة الإنتماء
    الديني والمناطقي تستحوذ على جهاز السلطة الديني والسياسي
    والإقتصادي والعسكري
    وتعتبره حقاً لا يمكن التفريط فيه. وهذه الطبقة رغم مواصفاتها
    اللبرالية والعلمانية
    من الناحية النظرية فهي نخب طائفية على الصعيد العملي، وهي
    تميل الى الإقصاء على
    قاعدة الإختلاف الديني والثقافي والمناطقي وربما القبلي، وفرض
    الهوية الخاصة بها
    على غيرها. وهي بهذا ترفض الإصلاح السياسي الذي يؤدي الى إشراك
    آخرين وتقليص ما في
    اليد من منافع. وهي هنا تختلف من حيث الدوافع عن العوائل الحاكمة في
    تخوفها من التحول
    الديمقراطي، وعن المؤسسات الدينية التقليدية التي تحاول شرعنة
    الوضع القائم ورفض الآتي
    باعتبار أن لا "ديمقراطية" في المفهوم الإسلامي، وكأن
    الديكتاتورية القائمة
    لها ما يعضدها من نصوص في الشرع!


    يقال وهو صحيح الى حد بعيد
    أن سبب غياب التنمية
    السياسية أو ضعفها في دول الخليج، يعود في جذره الأهم الى أن
    الضغط الآتي من القاعدة
    الشعبية ضئيل، إما لافتقاد مبرراته عند البعض، أو لشعور طاغ
    بالخوف من السلطات،
    أو لغياب أو ضعف في الثقافة السياسية الصحيحة التي لا تفصل بين
    المواطنة الحقيقية والمشاركة
    السياسية، وسيادة رأي يميل الى الأخذ بنخبوية ممارسة السياسة،
    وشرعية حكم الغلبة. ولهذا
    السبب وغيره، بقيت دعوات الإصلاح محصورة في قطاع صغير من النخب
    الخليجية، وهي في
    أكثرها كانت عرضة للقمع (المعتدل!) بالقياس الى ما يجري في دول
    أخرى، فالإعتقالات قصيرة
    الأجل والمنفى كانا السمة الغالبة في بلدان الخليج، وربما كان
    العقاب الأكبر يتمحور
    في جوانبه الإقتصادية أكثر من غيرها، وقليل من النخب ـ ورغم توافر
    الفرص لديها ـ طوّعت
    متطلباتها المعيشية خارج إطار الجهاز الحكومي.


    هناك رأي آخر يتحفظ على
    التنمية السياسية بأنها
    تفسح المجال والفرصة لظهور العنف المحلّي، فالإختلافات بين
    الجماعات الدينية والسياسية
    والفكرية ستطفو على السطح وربما تفضي الى صراع علني حاد بين هذه
    الجماعات، الأمر
    الذي يعزز الإنقسام الداخلي بدل أن يلحمه، وقد يدفع بعضها الى
    الإحتكام للسلاح لتعويض
    خسارتها في الشارع، خاصة إذا ما كانت هذه الجهات مسيطرة عليه في
    غياب المنافس في
    فترة ما قبل التحول السياسي، إما لأنه كان مقموعاً، فظهر بقوة
    على السطح في ظروف الإنفتاح،
    أو لأن منافسته كانت قويّة بالشكل الذي تجعل اللعبة السياسية
    غير مغرية للخاسرين
    . ويعتقد
    أصحاب هذا الرأي أن على الدولة تنظيم
    العملية السياسية فيما اذا اضطرت اليها بالشكل الذي يوازن بين
    القوى على أسس مختلفة،
    أي توزيع الحصص على اللاعبين بغض النظر [font:5812=&am
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:43 pm

    البدو عند الرحالة
    الغربيين
    :


    1- كتاب البدو: موسوعة المستشرق الالماني ماكس فون اوبنهايم حول القبائل العربية


    يعتبر كتاب "البدو"
    للمستشرق الالماني ماكس
    فرايهير فون اوبنهايم في مجلداته الخمسة، الذي صدرت ترجمته الى
    العربية (دار الوراق
    2004 )، نتاج بحوث ودراسات معمقة استغرقت اربعين عاما قضاها المؤلف في الشرق الاوسط. إبراهيم الحيدري يعرفنا بهذا العمل الضخم


    درس فون أوبنهايم خلال فترة
    إقامته الاوضاع الجغرافية
    والتاريخية والاقتصادية والسياسية لسكان الصحراء العربية، خصوصا
    العشائر العربية
    في الجزيرة العربية من حيث انماط حياتها واساليب انتاجها
    وترحالها وديارها، وعشائر
    العراق وسوريا وشمال الجزيرة العربية ووسطها والاردن والحجاز
    وفلسطين وسيناء وشط العرب
    .


    شارك اوبنهايم في انجاز موسوعته ارش
    بروينلش وفيرنر كاسل
    وصدرت تباعا باللغة الالمانية في خمسة مجلدات ظهرالجزء الاول منها في لايبزغ سنة 1939، والثاني في 1943، والثالث في 1952، والرابع في 1967
    والخامس في 1968
    .


    وكان اوبنهايم اخذ في الاعتبار جميع
    ما كتب ونشر (ولم ينشر
    ) من مؤلفات ومخطوطات وإحصاءات ووثائق وخرائط ومواد اثنوغرافية حول
    العشائر البدوية
    ونمط البداوة والترحال. ولذلك جاء الكتاب دائرة معارف شاملة حول
    جميع العشائر
    العربية في الجزيرة العربية:


    من جنوب الاناضول شمالا، حتى
    جنوب الحجاز، ومن
    الجنوب الشرقي لايران شرقا حتى سواحل البحر الابيض المتوسط والاحمر
    غربا. الى جانب
    العشائر ذات الاصول غير العربية التي تعيش في منطقة الشرق الاوسط،
    وكذلك العشائر
    الكردية والتركمانية واليزيدية والجركسية وغيرها.


    كتاب للعامة والمهتمين


    كتب هذه الموسوعة بأسلوب علمي
    ومنهجي وبأسلوب سهل
    الفهم عموما، ولهذا فهي ليست للمتخصصين فحسب، بل لكل من له اهتمام بموضوع العشائر العربية وفروعها
    وانسابها وديارها ومناطق
    ترحالها وثقافتها المادية والمعنوية، وكذلك عن الرحالة والمستشرقين الاوربيين خصوصا الالمان منهم،
    الذين رحلوا الى الجزيرة
    العربية واطرافها وكتبوا عن اقامتهم بين العشائر البدوية، وعن
    الصراعات والغزوات
    في ما بينهم من جهة ومع الدول والحكومات من جهة اخرى.


    لقد احب اوبنهايم حياة الصحراء
    في بساطتها ونقاوتها
    وكذلك في حريتها وخشونتها، مثلما احب البدو وقيمهم وعاداتهم
    وتقاليدهم وشجاعتهم. وبحسب
    قول اوبنهايم، فالبدوي شجاع وكريم ومحب للحرية ومحارب ومضياف في الوقت نفسه.


    وقبيل رحلته الى وسط الجزيرة
    العربية طلب مدير
    البنك الالماني جورج فون سيمنس ان يترأس بعثة استطلاعية يمولها
    البنك لوضع مخطط
    لمشروع بناء خط قطار بغداد برلين. وقد استطاع اوبنهايم تحقيق رغبة
    رئيس البنك الالماني
    في وضع دراسة خاصة حول افضل الطرق لمد خط قطار بغداد - الموصل -
    حلب
    .


    وخلال عمله في تلك المنطقة
    التي اطلق عليها "برستد
    " اسم " الهلال الخصيب"، والتي تعتبر منطقة نشأت فيها في
    عقود سابقة دولا وامارات
    مزدهرة، ومركزا لدولة عريبة قديمة ازدهرت في الألف الثالث قبل
    الميلاد وسيطرت على
    القسم العربي في الشرق الاوسط وكانت عاصمتها "تل حلف" عند رأس العين.


    وقرب وادي حلف قامت ايضا دولة
    "مثياني" وهي امارة
    عربية تعود الى الالف الثاني قبل الميلاد وعاصمتها
    "واشلوكاني" وقد اسعف الحظ
    اوبنهايم باكتشافه منبع نهر الخابور عند رأس العين، وهو النهر
    الوحيد الذي يصب في
    نهر الفرات.


    دراساته حول القبائل العربية


    ويمثل اكتشاف اوبنهايم لآثار
    تل حلف مدخلا واسعا
    لمعرفة الشرق الاوسط وحضارته، ما يشكل تعميقا لمعارف اوبنهايم حول مجتمع البدو والبداوة الذي عاش فيه
    وعايش افراده. كما
    ان هذا الاكتشاف جعله يحصل على امتياز من الحكومة التركية للقيام
    بالحفريات اللازمة
    هناك.


    غير ان التزامه بوظيفته حال
    دون الشروع في الحفريات
    والتقنيات الآثرية، الا بعد مرور عشر سنوات اذ ترك وظيفته
    الدبلوماسية ليتفرغ للحفريات
    والتقنيات اللازمة التي استمرت بين عامي 1911- 1913 وبين عامي 1927- 1929. وقد تم العثور على آثار فريدة لحضارة وادي
    تل حلف، وهي معروضة
    في متحف تل حلف في برلين.


    كما نشر اوبنهايم كتابا حول
    "حضارة جديدة في
    وادي الرافدين" في لايبزغ عام 1931، وكذلك اصدر دليلا لمتحف تل
    حلف في برلين عام 1934
    . وخلال اقامته في وادي تل حلف لتنفيذ الحفريات والتقنيات الاثرية اقام
    علاقات وطيدة مع
    العشائر البدوية هناك، وزار شيوخ العشائر.


    وكان اوبنهايم خلال تلك الفترة يوجه
    اهتمامه الى دراسة
    الدين عند البدو ايضا وكذلك القصص والاساطير والخرافات التي
    يتداولونها. كما حصل على
    معلومات حول الطرق الصوفية وكذلك الغزوات والحوادث المهمة في
    حياتهم. وقد اخذ للبدو
    وشيوخهم صورا فوتوغرافية عدة بنفسه. ونشر هذه الصور وصورا لبعض
    مساعديه في كتاب
    " العشائر
    البدوية" وكذلك في كتابه "حياة
    وحضارة البدو".


    ومن انجازاته العلمية وضع جداول
    دقيقة ثبت فيها اسماء
    العشائر وفروعها بحسب ديارهم ومناطق ترحالهم في الصيف والشتاء وكذلك
    عدد خيامهم. كما
    كتب تاريخ كل عشيرة وتاريخ مشايخها بحسب المناطق الجغرافية التي
    يتجولون فيها،
    وقسمها الى عشائر سورية وفلسطين وبين النهرين والعراق والجزيرة
    العربية وغيرها
    .


    وكان يستخدم في جمع المواد
    الاثنوغرافية والاحصائية
    الطريقة التقليدية القديمة، كما كان عليه جمع مواد مستعملة من
    اثاث وادوات ولوازم
    وان يسجل بدقة الاسماء وما ترمز اليه وتعبر عنه.


    وسجل ملاحظات عن حياة البدو وعن
    انسابهم وكذلك المأثورات
    الشعبية والقصص والاساطير وكل ما يرتبط بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعشيرة، الى جانب سلطة
    الشيوخ وما يتعلق
    بالحقوق والواجبات ونظام الزواج والخيانة الزوجية والرقيق، الذي
    كان في طريقه الى
    الزوال، وما يتعلق بالخيول والجمال والصيد والترحال والغزوات وقيم
    الضيافة واللجوء
    والثأر والاتحادات العشائرية.


    علاقات ودية مع العشائر
    والباحثين



    وكان لأوبنهايم ولع شديد باقتناء الكتب
    والمراجع العلمية
    والمخطوطات وكتب الرحالة والرحلات وجميع ما كتب عن العشائر
    العربية في العربية والالمانية
    وغير ذلك. كما اقتنى اهم كتب المستشرقين وجميع ما كتب في الصحف
    والمجلات التي صدرت
    في الشرق حينذاك مثل جريدة " ام القرى" وغيرها. ووصل مجموع ما جمعه اوبنهايم حول البدو والبداوة الى
    اربعين الف مجلد كونت
    مكتبة عامرة اوقفها باسم "معهد الشرق للدراسات" في
    برلين
    .


    ان ما جمعه من معلومات ومواد
    اثنوغرافية اضافة الى
    دراساته ورحلاته ومعايشته وملاحظاته المباشرة في العالم العربي،
    وكذلك حبه ومشاركته
    الودية للعشائر البدوية في حياتهم في الصحراء، ساعدته في انجاز ما الف
    من كتب، اضافة الى
    مساعدة اصدقائه العرب وعلاقاته الاجتماعية والسياسية الواسعة مع
    عدد كبير من الافراد
    والشيوخ والعلماء والادباء والسياسيين والمستشرقين الذين عملوا معه بجد واخلاص.


    1. كتاب "يوميات رحلة
      داخل بلاد العرب" ليوليوس أويتينغ
      : تفاصيل يومية وملاحظات مسلية







    عقد أويتينغ العزم منذ أيام دراسته
    على السفر إلى البلاد
    العربية، ولكنه اضطر للإنتظار عقوداً طويلة حتى تسنى له السفر إلى
    شبه الجزيرة العربية
    . هدف البعثة
    العلمية التي قام بها يوليوس
    أويتينغ إلى شبه الجزيرة العربية في عامي 1883 و1884 كانت
    معاينة الآثار والنقوش القديمة،
    انطباعاته الشخصية دونها في كتاب "يوميات رحلة داخل بلاد العرب"


    تترك الكثير من الجمل، عند إقتلاعها
    من السياق، وقعاً
    غريباً، ويترك بعض آخر وقعاً غير معقول أبداً:


    "كثيرا ما استمتعت بحضرة زنجية
    أسمها بلوة، اعتادت
    أن تجلس بدورها في الباحة، أثناء عمل زوجها في مناجم الملح طوال
    النهار
    ".


    هذا المزيج الفظ من نثر البطاقات
    البريدية وعلم الشعوب
    البدائية البائت –وغالباً يشترك كلا هذان اللونان من النصوص
    بالإبتعاد غير المتروِ
    عن الموصوف وعدم الاكتراث به– يمكن قراءته في كتاب يوليوس أويتينغ
    "يوميات رحلة
    داخل بلاد العرب"، الذي نُشر مؤخراً بطبعة جديدة.


    ما كان في وسع عالِم مثل
    أويتينغ أن يظهر إلا في
    القرن التاسع عشر. فقد عقد العزم منذ أيام دراسته على السفر إلى
    البلاد العربية،
    ولكنه اضطر للإنتظار عقوداً طويلة حتى تسنى له السفر إلى شبه الجزيرة العربية في عامي 1883 و1884، بفضل كرم و "مِنن جلالة الملك كارل فون
    فورتمبيرغ"، الذي "زوده
    بالكثير من الأسلحة لتحقيق هذه البعثة العلمية".


    وكان هدف هذه الرحلة "يتعلق
    بشكل رئيسي بعلوم
    الآثار والنقوش القديمة". فكان أويتينغ يتقفى في رحلته
    "آثار التاريخ ما قبل
    الإسلامي في النقوش والنصب التذكارية" على الخصوص، ويجعلها موضوعاً لبعض النشرات العلمية. أما كتاب
    يوميات رحلته فكان يهدف
    حسب رأيه: "لتقديم وصف سلس القراءة عن إنطباعاتي وملاحظاتي
    الشخصية وللأحداث
    التي عايشتها لجمهور أوسع".


    ثرثرة مملة


    أما ما يتعلق بسلاسة القراءة
    فلم يفلح أويتينغ
    بالتأكيد إلا في بعض المحاولات المتواضعة. فكتاباته كانت خالية من أي حماس أو تواتر، وتكاد تخلو في بعض
    الفقرات حتى من الأهمية،
    بسبب تشبثه العنيد بالحفاظ على التسلسل الزمني لكتابة المذكرات اليومية.


    فلم يُسْقِطُ يوماً مهما كان مملاً.
    وسجل هذه الأحداث
    وتلك دون أن يتجلى للقارئ ما الذي يربط بينها. ناهيك عن التغيير المتكرر للمواضيع في يومياته. ما لا
    يجعله ممتعاً أبداً. لا
    بل يجعل منه مجرد ثرثرة تدأب على الانتقال من تفاهة إلى أخرى.


    أويتينغ ليس روائياً بل عدّادا.
    يبدو نصه متقطعاً
    باستمرار، ولا يفلح، في أي جزء منه، في جذب القارئ بالفعل. يحاول الكاتب، بلا جدوى، تعويض افتقاره لموهبة
    السرد بإغراق النص
    بكميات كبيرة من المعلومات.


    إلا أن هذا لم يُنتج سوى
    مزيجاً متنوعاً من الآراء
    الشخصية والتلقين بلهجة المدرس وإنشداد ملحوظ إلى التفاصيل نابع من رعب المسافر من الفراغ ليس إلا.
    كتابات أويتينغ المنمنمة
    وقليلة الحيلة عن السفر تتشابه في عدم أهميتها الصريحة مع معظم
    الرسومات والمخططات المتناثرة
    في نصوصه.


    عناصر شعرية ونثرية


    من يطلق النار عشوائياً من حوله
    كما يفعل أويتينغ،
    لا بد من أن يصيب الهدف لمرة. فالمجلدان يشكلان بلا شك مجمعاً
    -لتفاصيل مسلية تتسم
    ببعض الأهمية فيما يتعلق بطرافتها وأصالتها- يفيد المؤرخين المهتمين بالتاريخ اليومي والإجتماعي لشبه
    الجزيرة العربية
    .


    ومع أن ولع أويتينغ بالتفاصيل
    كالمُحاسبين (ماسكي
    الدفاتر) يمتحن صبر القارئ امتحاناً قاسياً، إلا أنه من الممكن أن
    يقود إلى نتائج حميدة،
    كما نرى في وصفه لقدرات راحِلته على السفر.


    فللدابة "خطى بطول 1.95 متراً للخطوة الواحدة، وقطعت الدابة المحملة
    بالأثقال في الساعة
    5500 نصف خطوة،
    أي حوالي خمسة كيلومترات،
    وخلال 15 إلى 18 ساعة من الترحال المتواصل قطعت حوالي 80
    كيلومتراً في اليوم"، يدون
    في كتابه بأسلوب مختبِري السيارات في هذا العصر.


    ويجمع المسافر الكثير من
    الغرائب، مثل الصيحات
    المختلفة التي ينادي بها السكان المحليون الحيوانات
    ("الجمال المبتعدة كثيراً
    عن الركب يُنده لها مراراً هيرررتسبو!") أو الملاحظة، بأن نساء "معان" يفركن شفاههن وأسنانهن بسائل
    النيكوتين الذي
    يقطُر من الغليون.


    يتسم الكتاب بدرجة عالية من التشويش
    من حيث المحتوى،
    وكذلك هي تنوعات لغة وأسلوب أويتينغ المثير للحيرة. طيف هذه
    الأشكال يمتد من استباق
    لغة الرسوم الهزلية ("بررره!") إلى العناصر الشعرية ونثر
    قصص المغامرات ("قفزة
    فرسي المذعورة الفجائية إلى جنب كادت أن تقذف بي إلى الأعماق
    الصخرية") ليصل إلى
    التلقين كالحكماء.


    في عام 1914 كتب الباحث اينو ليتمان في مقدمة المجلد الثاني لكتاب اليوميات
    الذي قام بإصداره
    : "يوميات كتلك
    التي سجلها أويتينغ، سوف
    تحتفظ دائماً بقيمتها، حتى ولو نشرت بعد ثلاثين عاماً من
    كتابتها". مبدئياً ينطبق
    هذا أيضاً بعد قرن من الزمن. ولكن الصحيح أيضاً، أن هناك أمثلة
    على هذا النوع الأدبي
    أفضل من هراء أويتينغ المتعدد الأشكال والألوان.


    1. رحلة هاينريش فون
      مالتسان إلى مكة: نص ساخر وصريح ومليء
      بالتهكم






    "رغبة" ابن الرابع والثلاثين من العمر هاينريش فرايهر فون مالتسان
    "في التقصي بعمق
    وعناية في حياة الشعوب الشرقية وبالأخص العربية" دفعته في عام 1860 إلى الرحلة الشاقة نحو مكة،
    المدينة التي "لم يرها
    إلا إثنا عشر أوروبي مذ كانت".


    كتب مالتسان تقريراً طريفاً ومسلياً
    ومثيراً حقاً للضحك
    في العديد من مقاطعه، ولازال التقرير يدفع المرء اليوم أيضاً
    لقراءته بسرور، على
    الرغم، ومن المحتمل لكونه لم يكن بعد يعرف شيئاً عن لغة السياسة
    الصائبة
    political correctness.


    زواج المتعة والأفيون


    المؤلف مراقب يقظ وروائي جيد،
    فتقرير رحلته الذي
    يضم 750 صفحة يفاجئ بسلاسته، رغم تغلب الثرثرة عليه من حين إلى آخر،
    لكنه يعاود شد القارئ
    اليه كرواية مغامرات.


    المحتويات متعددة الأشكال للغاية.
    من ضمن الأشياء
    التي يتحدث عنها تاريخ الجمل، ويصف بالتفصيل مراسم الصلاة، ويعرض
    أفكاراً فيما يخص
    القرآن ويسترسل في الكلام عن تعاطي الأفيون والحشيش. وهو ملم بأمور
    زواج المتعة، "الذي
    يساعد الحاج على تخفيف ملل أعمال الورع".


    سكر وغربة روحية


    ويتحدث أيضاً عن استهلاك
    الكحول المحلي الجدير
    بالإهتمام:


    "رأيت هناك عددا كبيرا من
    السكارى أكثر مما يستطيع
    المرء مصادفتهم في انكلترا وأمريكا تقريباً، حيث أكبر عدد من
    السكيرين على الإطلاق
    ."


    مراسم الحج ذاتها كانت ثقيلة
    بالنسبة لمالتسان
    . فحسب وصفه
    "يتزاحم الناس كالسمك المكبوس
    ". يقوم هنا بواجبه كمؤرخ أخباري بدقة ولكن بدون حماس. الكعبة تبدو
    له "ككتلة كالحة
    كئيبة" ويترك المؤمنون لديه "انطباعاً عظيماً في غرابته، بل
    أود أن أقول رهيباً
    ".


    أسلوب نثري أنيق


    يظهر مالتسان رومانسيته وملله من
    أوروبا عندما يَتذمّر
    غاضباً معترضاً على السكك الحديدية في مصر، لاعناً "هذا الازدراء لكل ذوق فني، ولكل شكل شاعري".
    ويتابع شتمه لوسيلة
    النقل الحديثة "صنيعة العفاريت" التي لا يتجرأ "شيخ
    الإسلام اليوم" على
    حظرها "بواسطة فتوى"، متألماً ل "إنزلاق المسلمين والكفار وحتى
    الحجاج الورعين
    على طريق سكة الحديد المهول من الاسكندرية إلى القاهرة".


    ويتقن ببلاغة وصف منغصات أخرى
    في الرحلة أيضاً
    :


    "سيوافقني الجميع على أن تعرُّقَ
    كل هؤلاء الحجاج
    المتزاحمين قد وصل مع بلوغ درجة الحرارة 30 رومور (حوالي 37.5 درجة مئوية) حداً لا يطاق، ولا أخال أن أحداً
    سيحسدني عما تلاقيه حاسة
    الشم المرهفة جداً عندي".


    أسلوب مالتسان النثري الأنيق،
    إضافة إلى وجهة
    نظره المقتضبة يجعلان النص مُسَلٍّ للغاية. فيكتب مثلاً "الخبر الجديد المهم القائل بأن لا إله إلا الله
    وأن محمداً رسوله،
    أُخْبِرْتُ به في الرحلة بين الاسكندرية والقاهرة مئة مرة على
    الأقل
    ".
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    البداوة والتحضر في الجزيرة العربية Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يونيو 04, 2010 12:44 pm

    حارس المقبرة


    أثناء وصفه لحارس أحد القبور،
    كان قد لفت نظره
    بسبب أنفه، تبلغ قريحته مدىً تعبيرياً أوسع:


    "هذا العضو يطغي بشكل كبير
    على كل الأعضاء الأخرى،
    بحيث ينحسردورها إلى مجرد كومبارس في هذا المشهد". ولم يكن
    حال الفم أفضل بكثير
    : "الأسنان
    كانت فيه معدومة، اللهم ما
    عدا سناً وحيداً، يبدو مطلاً بفخر وشجاعة على مشهد الخراب من
    حوله
    ".


    موهبة الكاتب الهزلية تُظهرُ
    نفسها أيضاً عند
    وصفه لزيارته لقبر حواء، أحد المقاطع المميزة للكتاب. المتوارد عن
    طول جسم "الأم الأولى
    " يكاد يبلغ مقاييس خيالية. ووفقاً لهذا تتناسب ضخامة صرتها. مالتسان
    يدعو بلا تردد، أن
    "على علماء
    الفسيولوجيا أن يقرروا، بأن
    شخصاً بلغ طوله خمسمائة قدم، ممكن أن يصل عمق تقعر صرته إلى قدم
    ونصف
    ".


    يقابل المسافر إيهام المكان
    التذكاري بالتهكم
    . "بعد أن وهبت
    صرة الأم حواء تعبيري التعبدي
    جاء الآن الدور للقيام بالصلوات لأعضائها الأخرى". وعلى ما
    توارد بأن هاجر حملت
    من ابراهيم بإبنهما إسماعيل على الحجر الأسود، يعلق بإسلوب مشابه ومقتضب: "علينا أن نعترف بأن الأب لم
    يكن يملك أي فكرة عن
    وسائل الراحة الحديثة".


    صراحة مفتقدة


    يستغرب المرء كثيراً من
    الصراحة المريحة لهذا
    التقرير، إلى أن يتضح، أنه بالرغم من الجهد الكبير الذي يُبذل
    لمحاصرة الأحقاد والضغائن
    في هذه الأيام عبر سلوكيات السياسة الصائبة political correctness، ولكن دون التمكن من إزالتها بحال من الأحوال. وربما أن غياب الجدية عند الكاتب في تعاطيه مع ملاحظاته، لها وقع
    خفيف الظل علينا نحن
    قراء اليوم، إذ يبدو أننا قد فقدنا هذه القدرة على الإنفتاح.


    3. برنهارد فون
    برايدن باخ
    : رحلة حج إلى
    الشرق



    يرجع الفضل في شهرة تقرير
    رحلة حج برنهارد فون
    برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش نشأ فى العصور
    الوسطى المتأخرة
    نوع من السياحة الدينية المسيحية، واتجه المتدينون والمجازفون
    نحو الشرق لزيارة
    المواقع المقدسة والأماكن الغريبة. وكان برنهارد فون برايدن باخ
    هو أحد هؤلاء، وقد
    سجل مشاهد رحلاته، التي تعطينا انطباعا عن رؤيته للشرق فى ذلك الوقت.


    فى الخامس والعشرين من أبريل/
    نيسان عام 1483 انطلق
    برنهارد فون برايدن باخ من مدينة أوبن هايم الواقعة على نهر الراين
    فى رحلة حج إلى
    الأرض المقدسة، واصطحب معه أحد النبلاء المسمى يوحنا فون سولمز، والفارس فيليب فون بيكن، والفنان إرهارد رويفيش من أوترشت، والطباخ يوحنا والمترجم
    يوحنا كنوص، حتى
    وصلوا إلى مدينة البندقية بإيطاليا بعد خمسة عشر يوما "بتكاليف غير قليلة وبطرق طويلة ملتوية".


    حج نخبوي


    كان من الطبيعي أن يستأجر
    الحاج مكانا على متن
    سفينة حج متجهة من البندقية إلى فلسطين. وكانت الرحلة البحرية مكلفة جدا وغير مريحة، وكان الحجيج من مختلف
    البلاد يحتشدون في
    مكان ضيق، وكان الطعام في أغلب الأحيان سيئا، حتى أصيب الكثير بالمرض أثناء الرحلة بسبب الظروف الصحية
    التي يرثى لها. ومن
    أتيحت له الفرصة تسلق فوق المسافرين وقضى حاجته فوق سطح السفينة،
    أضف إلى ذلك الخوف
    من تحطم السفينة أو من هجمات القراصنة.


    ورغم كل هذا كانت رحلة
    فلسطين رحلة نخبوية، لأن
    الحجيج الأغنياء كانوا فقط الذين يقدرون على التكاليف الباهظة
    للرحلة، ومن ثم كانت
    الرحلة فرصة لرفع مكانة الحجيج. وكان عدد الحجيج الأوروبيين إلى
    فلسطين في العصور
    الوسطى المتأخرة يتراوح ما بين ثلاث مائة وخمس مائة شخصا كل عام.


    وبعد أقل من شهرين بالسفينة
    لاحت الأرض المقدسة
    لبرنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه، إلا أن النظرة الأولى تبعتها خيبة أمل، لأن الحجيج كان عليهم أولا أن يحصلوا على تصريح من المماليك يسمح لهم
    بدخول فلسطين. ولهذا
    اضطر برنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه للبقاء ستة أيام على السفية حتى يذهب رجال البلاط إلى يافا
    لإستصدار تصريح لهم بدخول
    البلد.


    عدم الثقة المتبادلة


    وهنا تم تسجيل أسماء الحجيج
    وتحصيل الرسوم منهم،
    ففي الأرض المقدسة لم يكن هناك شيء مجاني. وأثناء هذه الإجراءات كان المماليك "يحجزون" الحجيج في كهف رطب على الشاطئ حيث يظلون محبوسين ليال طويلة،لأن
    الحجيج القادمين
    من بلاد الحروب الصليبية كان لا يسمح لهم بدخول البلد إلا برقابة.


    وفي نفس الوقت كان الرهبان
    الفرانسيسكان يستقبلون
    الحجيج كما لو كانوا المعقل الأخير للمؤمنين في البلد المقدس،
    وكانوا يقومون على شؤون
    الحجيج حتى يتمكنوا من التعبد وتصفية الروح (والحصول على كثير من صكوك الغفران) أثناء زيارتهم لمدينة القدس.


    وكان الرهبان الفرانسيسكان
    يرافقون الحجيج
    مثل
    المرشدين السياحيين المعاصرين
    ويلقنونهم دروسا بعدة لغات عن العادات الشرقية ويتولون تنظيم الإقامة في مدينة القدس، حيث يقومون معهم
    برحلات يومية للأماكن
    المقدسة ويوفرون لهم المبيت في بعض الأوقات.


    ويركز تقرير برايدن باخ على
    وصف الأماكن المقدسة،
    ولا يصف المكان الأخير الذي تناول فيه المسيح آخر وجبة للعشاء أو قصة
    آلامه فحسب، بل
    أيضا الاصطبل الذي تربى فيه الحمل الذي كان وجبة المسيح في عيد الباساخ.


    وفي الواقع كان كل مكان قصة مثيرة
    في حد ذاته، وكان
    ينطوي على جزء من قصة الخلاص. وكانت الذروة في زيارة كنيسة
    القيامة، حيث كان لا يسمح
    للحجيج بالمبيت فيها إلا بمقابل دفع رشوة. أما عن القدس كمدينة شرقية فلم يذكر التقرير عنها شيئا.


    إنعدام التسامح الديني


    يتعرض برنهارد فون برايدن باخ
    في تقريره إلى سكان
    مدينة القدس، ويكرر ذكر العامل الديني في المقام الأول، حيث يوضح رجل الدين أخطاء الجماعات الدينية
    الأخرى المقيمة في القدس
    .


    وبحماسه التبشيري الموجه إلى
    الداخل نجد برايدن
    باخ يدعم في المقام الأول المسيحية الأوروبية في عقيدتها، حين يبين
    لهم صورة الإسلام
    السيئة.


    والصورة التي تكونت عن الإسلام
    ومؤسسه محمد ماهي
    إلا حقائق وتزوير وأشياء مختلقة حسب الهوى. ويسب محمد بأنه "ابن للشيطان" و"كلب نجس"، وأنه تربى
    على يد أحد القساوسة
    المرتدين، وأسس في سن الشباب بفضل آمارات وشواهد كاذبة دينا
    جديدا لا يختلف في كونه
    عن طائفة أو مجموعة منشقة عن الكنيسة المسيحية.


    وأقوال برايدن باخ عن الإسلام
    وعلى وجه الخصوص
    إهاناته لا تكاد تكون نتاج ما رآه هناك، بل مأخوذة من مراجع
    أخرى معاصرة
    .


    كما أن المسيحيين الشرقيين لم
    يحظوا بالتقدير
    في كتابه، فنجده يصف المارونيين والنسطوريين بالإلحاد لانفصالهم عن
    الكنيسة الكاثوليكية
    . ومن الواضح
    هنا أنه يدافع عن السلطة المطلقة
    للكنيسة الكاثوليكية، كما أن الفرق بين المألوف والغريب يحدد ب "ما كان مسيحيا" ويفصل بين الحسن والسيئ.


    ويرجع الفضل في شهرة تقرير
    رحلة حج برنهارد فون
    برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش، حيث تلقي صوره
    الضوء على الجماعات
    الدينية المختلفة من زوايا أخرى تماما.


    فنرى مجموعة من الرجال العرب
    تقف هناك بلباسهم
    الفاخر وأسلحتهم، وبجانبهم نساء ممشوقات القوام – وتلبس إحداهن
    الخمار - يحاولن
    التصنت على الرجال. كما طبع الأبجدية العربية أيضا وإن كانت بها
    أخطاء
    .


    وتظهر تلك الصور اهتماما
    إيجابيا مقبولا عن السكان
    الشرقيين، إلا أنه بعيد عن موضوع الديانة.


    مقابلات مع مسلمين


    وبعد انتهاء الجولات
    المختلفة في فلسطين اتجه
    كثير من الحجيج إلى أوطانهم ورجعوا بسفن الحج إلى مدينة
    البندقية، إلا أن برايدن
    باخ ومرافقيه عزموا على السفر إلى صحراء سيناء ومصر.


    والقارئ يشعر أن برايدن باخ
    اضطر لترك مرشده السياحي
    الراهب الفرانسيسكاني في القدس. فتعليقات برايدن باخ على الطبيعة
    الغريبة وعلى الناس
    الأجانب تأخذ طابعا شخصيا، كما ابتعدت عن مغزى الرحلة الديني.


    أما المقابلات مع المسلمين الذين
    يصفهم في الغالب بالسارزين
    Sarazenen فكان يغلب عليها الاستياء من
    ناحية بسبب الرسوم
    الجمركية غير المتوقعة وعمليات الغش، وإيجابية من ناحية أخرى.


    فنجده يروي أن الناس أعطوه
    ومن معه من المرافقين
    ماءا للشرب في الصحراء "لوجه الله" على الرغم من أنهم يجدون "مشقة" في الحصول عليه، ويري أيضا
    أنهم انضموا إلى
    قافلة تجارية كان أعضاؤها "لطفاء".


    كما يبدو أنه أجرى حوارات مع
    الأهالي بمساعدة أحد
    المترجمين، وكان يتبين له كل مرة أن الحجيج المسلمين يقدسون نفس الآثار
    التي يقدسها
    المسيحيون. ومع ذلك فلم تصحح تلك المقابلات صورة الإسلام التي
    أعطاها سابقا، لأن نظرة
    رجل الدين تظل ثابتة لا تتغير.


    الشرق كمنطقة غريبة


    ولم يذكر برايدن باخ عجائب الشرق
    وجماله إلا عند
    وصفه لمدينة القاهرة، فنجده يقول:


    "إن قصر السلطان كبير للغاية
    لدرجة أنه يسع
    جميع سكان مدينة أولم Ulm أو نصف سكان مدينة نورنمبرغ Nürnberg. كما توجد مساجد جميلة ذات مآذن عالية لدرجة أني أعتقد أنه لا توجد في روما كنائس بمثل كثرة المساجد هنا".


    وهنا أصبح الشرق منطقة غريبة
    مليئة بالطرائف
    والعجائب، فيصف باستغراب الأكلات السريعة في العصور الوسطى، وهي
    مطابخ موجودة في
    جميع شوارع القاهرة، ويقول:


    "رأينا أيضا الكثير من العرب
    المسلمين يطبخون
    في الشوارع والأزقة (...). وكثير منهم يحملون القدور فوق رؤوسهم في
    شوارع المدينة، وما
    هي إلا نار موقدة وقدور تغلي وأسياخ شواء".


    كما يلمح رجل الدين على الأحداث
    في أسواق العبيد،
    وأن الناس اعتبروهم – من قبيل الخطأعبيدا، وعرض أحد التجار على المرشد السياحي عشرة دوكات على كل شخص.


    وأخيراوكما هو الحال في الرحلات المعاصرة إلى الشرق – فلا بد من دخول الحّمام:


    "فدخل الكثير منا إلى حمام
    البخار إذ أن العرب
    المسلمين لديهم حمامات جميلة من الرخام، كما أنهم يؤدون خدمات
    جيدة في الحمامات
    . ويقومون
    هناك بتدليك أعضاء زوار الحمام
    بطريقة غريبة."


    وبعد أن انتهى الحجيج من
    برنامج القاهرة السياحي
    عادوا إلى مدينة البندقية بالسفينة عن طريق الإسكندرية.


    اهتمام حقيقي بالشرق


    وعندما يقرأ المرء تقرير رحلة
    برنهارد فون برايدن
    باخ يظل برهة متحيرا، ويتساءل:


    كيف يمكن لقُمص بأسقفية أن يكتب
    كلمات سيئة تحرض
    ضد الإسلام من جهة، وفي نفس الوقت يظهر إعجابه بالمساجد الإسلامية؟ وكيف يمكنه أن يوجه للمسلمين اتهامات عامة، ومن ناحية أخرى يمتدح خدماتهم؟


    ثمة أشياء كثيرة ترتبط ارتباطا
    وثيقا بفهم الأدب
    في العصور الوسطى المتأخرة، فكان الكاتب يتحرك في حدود ضيقة بين
    ما يتوقعه القارئ
    من تقارير الرحلات وبين ما كان موجودا بالفعل في هذه الفترة حتى لا
    يثار شك في أقواله
    الشخصية. ولم يتوقع المرء من الأديب أن يأتي بشيء جديد، بل كان ينبغي عليه أن يعيد صياغة ما كان معروفا من
    قبل وما يتعلق به
    من ثوابت في قالب جديد.


    ولا ينبغي أن ننسى أن برايدن باخ
    كان قُمص لأسقفية
    ماينز Mainz وذو منصب كنائسي كبير، وأن
    تقاريره عن الحج
    كانت تقرأ ضمن النصوص المسيحية في العصر الوسيط المتأخر، ولعل
    التعبير الإيجابي
    عن الرحلات أو التسامح تجاه "الكفار" كان في غير موضعه حسب معايير العصور الوسطى.


    ومع ذلك فإننا نجد في تقارير
    برايدن باخ جوانب "توضيحية
    "، ويكفي أنه طبع الأبجدية
    العربية في فهرس
    عربي – ألماني أو أمره بطباعة صور ومشاهد لشعوب الشرق، مما يدل
    دلالة واضحة على أنه
    كان يريد أن يعطي صورة صادقة عن الشرق الغريب الذي كان يهتم به.



    مؤلفات عن البدو والبداوة


    1 اخلاق البدو في أشعارهم وأخبارهم عاتق البلادي دار مكة للنشر بمكة 1404هـ
    2
    أطياب من كلام الأعراب حسن دندشي جروس برس لبنان 1982م
    3
    البادية والبدو خلف بن
    حديد
    دار الفكر
    دمشق 1407هـ
    4
    البداوة العربية د. أبو بكر باقاد مكتبة الملك فهد 1421هـ
    بيليوجرافيةتحليلية مختارة الوطنية بالرياض
    5
    البداوة في الكويت (دراسة ميدانية) إبراهيم الشكري مطابع دار 1981م
    السياسة الكويت
    6
    البدو والبادية
    د.جبرائيل
    سليمان جبور دار العلم للملايين

    1988
    م
    7
    البدو والبداوة (مفاهيم ومناهج) د. محمي الدين صابر 1966م
    د.لويس مليكه
    8
    البدو والثروة
    والتغيير رايز كوروس فريد شولز جامعة الكويت 1983م
    (
    دراسة في التنمية الريفية
    للإمارات
    العربية المتحدة وسلطنة عمان)
    9
    البناء القبلي والتحضر في المملكة سعيد فالح
    الغامدي
    المكتب الجامعي الحديث 1410هـ

    10
    تلقيح الألباب على فضائل
    الأعراب
    1323هـ

    11
    توطن البدو د.اسماعيل عبدالباري دار المعارف مصر 1982م
    12
    توطين البدو مكي جميل المكتب الإسلامي بيروت 1385هـ
    13
    حضارة البدو (مقال) د.حسين مؤنس (مجلة المؤرخ العربي)
    14
    دراسة وثائقية لتاريخ بادية نجد فايز بن موسى الحربي
    15
    رحلة إلى بلاد نجد الليدي بلانت دار اليمامة بالرياض 1389هـ
    16
    الرحلة التنوخية رحلة عزالدين 1985م
    التنوخي من الزرقاء إلى
    القريات
    17
    رحلة في البادية 1936م
    من مذكرات اسكندر الحايك
    18
    رحلة في
    بادية
    السماوة
    محمد رضا
    الشبيب (صورة) 1339هـ

    19
    الرحلة النجدية الحجازية محمد
    بهجة
    البيطار
    1388هـ
    صور من حياة البادية
    20
    شعراء الأعراب خليل مردم بك
    مؤسسة
    الرسالة
    بيروت 1398هـ
    21
    صفحات من التاريخ الأردني جورج سابا مطبعة الآباء
    القدس
    1961م

    ومن حياة البادية (مادبا) وروكس العزيزي
    22
    في قلب نجد
    والحجاز
    محمد
    شفيق مصطفى
    مطبعة المنار بمصر 1346هـ

    23
    البدو والعشائر في البلاد
    العربية
    د.عبدالجليل

    الطاهر
    جامعة الدول العربية 1954م

    24
    القشعم من كبريات
    القبائل
    العربية
    د.علي شواخ
    الشعيبي دار المعارف للطباعة

    25
    القضاء بين البدو
    عارف
    العارف
    مطبعة بيت
    المقدس 1933م

    26
    القضاء عند العشائر الأردنية احمد العبادي دار
    البشير
    ودار العبادي الاردن
    27
    المجتمعات الصحراوية د.نبيل
    صبحي
    حنا دارالمعارف

    بمصر
    1984م في الوطن العربي

    (
    دراسة نظرية وميدانية)
    28
    مع البدو في حلهم وترحالهم محمد المرزوقي الدار العربية للكتب 1977م ليبيا وتونس
    29
    من خيام الأعراب (من العقد الفريد) مكتبة صادر بيروت 1952م
    30
    نوادر ومختارات
    من
    قصص الأعراب محمد أحمد فقي دار الكتب
    العربي مصر بدون


    إن مشروع إنشاء جماعات وظيفية
    (توطين البدو) خطوة
    إجرائية
    واعية لخلق مجتمع بمفهومه العلمي

    أي
    النظمية (مجموعة من النظم الاجتماعية
    التي تتفاعل مع بعضها وترتبط وتتعاون لتحقيق أهداف اجتماعية من أجل
    التنمية الشاملة
    ) والنظام
    الاجتماعي (النسق المنتظم من الممارسات
    والأدوار الاجتماعية التي تدور حول قيمة معينة أو مجموعة من
    القيم) رويتر هو البطل
    في الخطاب
    الاجتماعي لأنه ممثل السلطة
    .

    كان
    توحيد الخطاب السياسي للدولة من خلال
    مشروع توطين البدو خطوة مهمة بعد توحيد خطابها الديني من خلال الدعوة السلفية على يد شيخنا رحمه الله محمد بن عبدالوهاب، والتفاف مجتمع شبه
    الجزيرة العربية حول
    المشروع
    الإصلاحي الديني الذي تبناه رحمه

    الله
    واعتناقه ومناصرته، مثل خطوة مهمة

    في
    مرحلة تأسيس مفهوم المجتمع الواحد،

    والانتقال
    من مرحلة المجتمع التعاقدي إلى

    المجتمع
    التراحمي وهي الخطوة الأولى نحو

    تغير
    العقل الديني والاجتماعي الذي كان

    سائداً
    في شبه الجزيرة العربية، وبذا أصبح

    المجتمع
    بعد توطين البدو يتمتع باستقرار

    ديني
    وسياسي
    .
    وهذا
    بدوره حول المجتمع السعودي إلى مجتمع
    ديني، مع مركزية شبه مطلقة للسلطة الدينية.
    لذا
    لا نندهش عندما تتبنى السلطة الدينية
    في المجتمع دور المعارضة للحداثة وتجند لها وسائلها المختلفة من كتب وشرائط كاسيت وخطب دينية وتربط فكر
    الغذامي بمدى التزامه
    الديني
    وإخراجه من دائرة السلطة الدينية

    الثقافية
    السائدة في المجتمع سلوكاً كقول

    الأستاذ
    رضا لاري (الغذامي زعيم الحداثيين

    لكنه
    يصلي) وتغير اسمه من (عبدالله إلى عبد
    الشيطان).

    إن
    نموذج التوطين أسهم بلاشك في وحدوية

    عامل
    التواجد والهوية للبنية الأساسية

    للمجتمع
    السعودي الذي حول الأفراد في شبه

    الجزيرة
    إلى وجود ميكانيزمي ذي وحدة عضوية،

    لكنه
    في المقابل أسهم في خلق الانعزال الثقافي
    للطبقة الاجتماعية الجديدة، ليخلق لدينا ثنائية ثقافية (بدو
    وحضر)، والحضر بدورهم
    كانوا
    جماعات من أجناس عربية وآسيوية مختلفة
    استوطنت منطقة الحجاز منذ عهد الأتراك والتبادلات التجارية المختلفة، إضافة إلى طبقة العبيد المحررة، اختلاف الجذور في المجتمع السعودي،
    كانت له إيجابيات
    وسلبيات، من
    إيجابياته أنه أسهم في دفع
    الحركة
    العمرانية والاقتصادية والفكرية

    في
    المجتمع السعودي ما قبل عهد الطفرة،

    أما
    سلبياته فقد أوجد فجوة ثقافية كبيرة

    بين
    العقلية البدوية والحضرية في ذات المجتمع،
    مما أدى فيما بعد إلى الصراع الفكري في قضية التجديد والقديم، إضافة إلى خلق التعنصر القبلي، ورجعية الفكر
    البدوي الذي سيطر
    على المجتمع
    السعودي حتى اليوم وهذا ما
    يفسر لنا
    (الانكفاء) من خلال العودة إلى

    أشجار
    النسب والعصبية وتغيير الأسماء،

    كل
    تلك الأشياء قد تبدو حالات استثنائية،
    لكنها في حقيقتها تمثيل مباشر للتصور الجمعي الذي تعود جذوره إلى
    البنية البدوية، وهو
    ذاته الذي
    أوجد الفجوة الكبيرة بين التحديث

    الشكلاني
    للمجتمع والتحديث الفكري. وغياب

    (
    الإنسان
    الحديث
    ).
    سيقول
    البعض إن هناك مجتمعات متعددة الأجناس
    متقدمة مثل أمريكا.. ولكن رغم الأجناس في أمريكا لم تكن هناك
    ثقافة مسيطرة.. بل ثقافات
    اندمجت مع
    بعضها البعض فكونت الثقافة الأمريكية،
    لكن المجتمع السعودي كانت مشكلته سيطرة الثقافة الواحدة (البدوية) والتي ما زالت تسيطر حتى اليوم
    واندماجها مع السلطة الدينية،

    وهو
    ما يسبب أزمة لأي مشروع ثقافي نهضوي

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 11:24 am