من أبناء
مدينة رشيد الأديب والشاعر على الجارم
هو علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم. من شعراء العصر الحديث ولد سنة 1299 هـ / 1881 م - توفي سنة 1368 هـ / 1949 م
أديب مصري، من رجال التعليم له شعر ونظم كثير، ولد في
رشيد، وتعلم في القاهرة وإنجلترا، واختير ليكون كبير
مفتشي اللغة العربية بمصر. ثم وكيلاً لدار العلوم حتى عام (1942)، مثل مصر في بعض المؤتمرات
العلمية والثقافية، وكان من أعضاء المجمع اللغوي. وتوفي بالقاهرة فجأة، وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفلة
تأبين لمحمود فهمي النقراش.
له (ديوان الجارم) أربعة أجزاء. وله (قصة العرب في إسبانيا) ترجمة عن الإنكليزية. وله (فارس بن حمدان)، وله (شاعر ملك).
وقد شارك في تأليف كتب أدبية منها: (المجمل)، و(المفصل) وكتب مدرسية في النحو والتربية
وكان يحب مدينته وكتب يقول فيها :
جــدّدي يـــا رشيدُ للـــحـبّ عَهْدَا
حَسْبُنا حســــــبُنا مِطالاً وصــدَّا
جــدّدي يـــا مدينة َ السحرِ أحــلا
ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغـْـدا
جــدّدي لمحة ً مضتْ مــن شبابٍ
مــثــل زهـر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوة ً أغار عليها الشــ
يْبُ حتَّى غـدتْ عَــنـاءً وسـُهـدا
وتعالَى ْ نــعــيـشُ في جَنَّة ِ الـمـا
ضـي إذا لم نجِدْ مـن العيشِ بـُدّا
ذِكْرياتٌ لــو كــان للــدهـــرِ عِقْدٌ
كـنّ فــي جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
أولى قصائد الجارم كانت بعنوان
"الوباء" عام 1895م، عندما اجتاحت
جرثومة "الكوليرا" بلده رشيد
وحصدت الأرواح، وقد قال فيها مخاطبًا هذا
المكروب اللعين:
أي هــذا الــمـكـروب مــهــلا قليلا
قد تجاوزت في سـراك الـسـبـيلا
لست كالواو أنت كالمنجل الحصاد
إن أحــسـنـوا لك الـتــمــثـــيـــلا
العلم ميزان الحياة عند الشاعر تعلم الجارم في الأزهر ودار العلوم وتخرج منها سنة
1908، ثم بعث على انجلترا فأقام سنة بمدينة توتنجهام درس اللغة
الإنجليزية ، وكان محبا للعلم بصورة كبيرة مرددا :
والْعِلْمُ مِيزانُ الْحَياة ِ فإِنْ هَوَى
هَوَتِ الْحَياة ُ لأَسْفلِ الأَدْرَاك
ومن النوادر
أنه في عام 1910م شاهد الضباب في إنجلترا يتكاثف، فإذا
المبصرون أنفسهم يضلون الطريق حائرين، وإذا العميان
يقودونهم خلال هذا
الضباب، فكتب يقول :
أبصرت أعمى في الضباب بلندن
يــمـشـي فـلا يـشـكـو ولا يــتــأوه
فـأتـاه يـسـألـه الـهـدايـة مـبـصـــر
حـيـران يـخبـط في الظلام ويعمه
فـاقـتـاده الأعـمـى فــســار وراءه
أنـىّ تــوجـــه خــطــوه يـتـوجـــه
التحق الجارم بالكلية الجامعة بـ اكستر ومكث بها ثلاث
سنوات درس
خلالها علم النفس وعلوم التربية والمنطق والأدب
الإنجليزي، حصل على إجازة في كل المواد وعاد إلى مصر في أغسطس سنة
1912 ، ثم عين مدرسا بمدرسة التجارة المتوسطة ثم نقل منها بعد سنة
على دار العلوم مدرسا لعلوم التربية، في مايو سنة 1917 نقل مفتشا
بوزارة المعارف..ثم رقي إلى وظيفة كبير مفتشي اللغة العربية
وظل فيها حتي 1940 حين نقلا وكيلا لدار العلوم وظل فيها إلى
أن أحيل إلى المعاش سنة 1942.
ابنه أحمد علي الجارم وهو طبيب وأستاذ
الأمراض الباطنة بكلية الطب جامعة القاهرة 1972 ، أنشأ قسم الأمراض
المتوطنة بكليات الطب بجامعة القاهرة وطنطا والأزهر ،
عضو مجمع اللغة العربية 2003 ، أعاد طبع الأعمال الشعرية
والنثرية والأدبية واللغوية الكاملة للمرحوم والده الشاعر الكبير.
كان أديبا موسوعيا متعدد المواهب، جمع بين موهبة الشعر
والنثر
الأدبي.. فكان شاعرًا وقاصًا وروائيًا وناقدا ولغويا
ونحويًا وتربويًا، عاصر كبار الشعراء والأدباء مثل شوقي
وحافظ وطه حسين ومطران، وأسهم بزاد
وافر في مجال الشعر والقصة والبلاغة والتاريخ الأدبي ،
تفرغ الجارم للأدب بعد إحالته على المعاش وحينما انشأ
..مجمع اللغة العربية كان من أعضائه المؤسسين، وكانت له جهود
في التعريب , إذ عرب كتاب "قصة العرب في أسبانيا".
وأسهم في التأريخ للأدب العربي بتأليفه كتاب "تاريخ
الأدب العربي" مع آخرين، وفي مجال اللغة ألف الكثير من
الكتب منها "النحو الواضح" و"البلاغة الواضحة",
ترك الجارم تراثا نثريا يكاد يزيد عن تراثه الشعري كما أن بعض معاصريه اعتبروا رواياته التاريخية أهم من نثر أحمد شوقي وكان أبرزها الأعمال النثرية الكاملة التي صدرت في القاهرة عن الدار المصرية
اللبنانية
وتقع في 1040 صفحة تضمها ثلاثة مجلدات.
وقال أحمد علي الجارم – نجل الأديب الراحل- في مقدمة
الجزء الأول إن والده كتب عشر روايات، مشيرا إلى أن ما
اعتبره تأخرا في اهتمام الدارسين بتراث الجارم يعود إلى عدم
إتاحة أعماله لفترة زمنية طويلة، حين منعت
الرقابة العسكرية إبان حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد
الناصر إعادة
طبع مؤلفات الجارم بالإضافة إلى "مؤامرة الصمت"
التي حيكت حوله في هذا العهد.
وضم المجلد الأول روايات فارس بني حمدان التي كتبها في
العام 1945
والشاعر الطموح المتنبي وخاتمة المطاف في نهاية المتنبي ،
في حين ضم
المجلدان الثاني والثالث قصتي الفارس الملثم (1949)
والسهم المسموم التي نشرت عام 1950 بعد وفاته إضافة إلى
روايات مرح الوليد في سيرة يزيد الأموي ، وسيدة القصور آخر أيام الفاطميين في مصر(1944)
وغادة رشيد التي كانت في السنوات الماضية مقررة على طلاب المدارس
الثانوية في مصر وتتناول كفاح الشعب ضد الاستعمار
الفرنسي (1798 – 1801)، رواية هاتف من الأندلس (1949) وشاعر ملك قصة المعتمد بن
عباد إضافة إلى ترجمته عام 1944 لكتاب المستشرق البريطاني
أستانلي لين بول وعنوانه "قصة العرب في إسبانيا".
كما ترك الجارم أعمالا مثل المعارضات في الشعر العربي،
شارك في تأليف كتب أدبية منها المجمل في الأدب العربي،
المفصل في الأدب العربي، النحو الواضح في 6 أجزاء
بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم، البلاغة
الواضحة جزآن بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم أيضا، علم
النفس وآثاره في التربية والتعليم بالاشتراك مع نفس الزميل وكان هذا الكتاب من أوائل الكتب التي ألفت بالعربية في علم النفس .
أبيات تقطر حباً للإسلام
كان الإسلام محورًا لأغلب أعمال علي الجارم، إذ استوحى في
رواياته
وقصصه وأشعاره العديد من المعاني القرآنية، واستمد من
السيرة النبوية المطهرة والتاريخ الإسلامي أروع
إبداعاته، مثل "هاتف من الأندلس" و"غادة
رشيد" و"الشاعر الطموح".
نقرأ له جزء من قصيدة يشدو فيها حبا للإسلام والنور الذي
عم البشرية بسيد الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم - تقول :
أطـلـّـت على سُحبِ الظلامِ ذُكـاءُ
وفُـجـِّرَ مـن صـخـرِ التنـُوفة ِ مَاءُ
وخُــبــّرت الأوثـــانُ أنَّ زمانَـهـا
تــولـى ّ وراحَ الـجـهـلُ والجهلاءُ
فما سجدت إلاّ لذي العرشِ جـبهة
ولــــم يَــرتـفـعْ إلاّ إلــيـه دُعـــَاءُ
تبسم ثغرُ الصبحِ عن مولدِ الهُدى
فـــللأرضِ إشــراقٌ بــه وزُهــاءُ
وعادت به الصحراءُ وهـي جديبة
عـلـيـهـا مـن الـدينِ الجـديد رُوَاءُ
ونافـست الأرضُ السماءَ بكوكـبٍ
وضـِيء الـمـحـّيا مـا حَوَتْه سماءُ
لـه الـحـق والإيـمـانُ بــاللّه هــالة
وفـي كـلِّ أجـواءِ الـعـقولِ فَضاءُ
تــألــّق فــي الـدنـيا يُزيـح ظلامَها
فـــزال عـمى ً مــن حولهِ وعَماءُ
وردّ إلــى الـعـُـرْب الــحـَيـاة وقـد
مـضى عليهم زمانٌ والأمامُ وراءُ
ويقول :
عــجبـتُ لأمرِ القومِ يحمونَ ناقـة
وســاداتـهــم مــن أجـْلـِهـا قُتلاءُ
بدا في دُجى الصحراء نورُ محمدٍ
وجـلجـلَ في الصحراء منهُ نِداءُ
نــبـيُ بـه ازدانـت أبـاطـِحُ مــكـة
وعــزَّ بـــهِ ثــَوْرٌ وتـــاه حِــرَاءُ
ُنادي جريء الأصغريْن بــدعـوة
أكـبَّ لهـا الأصـنـامُ والزُعــمـاءُ
دعـاهـم لـربٍ واحـدٍ جـلَّ شـأنــه
له الأمرُ يولى الأمرَ كيف يَـشاءُ
الجارم ..عروبة حتى النخاع
لقد كان علي الجارم عاشقًا للغة القرآن الكريم، احتفى بها
في زمن سعى
الاستعمار فيه إلى الحد من قوتها عبر عمليات غسيل مخ
لأدمغة أناس، اعتقدوا أن لغتهم تحول دون التقدم، فدعوا إلى
إحلال الحروف اللاتينية محل حروفها، وكان يرى أن اللغة العربية
هي المدخل الطبيعي لوحدة الأمة العربية، فهو القائل :
نـــــــزل القرآن بالضاد فــــلـــو
لــــــم يـــــكن فيها ســــواه لكفاها
ولعل من أبرز قصائده قصيدة "العروبة" التي جاءت من 77 بيتا، وألقاها في مؤتمر
الثقافة العربي الأول الذي أقامته الجامعة العربية في لبنان عام1947م،
وجاء فيها :
تــوحـد حـتتى صـار قـلـبـا تحوطـه
قـلـوب مـن الـعـرب الكرام وأضلـع
وأرسـلـهــا فـي الخافـقـيـن وثـيـقــة
لها الحـب يـمـلـى والـوفــاء يـوقـــع
لقد كان حلما أن نرى الشرق وحـدة
ولـكــن مــن الأحـلام مــا يــتــوقــع
ويقول :
بــــنــــي العروبة إن الله يـجمعـنـا
فلا يفرقنا فـــــي الأرض إنــسـان
لــــــنـــا بها وطـن حـر نـلـوذ بـــه
إذا تنـاءت مــســافــات وأوطـــان
ويقول أيضا :
بــلــغ العـرب بالبلاغة والإســلام
أوجــــا أعــيــا عــلــى كــيـــوان
لبسوا شمـس دولـة الفـرس تـاجــا
ومــضـوا فـي مـغافــر الــرومـان
وجروا ينشرون فـي الأرض هديا
من سنا العـلـم أو ســنــا الــقــرآن
نستمع له في افتتاح دورة الانعقاد
الثالث لمجمع اللغة العربية يردد :
جــزيــرة أجـدبـت فـي كــل نـاحـية
وأخصبت في نواحي الخلق والأدب
جــدب بــه تـنـبـت الأحـلام زاكـيـة
إن الـحجـارة قـد تـنـشـق عـن ذهب
تـود كـل ريـاض الأرض لو منحت
أزهـارهـا قـبـلـة مـن خـدهـا التـرب
كان علي الجارم كما وصفه معاصروه شاعر العروبة والإسلام،
فقد عايش
قضايا أمته وتفاعل معها، وجاءت أروع النماذج الشعرية
معبرة عن انتمائه الوطني والقومي والإسلامي، فنجد قصيدته
"فلسطين" التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتًا، منها :
نفـسـي فداء فلسطين ومـا لقيـت
وهل يناجي الهـوى إلا فلسطيـنا
نفسي فداء لأولى القبلتين غـدت
نهبا يزاحــم فــيه الذئـب تـنـيــنا
ويقول :
ومصرُ والنيلُ ماذا اليْومَ خطبُهما
فــقـد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبان
كنانة ُاللّه حصنُ الشرقِ تُحرســُه
شِيبٌ خِفافٌ إلــى الْجُلَّى وشُبَّان
ويستعرض الجارم في مقدمته حياة وآثار العرب في الأندلس
التي يراها
عجيبة ومثيرة أيضا حيث يشير إلى أن العرب عاشوا في الفتن
نحو 800 عاما قل أن تستطيع أمة سواهم البقاء في مثلها
وينفي الجارم على سبيل المثال عن العرب تهمة الهدم وعدم
التحضر مشددا على أن الهدامين لآثارهم ومدنياتهم إنما هم
أعداؤهم من البربر والإفرنج والتتار.
شاعر إنسان
كتب الجارم أشعارا كثيرة في وصف الطبيعة الغناء بربوع
الوطن العربي
وجمالها ولعلنا نختار واحدة من أروع ما سطر يخاطب فيها
طائر بقوله :
طائـرٌ يـشـدو عـلـى فـنـن
جدَّد الذكرى لذي شـــجــن
قــام والأكــوانُ صامـتــةٌ
ونسيمُ الصُّبْحِ فـي وَهــــَن
هاج في نفسي وقـد هدأت
لـوعـةً لــولاه لــم تــكــــن ْ
هــزَّه شـــوقٌ إلـى سـكـنٍ
فـبـكـى للأهـل والـسـَّكـــَن
وَيْــكَ لا تـجــزعْ لـنـازلـةٍ
ما لطيرِ الـجـوِّ مـن وطــن
أما الموت فيقول عنه :
إن جرد الموتُ نصلاً ما صَمدت لـه
فــطالَـمـا رَدَّ نـصـلٌ مـنــك أرواحـا
قــد كـنـت تـَهزِمُه فِــي كــل مُعْتَـركٍ
يـزاحـم الشَّمـسَ أسـيـافــاً وأرمـاحـا
وكان جَرْحُك يأسو كلَّ مــا جـرحَـتْ
يَـدُ الـزَّمـان ويَحيـَى كـلَّ ما اجتاحـا
الــيـــومَ يَــثْـــأَرُ والأيـــامُ عُـــدّتُــــه
لا الطبُّ يُجدي ولا الجرَّاح جراحـا
جوائز حصل عليها
قدر العالم العربي على الجارم حق قدره فمنحته مصر وسام
النيل 1919
والرتبة الثانية سنة 1935 ، انعم عليه العراق بوسام
الرافدين سنة 1936 وانعم عليه لبنان بوسام الأرز من رتبة
كومندور سنة 1947 ، توفي بالقاهرة
فجأة وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفل تأبين
محمود فهمي
النقراشي وذلك عام 1949م .
قالوا عنه : معاصروه من الأدباء : شاعر العروبة والإسلام
الأديب الكبير عباس العقاد في تقديمه لديوانه الشعري :
"الجارم عالم باللغة، وعالم مع اللغة بفنون التربية
وفروعها، وهو الشاعر الذي زوده الأدب والعلم بأسباب الإجادة
والصحة، فكان شعره زادا لطالب البيان في عصره، ومثالاً
صالحًا للثقافة التي أسهم فيها بأدبه وعلمه".
الدكتور حلمي قاعود : " علي الجارم شاعر وواحد من مدرسة البيان في النثر الحديث .
الناقد محمد أبوبكر حميد : كانت شاعريته تكمن خلف وقوفه عند أعلام شعرنا
القديم، مثل ابن زيدون في رواية (هاتف من الأندلس) والمعتمد بن عباد في
(شاعر ملك) والمُتنبي في (الشاعر الطموح) و(خاتمة
المطاف الشاعر
الكبير علي الجارم رحلة الحياة والريادة بقلم: إبراهيم أمين الزرزموني
الشاعر والسياسة
والحرب :
لم يكن الجارم سياسيا، فلقد
كان يكره السياسة ، ولذا فانك لا تجد أثرا للسياسة والأحداث السياسية فى شعره إلا فى
القليل النادر، ولم يكن موقف الجارم السياسة هروبا بقدره ما كان اقتناعا،
إذ كان شخصا مسالما لا يجيد
ما تتطلبه السياسة من مكر،
ومداورات وغيرها . ولم
تكن علاقاته بأهل السياسة لاهتمامه بالسياسة ، وإنما كانت لصداقات ،وصلات ، فعلاقته بسعد زغلول ، لأنه زعيم الأمة ،
وكان يزور الجارم ،
فيرحب به الجارم ، فيقول له سعد
: جول يا بلدياتى . وكذلك
علاقته بطلعت حرب ، حيث " فوجئ مرة بزيارة طلعت حرب له فى مسكنه بالسلحدار،
ففرش له ( ملاية ) على (الدكة ) وأجلسه عليها ...."( ) .
ويرى الدكتور محمد عبد المنعم
خاطر أن الفقر هو السبب الرئيسى لابتعاد الجارم عن السياسة ، حيث يقول : " كان
يكره السياسة ، ولا يحسنها .. لأنه كان فقيرا ، ولم يكن عنده إيراد خارجى يكفيه
عندما تجر عليه السياسة
ويلاتها فيفقد وظيفته مثلا
"( ). وما أراه أن الجارم
- كما سبق - ابتعد عن السياسة ، لأنه لم ينشأ سياسيا ،
ولأن نفسه لم تكن مهيأة
للسياسة ، ولم يكن - كشخصية مسالمة وادعة – ليورط نفسه فى مواقف سياسية حادة ولم
يكن الفقر عائقا أمامه ، وهل كان الفقر عائقاً أمام حافظ ، أو العقاد ، اللذين
نالهما شيء غير يسير من أذى
السياسة ؟! ولم ينضم الجارم إلى حزب من الأحزاب "
ولم يتصل بزعيم مؤيدا ، أو معارضا طلب منه أن ينضم لحزب الوفد فأبى ، واتصل به
مكرم عبيد لينضم إلى حزب الكتلة فامتنع ... " ( ) ، وكان الجارم يمدح
الزعماء الذين لهم دور وطنى بارز، وذلك دون النظر إلى أى الأحزاب ينتمون . وأما من علاقاته برجال القصر، فقد أشرنا إلى
أنه ولد ومات فى ظل الاستعمار الكئيب ، ولد فى عصر توفيق ، وأظلته عهود كل
من عباس الثانى، حسين كامل ، فؤاد، فاروق ، وقد مدح حسين كامل بقصيدة
حماسية عند زيارته لدار العلوم( ) . ثم مدح كلا من فؤاد، وفاروق ، بقصائد عديدة ، وخصوصا
الملك فاروق ، ولن نكون مع الذين اتهموا الجارم بأنه كان يهدف من وراء
مدحه لمنصب ، أو رتبة ، لأن الرجل ما نال
مكانته إلا بإخلاصه فى العمل وحبه للغة قومه ، وأما
رتبة البكوية فكان يحصل عليها
أى موظف يحال للمعاش ولم تكن قصرً على الجارم وحده"( ) . يقول ا الأستاذ محمد الغزالى حرب : "
فعندما مدح الجارم هذين ا لملكين ( فؤاد وفاروق )، كان بمدحهما باعتبار أنهما على قمة
المجتمع الذى يعيش ف ، وكأنه كان يفاخر بهما غيرهما من المجتمعات الأخرى ، وكان
الملك فى نظر
الشاعر مرادفا للوطن ، فكان
يمدح الملك ، وعينه على مصر فى حضارتها وثقافتها ونهضتها المأمولة "( ). ولقد
كان الملك تركيا لا يفهم الشعر ولا يثيب عليه .
ونحن إذا ما تأملنا أية قصيدة
فيها مدح لهذين الملكين ، سنجد الكلام عن الملك محدودا وسنجد القصيدة تتناول أغراضا
شتى فقد يصف الربيع ، أوقد يفتخر بشعره ، ويتوجه للشباب بالنصيحة فيدعوه للتحضر،
والتطور، والتمسك بفضائل الأخلاق ، والأعمال ، أما نصيب الملك فأبيات
معدودة محدودة . ولنأخذ
مثالا قصيدة (عيد الجلوس الملكى)( ). نظمها الجارم سنة 938ام ، بمناسبة تولى
فاروق سلطته الدستورية ، يبدؤها الجارم بفخر بشعره فى ثمانية أبيات ، ثم يتحدث عن الشعر كعاطفة وفكرة
ودور فى المجتمعات فى سبعة عشر بيتا، ثم يمدح الملك ، ثم يذكر مصر فى بيتين
، ثم يفخر بشعره فى بيتين ، ثم يصف النيل ، والربيع فى ثلاثة أبيات ، ويختم قصيدته
بالدعوة للعلم فالقصيدة كلها سبعة وخمسون بيتا منها ثلاثة وثلاثون
بيتاً بعيدة من الملك ، وأربعة وعشرون للملك
" وهكذا لو راجعت أى قصيدة " ملكية " وجدت فيها أغراضا أخرى
كثيرة جال وصال فيها الشاعر كيفما أراد، وعبر عن شاعريته بحرية كاملة ، ولم يتقيد أبدا بالغرض
الأساسى من نظمها . وفى أغلب الظن أن النقاد الذين عابوا على الجارم ملكياته قد
قرأوا عناوين هذه القصائد ولم يقرءوا القصائد والشعر نفسه"(
). ومن هنا فإننا لا نرى أن
الجارم قد استفاد من القصر، كما أنه لم يستفد من السياسة بل كان يرثى الزعماء السياسيين من
أصدقائه ، أومن الوطنيين الذين لهم مواقف يقدرها، ولقد تجمعت فى شخصية (سعد
زغلول ) الصفات التى كان يطمح إليها الجارم فى الوطنى المخلص ، وبعد وفاة
سعد تفرقت الأهواء، وتعددت
الأحزاب ، فنأى الجارم بنفسه
عن كل هذا
وإذا ما تصفحنا ديوان الجارم الضخم ، نجده صديقا للجميع ما داموا فى خدمة مصر يعملون
لتحقيق أهدافها، فنجده يمدح مصطفى النحاس باشا ، بقصيدتين كرئيس حزب الوفد، ووطنى كبير( ). ثم انحرف
النحاس - فى نظره - فأرسل إلى عامل المطبعة وأحضر القصيدة وأعدمها "(
). وذلك يدل على أن الجارم يمدح ، ثم ينسحب لمصلحة الوطن فقط ، ثم رثى الجارم
(محمد محمود ) زعيم حزب الأحرار الدستوريين عام 1941، ورثى محمود فهمى النقراشى
رئيس السعديين 1949م . فلقد عاش الجارم مخلصاً لمصر، وأبنائها بعيداً عن التيارات والفتن وليس أدل على
إباء الجارم من أنه طلب منه " مدح الملكين فاروق ، وعبد العزيز آل سعود حين
زيارة الأخير مصرسنه 1947م فاعتذر" ( ). وعندما تبين فساد الملك السابق (فاروق ) -
فى أخريات أيامه – فترت عاطفة الجارم وابتعد عن مدحه ، والقليل الذى صاغه
بارد العاطفة لا يدل إلا على
أن الشاعر غير مقتنع بممدوحه . ولقد صرح الجارم نفسه بأنه يرفض أن يعيش من
شعره ، فهو يخبئ شعره عمن لا يفهمه ولا يقدره يقول :
وخزنت
الغريب من مرجانى فى كساد القريض أخفيت درى
سوى أن أعيش من أوزانى وتمنيت كل شىء
على الله
ج جدب الثرى على الفنان( )
كل شبر بمصر خصب على الهرا
وقال فى موضع آخر :
م وأجدر بشعرنا أن يصانا قد حبسنا
المديح عن كل مستا
ح لوى الشعر رأسه فهجانا( )
لو مدحنا من لا يحق له المد
وأما عن علاقة
الجارم بالحرب ، فإنها مأخوذة
من سمت حياته العامة ، فلقد قلنا، إنه شخصية مسالمة وادعة ، ينشر المحبة ، ويصلح
بين المختلفين ، يخلص لعمله ، وفنه أشد الإخلاص . إذن ، فليس غريبأ أن يقف
الجارم من الحرب موقفاً شديد العداء -، وقد صرح - فى شعره - بذلك فقال :
ليس لى فى الظبا ولا فى النصال أنا فى السلم
عبقرى القوافى
ويرتاع من حفيف النبال أنا شعرى
كالطير يفزعه الفخ
راكب رأسه وبين نضال( )
لا تعيش الفنون بين كفاح
فالشاعر عبقرى فى وقت السلم ،
فشعره طير مغرد يخاف الفخاخ ، ويخشى القنا، ويرهب النبال والسيوف ، وهو معلل ذلك بأن
الحرب تدمير، والفنون لا تعيش إلا فى السلم .
وقد وصف الجارم الحرب فى شعره وصفاً
بليغاً، ليكره فيها، وينفر منها، فنجده فياض الشاعرية بسبب الحرب العالمية
الأولى سنة 1914 ، فيكتب قصيدة الحرب ) فى اثنين وخمسين بيتاً يصور فيها
ويلات الحروب ، وأثرها المدمر لما أبدعته يد الإنسان من تحضر ورقى، ومنها
قوله
وأصبح البحر بها مترعا قد غصت الأض
بأشلائهم
وآن للحيتان أن تشبعا وآن للعقبان
أن تكتفى
وصولة الألغام لن تدفعا (
) ضواعق المنطاد لا تتقى
ثم يصف الحرب أيضا فى قصيدته
(الحب والحرب )، عام 1916م( ). ويحتفل الشاعر بيوم السلام صباح إعلان انتهاء الحرب
العالمية الثانية حيث يصور الحرب قائلا :
وشر بمن عليها أريدا إنما الحرب
لعنة الله
قى فيها فوج صاحت تزيد المزيدا (
) ذكرتنا جهنما كلما ألـــ
ثم يصف فرحته وفرحة شعره بانتهاء الحرب
قائلا :
ـون وهزى أعطافه تغريدا فاسجعى يا
حمامة السلم للكـــ
ـشر وأضحى نوح الثكالى نشيدا غردى فالدموع
طاح بها البـــ
أسمعت الرتيل والترديدا واسمعى إن فى
السماء لحونا
وصف الشاعر وأخلاقه
:
وصف الشاعر نفسه فى شعره فقال - وهو يتذكر شبابه بدار العلوم :
وعاد الصبا نضير الإهاب فكأنى أرى
الزمان وقد دا
ـحشد فى جحفل من الطلاب وأرى الجرام
الفتى يقود الـ
غير ما واجل ولا هياب واثبا لا هيا
لعوبا ضحوكا
ـب سوى أن تهاب خوض الصعاب واثقا بالإله
ليس يرى الضعـ
فى وهاد ومرة فى هضاب قهو كالطائر
تالطليق فحينا
مال فى صدره نسيج العباب (
) يحمل الكتب فى الصباح وللآ
فلقد كان الجارم - فى شبابه –
طويلاً ، ممشوق القوام ، كثير الحركة ، دائم الإطلاع ، وها هو ذا يصف نفسه بأنه فتى،
قائد للطلاب ، يذهب ويجيء فى حماسة ، وعنفوان ، يثق بالله- تعالى - فلا
يخاف ولا يرهب ، فهو طائر مغرد لعوب متنقل بين جبال وهضاب ، يحمل كتبه
وأماله ؟ فهما سبيل مجد وعلو شأنه . ويصفه أستاذه الأستاذ أحمد العوامرى بك قائلاً : "
وبهرنى من الجارم أول ما بهرنى ، شباب رائع كأتم ما يكون الشباب بهاء وروعة ،
ثم حيوية فائقة يزينها مرح ، ودعابة عذبة هذبتها طبيعة سليمة ، حتى لقد
كان يبعث فى مجلسه
، وبين أقرانه ، بل فى الدرس نفسه من فكاهاته ، ومداعباته ما يجلو
عن النفس صدأ
الملل . وغريب أن يلازمه هذا المرح طول عمره : ما رأيته مرة مطرقاً، ولا واجماً، ولا مكتئباً، ولا
ساهماً .. وغريب - أيضا - أن المرض نفسه لم ينل من تلك الروح المتفائلة
المستبشرة ، فظل يطرفنا بملحه فى جلسات المجمع، ويرفه منا، ويذود عنا سأم
الجدل ، وعنت المناقشة حتى آخر جلسة قبل وفاته بيوم واحد"
( ).
ويصفه الأستاذ العقاد قائلاً :
" كان على الجارم زينة المجالس - كما كان يقال فى وصف الظرفاء من أدباء الحضارتين
العباسية والأندلسية - تجلس إليه ، فتسمع ما شئت من
نادرة أدبية ، أوملحة اجتماعية ، أو شاهد من شواهد اللغة ، أو نكتة من نكت الفكاهة....
"( ).
ويقول الأستاذ أنيس منصور:
" فالذين يعرفون الجارم يجدونه ظريفاً يعرف ما لا نهاية له من النكت الأدبية
، أو النوادر التاريخية "( ).
إذن فالجارم كان فتيا نشيطا،
مثقفاً ، ذا ظرف ، ونكتة ، وروح مرحة حتى فى أحلك ظروفه وحتى فى أخريات حياته .
وأما عن الأخلاق فإنه يقول:
وثنيت عن لهو الصبابة جيدى إنى طرحت من
الشباب رداءه
وجعلت مأثور تالبيان عقيدى( )
واخترت من صحف الأوائل صاحبى
ويقول أيضاً : فرأينا الأخلاق باب النجاة (
) قد ولجنا الحياة من كل باب
إذن فلقد اختط الجارم لننسه
الأخلاق طريقاً، ومنهجاً، وسلوكاً، وذلك منذ
نعومة أظفاره ، يمجد الأخلاق ،
ويدعو الشباب ليتمسك بها، ويعظم الحياء،
ويدعو الفتيات ، ليتمسكن به :
فهو بالغادة الكريمة أولى واجعلى شيمة
الحياء خمارا
إن تنأى الحياء عنها وولى ليس للبنت فى
السعادة حظ
كل ثوب سواه يفنى ويبلى( )
والبسى من عفاف نفسك ثوبا
ولعل هذه الروح الأخلاقية
أساسها أسرته المتدينة ، ونشأته الدينية ، وحفظه للقرآن الكريم ونسبه للرسول -
r - فلم يكن يشرب الخمر، وليس
فى شعره بيت واحد فيه تمجن واستهتار، " وحرص الجارم - عند
تكوينه لآسرته - على التمسك بمكارم الأخلاق ، والحفاظ على مبادئ الدين والشرع ، فلا
شرب لخمر، ولا ارتياد لأماكن اللهو، وحرص طوال حياته على تجنب الشبهات
، فكان مثالا وقدوة لتلاميذه فى التمسك بمبادئ الأخلاق ، والدين ،
والسلوك القويم ، والعمل الجاد من أجل رفعة مصر، ومستقبلها، حتى يمكننا
القول بحق إنه كان
شاعر الأصالة والأخلاق الكريمة"
( ). وليس أدل على حرصه على
التمسك بالأخلاق من هذه الحادثة الطريفة التى يرويها الدكتور محمد عبد المنعم خاطر حيث
يقول : " ولعل هذا الاتجاه الأخلاقى الدينى عنده هو الذى جعله يقف فى
طريق (نجيب محفوظ ) حينما تقدم بثلاث من رواياته إلى مسابقة الرواية التى يقيمها
المجمع اللغوى ، وكانت الروايات ( القاهرة الجديدة ، خان الخليلى، زقاق المدق
)، واستقر رأى أغلبية أعضاء اللجنة على أن تكون الجائزة لرواية (زقاق
المدق ) ما عدا عضواً واحداً رفضها رفضاً باتا، بل هدد بالاستقالة ،
كان ذلك العضو هرالمرحوم الأستاذ (على الجارم )، وكان رفضه مبنيا على
أن رواية زقاق المدق تضم عدداً كبيرا من الشخصيات ذات الأخلاق الفاسدة
، وأنها لا يمكن أن تحظى بجائزة من هيئة موقرة كالمجمع اللغوى ، وأن
صاحبها يستحق العقاب اكثر مما يستحق التقدير ......"( ).
وأيضا - عندما ابتلى الجارم
بوفاة نجله البكر سنة 1935م بحمى التيفود، صبر الرجل ، ولم يجزع ، وظهرت أخلاقه ، وإيمانه
العميق ، ولم ينطق بما يدل على عدم استسلامه للقضاء . ولذا فقد كانت غاية الفن عنده – ( أخلاقية )
، يدعوه من خلال شعره الشباب والناشئة للأخلاق ، وللتمسك بالدين ، ولخدمة أوطانهم : عزم الشباب ويهدى ليلة السارى (
) أعددته قبسا يذكى توقده ويقول عن شعره
– أيضاً - ولو عرف الرياء لمات عبدا تلثم بالإباء
فعاش حرا ويحشد
رابض العزمات جندا يهز حمية الفتيان نصلا كنيران " الكليم " هدى
ورشدا ويشعل
فى القلوب وميض نار وبالصنع الجميل إذا تبدى ( ) ويشدوا بالمروء إن تراءت كذلك كان
الجارم بطبعه " أسريا حريصا على أسرته المحافظة ، وأولاده السبعة وحريصا لعى
تنشئتهم وتربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم " ( ).
نهاية الدورة
:
يقول الأستاذ أحمد الشايب :
" وإلى هنا كان الجارم قد اتخذ وضعه الأخير فى الحياة الأديبة ، فهو شاعر غنائى يتغنى
عواطفه ، وهو شاعر ملكى متصل بالقصر، وهو شاعر رسمى يقول فى ا لمواقف
الحكومية ، وهو شاعر قومى يتناول الشئون الوطنية ، وهو شاعر عربى يتصل ببلاد
الشرق العربى، وحوادثه ، ومؤتمراته ، ورجاله ، كما يتناول بعصر الشئون العامة ،
فحل بذلك محل شوقى وحافظ ، وقد شاركه - فى بعض ذلك - بعض الشعراء ، ولكن
الجارم كان أبعد صيتا، وأوسع مجالا ، لنصاعة أسلوبه ، وجمال موسيقاه ،
وجودة إلقائه . ثم توافر له مع اجتهاده ذلك أن يتخذ معانيه من الواقع فلا
يلجأ للمعانى
العامة دائمأ . ولذلك كان عهد فاروق (من سنة 1936م حتى وفاة
الشاعر سنة 1949) أخصب عهود الشاعر إنتاجاً ، وأكثرها أبواباً ، لطول المدة ، وتعدد
الحوادث والمناسبات
، وفراغ الشاعر لهذه المواقف - لحد ما - ولا سيما بعد أن أحيل على المعاش
سنة 1940"( ).
ويصف ناقد آخر الفترة نفسها
فيقول : " كانت أخصب المراحل بالأشعار الجارمية التى توهجت بنيران الآلام ،
والأوجاع ، واستطاعت أن تصبر، وتصابر حتى آحالت الآلالم آمالا، والأشواك وردا ، و
الدموع بسمات "( ).
وإذا كان الأمر كذلك ، فإنا
متعرضون - فى عجالة - لأهم القصائد التى تميز المرحلة الأخيرة من شعر، ومن حياة الجارم
منذ أحيل للمعاش 1942، إلى وفاته1949م ففى عامى 1943، 1948تفيض شاعرية الجارم بقصيدتين فى
مدح الرسول الأعظم محمد r الأولى : قصيدة (محمد رسول الله ) بمناسبة الاحتفال
بالمولد
النبوى الشريف ، ومنها قوله تنكبت الدنيا بهم وتنكبوا محمد ، أنقذت الخلائق بعدما فدان له سر
الوجود المحجب وأطلقت عقلا كان بالأمس مصفدا من الصبح أهدى أو من النجم أثقب (
) وبلغت آيات ، روائع لفظها
وأما القصيدة الثانية ( أبو
الزهراء ) ومنها قوله : وجلجل فى الصحراء منه نداء بدا فى دجى
الصحراء نور محمد وعز به نور وتاه حراء نبى به ازدادت أباطح مكة له الأمر يولى
الأمر كيف يشاء دعاهم لرب واحد جل شأنه سماح ورفق شامل ووفاء ( ) دعاهم إلى دين من النور والهدى ثم يقام حفل
حاشد يصم زعماء الأقطار العربية سنة 1944م بمناسبة إنشاء جامعة الدول العربية ، فيصدح الجارم مغردأ
بقصيدة (الجامعة العربية ) التى ألقيت فى هذا الاحتفال ، ومنها أبياته
المشهورة : وليس لمن
رام الكواكب مضجع صحا الشرق وإنجاب الكرى عن عيونه فنهضة الكبرى أجل وأروع إذا كان فى
أحلام ماضيه رائعا قلوب من العرب الكرام وأضلع توحد حتى صار قلبا تحوطه لها الحب يملى
والوفاء يوقع ( ) وأرسلها
فى الخافقين وثيقة وفى عام 1945م تحتفل مصر بعيد جلوس الملك فاروق آخر ملوك
مصر فينشد الجارم : وبشير
وحدتها وزيد كفاحها فاروق أنت فتى العروبة وأبنها أقوى وأصلب من حديد رماحها جمعت فرقها
فأضحت أمة ضاق
الزمان وطبه بجراحها ( ) وشفى الزمان جراحها ولطالما وفى عام 1948م تدخل الجيوش العربية - وعلى
رأسها جيش مصر- فى حرب مع عصابات صهيون ، فيكون النصر للعرب . وجيش مصر- فى
البداية -، ثم يحدث ما حدت من خيانة ، وأسلحة فاسدة وتآمر، ومتاجرة بمقدرات
الأمم والشعوب ، فينفعل شاعرنا معجباً بما حققه جيش مصر من انتصارات
فيسجل ذلك فى قصيدة فلسطين ) بعد الانتصارات المصرية مباشرة ومنها :
وهل يناجى الهوى إلا فلسطينا نفسى فداء
فلسطين وما لقيت
نهبا يزاحم فيه الذئب تنينا نفسى فداء
لأولى القبلتين غدت
ونكفى بدموع فى ماقينا ؟ أترضى أن نرى
ميراثنا بددا
الله صور فيها الذل والهوانا ما قيمة النفس
إن هانت لطائفة
إذا تهدم كانوا يشيدونا (
) وما نقول لأبطال لنا سلفوا
والحق أنها قصيدة رائعة ، بل
درة يتيمة فى شعرنا العربى كله ، صور الجارم فيها (فلسطين ) بأنها أولى القبلتين ، وأرض
النبيين ، ثم صورها أندلسا تضيع مثل الأندلس الضائع ، وعرض فيها صورا غير مسبوقة
لإسرائيل ساخراً من دولتها، وعقيدتها، وأصلها، وأهاب صارخا بالعرب أن
يتحدوا ليجددوا مجد عمرو، وخالد، وسعد، وليعيدوا صلاح الدين حياً أمام
الناس . ويعلق أحد
النقاد على قصيدة فلسطين للجارم قائلا: قصيدة فلسطين ، بل معلقته الرائعة التى بلغت ثلاثة وسبعين بيتا
... وكانت هذه المعلقة الفذة قبل رحيل الشاعر العربى العملاق إلى جوار
ربه بأشهر معدودات ... وإن التاريخ ليسجل له بحروف من مجد وفخار أنه – وهو يحيى
الجيش المصري بهذه التحية الكبرى – لم يلتفت فى بيت واحد منها أدنى التفات
إلى القائد الأعلى لجيش وهو الملك السابق فاروق .. وما أروع استهلاله لهذه
المعلقة العصماء لتى لا أعرف لها مثيلا مما قاله جميع الشعراء
... " ( ).
للعروبة
نصيب كبير فى شعر الجارم (على ما سيأتى تفصيله )، حيث اشتهر بأنه شاعر العروبة
التى عاش مخلصاً لها، مدافعا عنها، داعيا لها، واتخذ هذا الحب للعروبة أشكالا عديدة من حب الدين ،
وحب الوطن ، والدعوة للوحدة العربية التى كانت حلما كبيرا جميلا فى خيال الشعراء
قبل أن تطرق فكر الساسة ، ومن الدعوة لحب اللغة العربية ، والتمسك بها،
وحمايتها من الهجمات الشرسة التى قادها الاستعمار، وأعوانه
باعتبارها - مع الدين – أهم عوامل الوحدة العربية .
وفى عام 1947م يكتب الجارم
قصيدة (العروبة ) بمناسبة زيارته للبنان مدعوا من جامعة الدول العربية ، لحضور مؤتمر
الثقافة العربى الأول ، فألقى قصيدته فى المؤتمر، وهى من درر الجارم التى
تبلغ سبعة وسبعين بيتا، حيث يبدأ بالغزل الرقيق ، ثم يسير مع مجد العروبة التليد،
ثم حاضر العروبة الممزق ، ويستعرض أسباب هذا التمزق من استعمار، وأطماع
شخصية ، ويأمل الشاعر أن ينبذ الحكام خلافاتهم من أجل اتحاد أمتهم :
فلا يفرقنا فى الأرض إنسان بنى العروبة
إن الله يجمعنا
إذا تناءت مسافات وأوطان لنا بها وطن
حر نلوذ به
وجمع القوم إنجيل وقرآن غدا الصليب
هلالا فى توحدنا
وكلنا فى رحاب الشرق إخوان (
) أواصر الدم والتاريخ تجمعنا
وفى نهاية الدورة يضعف القوى ،
ويضحى الشباب شيبا، ويمسى القوى ضعيفا . إنها سنة
الحياة ، حيث تصطلح الأمراض على الشاعر - وقد كان ضعيف المقاومة للأمراض -،
فنجده يتجه للنثر أكثر من الشعر، ويوصيه الأطباء المعالجون بأن يمتنع عن
القراءة والكتابة ، فيسخر من هذه الوصية ، وأنى لمن عاش مع الكتب ، والثقافة أن يتخلى عنها مهما كانت الظروف ؟إ وأصبح
لسان حال الشاعر يقول
:
نى وحيدا أبطى على خلانى (
) ومضى الركب بالرفاق وخلا
آثاره ومؤلفاته :
أولا : ديوانه
يقع ديوان الجارم القديم - كما
يقول الدكتور محمد عبد النعم خاطر فى أربعة أجزاء، كل جزء يحتوى على مائة وستين صحيفة
فى المتوسط ، ويضم الديوان بأكمله اثنتين وعشرين ومائة قصيدة أكثرها يطول حتى يكاد
يصل إلى المائة ، وأقلها يقصر حتى لا يتعدى حدود المقطوعة ، وقليل من هذه
القصائد يقع بين
الاثنين " ( ). أما الطبعة الثانية من ديوانه فأصدرته (دار
الشروق ) جزأين فى مجلد واحد، وكانت طبعته الأولى سنة 986ام ، وأعيد طبعه
سنة 990ام ، وسوف يكون اعتمادنا على هذه الطبعة الحديثة القشيبة : نظرا لصعوبة
الوصول إلى الديوان القديم ، ولأن الطبعة الحديثة قد ذكرت بدقة
تاريخ ومناسبة كل قصيدة مما يعين الباحث فى تتبع المراحل المختلفة
لشعر الجارم . و الجارم
يهتم بديوانه غاية الاهتمام ، فلقد شرح الأجزاء الثلاثة الأولى الأساتذة
إبراهيم الإبيارى ومحمد شفيق معروف ، وحسنين مخلوف ، ولقد رتب هو مع هؤلاء
الشراح فهارس الأجزاء الثلاثة ترتيبا يدل على العناية والاهتمام فهذا فهرس للقصائد، وذاك فهرس يشتمل على أهم موضوعات
الديوان مرتبة حسب حروف الهجاء، أما الفهرسان الآخران فأحدهما للأعلام على
حسب الحروف الهجائية ، والآخر للقوافى على حسب الحروف الهجائية ،
وعلى حسب تاريخ
النظم " ( ).
ومن أهم ملامح الديوان طول
القصائد التى تصل إلى مائة بيت ، ونادرا فى شعره أن تجد قصائد قصيرة ، وقليلا من
المقطوعات . ولقد كان الجارم – فى هذه المطولات - صاحب أسلوب بديع رائق لا تحس
معه مللا ، وصاحب موسيقى صاخبة تجتذبك رغما عنك لتكمل وتستمع ، يقول أحد النقاد
: " والجارم – فى المطولات - مثله فى المقطعات ، وقصار القصائد سمح فياض
لا يأخذه إعياء ؛ ولا يعتر به نضوب ، سواء مبادئه ، ومقاطعه كالجدول
السلسال ... ولا شك فى أن الذين ينظمون المطولات كثير، والذين يتنقلون فيها من
مختلف المقاصد، والفنون كثير كذلك ، ولكن الذين يوفقون فيها توفيق
الجارم قليل ، فإنك إذ تقرأ إحدى مطولاته لا تكاد تحس ضجرا ، أو تجد فتورا
كالذى تحسه من كثير من مطولات غيره. وهو حين ينتقل ، أو يستطرد - لا الانتقال
، أو الاستطراد .. فإذا أنت معه لا تؤخذ بالفجاءة ، ولا تحس نبوة ، ولا عنفا، ولكن تنساب هنا، وهناك فى
دنيا الخيال انسيابا لطيفا كله هينة ورفق " ( ). وقد تعددت أغراض ، وموضوعات شعراء الجارم
ويكفى - فى هذه ا لنبذة – قول أحمد العوامرى بك فى شعر الجارم يوم تأبينه : "
وقد انعقد إجماع المثقفين فى الشرق العربى على شاعريته الفذة ، وتناقلوا شعر فى
أنديتهم ، وسوامرهم ، وتدارسوه فى مجامعهم
، ومحافلهم ، ،عنيت ا لمجلات ، وكتب الأدب الحديثة به ، فأفردت الفصول لنقده ، والفحص عن
خصائصه ، والاستشهاد بنوادره" ( ) .
مدينة رشيد الأديب والشاعر على الجارم
هو علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم. من شعراء العصر الحديث ولد سنة 1299 هـ / 1881 م - توفي سنة 1368 هـ / 1949 م
أديب مصري، من رجال التعليم له شعر ونظم كثير، ولد في
رشيد، وتعلم في القاهرة وإنجلترا، واختير ليكون كبير
مفتشي اللغة العربية بمصر. ثم وكيلاً لدار العلوم حتى عام (1942)، مثل مصر في بعض المؤتمرات
العلمية والثقافية، وكان من أعضاء المجمع اللغوي. وتوفي بالقاهرة فجأة، وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفلة
تأبين لمحمود فهمي النقراش.
له (ديوان الجارم) أربعة أجزاء. وله (قصة العرب في إسبانيا) ترجمة عن الإنكليزية. وله (فارس بن حمدان)، وله (شاعر ملك).
وقد شارك في تأليف كتب أدبية منها: (المجمل)، و(المفصل) وكتب مدرسية في النحو والتربية
وكان يحب مدينته وكتب يقول فيها :
جــدّدي يـــا رشيدُ للـــحـبّ عَهْدَا
حَسْبُنا حســــــبُنا مِطالاً وصــدَّا
جــدّدي يـــا مدينة َ السحرِ أحــلا
ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغـْـدا
جــدّدي لمحة ً مضتْ مــن شبابٍ
مــثــل زهـر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوة ً أغار عليها الشــ
يْبُ حتَّى غـدتْ عَــنـاءً وسـُهـدا
وتعالَى ْ نــعــيـشُ في جَنَّة ِ الـمـا
ضـي إذا لم نجِدْ مـن العيشِ بـُدّا
ذِكْرياتٌ لــو كــان للــدهـــرِ عِقْدٌ
كـنّ فــي جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
أولى قصائد الجارم كانت بعنوان
"الوباء" عام 1895م، عندما اجتاحت
جرثومة "الكوليرا" بلده رشيد
وحصدت الأرواح، وقد قال فيها مخاطبًا هذا
المكروب اللعين:
أي هــذا الــمـكـروب مــهــلا قليلا
قد تجاوزت في سـراك الـسـبـيلا
لست كالواو أنت كالمنجل الحصاد
إن أحــسـنـوا لك الـتــمــثـــيـــلا
العلم ميزان الحياة عند الشاعر تعلم الجارم في الأزهر ودار العلوم وتخرج منها سنة
1908، ثم بعث على انجلترا فأقام سنة بمدينة توتنجهام درس اللغة
الإنجليزية ، وكان محبا للعلم بصورة كبيرة مرددا :
والْعِلْمُ مِيزانُ الْحَياة ِ فإِنْ هَوَى
هَوَتِ الْحَياة ُ لأَسْفلِ الأَدْرَاك
ومن النوادر
أنه في عام 1910م شاهد الضباب في إنجلترا يتكاثف، فإذا
المبصرون أنفسهم يضلون الطريق حائرين، وإذا العميان
يقودونهم خلال هذا
الضباب، فكتب يقول :
أبصرت أعمى في الضباب بلندن
يــمـشـي فـلا يـشـكـو ولا يــتــأوه
فـأتـاه يـسـألـه الـهـدايـة مـبـصـــر
حـيـران يـخبـط في الظلام ويعمه
فـاقـتـاده الأعـمـى فــســار وراءه
أنـىّ تــوجـــه خــطــوه يـتـوجـــه
التحق الجارم بالكلية الجامعة بـ اكستر ومكث بها ثلاث
سنوات درس
خلالها علم النفس وعلوم التربية والمنطق والأدب
الإنجليزي، حصل على إجازة في كل المواد وعاد إلى مصر في أغسطس سنة
1912 ، ثم عين مدرسا بمدرسة التجارة المتوسطة ثم نقل منها بعد سنة
على دار العلوم مدرسا لعلوم التربية، في مايو سنة 1917 نقل مفتشا
بوزارة المعارف..ثم رقي إلى وظيفة كبير مفتشي اللغة العربية
وظل فيها حتي 1940 حين نقلا وكيلا لدار العلوم وظل فيها إلى
أن أحيل إلى المعاش سنة 1942.
ابنه أحمد علي الجارم وهو طبيب وأستاذ
الأمراض الباطنة بكلية الطب جامعة القاهرة 1972 ، أنشأ قسم الأمراض
المتوطنة بكليات الطب بجامعة القاهرة وطنطا والأزهر ،
عضو مجمع اللغة العربية 2003 ، أعاد طبع الأعمال الشعرية
والنثرية والأدبية واللغوية الكاملة للمرحوم والده الشاعر الكبير.
كان أديبا موسوعيا متعدد المواهب، جمع بين موهبة الشعر
والنثر
الأدبي.. فكان شاعرًا وقاصًا وروائيًا وناقدا ولغويا
ونحويًا وتربويًا، عاصر كبار الشعراء والأدباء مثل شوقي
وحافظ وطه حسين ومطران، وأسهم بزاد
وافر في مجال الشعر والقصة والبلاغة والتاريخ الأدبي ،
تفرغ الجارم للأدب بعد إحالته على المعاش وحينما انشأ
..مجمع اللغة العربية كان من أعضائه المؤسسين، وكانت له جهود
في التعريب , إذ عرب كتاب "قصة العرب في أسبانيا".
وأسهم في التأريخ للأدب العربي بتأليفه كتاب "تاريخ
الأدب العربي" مع آخرين، وفي مجال اللغة ألف الكثير من
الكتب منها "النحو الواضح" و"البلاغة الواضحة",
ترك الجارم تراثا نثريا يكاد يزيد عن تراثه الشعري كما أن بعض معاصريه اعتبروا رواياته التاريخية أهم من نثر أحمد شوقي وكان أبرزها الأعمال النثرية الكاملة التي صدرت في القاهرة عن الدار المصرية
اللبنانية
وتقع في 1040 صفحة تضمها ثلاثة مجلدات.
وقال أحمد علي الجارم – نجل الأديب الراحل- في مقدمة
الجزء الأول إن والده كتب عشر روايات، مشيرا إلى أن ما
اعتبره تأخرا في اهتمام الدارسين بتراث الجارم يعود إلى عدم
إتاحة أعماله لفترة زمنية طويلة، حين منعت
الرقابة العسكرية إبان حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد
الناصر إعادة
طبع مؤلفات الجارم بالإضافة إلى "مؤامرة الصمت"
التي حيكت حوله في هذا العهد.
وضم المجلد الأول روايات فارس بني حمدان التي كتبها في
العام 1945
والشاعر الطموح المتنبي وخاتمة المطاف في نهاية المتنبي ،
في حين ضم
المجلدان الثاني والثالث قصتي الفارس الملثم (1949)
والسهم المسموم التي نشرت عام 1950 بعد وفاته إضافة إلى
روايات مرح الوليد في سيرة يزيد الأموي ، وسيدة القصور آخر أيام الفاطميين في مصر(1944)
وغادة رشيد التي كانت في السنوات الماضية مقررة على طلاب المدارس
الثانوية في مصر وتتناول كفاح الشعب ضد الاستعمار
الفرنسي (1798 – 1801)، رواية هاتف من الأندلس (1949) وشاعر ملك قصة المعتمد بن
عباد إضافة إلى ترجمته عام 1944 لكتاب المستشرق البريطاني
أستانلي لين بول وعنوانه "قصة العرب في إسبانيا".
كما ترك الجارم أعمالا مثل المعارضات في الشعر العربي،
شارك في تأليف كتب أدبية منها المجمل في الأدب العربي،
المفصل في الأدب العربي، النحو الواضح في 6 أجزاء
بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم، البلاغة
الواضحة جزآن بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم أيضا، علم
النفس وآثاره في التربية والتعليم بالاشتراك مع نفس الزميل وكان هذا الكتاب من أوائل الكتب التي ألفت بالعربية في علم النفس .
أبيات تقطر حباً للإسلام
كان الإسلام محورًا لأغلب أعمال علي الجارم، إذ استوحى في
رواياته
وقصصه وأشعاره العديد من المعاني القرآنية، واستمد من
السيرة النبوية المطهرة والتاريخ الإسلامي أروع
إبداعاته، مثل "هاتف من الأندلس" و"غادة
رشيد" و"الشاعر الطموح".
نقرأ له جزء من قصيدة يشدو فيها حبا للإسلام والنور الذي
عم البشرية بسيد الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم - تقول :
أطـلـّـت على سُحبِ الظلامِ ذُكـاءُ
وفُـجـِّرَ مـن صـخـرِ التنـُوفة ِ مَاءُ
وخُــبــّرت الأوثـــانُ أنَّ زمانَـهـا
تــولـى ّ وراحَ الـجـهـلُ والجهلاءُ
فما سجدت إلاّ لذي العرشِ جـبهة
ولــــم يَــرتـفـعْ إلاّ إلــيـه دُعـــَاءُ
تبسم ثغرُ الصبحِ عن مولدِ الهُدى
فـــللأرضِ إشــراقٌ بــه وزُهــاءُ
وعادت به الصحراءُ وهـي جديبة
عـلـيـهـا مـن الـدينِ الجـديد رُوَاءُ
ونافـست الأرضُ السماءَ بكوكـبٍ
وضـِيء الـمـحـّيا مـا حَوَتْه سماءُ
لـه الـحـق والإيـمـانُ بــاللّه هــالة
وفـي كـلِّ أجـواءِ الـعـقولِ فَضاءُ
تــألــّق فــي الـدنـيا يُزيـح ظلامَها
فـــزال عـمى ً مــن حولهِ وعَماءُ
وردّ إلــى الـعـُـرْب الــحـَيـاة وقـد
مـضى عليهم زمانٌ والأمامُ وراءُ
ويقول :
عــجبـتُ لأمرِ القومِ يحمونَ ناقـة
وســاداتـهــم مــن أجـْلـِهـا قُتلاءُ
بدا في دُجى الصحراء نورُ محمدٍ
وجـلجـلَ في الصحراء منهُ نِداءُ
نــبـيُ بـه ازدانـت أبـاطـِحُ مــكـة
وعــزَّ بـــهِ ثــَوْرٌ وتـــاه حِــرَاءُ
ُنادي جريء الأصغريْن بــدعـوة
أكـبَّ لهـا الأصـنـامُ والزُعــمـاءُ
دعـاهـم لـربٍ واحـدٍ جـلَّ شـأنــه
له الأمرُ يولى الأمرَ كيف يَـشاءُ
الجارم ..عروبة حتى النخاع
لقد كان علي الجارم عاشقًا للغة القرآن الكريم، احتفى بها
في زمن سعى
الاستعمار فيه إلى الحد من قوتها عبر عمليات غسيل مخ
لأدمغة أناس، اعتقدوا أن لغتهم تحول دون التقدم، فدعوا إلى
إحلال الحروف اللاتينية محل حروفها، وكان يرى أن اللغة العربية
هي المدخل الطبيعي لوحدة الأمة العربية، فهو القائل :
نـــــــزل القرآن بالضاد فــــلـــو
لــــــم يـــــكن فيها ســــواه لكفاها
ولعل من أبرز قصائده قصيدة "العروبة" التي جاءت من 77 بيتا، وألقاها في مؤتمر
الثقافة العربي الأول الذي أقامته الجامعة العربية في لبنان عام1947م،
وجاء فيها :
تــوحـد حـتتى صـار قـلـبـا تحوطـه
قـلـوب مـن الـعـرب الكرام وأضلـع
وأرسـلـهــا فـي الخافـقـيـن وثـيـقــة
لها الحـب يـمـلـى والـوفــاء يـوقـــع
لقد كان حلما أن نرى الشرق وحـدة
ولـكــن مــن الأحـلام مــا يــتــوقــع
ويقول :
بــــنــــي العروبة إن الله يـجمعـنـا
فلا يفرقنا فـــــي الأرض إنــسـان
لــــــنـــا بها وطـن حـر نـلـوذ بـــه
إذا تنـاءت مــســافــات وأوطـــان
ويقول أيضا :
بــلــغ العـرب بالبلاغة والإســلام
أوجــــا أعــيــا عــلــى كــيـــوان
لبسوا شمـس دولـة الفـرس تـاجــا
ومــضـوا فـي مـغافــر الــرومـان
وجروا ينشرون فـي الأرض هديا
من سنا العـلـم أو ســنــا الــقــرآن
نستمع له في افتتاح دورة الانعقاد
الثالث لمجمع اللغة العربية يردد :
جــزيــرة أجـدبـت فـي كــل نـاحـية
وأخصبت في نواحي الخلق والأدب
جــدب بــه تـنـبـت الأحـلام زاكـيـة
إن الـحجـارة قـد تـنـشـق عـن ذهب
تـود كـل ريـاض الأرض لو منحت
أزهـارهـا قـبـلـة مـن خـدهـا التـرب
كان علي الجارم كما وصفه معاصروه شاعر العروبة والإسلام،
فقد عايش
قضايا أمته وتفاعل معها، وجاءت أروع النماذج الشعرية
معبرة عن انتمائه الوطني والقومي والإسلامي، فنجد قصيدته
"فلسطين" التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتًا، منها :
نفـسـي فداء فلسطين ومـا لقيـت
وهل يناجي الهـوى إلا فلسطيـنا
نفسي فداء لأولى القبلتين غـدت
نهبا يزاحــم فــيه الذئـب تـنـيــنا
ويقول :
ومصرُ والنيلُ ماذا اليْومَ خطبُهما
فــقـد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبان
كنانة ُاللّه حصنُ الشرقِ تُحرســُه
شِيبٌ خِفافٌ إلــى الْجُلَّى وشُبَّان
ويستعرض الجارم في مقدمته حياة وآثار العرب في الأندلس
التي يراها
عجيبة ومثيرة أيضا حيث يشير إلى أن العرب عاشوا في الفتن
نحو 800 عاما قل أن تستطيع أمة سواهم البقاء في مثلها
وينفي الجارم على سبيل المثال عن العرب تهمة الهدم وعدم
التحضر مشددا على أن الهدامين لآثارهم ومدنياتهم إنما هم
أعداؤهم من البربر والإفرنج والتتار.
شاعر إنسان
كتب الجارم أشعارا كثيرة في وصف الطبيعة الغناء بربوع
الوطن العربي
وجمالها ولعلنا نختار واحدة من أروع ما سطر يخاطب فيها
طائر بقوله :
طائـرٌ يـشـدو عـلـى فـنـن
جدَّد الذكرى لذي شـــجــن
قــام والأكــوانُ صامـتــةٌ
ونسيمُ الصُّبْحِ فـي وَهــــَن
هاج في نفسي وقـد هدأت
لـوعـةً لــولاه لــم تــكــــن ْ
هــزَّه شـــوقٌ إلـى سـكـنٍ
فـبـكـى للأهـل والـسـَّكـــَن
وَيْــكَ لا تـجــزعْ لـنـازلـةٍ
ما لطيرِ الـجـوِّ مـن وطــن
أما الموت فيقول عنه :
إن جرد الموتُ نصلاً ما صَمدت لـه
فــطالَـمـا رَدَّ نـصـلٌ مـنــك أرواحـا
قــد كـنـت تـَهزِمُه فِــي كــل مُعْتَـركٍ
يـزاحـم الشَّمـسَ أسـيـافــاً وأرمـاحـا
وكان جَرْحُك يأسو كلَّ مــا جـرحَـتْ
يَـدُ الـزَّمـان ويَحيـَى كـلَّ ما اجتاحـا
الــيـــومَ يَــثْـــأَرُ والأيـــامُ عُـــدّتُــــه
لا الطبُّ يُجدي ولا الجرَّاح جراحـا
جوائز حصل عليها
قدر العالم العربي على الجارم حق قدره فمنحته مصر وسام
النيل 1919
والرتبة الثانية سنة 1935 ، انعم عليه العراق بوسام
الرافدين سنة 1936 وانعم عليه لبنان بوسام الأرز من رتبة
كومندور سنة 1947 ، توفي بالقاهرة
فجأة وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفل تأبين
محمود فهمي
النقراشي وذلك عام 1949م .
قالوا عنه : معاصروه من الأدباء : شاعر العروبة والإسلام
الأديب الكبير عباس العقاد في تقديمه لديوانه الشعري :
"الجارم عالم باللغة، وعالم مع اللغة بفنون التربية
وفروعها، وهو الشاعر الذي زوده الأدب والعلم بأسباب الإجادة
والصحة، فكان شعره زادا لطالب البيان في عصره، ومثالاً
صالحًا للثقافة التي أسهم فيها بأدبه وعلمه".
الدكتور حلمي قاعود : " علي الجارم شاعر وواحد من مدرسة البيان في النثر الحديث .
الناقد محمد أبوبكر حميد : كانت شاعريته تكمن خلف وقوفه عند أعلام شعرنا
القديم، مثل ابن زيدون في رواية (هاتف من الأندلس) والمعتمد بن عباد في
(شاعر ملك) والمُتنبي في (الشاعر الطموح) و(خاتمة
المطاف الشاعر
الكبير علي الجارم رحلة الحياة والريادة بقلم: إبراهيم أمين الزرزموني
الشاعر والسياسة
والحرب :
لم يكن الجارم سياسيا، فلقد
كان يكره السياسة ، ولذا فانك لا تجد أثرا للسياسة والأحداث السياسية فى شعره إلا فى
القليل النادر، ولم يكن موقف الجارم السياسة هروبا بقدره ما كان اقتناعا،
إذ كان شخصا مسالما لا يجيد
ما تتطلبه السياسة من مكر،
ومداورات وغيرها . ولم
تكن علاقاته بأهل السياسة لاهتمامه بالسياسة ، وإنما كانت لصداقات ،وصلات ، فعلاقته بسعد زغلول ، لأنه زعيم الأمة ،
وكان يزور الجارم ،
فيرحب به الجارم ، فيقول له سعد
: جول يا بلدياتى . وكذلك
علاقته بطلعت حرب ، حيث " فوجئ مرة بزيارة طلعت حرب له فى مسكنه بالسلحدار،
ففرش له ( ملاية ) على (الدكة ) وأجلسه عليها ...."( ) .
ويرى الدكتور محمد عبد المنعم
خاطر أن الفقر هو السبب الرئيسى لابتعاد الجارم عن السياسة ، حيث يقول : " كان
يكره السياسة ، ولا يحسنها .. لأنه كان فقيرا ، ولم يكن عنده إيراد خارجى يكفيه
عندما تجر عليه السياسة
ويلاتها فيفقد وظيفته مثلا
"( ). وما أراه أن الجارم
- كما سبق - ابتعد عن السياسة ، لأنه لم ينشأ سياسيا ،
ولأن نفسه لم تكن مهيأة
للسياسة ، ولم يكن - كشخصية مسالمة وادعة – ليورط نفسه فى مواقف سياسية حادة ولم
يكن الفقر عائقا أمامه ، وهل كان الفقر عائقاً أمام حافظ ، أو العقاد ، اللذين
نالهما شيء غير يسير من أذى
السياسة ؟! ولم ينضم الجارم إلى حزب من الأحزاب "
ولم يتصل بزعيم مؤيدا ، أو معارضا طلب منه أن ينضم لحزب الوفد فأبى ، واتصل به
مكرم عبيد لينضم إلى حزب الكتلة فامتنع ... " ( ) ، وكان الجارم يمدح
الزعماء الذين لهم دور وطنى بارز، وذلك دون النظر إلى أى الأحزاب ينتمون . وأما من علاقاته برجال القصر، فقد أشرنا إلى
أنه ولد ومات فى ظل الاستعمار الكئيب ، ولد فى عصر توفيق ، وأظلته عهود كل
من عباس الثانى، حسين كامل ، فؤاد، فاروق ، وقد مدح حسين كامل بقصيدة
حماسية عند زيارته لدار العلوم( ) . ثم مدح كلا من فؤاد، وفاروق ، بقصائد عديدة ، وخصوصا
الملك فاروق ، ولن نكون مع الذين اتهموا الجارم بأنه كان يهدف من وراء
مدحه لمنصب ، أو رتبة ، لأن الرجل ما نال
مكانته إلا بإخلاصه فى العمل وحبه للغة قومه ، وأما
رتبة البكوية فكان يحصل عليها
أى موظف يحال للمعاش ولم تكن قصرً على الجارم وحده"( ) . يقول ا الأستاذ محمد الغزالى حرب : "
فعندما مدح الجارم هذين ا لملكين ( فؤاد وفاروق )، كان بمدحهما باعتبار أنهما على قمة
المجتمع الذى يعيش ف ، وكأنه كان يفاخر بهما غيرهما من المجتمعات الأخرى ، وكان
الملك فى نظر
الشاعر مرادفا للوطن ، فكان
يمدح الملك ، وعينه على مصر فى حضارتها وثقافتها ونهضتها المأمولة "( ). ولقد
كان الملك تركيا لا يفهم الشعر ولا يثيب عليه .
ونحن إذا ما تأملنا أية قصيدة
فيها مدح لهذين الملكين ، سنجد الكلام عن الملك محدودا وسنجد القصيدة تتناول أغراضا
شتى فقد يصف الربيع ، أوقد يفتخر بشعره ، ويتوجه للشباب بالنصيحة فيدعوه للتحضر،
والتطور، والتمسك بفضائل الأخلاق ، والأعمال ، أما نصيب الملك فأبيات
معدودة محدودة . ولنأخذ
مثالا قصيدة (عيد الجلوس الملكى)( ). نظمها الجارم سنة 938ام ، بمناسبة تولى
فاروق سلطته الدستورية ، يبدؤها الجارم بفخر بشعره فى ثمانية أبيات ، ثم يتحدث عن الشعر كعاطفة وفكرة
ودور فى المجتمعات فى سبعة عشر بيتا، ثم يمدح الملك ، ثم يذكر مصر فى بيتين
، ثم يفخر بشعره فى بيتين ، ثم يصف النيل ، والربيع فى ثلاثة أبيات ، ويختم قصيدته
بالدعوة للعلم فالقصيدة كلها سبعة وخمسون بيتا منها ثلاثة وثلاثون
بيتاً بعيدة من الملك ، وأربعة وعشرون للملك
" وهكذا لو راجعت أى قصيدة " ملكية " وجدت فيها أغراضا أخرى
كثيرة جال وصال فيها الشاعر كيفما أراد، وعبر عن شاعريته بحرية كاملة ، ولم يتقيد أبدا بالغرض
الأساسى من نظمها . وفى أغلب الظن أن النقاد الذين عابوا على الجارم ملكياته قد
قرأوا عناوين هذه القصائد ولم يقرءوا القصائد والشعر نفسه"(
). ومن هنا فإننا لا نرى أن
الجارم قد استفاد من القصر، كما أنه لم يستفد من السياسة بل كان يرثى الزعماء السياسيين من
أصدقائه ، أومن الوطنيين الذين لهم مواقف يقدرها، ولقد تجمعت فى شخصية (سعد
زغلول ) الصفات التى كان يطمح إليها الجارم فى الوطنى المخلص ، وبعد وفاة
سعد تفرقت الأهواء، وتعددت
الأحزاب ، فنأى الجارم بنفسه
عن كل هذا
وإذا ما تصفحنا ديوان الجارم الضخم ، نجده صديقا للجميع ما داموا فى خدمة مصر يعملون
لتحقيق أهدافها، فنجده يمدح مصطفى النحاس باشا ، بقصيدتين كرئيس حزب الوفد، ووطنى كبير( ). ثم انحرف
النحاس - فى نظره - فأرسل إلى عامل المطبعة وأحضر القصيدة وأعدمها "(
). وذلك يدل على أن الجارم يمدح ، ثم ينسحب لمصلحة الوطن فقط ، ثم رثى الجارم
(محمد محمود ) زعيم حزب الأحرار الدستوريين عام 1941، ورثى محمود فهمى النقراشى
رئيس السعديين 1949م . فلقد عاش الجارم مخلصاً لمصر، وأبنائها بعيداً عن التيارات والفتن وليس أدل على
إباء الجارم من أنه طلب منه " مدح الملكين فاروق ، وعبد العزيز آل سعود حين
زيارة الأخير مصرسنه 1947م فاعتذر" ( ). وعندما تبين فساد الملك السابق (فاروق ) -
فى أخريات أيامه – فترت عاطفة الجارم وابتعد عن مدحه ، والقليل الذى صاغه
بارد العاطفة لا يدل إلا على
أن الشاعر غير مقتنع بممدوحه . ولقد صرح الجارم نفسه بأنه يرفض أن يعيش من
شعره ، فهو يخبئ شعره عمن لا يفهمه ولا يقدره يقول :
وخزنت
الغريب من مرجانى فى كساد القريض أخفيت درى
سوى أن أعيش من أوزانى وتمنيت كل شىء
على الله
ج جدب الثرى على الفنان( )
كل شبر بمصر خصب على الهرا
وقال فى موضع آخر :
م وأجدر بشعرنا أن يصانا قد حبسنا
المديح عن كل مستا
ح لوى الشعر رأسه فهجانا( )
لو مدحنا من لا يحق له المد
وأما عن علاقة
الجارم بالحرب ، فإنها مأخوذة
من سمت حياته العامة ، فلقد قلنا، إنه شخصية مسالمة وادعة ، ينشر المحبة ، ويصلح
بين المختلفين ، يخلص لعمله ، وفنه أشد الإخلاص . إذن ، فليس غريبأ أن يقف
الجارم من الحرب موقفاً شديد العداء -، وقد صرح - فى شعره - بذلك فقال :
ليس لى فى الظبا ولا فى النصال أنا فى السلم
عبقرى القوافى
ويرتاع من حفيف النبال أنا شعرى
كالطير يفزعه الفخ
راكب رأسه وبين نضال( )
لا تعيش الفنون بين كفاح
فالشاعر عبقرى فى وقت السلم ،
فشعره طير مغرد يخاف الفخاخ ، ويخشى القنا، ويرهب النبال والسيوف ، وهو معلل ذلك بأن
الحرب تدمير، والفنون لا تعيش إلا فى السلم .
وقد وصف الجارم الحرب فى شعره وصفاً
بليغاً، ليكره فيها، وينفر منها، فنجده فياض الشاعرية بسبب الحرب العالمية
الأولى سنة 1914 ، فيكتب قصيدة الحرب ) فى اثنين وخمسين بيتاً يصور فيها
ويلات الحروب ، وأثرها المدمر لما أبدعته يد الإنسان من تحضر ورقى، ومنها
قوله
وأصبح البحر بها مترعا قد غصت الأض
بأشلائهم
وآن للحيتان أن تشبعا وآن للعقبان
أن تكتفى
وصولة الألغام لن تدفعا (
) ضواعق المنطاد لا تتقى
ثم يصف الحرب أيضا فى قصيدته
(الحب والحرب )، عام 1916م( ). ويحتفل الشاعر بيوم السلام صباح إعلان انتهاء الحرب
العالمية الثانية حيث يصور الحرب قائلا :
وشر بمن عليها أريدا إنما الحرب
لعنة الله
قى فيها فوج صاحت تزيد المزيدا (
) ذكرتنا جهنما كلما ألـــ
ثم يصف فرحته وفرحة شعره بانتهاء الحرب
قائلا :
ـون وهزى أعطافه تغريدا فاسجعى يا
حمامة السلم للكـــ
ـشر وأضحى نوح الثكالى نشيدا غردى فالدموع
طاح بها البـــ
أسمعت الرتيل والترديدا واسمعى إن فى
السماء لحونا
وصف الشاعر وأخلاقه
:
وصف الشاعر نفسه فى شعره فقال - وهو يتذكر شبابه بدار العلوم :
وعاد الصبا نضير الإهاب فكأنى أرى
الزمان وقد دا
ـحشد فى جحفل من الطلاب وأرى الجرام
الفتى يقود الـ
غير ما واجل ولا هياب واثبا لا هيا
لعوبا ضحوكا
ـب سوى أن تهاب خوض الصعاب واثقا بالإله
ليس يرى الضعـ
فى وهاد ومرة فى هضاب قهو كالطائر
تالطليق فحينا
مال فى صدره نسيج العباب (
) يحمل الكتب فى الصباح وللآ
فلقد كان الجارم - فى شبابه –
طويلاً ، ممشوق القوام ، كثير الحركة ، دائم الإطلاع ، وها هو ذا يصف نفسه بأنه فتى،
قائد للطلاب ، يذهب ويجيء فى حماسة ، وعنفوان ، يثق بالله- تعالى - فلا
يخاف ولا يرهب ، فهو طائر مغرد لعوب متنقل بين جبال وهضاب ، يحمل كتبه
وأماله ؟ فهما سبيل مجد وعلو شأنه . ويصفه أستاذه الأستاذ أحمد العوامرى بك قائلاً : "
وبهرنى من الجارم أول ما بهرنى ، شباب رائع كأتم ما يكون الشباب بهاء وروعة ،
ثم حيوية فائقة يزينها مرح ، ودعابة عذبة هذبتها طبيعة سليمة ، حتى لقد
كان يبعث فى مجلسه
، وبين أقرانه ، بل فى الدرس نفسه من فكاهاته ، ومداعباته ما يجلو
عن النفس صدأ
الملل . وغريب أن يلازمه هذا المرح طول عمره : ما رأيته مرة مطرقاً، ولا واجماً، ولا مكتئباً، ولا
ساهماً .. وغريب - أيضا - أن المرض نفسه لم ينل من تلك الروح المتفائلة
المستبشرة ، فظل يطرفنا بملحه فى جلسات المجمع، ويرفه منا، ويذود عنا سأم
الجدل ، وعنت المناقشة حتى آخر جلسة قبل وفاته بيوم واحد"
( ).
ويصفه الأستاذ العقاد قائلاً :
" كان على الجارم زينة المجالس - كما كان يقال فى وصف الظرفاء من أدباء الحضارتين
العباسية والأندلسية - تجلس إليه ، فتسمع ما شئت من
نادرة أدبية ، أوملحة اجتماعية ، أو شاهد من شواهد اللغة ، أو نكتة من نكت الفكاهة....
"( ).
ويقول الأستاذ أنيس منصور:
" فالذين يعرفون الجارم يجدونه ظريفاً يعرف ما لا نهاية له من النكت الأدبية
، أو النوادر التاريخية "( ).
إذن فالجارم كان فتيا نشيطا،
مثقفاً ، ذا ظرف ، ونكتة ، وروح مرحة حتى فى أحلك ظروفه وحتى فى أخريات حياته .
وأما عن الأخلاق فإنه يقول:
وثنيت عن لهو الصبابة جيدى إنى طرحت من
الشباب رداءه
وجعلت مأثور تالبيان عقيدى( )
واخترت من صحف الأوائل صاحبى
ويقول أيضاً : فرأينا الأخلاق باب النجاة (
) قد ولجنا الحياة من كل باب
إذن فلقد اختط الجارم لننسه
الأخلاق طريقاً، ومنهجاً، وسلوكاً، وذلك منذ
نعومة أظفاره ، يمجد الأخلاق ،
ويدعو الشباب ليتمسك بها، ويعظم الحياء،
ويدعو الفتيات ، ليتمسكن به :
فهو بالغادة الكريمة أولى واجعلى شيمة
الحياء خمارا
إن تنأى الحياء عنها وولى ليس للبنت فى
السعادة حظ
كل ثوب سواه يفنى ويبلى( )
والبسى من عفاف نفسك ثوبا
ولعل هذه الروح الأخلاقية
أساسها أسرته المتدينة ، ونشأته الدينية ، وحفظه للقرآن الكريم ونسبه للرسول -
r - فلم يكن يشرب الخمر، وليس
فى شعره بيت واحد فيه تمجن واستهتار، " وحرص الجارم - عند
تكوينه لآسرته - على التمسك بمكارم الأخلاق ، والحفاظ على مبادئ الدين والشرع ، فلا
شرب لخمر، ولا ارتياد لأماكن اللهو، وحرص طوال حياته على تجنب الشبهات
، فكان مثالا وقدوة لتلاميذه فى التمسك بمبادئ الأخلاق ، والدين ،
والسلوك القويم ، والعمل الجاد من أجل رفعة مصر، ومستقبلها، حتى يمكننا
القول بحق إنه كان
شاعر الأصالة والأخلاق الكريمة"
( ). وليس أدل على حرصه على
التمسك بالأخلاق من هذه الحادثة الطريفة التى يرويها الدكتور محمد عبد المنعم خاطر حيث
يقول : " ولعل هذا الاتجاه الأخلاقى الدينى عنده هو الذى جعله يقف فى
طريق (نجيب محفوظ ) حينما تقدم بثلاث من رواياته إلى مسابقة الرواية التى يقيمها
المجمع اللغوى ، وكانت الروايات ( القاهرة الجديدة ، خان الخليلى، زقاق المدق
)، واستقر رأى أغلبية أعضاء اللجنة على أن تكون الجائزة لرواية (زقاق
المدق ) ما عدا عضواً واحداً رفضها رفضاً باتا، بل هدد بالاستقالة ،
كان ذلك العضو هرالمرحوم الأستاذ (على الجارم )، وكان رفضه مبنيا على
أن رواية زقاق المدق تضم عدداً كبيرا من الشخصيات ذات الأخلاق الفاسدة
، وأنها لا يمكن أن تحظى بجائزة من هيئة موقرة كالمجمع اللغوى ، وأن
صاحبها يستحق العقاب اكثر مما يستحق التقدير ......"( ).
وأيضا - عندما ابتلى الجارم
بوفاة نجله البكر سنة 1935م بحمى التيفود، صبر الرجل ، ولم يجزع ، وظهرت أخلاقه ، وإيمانه
العميق ، ولم ينطق بما يدل على عدم استسلامه للقضاء . ولذا فقد كانت غاية الفن عنده – ( أخلاقية )
، يدعوه من خلال شعره الشباب والناشئة للأخلاق ، وللتمسك بالدين ، ولخدمة أوطانهم : عزم الشباب ويهدى ليلة السارى (
) أعددته قبسا يذكى توقده ويقول عن شعره
– أيضاً - ولو عرف الرياء لمات عبدا تلثم بالإباء
فعاش حرا ويحشد
رابض العزمات جندا يهز حمية الفتيان نصلا كنيران " الكليم " هدى
ورشدا ويشعل
فى القلوب وميض نار وبالصنع الجميل إذا تبدى ( ) ويشدوا بالمروء إن تراءت كذلك كان
الجارم بطبعه " أسريا حريصا على أسرته المحافظة ، وأولاده السبعة وحريصا لعى
تنشئتهم وتربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم " ( ).
نهاية الدورة
:
يقول الأستاذ أحمد الشايب :
" وإلى هنا كان الجارم قد اتخذ وضعه الأخير فى الحياة الأديبة ، فهو شاعر غنائى يتغنى
عواطفه ، وهو شاعر ملكى متصل بالقصر، وهو شاعر رسمى يقول فى ا لمواقف
الحكومية ، وهو شاعر قومى يتناول الشئون الوطنية ، وهو شاعر عربى يتصل ببلاد
الشرق العربى، وحوادثه ، ومؤتمراته ، ورجاله ، كما يتناول بعصر الشئون العامة ،
فحل بذلك محل شوقى وحافظ ، وقد شاركه - فى بعض ذلك - بعض الشعراء ، ولكن
الجارم كان أبعد صيتا، وأوسع مجالا ، لنصاعة أسلوبه ، وجمال موسيقاه ،
وجودة إلقائه . ثم توافر له مع اجتهاده ذلك أن يتخذ معانيه من الواقع فلا
يلجأ للمعانى
العامة دائمأ . ولذلك كان عهد فاروق (من سنة 1936م حتى وفاة
الشاعر سنة 1949) أخصب عهود الشاعر إنتاجاً ، وأكثرها أبواباً ، لطول المدة ، وتعدد
الحوادث والمناسبات
، وفراغ الشاعر لهذه المواقف - لحد ما - ولا سيما بعد أن أحيل على المعاش
سنة 1940"( ).
ويصف ناقد آخر الفترة نفسها
فيقول : " كانت أخصب المراحل بالأشعار الجارمية التى توهجت بنيران الآلام ،
والأوجاع ، واستطاعت أن تصبر، وتصابر حتى آحالت الآلالم آمالا، والأشواك وردا ، و
الدموع بسمات "( ).
وإذا كان الأمر كذلك ، فإنا
متعرضون - فى عجالة - لأهم القصائد التى تميز المرحلة الأخيرة من شعر، ومن حياة الجارم
منذ أحيل للمعاش 1942، إلى وفاته1949م ففى عامى 1943، 1948تفيض شاعرية الجارم بقصيدتين فى
مدح الرسول الأعظم محمد r الأولى : قصيدة (محمد رسول الله ) بمناسبة الاحتفال
بالمولد
النبوى الشريف ، ومنها قوله تنكبت الدنيا بهم وتنكبوا محمد ، أنقذت الخلائق بعدما فدان له سر
الوجود المحجب وأطلقت عقلا كان بالأمس مصفدا من الصبح أهدى أو من النجم أثقب (
) وبلغت آيات ، روائع لفظها
وأما القصيدة الثانية ( أبو
الزهراء ) ومنها قوله : وجلجل فى الصحراء منه نداء بدا فى دجى
الصحراء نور محمد وعز به نور وتاه حراء نبى به ازدادت أباطح مكة له الأمر يولى
الأمر كيف يشاء دعاهم لرب واحد جل شأنه سماح ورفق شامل ووفاء ( ) دعاهم إلى دين من النور والهدى ثم يقام حفل
حاشد يصم زعماء الأقطار العربية سنة 1944م بمناسبة إنشاء جامعة الدول العربية ، فيصدح الجارم مغردأ
بقصيدة (الجامعة العربية ) التى ألقيت فى هذا الاحتفال ، ومنها أبياته
المشهورة : وليس لمن
رام الكواكب مضجع صحا الشرق وإنجاب الكرى عن عيونه فنهضة الكبرى أجل وأروع إذا كان فى
أحلام ماضيه رائعا قلوب من العرب الكرام وأضلع توحد حتى صار قلبا تحوطه لها الحب يملى
والوفاء يوقع ( ) وأرسلها
فى الخافقين وثيقة وفى عام 1945م تحتفل مصر بعيد جلوس الملك فاروق آخر ملوك
مصر فينشد الجارم : وبشير
وحدتها وزيد كفاحها فاروق أنت فتى العروبة وأبنها أقوى وأصلب من حديد رماحها جمعت فرقها
فأضحت أمة ضاق
الزمان وطبه بجراحها ( ) وشفى الزمان جراحها ولطالما وفى عام 1948م تدخل الجيوش العربية - وعلى
رأسها جيش مصر- فى حرب مع عصابات صهيون ، فيكون النصر للعرب . وجيش مصر- فى
البداية -، ثم يحدث ما حدت من خيانة ، وأسلحة فاسدة وتآمر، ومتاجرة بمقدرات
الأمم والشعوب ، فينفعل شاعرنا معجباً بما حققه جيش مصر من انتصارات
فيسجل ذلك فى قصيدة فلسطين ) بعد الانتصارات المصرية مباشرة ومنها :
وهل يناجى الهوى إلا فلسطينا نفسى فداء
فلسطين وما لقيت
نهبا يزاحم فيه الذئب تنينا نفسى فداء
لأولى القبلتين غدت
ونكفى بدموع فى ماقينا ؟ أترضى أن نرى
ميراثنا بددا
الله صور فيها الذل والهوانا ما قيمة النفس
إن هانت لطائفة
إذا تهدم كانوا يشيدونا (
) وما نقول لأبطال لنا سلفوا
والحق أنها قصيدة رائعة ، بل
درة يتيمة فى شعرنا العربى كله ، صور الجارم فيها (فلسطين ) بأنها أولى القبلتين ، وأرض
النبيين ، ثم صورها أندلسا تضيع مثل الأندلس الضائع ، وعرض فيها صورا غير مسبوقة
لإسرائيل ساخراً من دولتها، وعقيدتها، وأصلها، وأهاب صارخا بالعرب أن
يتحدوا ليجددوا مجد عمرو، وخالد، وسعد، وليعيدوا صلاح الدين حياً أمام
الناس . ويعلق أحد
النقاد على قصيدة فلسطين للجارم قائلا: قصيدة فلسطين ، بل معلقته الرائعة التى بلغت ثلاثة وسبعين بيتا
... وكانت هذه المعلقة الفذة قبل رحيل الشاعر العربى العملاق إلى جوار
ربه بأشهر معدودات ... وإن التاريخ ليسجل له بحروف من مجد وفخار أنه – وهو يحيى
الجيش المصري بهذه التحية الكبرى – لم يلتفت فى بيت واحد منها أدنى التفات
إلى القائد الأعلى لجيش وهو الملك السابق فاروق .. وما أروع استهلاله لهذه
المعلقة العصماء لتى لا أعرف لها مثيلا مما قاله جميع الشعراء
... " ( ).
للعروبة
نصيب كبير فى شعر الجارم (على ما سيأتى تفصيله )، حيث اشتهر بأنه شاعر العروبة
التى عاش مخلصاً لها، مدافعا عنها، داعيا لها، واتخذ هذا الحب للعروبة أشكالا عديدة من حب الدين ،
وحب الوطن ، والدعوة للوحدة العربية التى كانت حلما كبيرا جميلا فى خيال الشعراء
قبل أن تطرق فكر الساسة ، ومن الدعوة لحب اللغة العربية ، والتمسك بها،
وحمايتها من الهجمات الشرسة التى قادها الاستعمار، وأعوانه
باعتبارها - مع الدين – أهم عوامل الوحدة العربية .
وفى عام 1947م يكتب الجارم
قصيدة (العروبة ) بمناسبة زيارته للبنان مدعوا من جامعة الدول العربية ، لحضور مؤتمر
الثقافة العربى الأول ، فألقى قصيدته فى المؤتمر، وهى من درر الجارم التى
تبلغ سبعة وسبعين بيتا، حيث يبدأ بالغزل الرقيق ، ثم يسير مع مجد العروبة التليد،
ثم حاضر العروبة الممزق ، ويستعرض أسباب هذا التمزق من استعمار، وأطماع
شخصية ، ويأمل الشاعر أن ينبذ الحكام خلافاتهم من أجل اتحاد أمتهم :
فلا يفرقنا فى الأرض إنسان بنى العروبة
إن الله يجمعنا
إذا تناءت مسافات وأوطان لنا بها وطن
حر نلوذ به
وجمع القوم إنجيل وقرآن غدا الصليب
هلالا فى توحدنا
وكلنا فى رحاب الشرق إخوان (
) أواصر الدم والتاريخ تجمعنا
وفى نهاية الدورة يضعف القوى ،
ويضحى الشباب شيبا، ويمسى القوى ضعيفا . إنها سنة
الحياة ، حيث تصطلح الأمراض على الشاعر - وقد كان ضعيف المقاومة للأمراض -،
فنجده يتجه للنثر أكثر من الشعر، ويوصيه الأطباء المعالجون بأن يمتنع عن
القراءة والكتابة ، فيسخر من هذه الوصية ، وأنى لمن عاش مع الكتب ، والثقافة أن يتخلى عنها مهما كانت الظروف ؟إ وأصبح
لسان حال الشاعر يقول
:
نى وحيدا أبطى على خلانى (
) ومضى الركب بالرفاق وخلا
آثاره ومؤلفاته :
أولا : ديوانه
يقع ديوان الجارم القديم - كما
يقول الدكتور محمد عبد النعم خاطر فى أربعة أجزاء، كل جزء يحتوى على مائة وستين صحيفة
فى المتوسط ، ويضم الديوان بأكمله اثنتين وعشرين ومائة قصيدة أكثرها يطول حتى يكاد
يصل إلى المائة ، وأقلها يقصر حتى لا يتعدى حدود المقطوعة ، وقليل من هذه
القصائد يقع بين
الاثنين " ( ). أما الطبعة الثانية من ديوانه فأصدرته (دار
الشروق ) جزأين فى مجلد واحد، وكانت طبعته الأولى سنة 986ام ، وأعيد طبعه
سنة 990ام ، وسوف يكون اعتمادنا على هذه الطبعة الحديثة القشيبة : نظرا لصعوبة
الوصول إلى الديوان القديم ، ولأن الطبعة الحديثة قد ذكرت بدقة
تاريخ ومناسبة كل قصيدة مما يعين الباحث فى تتبع المراحل المختلفة
لشعر الجارم . و الجارم
يهتم بديوانه غاية الاهتمام ، فلقد شرح الأجزاء الثلاثة الأولى الأساتذة
إبراهيم الإبيارى ومحمد شفيق معروف ، وحسنين مخلوف ، ولقد رتب هو مع هؤلاء
الشراح فهارس الأجزاء الثلاثة ترتيبا يدل على العناية والاهتمام فهذا فهرس للقصائد، وذاك فهرس يشتمل على أهم موضوعات
الديوان مرتبة حسب حروف الهجاء، أما الفهرسان الآخران فأحدهما للأعلام على
حسب الحروف الهجائية ، والآخر للقوافى على حسب الحروف الهجائية ،
وعلى حسب تاريخ
النظم " ( ).
ومن أهم ملامح الديوان طول
القصائد التى تصل إلى مائة بيت ، ونادرا فى شعره أن تجد قصائد قصيرة ، وقليلا من
المقطوعات . ولقد كان الجارم – فى هذه المطولات - صاحب أسلوب بديع رائق لا تحس
معه مللا ، وصاحب موسيقى صاخبة تجتذبك رغما عنك لتكمل وتستمع ، يقول أحد النقاد
: " والجارم – فى المطولات - مثله فى المقطعات ، وقصار القصائد سمح فياض
لا يأخذه إعياء ؛ ولا يعتر به نضوب ، سواء مبادئه ، ومقاطعه كالجدول
السلسال ... ولا شك فى أن الذين ينظمون المطولات كثير، والذين يتنقلون فيها من
مختلف المقاصد، والفنون كثير كذلك ، ولكن الذين يوفقون فيها توفيق
الجارم قليل ، فإنك إذ تقرأ إحدى مطولاته لا تكاد تحس ضجرا ، أو تجد فتورا
كالذى تحسه من كثير من مطولات غيره. وهو حين ينتقل ، أو يستطرد - لا الانتقال
، أو الاستطراد .. فإذا أنت معه لا تؤخذ بالفجاءة ، ولا تحس نبوة ، ولا عنفا، ولكن تنساب هنا، وهناك فى
دنيا الخيال انسيابا لطيفا كله هينة ورفق " ( ). وقد تعددت أغراض ، وموضوعات شعراء الجارم
ويكفى - فى هذه ا لنبذة – قول أحمد العوامرى بك فى شعر الجارم يوم تأبينه : "
وقد انعقد إجماع المثقفين فى الشرق العربى على شاعريته الفذة ، وتناقلوا شعر فى
أنديتهم ، وسوامرهم ، وتدارسوه فى مجامعهم
، ومحافلهم ، ،عنيت ا لمجلات ، وكتب الأدب الحديثة به ، فأفردت الفصول لنقده ، والفحص عن
خصائصه ، والاستشهاد بنوادره" ( ) .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب