البداوة والتحضر في الجزيرة العربية
أولا: الحضارة والبداوة
1-
الحضر
:
الحضري كلمة
مأخوذة من الحضارة. وتعني الحضارة
كل نشاط تمارسه
الأمم من أجل بلوغ ما تصبو إليه. ومواجهة كل ما من شأنه
أن يحول دون وصول الأمم إلى أهدافها
وتطلعاتها. إلا أن هذا النشاط لا يتساوى عند
كل علماء الحضارة وعدم التساوي ينتج من خلال
تفاوت درجات الوعي عند علماء الحضارة،
لأن «الوعي ليس شيئا آخر سوى الوجود
الواعي،ووجود البشر».
فالحضارة ظاهرة
إنسانية تشترك فيها كل الأمم. وتنشأ
الحضارة في كل
أمة داخل أرضها، ومن خلال تجربتها الاجتماعية، وتحت تأثير
مناخها وثرواتها، وما يصاحب ذلك من تحدّيات
بيئية وما تمر به من ظروف مواتية أو غير
مواتية لإنتاجها وعملها الحضاري.
ومن تعريفات الحضارة:
«أنها تعني نمطا من الحياة يتميز
بخطوط ألوان من
التقدم والرقي». و«الحضارة هي ثمرة كل جهد يقوم به
الإنسان لتحسين ظروف حياته سواء أكان
المجهود المبذول للوصول الى تلك الثمرة
مقصودا أم غير مقصود، وسواء أكانت الثمرة مادية أم
معنوية». وهذا المفهوم للحضارة مرتبط
بالتاريخ لأن التاريخ، كما سنرى هو الزمن، والثمرات
الحضارية تحتاج إلى زمن لكي تطلع. أي أنها جزء من التاريخ،
أو نتاج للتاريخ.
وللحضارة معاني
عدة في اللغة العربية مثل الإقامة
في المعمورة.
أي في المدن والقرى. ويشرحها
معجم لسان
العرب بقوله: «والحضر خلاف البدو،
والحاضر خلاف
البادي، والحضارة الإقامة في الحضر».
وفي وصفه الحضارة،
يقول عنها ابن خلدون إنها «طور
طبيعي في حياة
الشعوب. تبدأ من البداوة، وتنتهي في الحضر، وأن البدو
أصل الحضر. ولذلك تتحول إلى غاية للبداوة».
ويتابع ابن
خلدون الحضارة في لحظات تطورها وتحولها، ويرى
أنها تجعل الشعوب يتسعون في أحوالهم. ويلاحظ أن
الحضارة عند ابن خلدون تبدأ من مرحلة البداوة،
ثم يتطور أهلها تدريجيا حتى يبلغوا
الحضر فيصبحوا
منه بالجهد والعمل.
2. البدو:
تُعرّف
"الموسوعة
العربية العالمية" البدو بأنهم: «مجموعة من البشر
يعيشون حياة الترحال، وعدم الاستقرار في مكان
بعينه، ويعيشون حياتهم التقليدية في الصحراء،
بحثاً عن الماء والمرعى لجمالهم وأغنامهم، ويعيشون في
خيام مصنوعة من جلود وشعر حيواناتهم، ويعتمدون
في غذائهم في الغالب على منتجات الألبان
والتمور والأرز. ويقايضون اللحوم، ومنتجات الألبان مع سكان
القرى المجاورة للحصول على الخناجر
والأواني والبضائع المصنعة الأخرى. والبدو شديدو الاعتزاز بكرامتهم،
ويعتمدون على أنفسهم
إلى درجة بالغة، ويعيشون حياتهم ملتزمين بالصفات الأخلاقية،
وبقيم الشجاعة والكرم، والولاء للقبيلة، وبالضيوف والغرباء،
وقد تؤدي إهانة الكرامة أحياناً إلى صراعات دموية بين
القبائل».
ويبدو أن
هذا التعريف يركز على بدو
الجزيرة العربية؛ لأنه أغفل جماعات من البدو
تعتمد على تربية الأبقار
أيضاً، مثل قبائل "البقَّارة" في السودان، حيث تمتلك
قبيلتان (هما الزريقات والمسيرية)، ما يتراوح بين
ثلاثة ملايين وأربعة ملايين رأس من
الأبقار. كما أغفل التعريف ذاته قبائل
"الطوارق" و"البنتو" التي تربي الماعز، لأنه يتكيف
بشكل إيجابي مع المرتفعات والأودية. وهذه
القبائل تعيش في بيئة جبلية في المغرب
العربي (جبال الهوقار).
والأهم في
تعريف البدو هو التركيز على الخاصية الأساس
التي تميز البدو من وجهة نظر علم الاجتماع، وهي الترحل وعدم
الاستقرار، بغض النظر عن أنواع الماشية
التي يربونها، والدور أو الأدوار الاقتصادية
التي يمارسونها. وتشمل خاصية الترحال البدو في المشرق
(الجزيرة العربية والعراق والشام)، كما تشملهم في شمال
إفريقيا من السودان إلى موريتانيا.
3. الصيادون :
هم المترحلون الذين
يعيشون في البحار، فيتنقلون لصيد السمك، أو لجمع الإسفنج
والكافيار وصيد اللؤلؤ في معظم دول الخليج
العربي، وهم بذلك يشبهون الصيادين في دول
أخرى مثل اليابان، وأندونيسيا، وماليزيا،
والفليبين في جنوب شرقي آسيا. وقد تندرج تحت اسم
المترحلين أو غير الثابتين، فئات أخرى من السكان
مثل الغجر (النوَر) والصَّلب الذين يتنقلون في
الصحراء وراء القبائل العربية الأصيلة، ويعيشون
من صناعات يدوية محددة، ويسمون المتنقلين (Trailers)، ومنهم
أيضاً المتنقلون بالقوارب في البحار (Boat Trailers)، ويجري التنقل
والتجوال لفترة قصيرة أو فصلية، وأحياناً لمدة أطول. وقد يجمع
البدو بين صيد الأسماك والغوص عن اللؤلؤ في فصل
الشتاء، ويتفرغون في الصيف لجمع التمر من نخيلهم، كما
في عُمان والإمارات.
هؤلاء جميعاً
من بدو وصيادين وغجر (نوَر) وصلب، وسكان البيوت والقوارب
المتنقلة يشتركون في سمة أساسٍ مشتركة بينهم
جميعاً، هي أنهم يتجولون متنقلين من مكان إلى
آخر، وفقاً لشروط بيئية مثل الحرارة
والماء، وبحثاً عن الغذاء. وهم في تنقلهم هذا
يشابهون الكائنات الحية الأخرى التي تنتقل في
أشكال جماعية كالهجرة الموسمية لدى بعض
فصائل الطيور، والحيوانات الأخرى من عاشبة
ومفترسة التي تنتقل من مكان إلى مكان سعياً
إلى التكيف مع البيئة.
يرى "بياجيه"
أن الإنسان
يتكيف ويتلاءم في عيشه مع البيئة الطبيعية والاجتماعية لتلبية
حاجاته الحيوية بالتمثل والمطابقة، فهو يغير
البيئة لتناسبه في منحى التمثل، ويغير نفسه
ليناسب البيئة في منحى المطابقة. وقد يتم
التلاؤم بالمنحيين معاً.
ويقوم التمثل
الحضاري على محاولة
الإنسان السيطرة على الطبيعة
ما أمكن، وملاءمتها عن طريق الخبرة بداية، ثم عن طريق
العلم والتقنية في القرون الأخيرة؛ وما بناء
السدود، وشق الطرقات والأنفاق، واستحداث
أنواع جديدة من الزراعات والسلالات،
وتدجين الحيوانات، واختراع وسائل المواصلات
الحديثة، إلا من قبيل إخضاع الطبيعة
وملاءمتها للإنسان، وهذا منحى إجرائي حضاري. أما
منحى المطابقة فيسود في البادية، ويقوم على تغيير
الإنسان نفسه، والانتقال إلى بيئة جديدة؛ فالبدوي إذا
تغيرت عليه البيئة حيث يقيم، لا يلجأ إلى
"التمثل" أي التغيير في البيئة، بل
يعمد إلى "المطابقة" أي الرحيل بنفسه
وأغنامه وإبله وحيواناته إلى بيئة جديدة يتلاءم معها. والبدوي
يرتحل باستمرار طلباً للماء والمرعى،
متوافقاً مع الفصول والتضاريس، وتتأثر بنيته
الفيزيولوجية، وغذاؤه، وكساؤه، وعاداته،
وتقاليده، وقيمه بما يناسب البيئة الصحراوية
في قسوتها وصفائها، وفي شحها وكرمها.
إلا أن مظاهر
الحياة الحديثة قد أخذت تتسرب إلى حياة البدو، فلم يعد غريباً،
أن ترى سيارة واقفة
أمام بيت شَعَر في الصحراء. كما أخذ البدو يستخدمون السيارات
الشاحنة لنقل المواشي والأعلاف، وصاروا
يستخدمون المضخات في شفط الماء من الآبار. لكن على الرغم
من هذا كله، لا تزال الحياة البدوية باقية في
قيمها وعاداتها. وذلك لأن القيم والعادات تتغير
ببطء بالغ، في حين أن الوسائل الآلية ومظاهر
الحياة المادية تتغير بسرعة أكبر، لأن استخدامها يتعلق بجدوى
عملية تبدو واضحة جلية، لا بقيم أخلاقية
أو اجتماعية تتسم بطابع المحافظة والثبات
في كثير من الأحيان.
ويمكن تقسيم
البدو من حيث ترحلهم ونمط حياتهم إلى ثلاثة أقسام:
* البدو الرحل:
وهؤلاء يعتمدون على الإبل،
وما تدره عليهم من منتجاتها. رحلاتهم بعيدة، قد
تمتد إلى آلاف الكيلومترات إذا أحوجتهم السنة،
يساعدهم على ذلك
حيوان بيئي هو الجمل بما يتصف به من قوة وصبر
وتحمّل للمشاق.
* الشاوية والبقّارة:
وهم من رعاة
للشاة والأبقار، رحلاتهم قصيرة، لأن حيواناتهم
من أغنام وأبقار، لا تحتمل مشاق الرحلة البعيدة، ولا
تصمد للعطش. وهؤلاء قد يزرعون الأرض إضافة إلى الرعي، لذا فهم
ليسوا بدواً رحلاً بالمعنى الاجتماعي، إلا أنهم
لم يصبحوا حضراً مستقرين، لذلك يطلق عليهم أحياناً وصف
البدو (نصف الرحل). ومنهم بدو القرى النجدية وقرى جنوب السعودية.
* المزارعون: وهم أناس
استقروا في القرى، بعضهم ينتمي إلى قبائل بدوية وبعضهم إلى قبائل
حضرية. يحترفون الزراعة في الدرجة الأولى
وعليها تقوم حياتهم، كما يهتمون برعي
الماشية وتربية الحيوانات الأليفة والطيور.
وتتشابه عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم -في بعض
جوانبها- مع عادات البدو الرحل ونصف
الرحل، وثمة فوارق بينهم وبين البدو في عادات
الطعام واللباس وبعض القيم الأخلاقية.
4. العلاقة بين
البدو والحضر
يرى علماء الحضارة
أن من أهم خصائص العناصر الحضارية
أنها تغادر
أرضها إلى بلدان كثيرة في العالم
مدفوعة
بفكرتها. ويقررون أن سمة الانتقال
هذه ليست واحدة
في كل الحضارات، بل إنها تختلف من حضارة إلى أخرى
باختلاف قوة الفكرة أو ضعفها. ويرون أن الاختلاف
يتباين ويتنوع حسب مبادئ وقيم فكرة وفلسفة
كل حضارة ودينامياتها وآلياتها.
إن خاصية مغادرة
العناصر لأرضها أو انتقالها تجد
نفسها في جوهر
العنصر وتركيبه الحضاري، حيث لا تملك هذه العناصر
سوية واحدة في الانتقال. بل تنتقل بموجب
قوة أو ضعف الحضارة من جهة،وحاجة الشعوب أو
الأمم إلى العنصر الحضاري المبتكر أو المصنع،
أو بفعل الفكرة ونسقها. ومع ذلك فإن
الحضارات المتفوقة والمنتصرة الغنية بالأفكار
والثروات والاختراع والمنافع المادية هي التي
تتفوق في الانتقال من مكان إلى آخر، ومن أمة
إلى أمة أخرى، ولذلك تكون وجهة الانتقال
عادة أما متعلقة بالتماثل الحضاري، حيث
تتبادل الدول الصناعية العناصر الحضارية المبتكرة
هنا أو هناك في ميدان الذرة وصناعة
الصواريخ والكمبيوتر والاتصال، وصناعة المعلومات،
أو متعلقة بالتفاوت الحضاري، حيث تنتقل العناصر
الحضارية من الدول المتقدمة إلى الدول الأقل
تقدما ويتم الانتقال أما بالقوة أو الحاجة أو بالتقليد.
كما رأينا في انتقال العناصر
الثقافية.
ويرى ابن
خلدون، أن المجتمعات المغلوبة تأخذ
وتقلد
المجتمعات الغالبة. والمجتمعات تقلد
بعضها. والشعوب
في طور النهضة أو الصاعدة حضاريا، تأخذ من الدول
المتمكنة حضاريا، وتطور ما تأخذه حتى يتفق مع
مصالحها.
غير أن قانون
الانتقال وتقليد المغلوب الغالب
له بعض
الاستثناءات حيث يتمثل، على سبيل المثال،
في تأثير المغلوب على الغالب، إذا
كان المغـلوب بالسلاح أكثر تقدما في
الحضارة، على النحو
الذي حدث خلال غزو المغول للوطن العربي، وفي
أعقب انتصار الأسبان على العرب
في بلاد الأندلس؛ ومع ذلك فإن تأثير الغالب على المغلوب
هو الأكثر شيوعا والأقوى فعلا وليس تفاعلا لأن
التأثير يأتي في أكثر الأحيان من جانب الغالب على المغلوب.
غير أن هذا
التأثير يتزامن تدريجيا في تبدله مع
تطور الشخصية
الحضارية لدى المغلوب. وهذا حال المجتمعات المغلوبة إبان
مرحلة الاستعمار الأوروبي حيث أثرت الحضارة
الأوربية على الشعوب
المستعمرة، وبدلت فيها تبديلا قويا
يتناسب مع
مصالحها، حتى أن هذه الشعوب فقدت
الكثير من
مقومات شخصيتها وزادت قوة التأثير
في العقد
الأخير من القرن العشرين، وخاصة
بعد تكامل
الموجة الثالثة من ثورة المعلومات،
وثورة الاتصال،
وثورة الهندسة الوراثية.
والإسلام بوصفه
دينا وثقافة وحضارة يؤكد على التبادل الثقافي
والتنوع الفكري بين البشر، يقول
القرآن بأن
الله خلق البشر بوصفهم شعوبا
وقبائل وجعل
التعارف والمودة بينهما سننا
حضارية وأساسا
للحياة المشتركة.
وكثيرة هي
الشواهد على حوار
الحضارات وصراعها، سواء
كانت بسبب الدوافع الدينية أو الثقافية، أو
مصالح اقتصادية. وقد عرفت الحضارات في الصراع
السلمي. والصراع العسكري منذ أقدم
العصور، وحتى
هذه اللحظة، واللحظة القادمة. مثل الصراع بين الحضارة
الفارسية والرومية، والصراع بين الحضارة
الإغريقية والحضارات المجاورة لها حتى بر مصر.
ويعتبر مثال الاسكندر الكبير خير دليل على الصراع
الحضاري حينما ركب بواخره وسفنه، وعبر البحر مع جنوده
تجاه الأمم الأخرى فاتحا ومؤسسا
حضارة إغريقية
في تلك البلدان بعد أن انتصر
عليها.
غير أن الصراع
لا يتم على وتيرة
واحدة أو مستوى محدد، وإنما يختلف، ويتباين
باختلاف الاتجاه الذي يقرره الدور الحضاري.
لذلك يبقى حمل الرسالة وتبليغها والدفاع عن
الهوية، والشخصية الحضارية العامل الفصل في
الصراع الحضاري.
ثانيا:
التنظيم الاجتماعي عند البدو
* العشيرة البدوية:
العشيرة هي وحدة
التنظيم الاجتماعي في المجتمع البدوي، منها
ينطلق الفرد، وإليها يعود، وتكاد تكون
المؤسسة الاجتماعية الوحيدة التي تمارس ضغطاً
اجتماعياً على الأفراد،
فهم يفيئون إلى حماها، ويدافعون عنها، ويفتخرون بتراثها
وأمجادها، يتعصبون لها، ويذوبون فيها، وهذا ما
تفرضه طبيعة الحياة البدوية القائمة على التنقل
والترحال. ولكل عشيرة شيخ يسوسها ويدبر أمورها،
تنقاد له عشيرته انقياداً كاملاً، ما دام يرعى مصالح
العشيرة ويحرص عليها. ومصلحة العشيرة واحدة،
تندغم فيها مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة، وتتحقق من خلالها.
* العصبية القبلية:
العصبية لغةً
تعني أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، أي أقاربه من
جهة الأب والتآلب معهم على من
يناوئهم ظالمين أو مظلومين، والعصبية هي وسيلة
من وسائل البدوي للتكيف مع البيئة لحماية
كيانه القبلي، وتراثها الذي يتناقله جيلاً
بعد جيل. وقد تحدث "ابن خلدون"
في مقدمته عن ضرورة العصبية للبداوة.
وتتميز العصبية
القبلية بأنها موحدة، شاملة، ذات قوة إلزامية قهرية ـ
باعتبارها ظاهرة اجتماعية ـ تمارس قدراً كبيراً من السيطرة على أفراد القبيلة
الواحدة. وتؤدي العصبية القبلية إلى ترابط المجتمع البدوي في
وحدة كلية يشعر فيها كل فرد بالضمانة النفسية
والمادية، لكنها تعمل على عزل
القبيلة عن القبائل الأخرى من النواحي الاجتماعية
والنفسية والجغرافية والحيوية.
* الأسرة:
الأسرة البدوية
هي نواة التكوين الاجتماعي عند البدو، مثلهم في ذلك مثل
سائر المجتمعات البشرية، والأسرة البدوية
أسرة أبوية، حيث الأب هو رئيس الأسرة، له
حق الطاعة على جميع
أفرادها.
أما حقوق الأسرة
ومكانتها في العشيرة ؛ فتتناسب طرداً مع ما عندها من مال
ورجال. ويحرص البدو على إنجاب
أكبر عدد ممكن من الذكور، لأن كثرة الأبناء الذكور تُعَدُّ
في أعرافهم عاملاً هاماً من عوامل العز
والمنعة للأسرة في العشيرة، وللعشيرة في
القبيلة، وللقبيلة بين القبائل الأخرى، إلا أن
ارتفاع نسبة الوفيات بين المواليد عند
البدو تذهب بارتفاع نسبة الولادات، وترتفع نسبة
الوفيات بسبب نقص الرعاية الصحية، وتدني
المستوى الثقافي، وتخلف أساليب التوليد، وضعف
العناية بالحامل، وكلها عوامل تعود إلى تدني
المستوى الاقتصادي والثقافي. وعلى الرغم من ذلك،
فإن معدل زيادة السكان عند البدو تظل أعلى مما هي لدى
السكان الآخرين في البلاد التي يعيشون فيها،
ويعود ذلك إلى كبر الأسرة، وتعدد الزوجات وأنماط التفكير
الفطرية. ووظائف الأسرة عند البدو أوسع منها
لدى الأسرة عند الفلاحين في الريف، وعند
الحضر في المدينة، حيث سلبت المؤسسات والبنـى
الاجـتماعية كثـيراً مـن وظائف الأسرة في
الريف والمدينة، فالأسرة البدوية لا تزال تقوم
بوظائفها الاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية حتى
اليوم.
*المرأة:
تتسم نظرة البدو
إلى المرأة بالمحافظة، هذه النظرة التي تكاد تبقى
حتى اليوم على ما
كانت عليه قبل الإسلام، على الرغم
من أن الإسلام قد شجب تلك النظرة، وأعلى من شأن
المرأة، فما زال البدوي يستقبل ولادة بنت
بالوجوم، وكأنها مصيبة حلت به، ويعود ذلك
إلى طبيعة الحياة البدوية حيث يتميز دور الرجل، فهو الذي يحمي
العشيرة، ويرد عنها الخصوم والطامعين، وهو
الذي يجلب الرزق، في حين ينحصر دور المرأة في أعمال المنزل
البسيطة ورعاية الأطفال، وقد تقوم بأعمال اقتصادية ثانوية مثل
رعي الإبل والأغنام، وحلبها. إلا أن النساء في
البادية لَسْنَ دون الرجل شهامة ومروءة، فهن
يحملن القيم الأخلاقية ذاتها، يُستجار بهن
فيجرن، ويكرمن الضيف عند غياب الرجال، ويتحملن ما
يتحمل الرجال من أعمال ومتاعب ومشاق، وقد
يشاركنهم الغزو أحياناً.
والمرأة عند
البدو رمز للشرف والكرامة، فهي محترمة مصونة،
لا يجوز أن تُمَسَّ بأذًى مهما بلغت العداوة والبغضاء بين
العشائر. وما من وصمة عار يمكن أن تلحق برجل كوصمة
أن يشتم امرأة أو يهينها أو يضربها، وإذا
قُتلت امرأة في خصومة بين عشيرتين، فإن
ثأرها أو ديتها يماثل من أربعة أضعاف إلى
ثمانية أضعاف ثأر الرجل أو ديته.
* العادات والتقاليد
والأخلاق: للبدو عادات وتقاليد كثيرة،
أكثر من أن تحصى، انتقل بعضها بالتسلسل من
الآباء إلى الأحفاد، وحوفظ عليها كما لو
كان شِرْعَةً لا يصح الإخلال بها، وبعضها نشأ
بحكم الضرورة القاهرة، من شظف العيش وضيقه، وقساوة البادية،
ومرارة العيش فيها. وتمارس تلك الأعراف والتقاليد ضغطاً
اجتماعياً على جميع
الأفراد، فلا يستطيع أحد التحرر منها، وإلا فإنه يعرض نفسه
للاستخفاف والازدراء، وللعقاب أحياناً، والنبذ أحياناً
أخرى، وربما يضطر إلى الهرب خارج العشيرة أو
القبيلة. وهذا النمط المحافظ الثابت أدى إلى
استمرار عادات وقيم وبقائها على ما
هي عليه منذ ما قبل الإسلام حتى اليوم.
ومن أخلاق البدو،
الأنفة، والعزة، والصبر، والكرم، والعفة، والوفاء، وإغاثة
الملهوف، وإجارة المستجير، والإيثار، والجرأة
في قول الحق، والعفو عند المقدرة. والبدو
يحفظون أنسابهم ويفاخرون بها.
* التكتم:
يعد التكتم من
الأعراف الراسخة في البيئة البدوية، وكل ما تذكره الكتب
والدراسات من أرقام عن أعداد البدو لا يعدو التخمين والتقدير،
ويعود ذلك إلى سببين : الأول هو أن طبيعة حياة البدو
القائمة على التنقل والترحال
تحول دون إجراء إحصاءات دقيقة، والثاني يعود إلى تكتم البدو
نحو السلطات الرسمية، والهيئات الحكومية،
وخوفهم من التجنيد الإجباري، والتكاليف الضريبية، والالتزامات
نحو السلطات بشكل عام، إن هم أدلوا بمعلومات إحصائية
دقيقة مضبوطة. وقد ظهرت هذه الحقيقة جلية عند البدو،
وانتشرت بينهم أيام الحكم العثماني للبلاد
العربية.
والبدو كما
هو معروف يتمثلون الأخلاق الكريمة كما أشرنا، إلا أنهم، في بعض
الحالات وفي ظروف ما، لا يعتبرون السرقة
عملاً لاأخلاقياً، بل ينظرون إليها على أنها
عمل من أعمال الرجولة، ولعلها جاءت هكذا
عندهم امتداداً للغزو، ومظهراً آخر من
مظاهره، والحاجة والفاقة وضيق ذات اليد
الناجمة عن جدب الأرض وقلة خيراتها، وشظف العيش في
البادية الصحراوية، أو شبه الصحراوية، هو ما يدفع
البدوي إلى السرقة، أو التهريب أو تجارة
الممنوعات كي يحافظ على بقائه.
* الثأر: والثأر
عادة قديمة متأصلة لدى البدو، منذ ما قبل الإسلام، وقد نهى
الإسلام عن الثأر، إلا أن ذاك النهي لم يبطل تلك
العادة، لأن البدو يسلكون وفق أعرافهم
وتقاليدهم، ووفقاً لها يُعَدُّ عدم الأخذ بالثأر
جبناً، والجبن صفة ذميمة جداً عند البدو،
وقد يتدخل القضاء الرسمي في حوادث القتل التي
تحدث بين البدو، ويصدر فيها أحكامه ؛ إلا أن
كثيرين منهم، لا يقبلون بهذه الأحكام بل
يظلون ينتظرون خروج الجاني من السجن
للانتقام منه أخذاً بالثأر، وقد يعمدون إلى قتل
قريب من أقربائه لذات الغاية.
* الفراسة:
عُرف البدو منذ
القديم بالفراسة، والفراسة لغة هي سلامة الحدس وصدق
النظر، فتجد البدوي ينظر إلى آخر، فيعرف قبيلته
وعشيرته من أول نظرة.
* قصّ الأثر:
واشتهر البدو
بقص الأثر، ولهم في ذلك مهارة عجيبة لا يكاد
يجاريهم فيها أحد، فيكشفون كثيراً من الحوادث
الغامضة عن طريق قص الأثر، وتتبع آثار الأقدام، والعلامات
الأرضية لمسافات طويلة.
* القضاء:
عرف العرب
القضاء منذ عهد الشفاهية، فقد قامت بينهم مصالح مختلفة
متنوعة، أدت إلى نشوء خلافات ومنازعات بينهم،
فشدوا للعدل صرحاً، وأسسوا له قواعد
ثابتة، سادت بينهم سيادة القوانين المكتوبة، على الرغم
من أنها كانت شفاهية غير مكتوبة. وقد تكونت تلك
القواعد عبر ماض طويل، وجاءت خلاصة سلسلة متصلة من التجارب
والخبرات، توارثوها جيلاً بعد جيل، فارتكزت على أسس
قوية، ودعائم متينة استندت إلى مكارم
الأخلاق في الدرجة الأولى، واغتنت وتعمقت
بالحكمة والحنكة والخبرة الحياتية المتجددة
باستمرار.
وظهر الإسلام
بين العرب، ليكون الحدث الأجل والأخطر والأعظم أثراً في
حياتهم، فأخذوا يطبقون أحكامه الدنيوية
والأخروية، في خلافاتهم ونزاعاتهم من قتل أو
سرقة أو اعتداء، وفي معاملاتهم من بيع وشراء،
ووصية وإرث، وزواج وطلاق... إلخ. وبالتالي
سادت بينهم قوانين مكتوبة دقيقة التزموا
بها، وطوروها لتلبي حاجاتهم المتجددة، فكان
الكتاب والسنة مصدري التشريع في المرحلة
الأولى، وبعد وفاة النبي# وتوقف نزول
القرآن الكريم، مضت الحياة في سبيلها لا
تتوقف، أوجدوا مصدراً جديداً هو القياس، ثم
أضافوا مصدراً آخر هو الإجماع، لما تغيرت
معالم الحياة المتجددة وأحداثها بحيث لم
تعد تتطابق مع الأحداث التي جرت في حياة
النبي#، ولما اتسعت رقعة الدولة اتساعاً
جعل إجماع الفقهاء مستحيلاً، أضافوا المصدر
الأهم وهو الاجتهاد.
لكن هذا كله
ارتبط بالعرب المستقرين في الحضر، أما البدو المتنقلون فقد
ظلوا، في الجملة، يحافظون على عاداتهم
وتقاليدهم وأعرافهم، لاسيما أن الدين الجديد لم
يتغلغل في نفوس بعضهم، فظلوا يرجعون إلى تلك
الأعراف والتقاليد في حل خلافاتهم ومشكلاتهم،
فبقيت الأعراف والتقاليد هي القانون السائد
في البادية، وقد أخذت تلك الأعراف
والتقاليد تتطور إلا أن تطورها كان بطيئاً
جداً، واستمر هذا التطور حتى وصلت إلى ما
هي عليه اليوم.
والمسؤولية الجماعية
هي محور القضاء في المجتمع البدوي، ويهدف النظام القضائي عند
البدو إلى معاقبة أولئك الذين يخرجون على الإرادة
الجماعية، أو يجرحون مشاعر الجماعة ؛ والعقاب وسيلة لإعادة
التوازن بين أفراد الجماعة.
ويقوم القضاء
عند البدو على العرف
والعادة، فليس ثمة قوانين مكتوبة، ولا خطط
مرسومة، يتولاه الشيوخ، وهؤلاء إما قضاة في
الخلافات التي تنشأ داخل العشيرة، أو
محكّمون في المسائل التي تحدث بين العشائر
المجاورة، وهم يباشرون القضاء بأنفسهم، لكنهم قد
ينيبون عنهم رجالاً منهم يحكّمون بما
اكتسبوا من خبرة وتجربة، وبما سمعوا من أحكام
أسلافهم في وقائع مماثلة. وللمحاكمات
أصول، وللقضاء درجات متعارف عليها، تكاد لا
تختلف من قبيلة إلى أخرى، إلا في بعض تفاصيل
قليلة. وهناك أحكام جزائية خاصة بالقتل،
والديّة، والزنى والسرقة والذم، وأحكام أخرى
تتعلق بالشفعة والميراث.
خصائص المترحلين الاقتصادية
:
يقوم نمط
المعيشة على الأنشطة
المختلفة التي يمارسها البشر في سبيل الحصول على الموارد الاقتصادية
الضرورية لحياتهم ؛ إلا أن صلة نمط المعيشة بالبيئة
الجغرافية، ليست على درجة
واحدة ؛ فهي تشتد أو تضعف حسب تطور الشعوب ورقيها. ويمكننا أن
نميز في نشاط البشر الاقتصادي بين ثلاثة
أنشطة زراعية وصناعية وخدمات كعمل الموظفين
والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة.
* الرعي والزراعة:
يرتبط نشاط
البدو الاقتصادي بالزراعة، لكنه يقوم على الرعي
في الدرجة الأولى، وعلى الزراعة والصيد في الدرجة الثانية.
والبدو يحتقرون العمل اليدوي الصناعي، ويأنفون منه، ولهذا
واجه التعليم الصناعي مقاومة لدى فئات
البدو منذ عهود طويلة، كما أنهم ينظرون نظرة
دونية إلى الزراعة، لأنها تربط صاحبها بالأرض، وتحد من
حريته في التجوال والترحال عبر البوادي والصحاري
لذلك نجد "الطوارق"، في جبال الهوقار
حتى عهد قريب، يتفرغون للغزو، ومرافقة القوافل، في حين
يتركون زراعة أراضيهم لجماعة يعتبرونهم أقل
شأناً منهم، يسمونهم "الحراثين"،
كما نجد حالة مشابهة في موريتانيا حيث كان
العبيد يقومون بالزراعة على ضفاف
نهر "السنغال"، لحساب
سادتهم من البدو. هذه كانت الصورة التقليدية عن الزراعة والعمل
اليدوي، إلا أنها أخذت تتغير بفعل عوامل
عديدة أثرت في عقلية البدو، فعدلت من
أنماط تفكيرهم، وغيرت من سلوكهم تجاه الأرض
والعمل اليدوي، فأخذوا يتحولون إلى الزراعة،
فاستقروا في أراض خِصْبَةٍ يروونها، فقبيلة
"شمَّر" استقرت في الجزيرة السورية، واستقر
"بنو وهب" في أرض الحجاز وخيبر، ولهم
فيها نخيل يقدر بنصف نخيلها، كما استقرت قبيلة "الزريقات"
في السودان، التي أصبح أكثر من نصفها مستقراً اليوم،
ولهم أربع عشرة قرية كبيرة، ويزرعون المحاصيل
الإعاشية، وهي الدخن والذرة، والمحاصيل النقدية، وعلى
رأسها الفول السوداني. ولكن، على الرغم من
حالات الاستقرار هذه، فإن الرعي يظل حرفة البدو الرئيسة، عليه
اعتمادهم ومعولهم، يتبعون مساقط الغيث، ومنابت
الكلأ لرعي مواشيهم على اختلاف
أنواعها.
والرحيل لدى
البدو له أسبابه، وأهمها انتجاع الكلأ، أو
اتقاء الرياح الباردة القارصة، أو التخلص من
بعض الحشرات كالبراغيث، والهروب من الذباب القارص الذي ينقل
الأمراض في المناطق الطينية في مواسم الأمطار،
كما هي الحال في مناطق السافانا في السودان.
* التجارة:
لا يعتمد البدو
في غذائهم على مواشيهم
ومنتجاتها فحسب، بل يعمدون إلى مبادلة مواشيهم
ومنتجاتها من ألبان وأصواف مع الحضر، كما أنهم
يشتغلون بالنقل والتجارة مستفيدين في ذلك من
خبرتهم في الصحراء، ومعرفة مسالكها معرفة دقيقة نتيجة
تنقلهم الدائم. وتلعب الجمال دوراً هامّاً في التجارة البرية، إذ
كانت القوافل تتألف من قطارات من الجمال قد
يتراوح عددها بين خمسمائة إلى ألف وخمسمائة
من الإبل. وكان البدو يتقاضون أجور النقل، وأجور حماية
القوافل التجارية، فقد كانت هناك طرق تجارية معلومة لا تستطيع
القوافل التجارية عبورها، والمرور عبرها، إلا
في حماية عشائر بدوية معينة، منها طريق حلب ـ
بغداد، وطريق الحج بين الآستانة (إسطنبول)
ومكة، وطريق دمشق ـ بغداد.
أما في شمال
أفريقيا، فهناك طرق طويلة عرضانية تمتد بين السودان وتشاد
والنيجر ومالي حتى السنغال، كما أن هناك
طرقاً طويلة تمتد من الحواضر الشمالية إلى
أفريقيا السوداء جنوباً، وقد لعبت تلك الطرق،
التي كانت طرقاً تجارية في الأصل، دوراً هاماً
بارزاً في نشر الإسلام والثقافة العربية جنوبي الصحراء.
بهذا يتضح
لنا أن وضع البدوي الاقتصادي يتشابه [font:0bf7=&q
أولا: الحضارة والبداوة
1-
الحضر
:
الحضري كلمة
مأخوذة من الحضارة. وتعني الحضارة
كل نشاط تمارسه
الأمم من أجل بلوغ ما تصبو إليه. ومواجهة كل ما من شأنه
أن يحول دون وصول الأمم إلى أهدافها
وتطلعاتها. إلا أن هذا النشاط لا يتساوى عند
كل علماء الحضارة وعدم التساوي ينتج من خلال
تفاوت درجات الوعي عند علماء الحضارة،
لأن «الوعي ليس شيئا آخر سوى الوجود
الواعي،ووجود البشر».
فالحضارة ظاهرة
إنسانية تشترك فيها كل الأمم. وتنشأ
الحضارة في كل
أمة داخل أرضها، ومن خلال تجربتها الاجتماعية، وتحت تأثير
مناخها وثرواتها، وما يصاحب ذلك من تحدّيات
بيئية وما تمر به من ظروف مواتية أو غير
مواتية لإنتاجها وعملها الحضاري.
ومن تعريفات الحضارة:
«أنها تعني نمطا من الحياة يتميز
بخطوط ألوان من
التقدم والرقي». و«الحضارة هي ثمرة كل جهد يقوم به
الإنسان لتحسين ظروف حياته سواء أكان
المجهود المبذول للوصول الى تلك الثمرة
مقصودا أم غير مقصود، وسواء أكانت الثمرة مادية أم
معنوية». وهذا المفهوم للحضارة مرتبط
بالتاريخ لأن التاريخ، كما سنرى هو الزمن، والثمرات
الحضارية تحتاج إلى زمن لكي تطلع. أي أنها جزء من التاريخ،
أو نتاج للتاريخ.
وللحضارة معاني
عدة في اللغة العربية مثل الإقامة
في المعمورة.
أي في المدن والقرى. ويشرحها
معجم لسان
العرب بقوله: «والحضر خلاف البدو،
والحاضر خلاف
البادي، والحضارة الإقامة في الحضر».
وفي وصفه الحضارة،
يقول عنها ابن خلدون إنها «طور
طبيعي في حياة
الشعوب. تبدأ من البداوة، وتنتهي في الحضر، وأن البدو
أصل الحضر. ولذلك تتحول إلى غاية للبداوة».
ويتابع ابن
خلدون الحضارة في لحظات تطورها وتحولها، ويرى
أنها تجعل الشعوب يتسعون في أحوالهم. ويلاحظ أن
الحضارة عند ابن خلدون تبدأ من مرحلة البداوة،
ثم يتطور أهلها تدريجيا حتى يبلغوا
الحضر فيصبحوا
منه بالجهد والعمل.
2. البدو:
تُعرّف
"الموسوعة
العربية العالمية" البدو بأنهم: «مجموعة من البشر
يعيشون حياة الترحال، وعدم الاستقرار في مكان
بعينه، ويعيشون حياتهم التقليدية في الصحراء،
بحثاً عن الماء والمرعى لجمالهم وأغنامهم، ويعيشون في
خيام مصنوعة من جلود وشعر حيواناتهم، ويعتمدون
في غذائهم في الغالب على منتجات الألبان
والتمور والأرز. ويقايضون اللحوم، ومنتجات الألبان مع سكان
القرى المجاورة للحصول على الخناجر
والأواني والبضائع المصنعة الأخرى. والبدو شديدو الاعتزاز بكرامتهم،
ويعتمدون على أنفسهم
إلى درجة بالغة، ويعيشون حياتهم ملتزمين بالصفات الأخلاقية،
وبقيم الشجاعة والكرم، والولاء للقبيلة، وبالضيوف والغرباء،
وقد تؤدي إهانة الكرامة أحياناً إلى صراعات دموية بين
القبائل».
ويبدو أن
هذا التعريف يركز على بدو
الجزيرة العربية؛ لأنه أغفل جماعات من البدو
تعتمد على تربية الأبقار
أيضاً، مثل قبائل "البقَّارة" في السودان، حيث تمتلك
قبيلتان (هما الزريقات والمسيرية)، ما يتراوح بين
ثلاثة ملايين وأربعة ملايين رأس من
الأبقار. كما أغفل التعريف ذاته قبائل
"الطوارق" و"البنتو" التي تربي الماعز، لأنه يتكيف
بشكل إيجابي مع المرتفعات والأودية. وهذه
القبائل تعيش في بيئة جبلية في المغرب
العربي (جبال الهوقار).
والأهم في
تعريف البدو هو التركيز على الخاصية الأساس
التي تميز البدو من وجهة نظر علم الاجتماع، وهي الترحل وعدم
الاستقرار، بغض النظر عن أنواع الماشية
التي يربونها، والدور أو الأدوار الاقتصادية
التي يمارسونها. وتشمل خاصية الترحال البدو في المشرق
(الجزيرة العربية والعراق والشام)، كما تشملهم في شمال
إفريقيا من السودان إلى موريتانيا.
3. الصيادون :
هم المترحلون الذين
يعيشون في البحار، فيتنقلون لصيد السمك، أو لجمع الإسفنج
والكافيار وصيد اللؤلؤ في معظم دول الخليج
العربي، وهم بذلك يشبهون الصيادين في دول
أخرى مثل اليابان، وأندونيسيا، وماليزيا،
والفليبين في جنوب شرقي آسيا. وقد تندرج تحت اسم
المترحلين أو غير الثابتين، فئات أخرى من السكان
مثل الغجر (النوَر) والصَّلب الذين يتنقلون في
الصحراء وراء القبائل العربية الأصيلة، ويعيشون
من صناعات يدوية محددة، ويسمون المتنقلين (Trailers)، ومنهم
أيضاً المتنقلون بالقوارب في البحار (Boat Trailers)، ويجري التنقل
والتجوال لفترة قصيرة أو فصلية، وأحياناً لمدة أطول. وقد يجمع
البدو بين صيد الأسماك والغوص عن اللؤلؤ في فصل
الشتاء، ويتفرغون في الصيف لجمع التمر من نخيلهم، كما
في عُمان والإمارات.
هؤلاء جميعاً
من بدو وصيادين وغجر (نوَر) وصلب، وسكان البيوت والقوارب
المتنقلة يشتركون في سمة أساسٍ مشتركة بينهم
جميعاً، هي أنهم يتجولون متنقلين من مكان إلى
آخر، وفقاً لشروط بيئية مثل الحرارة
والماء، وبحثاً عن الغذاء. وهم في تنقلهم هذا
يشابهون الكائنات الحية الأخرى التي تنتقل في
أشكال جماعية كالهجرة الموسمية لدى بعض
فصائل الطيور، والحيوانات الأخرى من عاشبة
ومفترسة التي تنتقل من مكان إلى مكان سعياً
إلى التكيف مع البيئة.
يرى "بياجيه"
أن الإنسان
يتكيف ويتلاءم في عيشه مع البيئة الطبيعية والاجتماعية لتلبية
حاجاته الحيوية بالتمثل والمطابقة، فهو يغير
البيئة لتناسبه في منحى التمثل، ويغير نفسه
ليناسب البيئة في منحى المطابقة. وقد يتم
التلاؤم بالمنحيين معاً.
ويقوم التمثل
الحضاري على محاولة
الإنسان السيطرة على الطبيعة
ما أمكن، وملاءمتها عن طريق الخبرة بداية، ثم عن طريق
العلم والتقنية في القرون الأخيرة؛ وما بناء
السدود، وشق الطرقات والأنفاق، واستحداث
أنواع جديدة من الزراعات والسلالات،
وتدجين الحيوانات، واختراع وسائل المواصلات
الحديثة، إلا من قبيل إخضاع الطبيعة
وملاءمتها للإنسان، وهذا منحى إجرائي حضاري. أما
منحى المطابقة فيسود في البادية، ويقوم على تغيير
الإنسان نفسه، والانتقال إلى بيئة جديدة؛ فالبدوي إذا
تغيرت عليه البيئة حيث يقيم، لا يلجأ إلى
"التمثل" أي التغيير في البيئة، بل
يعمد إلى "المطابقة" أي الرحيل بنفسه
وأغنامه وإبله وحيواناته إلى بيئة جديدة يتلاءم معها. والبدوي
يرتحل باستمرار طلباً للماء والمرعى،
متوافقاً مع الفصول والتضاريس، وتتأثر بنيته
الفيزيولوجية، وغذاؤه، وكساؤه، وعاداته،
وتقاليده، وقيمه بما يناسب البيئة الصحراوية
في قسوتها وصفائها، وفي شحها وكرمها.
إلا أن مظاهر
الحياة الحديثة قد أخذت تتسرب إلى حياة البدو، فلم يعد غريباً،
أن ترى سيارة واقفة
أمام بيت شَعَر في الصحراء. كما أخذ البدو يستخدمون السيارات
الشاحنة لنقل المواشي والأعلاف، وصاروا
يستخدمون المضخات في شفط الماء من الآبار. لكن على الرغم
من هذا كله، لا تزال الحياة البدوية باقية في
قيمها وعاداتها. وذلك لأن القيم والعادات تتغير
ببطء بالغ، في حين أن الوسائل الآلية ومظاهر
الحياة المادية تتغير بسرعة أكبر، لأن استخدامها يتعلق بجدوى
عملية تبدو واضحة جلية، لا بقيم أخلاقية
أو اجتماعية تتسم بطابع المحافظة والثبات
في كثير من الأحيان.
ويمكن تقسيم
البدو من حيث ترحلهم ونمط حياتهم إلى ثلاثة أقسام:
* البدو الرحل:
وهؤلاء يعتمدون على الإبل،
وما تدره عليهم من منتجاتها. رحلاتهم بعيدة، قد
تمتد إلى آلاف الكيلومترات إذا أحوجتهم السنة،
يساعدهم على ذلك
حيوان بيئي هو الجمل بما يتصف به من قوة وصبر
وتحمّل للمشاق.
* الشاوية والبقّارة:
وهم من رعاة
للشاة والأبقار، رحلاتهم قصيرة، لأن حيواناتهم
من أغنام وأبقار، لا تحتمل مشاق الرحلة البعيدة، ولا
تصمد للعطش. وهؤلاء قد يزرعون الأرض إضافة إلى الرعي، لذا فهم
ليسوا بدواً رحلاً بالمعنى الاجتماعي، إلا أنهم
لم يصبحوا حضراً مستقرين، لذلك يطلق عليهم أحياناً وصف
البدو (نصف الرحل). ومنهم بدو القرى النجدية وقرى جنوب السعودية.
* المزارعون: وهم أناس
استقروا في القرى، بعضهم ينتمي إلى قبائل بدوية وبعضهم إلى قبائل
حضرية. يحترفون الزراعة في الدرجة الأولى
وعليها تقوم حياتهم، كما يهتمون برعي
الماشية وتربية الحيوانات الأليفة والطيور.
وتتشابه عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم -في بعض
جوانبها- مع عادات البدو الرحل ونصف
الرحل، وثمة فوارق بينهم وبين البدو في عادات
الطعام واللباس وبعض القيم الأخلاقية.
4. العلاقة بين
البدو والحضر
يرى علماء الحضارة
أن من أهم خصائص العناصر الحضارية
أنها تغادر
أرضها إلى بلدان كثيرة في العالم
مدفوعة
بفكرتها. ويقررون أن سمة الانتقال
هذه ليست واحدة
في كل الحضارات، بل إنها تختلف من حضارة إلى أخرى
باختلاف قوة الفكرة أو ضعفها. ويرون أن الاختلاف
يتباين ويتنوع حسب مبادئ وقيم فكرة وفلسفة
كل حضارة ودينامياتها وآلياتها.
إن خاصية مغادرة
العناصر لأرضها أو انتقالها تجد
نفسها في جوهر
العنصر وتركيبه الحضاري، حيث لا تملك هذه العناصر
سوية واحدة في الانتقال. بل تنتقل بموجب
قوة أو ضعف الحضارة من جهة،وحاجة الشعوب أو
الأمم إلى العنصر الحضاري المبتكر أو المصنع،
أو بفعل الفكرة ونسقها. ومع ذلك فإن
الحضارات المتفوقة والمنتصرة الغنية بالأفكار
والثروات والاختراع والمنافع المادية هي التي
تتفوق في الانتقال من مكان إلى آخر، ومن أمة
إلى أمة أخرى، ولذلك تكون وجهة الانتقال
عادة أما متعلقة بالتماثل الحضاري، حيث
تتبادل الدول الصناعية العناصر الحضارية المبتكرة
هنا أو هناك في ميدان الذرة وصناعة
الصواريخ والكمبيوتر والاتصال، وصناعة المعلومات،
أو متعلقة بالتفاوت الحضاري، حيث تنتقل العناصر
الحضارية من الدول المتقدمة إلى الدول الأقل
تقدما ويتم الانتقال أما بالقوة أو الحاجة أو بالتقليد.
كما رأينا في انتقال العناصر
الثقافية.
ويرى ابن
خلدون، أن المجتمعات المغلوبة تأخذ
وتقلد
المجتمعات الغالبة. والمجتمعات تقلد
بعضها. والشعوب
في طور النهضة أو الصاعدة حضاريا، تأخذ من الدول
المتمكنة حضاريا، وتطور ما تأخذه حتى يتفق مع
مصالحها.
غير أن قانون
الانتقال وتقليد المغلوب الغالب
له بعض
الاستثناءات حيث يتمثل، على سبيل المثال،
في تأثير المغلوب على الغالب، إذا
كان المغـلوب بالسلاح أكثر تقدما في
الحضارة، على النحو
الذي حدث خلال غزو المغول للوطن العربي، وفي
أعقب انتصار الأسبان على العرب
في بلاد الأندلس؛ ومع ذلك فإن تأثير الغالب على المغلوب
هو الأكثر شيوعا والأقوى فعلا وليس تفاعلا لأن
التأثير يأتي في أكثر الأحيان من جانب الغالب على المغلوب.
غير أن هذا
التأثير يتزامن تدريجيا في تبدله مع
تطور الشخصية
الحضارية لدى المغلوب. وهذا حال المجتمعات المغلوبة إبان
مرحلة الاستعمار الأوروبي حيث أثرت الحضارة
الأوربية على الشعوب
المستعمرة، وبدلت فيها تبديلا قويا
يتناسب مع
مصالحها، حتى أن هذه الشعوب فقدت
الكثير من
مقومات شخصيتها وزادت قوة التأثير
في العقد
الأخير من القرن العشرين، وخاصة
بعد تكامل
الموجة الثالثة من ثورة المعلومات،
وثورة الاتصال،
وثورة الهندسة الوراثية.
والإسلام بوصفه
دينا وثقافة وحضارة يؤكد على التبادل الثقافي
والتنوع الفكري بين البشر، يقول
القرآن بأن
الله خلق البشر بوصفهم شعوبا
وقبائل وجعل
التعارف والمودة بينهما سننا
حضارية وأساسا
للحياة المشتركة.
وكثيرة هي
الشواهد على حوار
الحضارات وصراعها، سواء
كانت بسبب الدوافع الدينية أو الثقافية، أو
مصالح اقتصادية. وقد عرفت الحضارات في الصراع
السلمي. والصراع العسكري منذ أقدم
العصور، وحتى
هذه اللحظة، واللحظة القادمة. مثل الصراع بين الحضارة
الفارسية والرومية، والصراع بين الحضارة
الإغريقية والحضارات المجاورة لها حتى بر مصر.
ويعتبر مثال الاسكندر الكبير خير دليل على الصراع
الحضاري حينما ركب بواخره وسفنه، وعبر البحر مع جنوده
تجاه الأمم الأخرى فاتحا ومؤسسا
حضارة إغريقية
في تلك البلدان بعد أن انتصر
عليها.
غير أن الصراع
لا يتم على وتيرة
واحدة أو مستوى محدد، وإنما يختلف، ويتباين
باختلاف الاتجاه الذي يقرره الدور الحضاري.
لذلك يبقى حمل الرسالة وتبليغها والدفاع عن
الهوية، والشخصية الحضارية العامل الفصل في
الصراع الحضاري.
ثانيا:
التنظيم الاجتماعي عند البدو
* العشيرة البدوية:
العشيرة هي وحدة
التنظيم الاجتماعي في المجتمع البدوي، منها
ينطلق الفرد، وإليها يعود، وتكاد تكون
المؤسسة الاجتماعية الوحيدة التي تمارس ضغطاً
اجتماعياً على الأفراد،
فهم يفيئون إلى حماها، ويدافعون عنها، ويفتخرون بتراثها
وأمجادها، يتعصبون لها، ويذوبون فيها، وهذا ما
تفرضه طبيعة الحياة البدوية القائمة على التنقل
والترحال. ولكل عشيرة شيخ يسوسها ويدبر أمورها،
تنقاد له عشيرته انقياداً كاملاً، ما دام يرعى مصالح
العشيرة ويحرص عليها. ومصلحة العشيرة واحدة،
تندغم فيها مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة، وتتحقق من خلالها.
* العصبية القبلية:
العصبية لغةً
تعني أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، أي أقاربه من
جهة الأب والتآلب معهم على من
يناوئهم ظالمين أو مظلومين، والعصبية هي وسيلة
من وسائل البدوي للتكيف مع البيئة لحماية
كيانه القبلي، وتراثها الذي يتناقله جيلاً
بعد جيل. وقد تحدث "ابن خلدون"
في مقدمته عن ضرورة العصبية للبداوة.
وتتميز العصبية
القبلية بأنها موحدة، شاملة، ذات قوة إلزامية قهرية ـ
باعتبارها ظاهرة اجتماعية ـ تمارس قدراً كبيراً من السيطرة على أفراد القبيلة
الواحدة. وتؤدي العصبية القبلية إلى ترابط المجتمع البدوي في
وحدة كلية يشعر فيها كل فرد بالضمانة النفسية
والمادية، لكنها تعمل على عزل
القبيلة عن القبائل الأخرى من النواحي الاجتماعية
والنفسية والجغرافية والحيوية.
* الأسرة:
الأسرة البدوية
هي نواة التكوين الاجتماعي عند البدو، مثلهم في ذلك مثل
سائر المجتمعات البشرية، والأسرة البدوية
أسرة أبوية، حيث الأب هو رئيس الأسرة، له
حق الطاعة على جميع
أفرادها.
أما حقوق الأسرة
ومكانتها في العشيرة ؛ فتتناسب طرداً مع ما عندها من مال
ورجال. ويحرص البدو على إنجاب
أكبر عدد ممكن من الذكور، لأن كثرة الأبناء الذكور تُعَدُّ
في أعرافهم عاملاً هاماً من عوامل العز
والمنعة للأسرة في العشيرة، وللعشيرة في
القبيلة، وللقبيلة بين القبائل الأخرى، إلا أن
ارتفاع نسبة الوفيات بين المواليد عند
البدو تذهب بارتفاع نسبة الولادات، وترتفع نسبة
الوفيات بسبب نقص الرعاية الصحية، وتدني
المستوى الثقافي، وتخلف أساليب التوليد، وضعف
العناية بالحامل، وكلها عوامل تعود إلى تدني
المستوى الاقتصادي والثقافي. وعلى الرغم من ذلك،
فإن معدل زيادة السكان عند البدو تظل أعلى مما هي لدى
السكان الآخرين في البلاد التي يعيشون فيها،
ويعود ذلك إلى كبر الأسرة، وتعدد الزوجات وأنماط التفكير
الفطرية. ووظائف الأسرة عند البدو أوسع منها
لدى الأسرة عند الفلاحين في الريف، وعند
الحضر في المدينة، حيث سلبت المؤسسات والبنـى
الاجـتماعية كثـيراً مـن وظائف الأسرة في
الريف والمدينة، فالأسرة البدوية لا تزال تقوم
بوظائفها الاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية حتى
اليوم.
*المرأة:
تتسم نظرة البدو
إلى المرأة بالمحافظة، هذه النظرة التي تكاد تبقى
حتى اليوم على ما
كانت عليه قبل الإسلام، على الرغم
من أن الإسلام قد شجب تلك النظرة، وأعلى من شأن
المرأة، فما زال البدوي يستقبل ولادة بنت
بالوجوم، وكأنها مصيبة حلت به، ويعود ذلك
إلى طبيعة الحياة البدوية حيث يتميز دور الرجل، فهو الذي يحمي
العشيرة، ويرد عنها الخصوم والطامعين، وهو
الذي يجلب الرزق، في حين ينحصر دور المرأة في أعمال المنزل
البسيطة ورعاية الأطفال، وقد تقوم بأعمال اقتصادية ثانوية مثل
رعي الإبل والأغنام، وحلبها. إلا أن النساء في
البادية لَسْنَ دون الرجل شهامة ومروءة، فهن
يحملن القيم الأخلاقية ذاتها، يُستجار بهن
فيجرن، ويكرمن الضيف عند غياب الرجال، ويتحملن ما
يتحمل الرجال من أعمال ومتاعب ومشاق، وقد
يشاركنهم الغزو أحياناً.
والمرأة عند
البدو رمز للشرف والكرامة، فهي محترمة مصونة،
لا يجوز أن تُمَسَّ بأذًى مهما بلغت العداوة والبغضاء بين
العشائر. وما من وصمة عار يمكن أن تلحق برجل كوصمة
أن يشتم امرأة أو يهينها أو يضربها، وإذا
قُتلت امرأة في خصومة بين عشيرتين، فإن
ثأرها أو ديتها يماثل من أربعة أضعاف إلى
ثمانية أضعاف ثأر الرجل أو ديته.
* العادات والتقاليد
والأخلاق: للبدو عادات وتقاليد كثيرة،
أكثر من أن تحصى، انتقل بعضها بالتسلسل من
الآباء إلى الأحفاد، وحوفظ عليها كما لو
كان شِرْعَةً لا يصح الإخلال بها، وبعضها نشأ
بحكم الضرورة القاهرة، من شظف العيش وضيقه، وقساوة البادية،
ومرارة العيش فيها. وتمارس تلك الأعراف والتقاليد ضغطاً
اجتماعياً على جميع
الأفراد، فلا يستطيع أحد التحرر منها، وإلا فإنه يعرض نفسه
للاستخفاف والازدراء، وللعقاب أحياناً، والنبذ أحياناً
أخرى، وربما يضطر إلى الهرب خارج العشيرة أو
القبيلة. وهذا النمط المحافظ الثابت أدى إلى
استمرار عادات وقيم وبقائها على ما
هي عليه منذ ما قبل الإسلام حتى اليوم.
ومن أخلاق البدو،
الأنفة، والعزة، والصبر، والكرم، والعفة، والوفاء، وإغاثة
الملهوف، وإجارة المستجير، والإيثار، والجرأة
في قول الحق، والعفو عند المقدرة. والبدو
يحفظون أنسابهم ويفاخرون بها.
* التكتم:
يعد التكتم من
الأعراف الراسخة في البيئة البدوية، وكل ما تذكره الكتب
والدراسات من أرقام عن أعداد البدو لا يعدو التخمين والتقدير،
ويعود ذلك إلى سببين : الأول هو أن طبيعة حياة البدو
القائمة على التنقل والترحال
تحول دون إجراء إحصاءات دقيقة، والثاني يعود إلى تكتم البدو
نحو السلطات الرسمية، والهيئات الحكومية،
وخوفهم من التجنيد الإجباري، والتكاليف الضريبية، والالتزامات
نحو السلطات بشكل عام، إن هم أدلوا بمعلومات إحصائية
دقيقة مضبوطة. وقد ظهرت هذه الحقيقة جلية عند البدو،
وانتشرت بينهم أيام الحكم العثماني للبلاد
العربية.
والبدو كما
هو معروف يتمثلون الأخلاق الكريمة كما أشرنا، إلا أنهم، في بعض
الحالات وفي ظروف ما، لا يعتبرون السرقة
عملاً لاأخلاقياً، بل ينظرون إليها على أنها
عمل من أعمال الرجولة، ولعلها جاءت هكذا
عندهم امتداداً للغزو، ومظهراً آخر من
مظاهره، والحاجة والفاقة وضيق ذات اليد
الناجمة عن جدب الأرض وقلة خيراتها، وشظف العيش في
البادية الصحراوية، أو شبه الصحراوية، هو ما يدفع
البدوي إلى السرقة، أو التهريب أو تجارة
الممنوعات كي يحافظ على بقائه.
* الثأر: والثأر
عادة قديمة متأصلة لدى البدو، منذ ما قبل الإسلام، وقد نهى
الإسلام عن الثأر، إلا أن ذاك النهي لم يبطل تلك
العادة، لأن البدو يسلكون وفق أعرافهم
وتقاليدهم، ووفقاً لها يُعَدُّ عدم الأخذ بالثأر
جبناً، والجبن صفة ذميمة جداً عند البدو،
وقد يتدخل القضاء الرسمي في حوادث القتل التي
تحدث بين البدو، ويصدر فيها أحكامه ؛ إلا أن
كثيرين منهم، لا يقبلون بهذه الأحكام بل
يظلون ينتظرون خروج الجاني من السجن
للانتقام منه أخذاً بالثأر، وقد يعمدون إلى قتل
قريب من أقربائه لذات الغاية.
* الفراسة:
عُرف البدو منذ
القديم بالفراسة، والفراسة لغة هي سلامة الحدس وصدق
النظر، فتجد البدوي ينظر إلى آخر، فيعرف قبيلته
وعشيرته من أول نظرة.
* قصّ الأثر:
واشتهر البدو
بقص الأثر، ولهم في ذلك مهارة عجيبة لا يكاد
يجاريهم فيها أحد، فيكشفون كثيراً من الحوادث
الغامضة عن طريق قص الأثر، وتتبع آثار الأقدام، والعلامات
الأرضية لمسافات طويلة.
* القضاء:
عرف العرب
القضاء منذ عهد الشفاهية، فقد قامت بينهم مصالح مختلفة
متنوعة، أدت إلى نشوء خلافات ومنازعات بينهم،
فشدوا للعدل صرحاً، وأسسوا له قواعد
ثابتة، سادت بينهم سيادة القوانين المكتوبة، على الرغم
من أنها كانت شفاهية غير مكتوبة. وقد تكونت تلك
القواعد عبر ماض طويل، وجاءت خلاصة سلسلة متصلة من التجارب
والخبرات، توارثوها جيلاً بعد جيل، فارتكزت على أسس
قوية، ودعائم متينة استندت إلى مكارم
الأخلاق في الدرجة الأولى، واغتنت وتعمقت
بالحكمة والحنكة والخبرة الحياتية المتجددة
باستمرار.
وظهر الإسلام
بين العرب، ليكون الحدث الأجل والأخطر والأعظم أثراً في
حياتهم، فأخذوا يطبقون أحكامه الدنيوية
والأخروية، في خلافاتهم ونزاعاتهم من قتل أو
سرقة أو اعتداء، وفي معاملاتهم من بيع وشراء،
ووصية وإرث، وزواج وطلاق... إلخ. وبالتالي
سادت بينهم قوانين مكتوبة دقيقة التزموا
بها، وطوروها لتلبي حاجاتهم المتجددة، فكان
الكتاب والسنة مصدري التشريع في المرحلة
الأولى، وبعد وفاة النبي# وتوقف نزول
القرآن الكريم، مضت الحياة في سبيلها لا
تتوقف، أوجدوا مصدراً جديداً هو القياس، ثم
أضافوا مصدراً آخر هو الإجماع، لما تغيرت
معالم الحياة المتجددة وأحداثها بحيث لم
تعد تتطابق مع الأحداث التي جرت في حياة
النبي#، ولما اتسعت رقعة الدولة اتساعاً
جعل إجماع الفقهاء مستحيلاً، أضافوا المصدر
الأهم وهو الاجتهاد.
لكن هذا كله
ارتبط بالعرب المستقرين في الحضر، أما البدو المتنقلون فقد
ظلوا، في الجملة، يحافظون على عاداتهم
وتقاليدهم وأعرافهم، لاسيما أن الدين الجديد لم
يتغلغل في نفوس بعضهم، فظلوا يرجعون إلى تلك
الأعراف والتقاليد في حل خلافاتهم ومشكلاتهم،
فبقيت الأعراف والتقاليد هي القانون السائد
في البادية، وقد أخذت تلك الأعراف
والتقاليد تتطور إلا أن تطورها كان بطيئاً
جداً، واستمر هذا التطور حتى وصلت إلى ما
هي عليه اليوم.
والمسؤولية الجماعية
هي محور القضاء في المجتمع البدوي، ويهدف النظام القضائي عند
البدو إلى معاقبة أولئك الذين يخرجون على الإرادة
الجماعية، أو يجرحون مشاعر الجماعة ؛ والعقاب وسيلة لإعادة
التوازن بين أفراد الجماعة.
ويقوم القضاء
عند البدو على العرف
والعادة، فليس ثمة قوانين مكتوبة، ولا خطط
مرسومة، يتولاه الشيوخ، وهؤلاء إما قضاة في
الخلافات التي تنشأ داخل العشيرة، أو
محكّمون في المسائل التي تحدث بين العشائر
المجاورة، وهم يباشرون القضاء بأنفسهم، لكنهم قد
ينيبون عنهم رجالاً منهم يحكّمون بما
اكتسبوا من خبرة وتجربة، وبما سمعوا من أحكام
أسلافهم في وقائع مماثلة. وللمحاكمات
أصول، وللقضاء درجات متعارف عليها، تكاد لا
تختلف من قبيلة إلى أخرى، إلا في بعض تفاصيل
قليلة. وهناك أحكام جزائية خاصة بالقتل،
والديّة، والزنى والسرقة والذم، وأحكام أخرى
تتعلق بالشفعة والميراث.
خصائص المترحلين الاقتصادية
:
يقوم نمط
المعيشة على الأنشطة
المختلفة التي يمارسها البشر في سبيل الحصول على الموارد الاقتصادية
الضرورية لحياتهم ؛ إلا أن صلة نمط المعيشة بالبيئة
الجغرافية، ليست على درجة
واحدة ؛ فهي تشتد أو تضعف حسب تطور الشعوب ورقيها. ويمكننا أن
نميز في نشاط البشر الاقتصادي بين ثلاثة
أنشطة زراعية وصناعية وخدمات كعمل الموظفين
والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة.
* الرعي والزراعة:
يرتبط نشاط
البدو الاقتصادي بالزراعة، لكنه يقوم على الرعي
في الدرجة الأولى، وعلى الزراعة والصيد في الدرجة الثانية.
والبدو يحتقرون العمل اليدوي الصناعي، ويأنفون منه، ولهذا
واجه التعليم الصناعي مقاومة لدى فئات
البدو منذ عهود طويلة، كما أنهم ينظرون نظرة
دونية إلى الزراعة، لأنها تربط صاحبها بالأرض، وتحد من
حريته في التجوال والترحال عبر البوادي والصحاري
لذلك نجد "الطوارق"، في جبال الهوقار
حتى عهد قريب، يتفرغون للغزو، ومرافقة القوافل، في حين
يتركون زراعة أراضيهم لجماعة يعتبرونهم أقل
شأناً منهم، يسمونهم "الحراثين"،
كما نجد حالة مشابهة في موريتانيا حيث كان
العبيد يقومون بالزراعة على ضفاف
نهر "السنغال"، لحساب
سادتهم من البدو. هذه كانت الصورة التقليدية عن الزراعة والعمل
اليدوي، إلا أنها أخذت تتغير بفعل عوامل
عديدة أثرت في عقلية البدو، فعدلت من
أنماط تفكيرهم، وغيرت من سلوكهم تجاه الأرض
والعمل اليدوي، فأخذوا يتحولون إلى الزراعة،
فاستقروا في أراض خِصْبَةٍ يروونها، فقبيلة
"شمَّر" استقرت في الجزيرة السورية، واستقر
"بنو وهب" في أرض الحجاز وخيبر، ولهم
فيها نخيل يقدر بنصف نخيلها، كما استقرت قبيلة "الزريقات"
في السودان، التي أصبح أكثر من نصفها مستقراً اليوم،
ولهم أربع عشرة قرية كبيرة، ويزرعون المحاصيل
الإعاشية، وهي الدخن والذرة، والمحاصيل النقدية، وعلى
رأسها الفول السوداني. ولكن، على الرغم من
حالات الاستقرار هذه، فإن الرعي يظل حرفة البدو الرئيسة، عليه
اعتمادهم ومعولهم، يتبعون مساقط الغيث، ومنابت
الكلأ لرعي مواشيهم على اختلاف
أنواعها.
والرحيل لدى
البدو له أسبابه، وأهمها انتجاع الكلأ، أو
اتقاء الرياح الباردة القارصة، أو التخلص من
بعض الحشرات كالبراغيث، والهروب من الذباب القارص الذي ينقل
الأمراض في المناطق الطينية في مواسم الأمطار،
كما هي الحال في مناطق السافانا في السودان.
* التجارة:
لا يعتمد البدو
في غذائهم على مواشيهم
ومنتجاتها فحسب، بل يعمدون إلى مبادلة مواشيهم
ومنتجاتها من ألبان وأصواف مع الحضر، كما أنهم
يشتغلون بالنقل والتجارة مستفيدين في ذلك من
خبرتهم في الصحراء، ومعرفة مسالكها معرفة دقيقة نتيجة
تنقلهم الدائم. وتلعب الجمال دوراً هامّاً في التجارة البرية، إذ
كانت القوافل تتألف من قطارات من الجمال قد
يتراوح عددها بين خمسمائة إلى ألف وخمسمائة
من الإبل. وكان البدو يتقاضون أجور النقل، وأجور حماية
القوافل التجارية، فقد كانت هناك طرق تجارية معلومة لا تستطيع
القوافل التجارية عبورها، والمرور عبرها، إلا
في حماية عشائر بدوية معينة، منها طريق حلب ـ
بغداد، وطريق الحج بين الآستانة (إسطنبول)
ومكة، وطريق دمشق ـ بغداد.
أما في شمال
أفريقيا، فهناك طرق طويلة عرضانية تمتد بين السودان وتشاد
والنيجر ومالي حتى السنغال، كما أن هناك
طرقاً طويلة تمتد من الحواضر الشمالية إلى
أفريقيا السوداء جنوباً، وقد لعبت تلك الطرق،
التي كانت طرقاً تجارية في الأصل، دوراً هاماً
بارزاً في نشر الإسلام والثقافة العربية جنوبي الصحراء.
بهذا يتضح
لنا أن وضع البدوي الاقتصادي يتشابه [font:0bf7=&q
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب